ضمن موسمها الثقافي السادس عشر ضيفت مؤسسة الحوار الإنساني بلندن يوم الاربعاء المصادف 8/2/2017 سماحة السيد مضر الحلو صاحب موسوعة ( اعلام الكوفة ) في أمسية ثقافية تحدث فيها عن الازمة التي يعاني منها الخطاب الاسلامي والتي لم تعد خافية على أحد اذ يكفي لتشخيص ذلك ان ترمي ببصرك الى واقع المجتمع الاسلامي لتدرك حجم الهوة بين هذا الخطاب وبين مآلاته.
والسيد مضر الحلو باحث علمي اختار الخطابة لبث افكاره الاصلاحية طريقة لتغيير الواقع العراقي ومحاولة انقاذه من براثن الجهل والتخلف والعقائد الفاسدة ،وهو خريج الحوزة العلمية في النجف الاشرف وقم المقدسة ووصل في دراسته الى مرحلة بحث الخارج التي تعادل شهادة الدكتوراه.له العديد من الكتب والمقالات المنشورة في الدوريات الرصينة.
المقدمة
اشار السيد الحلو في بداية محاضرته قائلا ؛ احب في البداية ان اشير الى ظاهرة طغيان التدين الشكلي الطقوسي على حساب التدين الانساني بحيث اصبح الحجر أكرم من البشر، وبناء الجامع او الحسينية اهم من إشباع جائع او إيواء مشرد او تكفل يتيم، وهنا لابد من التساؤل عن علاج هذه الظاهرة السلبية التي تحولت الى ثقافة تجتاح المجتمعات الاسلامية.
اذا أردنا ان نكون اكثر جدية ونتجاوز الأسباب الطافية على السطح ونبحث في العمق عن أسباب هذه المشكلة سنرى ان السبب الأساس الذي يكمن ورائها يتمثل في الفهم الخاطئ للدين والقراءة المقلوبة لرسالته التي تهدف بالمجمل الى صناعة الانسان الصالح المتحلي بقيم الاخلاق، وإحياء الحس الإنساني عند الانسان المتدين حسبما جاء عن نبينا الكريم ص ( إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق )، ولكن ما حصل هو تقديم قراءة سطحية للدين جعلت موضوع الأخلاق وقيم الانسانية ينزوي في اخر اهتمامات الانسان المتدين بدل ان يكون اولا، وورد عنه (ص) ( لا إيمان لمن لا أمانة له ) لتصبح سائر تعاليم الدين واهتماماته رافدة وداعمة هذا البعد في شخصية الانسان المؤمن. فانقلبت الصورة وتأخرت واقصيت قيم الأخلاق في أولويات المُربّي المتدين وتقدمت عليها أمور كثيرة اقل أهمية منها، تكفي نظرة سريعة لما يبثه الخطاب الاسلامي عموما عبر القنوات والمنابر الدينية المختلفة ليكتشف المراقب عملية الإغفال والتجاهل للاخلاق والقيم الروحية والإنسانية في عملية تنشأة الانسان المسلم وتربيته. وان اهتمام الخطاب الاسلامي بالطقوس والشعائر دونه بكثير اهتمامه بمسألة الاخلاق اذ تراجعت هذه الأخيرة تراجعا كبيرا لتنحسر في زاوية ضيقة.
