إذا عطس أوباما فإن العالم كله يُصاب بالزكام! –
9 – 10 – 2013
عدنان حسين أحمد
لمحة تاريخية
ضيّفت مؤسسة الحوار الإنساني بلندن الدكتور عباس الفيّاض في أمسية ثقافية تحدث فيها عن “الأزمة المالية العالمية الحالية وآثارها على الاقتصاد العالمي” وقد ساهم كاتب هذه السطور في تقديمه وإدارة الندوة. استهل الفيّاض محاضرته بتقديم لمحة تاريخية عن الأزمات التي هزّت العالم منذ أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين وصولاً إلى الوقت الحاضر.
أشار الفياض إلى أن الأزمة الدورية الأولى التي تفجرت في بريطانيا كانت في عام 1825، أي في أعقاب حروب نابليون، وهي أزمة بريطانية صرف، أما أول أزمة ذات طابع عالمي فقد حدثت في 1847-1848 حين أصابت أميركا وعدداً من البلدان الأوروبية. ثم تلتها أزمتان في القرن التاسع وهما أزمة عام 1866 حيث تعرضت عدد من البنوك البريطانية إلى الإفلاس وتعتبر هذه الأزمة من أقدم الأزمات المالية التي عرفها العالم. وأزمة عام 1873 التي تُعد هي الأخرى أعنف أزمة عرفها القرن التاسع عشر وكانت إشارة لبداية الانتقال من الرأسمالية الحرة إلى الاحتكار.
أزمات القرن العشرين
أما أبرز أزمات القرن العشرين فهي أزمة “الكساد الكبير” التي حدثت بين الأعوام 1929- 1933 وهي أعنف أزمة في القرن العشرين حيث هبطت اسعار الأسهم في سوق المال الأميركية بنسبة 13% وكان من أبرز نتائجها أن فقد النظام الكلاسيكي الحر “دعهُ يعمل، دعه يمر” بريقه وبحث عن بدائل لحل المشكلات التي أثقلت كاهله الأمر الذي أفضى إلى ظهور”النظرية العامة ” لجون ميلينارد كنز الداعية الى تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية عام 1936. ثم تلتها أزمة 1974-1975 التي أعلنت دخول مرحلة الرأسمالية الاحتكارية إلى رأسمالية الاحتكارات العالمية وتزامن ذلك بظاهرة البطالة مع التضخم الذي عمّق من الركود الاقتصادي.
نوّه الفياض إلى أزمة الديون العالمية التي بدأت 1980-1983 التي كانت أشدّ عمقاً من أزمة السبعينات في ظل تحرير القطاع المالي والمصرفي، وحرية رؤوس الأموال، وتوسع البنوك التجارية العالمية في عمليات الاقراض لحكومات البلدان النامية. وقد اقترن ذلك بإعلان تلك البلدان عدم قدرتها على الوفاء بالديون كما حصل للأرجنتين والمكسيك عام 1982 ثم تبعتها 24 دولة وكان من نتائجها أن قامت الدول الدائنة باحتواء الأزمة، كما خضعت البلدان المدينة “النامية” إلى وصفة المؤسسات الدولية المتمثلة بصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
توقف الفياض عند بعض الأزمات التي حدثت في المكسيك 1994-1995 ثم تلتها تشيلي. كما شهد بعض الدول الأسيوية أزمة مالية عام 1997 التي بدأت بانهيار عملة البات التايلندية. ثم تحدث عن أزمة “فقّاعات” شركات الإنترنيت في أواخر القرن وبداية الألفية الثالثة حيث أُدرجت أسهم الشركات في سوق الأوراق المالية في الولايات المتحدة الأميركية والذي يعرف بمؤشر ناسداك الأمر الذي أدى إلى انفجار تلك الفقّاعة عام 2000 وأدى إلى انخفاض تلك الأسهم وإغلاق الأسواق الأميركية. بعد هذا العرض التاريخي لأبرز أزمات القرنين الماضيين طرح الفيّاض التساؤلات الآتية: ما مفهوم الأزمة المالية؟ وما هي أسبابها؟ وكيف تُدار؟ وما هي الأزمة المالية العامة لعام 2008؟ وما مدى تأثيراتها على الاقتصاد العالمي؟ وكيف تؤثر على البلدان النامية العربية منها بشكل عام، والعراق بشكل خاص؟
مفهوم الأزمة المالية
درج الباحثون الاقتصاديون على تبسيط مفهوم الأزمة “على أنه أضطراب حاد ومفاجئ ولحظة حاسمة ، تحمل تحولاً أو تغيراً في بعض التوازنات الاقتصادية وفي العلاقة بين العرض والطلب في السلع والخدمات ورؤوس الاموال، يتبعه انهيار في عدد من المؤسسات المالية تمتد آثاره إلى القطاعات الاخرى”. وأمام هذه الأزمات المتعددة التي أصابت الاقتصاد العالمي وبالذات أزمة 1929-1933 ظهرت النظرية النقدية التي حملت الحكومات مسؤولية هذه الأزمات وتقدمت بحزمة من الاجراءات تطالب فيها الدولة أن تتدخل. فيما كان العالم الاقتصادي المعروف آدم سميث يطالب الدولة بأن ترفع يدها من ميدان الاقتصاد وأن تترك هذه المسألة للقطاع الخاص وإلى الملكية العامة لكل وسائل الإنتاج.
