عدنان حسين أحمد –
16 – 10 – 2013 – ضيّفت مؤسسة الحوار الإنساني بلندن الروائية خولة الرومي في أمسية ثقافية تحدثت فيها عن تجربتها الروائية وقد ساهم في تقديمها كاتب هذه السطور كما قدّم عنها دراسة نقدية تناول فيها روايتها الثالثة “آدم عبر الأزمان” التي ستصدر قريباً. كما قدّمت الكاتبة بدور الدده قراءة نقدية عن روايتها الأولى “رقصة الرمال” الصادرة عن دار المدى.
قد يسأل البعض عن السبب الذي دفعني للحديث عن روايتها الثالثة فأقول إنني سبق لي وأن كتبت عن روايتيها السابقتين وهما “رقصة الرمال” و “الصمت حين يلهو” وقد نشرتهما في الصحف العربية الصادرة بلندن وهما متاحتان للقارئ على المواقع الإليكترونية لصحيفتي ” القدس العربي” و “العرب” إضافة إلى موقعي “الحوار المتمدن” و “الصابئة المندائيون”. كما أنني كلّفت السيدة بدور الدده كي تتحدث عن رواية “رقصة الرمال”.
أشرت في معرض التقديم إلى أن الروائية خولة الرومي هي كاتبة قصص أطفال وقد سبق لها أن كتبت العديد من هذه القصص ونشرت بعضها في صحيفة “المنتدى” العراقية كما أصدرتها كلها في عدة كتب. تُترجم الرومي عن البولونية أيضاً الأمر الذي أتاح لها الإطلال على ثقافة أخرى بكل ما تنطوي عليه من أبعاد حضارية واجتماعية ونفسية. درست الرومي هندسة الري والبزل، ثم نالت درجة الدكتوراه في الجيولوجيا وتعمقت في علم طبقات الأرض. وعلى مدى سنوات طويلة انهمكت في الأسئلة العلمية والفلسفية والفكرية وطرحت بعضها في نصها الروائي الثالث الذي يزاوج بين العلم والأدب، كما يمزج بين الحقيقة والخيال. وربما تكون روايتها الثالثة هي خير أنموذج لهذا التزاوج بين ما هو واقعي وفنتازي. تدور الرواية حول شخصية آدم منذ بدء الخليقة حتى يومنا، بل أنها تمتد إلى المستقبل أيضاً، فهي رواية مستقبلية بشكل من الأشكال.
إذا كان التاريخ هو سجل للقادة والسياسيين، وجنرالات الجيش، ونجوم السينما والتلفاز، وبقية الناس المشهورين في هذا العالم فإن الرواية هي سجل للناس البسطاء والمهمّشين والعابرين. والرواية هي بشكل من الأشكال صوت من لا صوت لهم، وقد تكون مثل نهر دفّاق يمر بأمكنة وأزمنة طويلة، كما يتضمن شخصيات كثيرة تتناسل من بعضها البعض تماماً كما حصل مع آدم الذي امتد منذ بدء الخليقة حتى الوقت الراهن، هذا إضافة إلى حواء التي انشطرت إلى حواءات متعددة.
يتوفر هذا النص الروائي على بناء هيكلي رصين، ومستويات سردية متعددة، وشخصيات ثرية عميقة، لكن الملاحظة الوحيدة التي يجب أن نتوقف عندها هي اللغة. يا تُرى هل كانت لغة الرواية متأججة ومتألقة بما فيه الكفاية كي تصمد أمام تقادم السنوات؟ هذا الأمر سنتركه للقارئ كي يحكم على توهج اللغة من عدمه. فاللغة الإبداعية عموماً يجب أن تكون متوهجة وناصعة وشعرية تختلف في أنساقها عن اللغة اليومية العابرة المستعملة في الحديث أو المستهلكة في الصحافة والإعلام. إن الأدب يحتاج دائماً إلى لغة تتقاطع مع لغة الحياة اليومية وتتفوق عليها كثيراً كي ترسخ في ذاكرة القرّاء.
لا بد من التنويه إلى جرأة الروائية خولة الرومي لأنها تناولت موضوعات دينية حساسة إذ تحضر أول مرة الديانة المندائية أو بعض تجلياتها في نصوصها، كما تحضر الديانات السماوية الثلاث، في حين أن الديانات تتكاثر سنة إثر سنة وتنتشر في ربوع هذا العالم. ومَن يقرأ هذا النص سيجد حتماً تجليات الديانة المندائية الموحدة التي لم تنقرض لحد الآن، هذا إضافة إلى حضور اليهودية والمسيحية والإسلام حتى وإن حرّفت الكاتبة أسماء الأنبياء والرسل من موسى إلى “مختار” ومحمد إلى “مهنّد” والمسيح إلى “سامح” من دون أن تسيء إلى أي منهم فالرواية بالنتيجة هي نص خيالي يفيد من بعض النتوءات الواقعية.
ثمة مقاربة جميلة في هذه الرواية حيث نجد قوم الأنوناكي يحطّون في مدينة “شروباك” العراقية في العصر السومري ويطوِّرون شخصية “آدمو” من الإنسان البدائي الأقرب إلى القرد إلى الإنسان الذي لا يختلف كثيراً عنا اليوم، لكن ما إن يقع الطوفان حتى يقفل الأنوناكيين عائدين إلى الكوكب الذي وفدوا منه مخلّفين وراءهم لمساتهم الحضارية وبعض مخطوطاتهم وأختامهم الإسطوانية التي ستكشف الكثير من الأسرار عن أصل الكائن البشري الذي يعيش على سطح الكرة الأرضية.
القدرة على الحلم
أما السيدة بدور الدده فقد سجلت انطباعاتها عن رواية “رقصة الرمال” بسبع نقاط أساسية نورد بعضها فهي ترى أن الرومي قد نجحت في أن تأخذنا في رحلة معاكسة إلى مرحلة الخمسينات من القرن الماضي وتجعلنا قادرين على الحلم بغد أفضل على اعتبار أننا فقدنا القدرة على الحلم في ذلك الزمن الرديء. كما وصفت أحداث الرواية بأنها تاريخ مصغّر لبغداد وشعبها الذي فجّر ثورة تموز. أما شخصيات النص فهم نماذج مصغرة لهذا للشعب العراقي الذي يحلم دائماً بغد أفضل. تذكِّرنا الدده بالظلم الذي وقع في حقبة الخمسينات وبالاحتجاجات التي كانت تحدث، لكن السلطات لم تقطع ألسنة المتظاهرين والمحتجين ولم تبتر آذانهم في إشارة واضحة إلى ما كان يحدث في حقبة دكتاتورية البعث التي استمرت على مدى ثلاثة عقود ونصف العقد.
قارنت الدده بين حزن الناس المعتّق على استشهاد الإمام الحسين ولوعة السجناء خلف القضبان حيث وحدّت بين هتافاتهم وغضبهم وثورتهم العارمة.
أشارت الدده إلى شخصية “ضمير” لما تنطوي عليه هذه الشخصية من بعدٍ رمزي واستعاري وتساءلت عن السبب الذي دفع الروائية لاعتماد هذه التسمية وما الذي أرادته منها قائلة: “هل لأن الضمير يغيب عند الطغاة، كبارهم وصغارهم؟ هل لأن بعض الفقر يسحق الإنسانية فيدفع العم إلى ربط ابنة أخيه بالحبال ويركلها لينفِّس عن قهرة وبطالته؟ أليس مشهد اغتصاب الشرطي للمجنونة محاولة للانتقام مما عاناه في طفولته؟”. ثم عزّزت هذا التساؤلات بتساؤل أخير شديد الدلالة والتعبير: “أليست ضمير هي قصة الضمير الغائب عند الناس؟”. ذكرت الدده بأن “رقصة الرمال” هي “رواية تستحق القراءة، ليس لأنها فريدة في موضوعها، ولكن لأنها حملت المأساة على أكف من أمل، وقرنت الحياة بالموت، فحين يموت الجلادون يحيا الوطن”. كما انتقدت الأسلوب الروائي المباشر الذي قد نصادفه هنا وهناك وبرّرت ذلك بأنه “ثمن الحديث في السياسة”. وختمت ملاحظاتها بالقول بأنها أحبّت الرواية وتفاعلتْ مع أجوائها، وراعها ما دار فيها من أحداث دامية وكأنها تجري أمام عينيها.
تمجيد عصر الأمومة
أما المُحتفى بها خولة الرومي فقد قدّمت شهادة عن تجربتها الحياتية والروائية في آنٍ معا. إذ أخذت الحاضرين بجولة تمتد من طفولتها إلى صباها وشبابها وأيام دراستها في منطقة الأعظمية، ثم هروبها إلى إيران حيث حصلت هناك على بعثة لدراسة هندسة الري والبزل في بولونيا. ثم عادت إلى العراق لكنها سرعان ما قررت العودة إلى وارسو لمواصلة دراستها العليا التي تتوّجت بالحصول على درجة الدكتوراه في الجيولوجيا. ثم انتبهت إلى أهمية الكتابة الإبداعية فأصدرت روايتيها اللتين أشرنا إليها سابقاً، ثم أردفتهما بالعمل الروائي الثالث “آدم عبر الأزمان” الذي يتمحور، من وجهة نظرها، على عصر الأمومة، وصراع المرأة والرجل على السيادة وتكريس الذات البشرية مُركزة على اضطهاد المرأة الذي ما يزال مستمراً منذ انهيار عصر الأمومة حتى يومنا هذا.
شيطان الرواية
وبعد الانتهاء من الندوة شارك الحاضرون بأسئلة كثيرة حيث أثار الأستاذ قصي الموسوي موضوع تسميات الروايات وعناوينها عند خولة الرومي واقترح أن يكون اسم رواية “آدم عبر الأزمان” “رواية آدم وكرسي الآلهة” أو “آدم والعرش”. فيما تساءل الأستاذ غانم جواد عن كيفية تولّد الرغبة الأدبية عند خولة الرومي المختصة بالري والبزل وعلم طبقات الأرض وتمنى عليها أن تشير إلى المحفِّزات التي دفعتها إلى عالم الكتابة الإبداعية وهل لديها شيطان رواية على غرار شيطان الشعر. كما أخبرنا الدكتور جعفر هادي حسن بأن هناك كتاباً قديماً يفيد بأن هناك “مخلوقات خرجت من البحر وزوّدت الإنسان بالمعارف” تماماً مثلما فعل قوم الأنوناكي الذين زوّدوا الإنسان السومري بالكثير من المعلومات الحضارية المتقدمة في حينه. أما الأستاذ نديم العبدالله فقد أشار إلى أن غالبية الروائيين العراقيين في أوروبا هم صدى للداخل ولا يكتبون عن الجاليات العراقية في المنافي أو عن المجتمعات الأوروبية التي يعشون فيها. كما طالب الروائية بالتخلص من المصطلحات القديمة والكتابة بنفس حداثي راهن وأن لا نكون أسرى للخطابات السياسية القديمة التي أكل الدهر عليها وشرب.