لاقى تدخل الدولة في هذا الأمر ترحيباً كبيراً لأن المفكرين والسياسيين والاقتصاديين في العالم الرأسمالي وجدوا فيه شبكة من الحماية بشكل أو بآخر كي لا يقع العالم في مطب الحرب فاجتمعوا عام 1944 بمدينة نيويورك في محاولة لضبط الهزات فأسسوا في ذلك الوقت صندوق النقد الدولي والبنك الدولي حيث اجتمعت 45 دولة بما فيهم الاتحاد السوفييتي ودول المعسكر الاشتراكي وفي أثناء المفاوضات انسحب الاتحاد السوفييتي ومعه 15 دولة فبقيت 25 دولة هي التي حددت مسار العالم في ذلك الوقت على أن يكون الدولار هو الحد الفاصل. ذكر الفياض بأن النظرية النظرية النقدية الممثلة بفرديريتش هايت وملتُن فريدمان قالا بأن الدولة ينبغي أن تعيد النظر وأن تكف عن مسألة الإنفاق العام الذي يسبب متاعب للاقتصاد وقد نجحا إلى حدما في حقبة ثاتشر وريغان.
توقف الفياض عند أزمة 1980-1990 التي حصلت في بريطانيا وأميركا اللاتينية التي وصل رذاذها إلى البلدان الأوروبية و أثّر على مجريات الاقتصاد العالمي على اعتبار أن رأسمال المال المالي هو الذي يقود وليس رأس المال الصناعي الأمر الذي أفضى إلى عدد من الانتكاسات في المكسيك والنمور الأسيوية عام 1997-1999 مما أثر على العملة التايلندية التي هبطت إلى حد 67%. ثم أصيب الاقتصاد الأميركي بالدوت كوم أو الإنترنيت عام 2001 وتلاها تأثير أحداث 11 سبتمبر على الاقتصاد الأميركي التي اهتز العالم من جرائها. أشار الفياض إلى أن المضاربين حصلوا على أرباح كبيرة بسبب عدم وجود مرجعية ثم ظهر الاقتصاد الألماني والبريطاني والياباني كمنافسين للاقتصاد الأميركي.
الاقتصاد الوهمي
أشار الفياض إلى دخول الاقتصاد الوهمي المتمثل بالأسهم والسندات وهو اقتصاد غير حقيقي لكنه هو الذي يوجه العالم وليس العكس. وحينما قلل البنك الأميركي الفائدة من 6 إلى واحد بالمئة هرع ثلاثة ملايين من الأميركيين لشراء البيوت التي قدمتها الحكومة الأميركية على أساس أن يقدموا الفوائض على هذه المبالغ لكن أصحاب الدخل المحدود غير قادرين على التسديد. وعندما امتنعت هذه الجموع الغفيرة من الناس طلبوا منهم أن يغادروا بيوتهم وجرى الاستحواذا عليها ثم حولت هذه العقارات إلى أسهم وسندات مثل البيوتات المالية والمشتقات المالية التي أثرت بشكل كبير على الاقتصاد العالمي وهذا هو مبدأ “الفقاعة” التي تشبه الشيئ غير الحقيقي الذي ينفجر وتكون نهايته غير طبيعية.
نوّه الفياض إلى أن عدد العاطلين عن العمل قد بلغ 240 مليون مواطن وهذا يعني أن الأزمة العقارية الإئتمانية المالية قد تحولت إلى أزمة اقتصادية.
مديونية أميركا
أشار الفياض إلى أن “AIG” التي تعني المجموعة العالمية الأميركية لديها “62” مليون زبون، أي ضعف نفوس العراق، وهناك بنوك أخرى كبيرة تتعامل بالترليونات وقد بدأت منذ صعود الرأسمالية لكنها لم يصبح لها وجود في ظل أزمة 2008- 2009. لابد من الأخذ بعين الاعتبار أن أميركا على ضخامة إمكانياتها مديونة بـ “36” ترليون دولار وهذه الأزمة هزت الكثير من السياسيين والمفكرين والاقتصاديين في العالم الرأسمالي. وقد قدمت المملكة العربية السعودية “100” مليار دولار لحل الأزمة حيث جمع العالم نحو ترليون دولار للحفاظ على الاقتصاد العالمي. إن مشكلة البطالة تكاد تكون متفشية في مختلف أرجاء العالم. ففي بريطانيا يوجد ثلاثة ملايين عاطل عن العمل، وقد قامت الحكومة البريطانية كجزء من الحل بإسناد “3” مليارات للطرق والجسور وما إلى ذلك، لكنهم قدموا للبنوك “553” مليار جنيه، أي ما يعادل 183 مرة بقدر ما ينفق على ميادين الصحة والتعليم. لقد قدّم رئيس وزراء اليونان استقالته في عام 2011 ثم تبعه برليسكوني الذي فرضت عليه الشركات أن يستقيل فلا غرابة أن يتجه طلاب اليونان وأسبانيا والبرتغال إلى الهجرة كي يجدوا مكاناً أفضل لدراستهم أو أن يجدوا فرص عمل مناسبة لهم. لقد أصبح العالم قرية صغيرة فإذا ما عطس أوباما فإن العالم كله يصاب بالزكام.
تأثر العالم العربي بالأزمة
يا ترى هل تأثر العالم العربي بالأزمة؟ الجواب: نعم. فالبلدان العربية حسب وجهة نظر المحاضر مقسمة إلى ثلاث درجات مرتبطة بالاقتصاد العالمي وخاصة بلدان الخليج برمتها، ثم البلدان المتوسطية مثل مصر والأردن وتونس المغرب والجزائر، وبلدان أخرى ملتصقة بالاقتصاد العالمي بشكل بسيط جداً مثل ليبيا والسودان واليمن. وقد وصف الفياض انفتاح بلدان الخليج على الاقتصاد العالمي بالانفتاح الواسع، والمجموعة الثانية بالانفتاح المتوسط، والثالثة بالانفتاح المنخفض. وقدِّرت حجم خسائر الدول العربية بنحو “5,2” ترليون دولار أميركي، بينما بلغ عدد العاطلين عن العمل “22” مليون شخص عام 2009، أي بزيادة “5” مليون عن عام 2005. وقد تأثرت الاستثمارات الخليجية بشكل خاص وتقدر خسائرها بحوالي “5,1” ترليون دولار منها في شركات الرهن العقاري وبعضها في البنوك التي أعلنت إفلاسها. كما خسرت الاستثمارات العربية في قطاع العقارات في أميركا وأوروبا بنحو “4,1” ترليون دولار. كما هبط الطلب العالمي على النفط وانخفضت أسعاره من 60-70% وهو المصدر الرئيس لبلدان الخليج والعراق. امتدت الخسائر إلى بنك الخليج العربي والمؤسسة العربية المصرفية وغيرها. كما تأثرت فرص العمل وتحويلات العاملين العرب في دول تونس والمغرب التي تقدر بـ 90% من الخارج وخاصة أوروبا. وتراجعت في الوقت ذاته أسواق المال العربية بنسبة 37% وسجلت خسائر في قطاعي البنوك والعقارات وفي مختلف الأسواق. كما أثرت الأزمة على ميزانية الحكومة العراقية مما دفع وزارة المالية إلى تخفيضها ثلاث مرات نتيجة للتأثيرات على أسعار النفط وانخفاض الإيرادات المالية منه.
توصل الفياض في نهاية المحاضرة إلى جملة من الاستنتاجات من بينها أن الأزمة قد أدت إلى “عجز وفشل آليات السوق في معالجة الاختلالات التي فرضتها الازمة وفرضت الحالة لابد من الاعتراف بقوة أخرى خارج السوق”. وأن “عملية تحرير الاقتصاد وتزايد نفوذ الشركات “الاحتكارية” وتزايد نفوذ ونشاط الاسواق المالية وحرية حركة الاموال. جعلها قوة اقتصادية في العالم تستطيع فرض تغيرات بما يفوق قدرة العمليات السياسية العادية أن تفعله”. كما لم ينجح تحفيز الاقتصاد وضخ الأموال في “برامج الإنقاذ” من الأزمة على الرغم من مرور أكثر من خمس سنوات فمن الذي يدفع الفاتورة وإلى حساب منْ تذهب؟ يعتقد المحاضر بضرورة إعادة بناء نظام مالي ونقدي يضمن ضبط حركة الأموال والمعاملات المالية وأن يشمل البرامج كل دول العالم بما فيها البلدان النامية وضخ الأموال في اقتصادياتها للمساعدة في الخروج من الازمة. واقتراح وحدة حسابية يجري الاتفاق عليها لأن الدولار لم يعد يلعب دوره السابق. وفي ختام الندوة أجاب المحاضر على أسئلة الحاضرين وكانت أبرز إجاباته هي الاستشهاد بمقولة كلنتون بأنّ “كل ما نكسبه يدخل في جيوب 1% من الناس”. وأن 353 شخصاً يمتلكون ما يمتلكه “2,5” مليار على مستوى العالم. وأن شركة رولزرايز لوحدها تمتلك ما تمتلكه منتوجات”137″دولة. وختم الفياض إجاباته بالقول بأن الأزمة الحالية ليست أزمة حقيقية وإنما هي أزمة مال.