تشخيص المشكلة
العبادات مهمة في حياة الانسان المتدين ،هذا امر مؤكد ، خصوصا الصلاة ، ولكن ماقيمة صلاة لا تقترن بالصدق ولا بكف الاذى عن الاخرين ولا بالامانة ولا بحب الخير للناس، وما جدوى صوم مع اكل أموال الناس بالباطل او صوم لا يقترن بقضاء حاجة محتاج وإشباع جوعة جائع.؟
ألقى تراجع الاهتمام بالاخلاق وانزوائه في الثقافة الدينية السائدة في أوساط المجتمع عامة بضلاله الكثيفة على المنهج المتّبع من قِبَل الآباء في تربية ابنائهم بعد ان تربوا هم أنفسهم ايضا على الدور الهامشي للاخلاق فنجد ان الأب المتدين يحرص منذ الصغر وقبل سن التكليف ان يدرب ولده على الصلاة ولكنه لا يحرص بنفس الدرجة من الاهتمام على تنشأته على حفظ الامانة او الصدق او احترام الموعد الخ، وينزعج كثيرا ان علم ان ولده تهاون بفرض من الفرائض ولكنه لا ينزعج بنفس الدرجة ان اكتشف ان ولده لم يف بوعد، او أنه كذب، او لم يحفظ أمانة. وبذلك هو يرسل رسالة لولده غير مباشرة يتلقاها الطفل بوضوح مفادها ان الذي يوصلك الى الله ويجعلك من اهل رضوانه ويدخلك الجنة هي صلاتك كيفما اتفقت اما القيم ومالمبادئ الاخلاقية فلا تعدو ان تكون ثانوية كمالية هامشية ليست ضرورية. من هنا صار المسلم يجمع بين الصلاة والسرقة او الصوم والظلم او الحج والتجاوز على الاخرين ولنا فيمن تصدى للحكم من اصحاب الايادي المتوضأة ان في العراق او مصر او تونس او تركيا خير دليل.
وأخيرا ان لم يتقدم عنصر الأخلاق ويكون عماد التربية وأساسها الذي تبتني عليه كل المسائل الاخرى فسنظل نجتر مأساتنا وتتوالى خيباتنا ولنا في اليابانيين أسوة عملية حين اعتمدوا مادة الأخلاق كأهم مادة دراسية منذ مراحل الدراسة الاولى.
تسليط الضوء على الحقائق
في البدء لابد من تسليط الضوء غلى حقيقتين مهمتين هما :
الاولى: ان الخطاب الاسلامي عموما والحسيني بصورة خاصة يمتلك تأثيرا مباشرا على جمهور عريض في المجتمع الاسلامي.
الثانية: تجتاح الخطاب الاسلامي حالة من الرثاثة والهبوط ربما غير مسبوقين.
ما يلفت النظر في العالم الاسلامي ويميزه على غيره كثرة خطب الوعظ والارشاد لكن في المقابل فان المجتمعات الاسلامية يعصف بها الفشل وتمر بحالة من التقهقر والتراجع في كل ماهو ايجابي وبنّاء مع طغيان الظواهر السلبية كانتشار الايتام في الشوارع وتسللهم من مقاعد الدراسة وظاهرة الفساد و….. لخ، والسؤال الذي يطرح نفسه بجدارة:
لماذا لم يتاثر سلوك الناس بهذا الخطاب وهو لا يبرح قال الله تعالى، وقال رسول الله (ص) ، وقال الامام (ع ) في مجتمع يدعي انه الاشد تمسكا بهذه المقدسات واحتراما لها؟
اسباب فشل الخطاب الاسلامي
يمكن ايكال فشل الخطاب الاسلامي في التاثير في بناء المجتمع واصلاحه الى جملة اسباب اذكر منها:
1- المنهج التربوي الخاطئ المعتمد في الخطاب الديني ،حيث يجري التركيز على العبادات واهمال المبادئ الاخلاقية والقيم الروحية.
2- اضحى الخطيب الاسلامي مكرسا جل اهتمامه، وموجها خطابه الى مفردات خير مايقال عنها انها جزئية هامشية لاتمتلك اي اولوية في حاضر المجتمع او مستقبله، وليست هي من صلب الدين او الشريعة.
3- اعتقاد الناس الخاطيء ان الخطيب انما ينطق عن الله ، فهو وكيله والناطق الرسمي باسمه وحلقة الوصل بينهم وبين الغيب.
4- ولع اغلب الخطباء باسلوب التهديد والوعيد والتخويف والارعاب وتضييق الحريات على الناس الى حدود قصوى لدرجة ان بعضهم اعتبر ان مفهوم الحرية دخيل على الاسلام متناسين ان ذلك انما يسهم اسهاما مباشرا في تشويه صورة الله عند المسلم.
5- يراهن كثير من الخطباء الذين تنشغل الفضائيات ببث خطبهم على ما يدره عليهم خطابهم الطائفي المأزوم المتسخ بسباب الاخر والنيل من مقدساته ولعن رموزه من الشهرة والمال اضافة الى السلطة الروحية.
6- احد الاسباب المهمة لانفصال الخطاب عن الواقع الاعتقاد السائد عند المسلمين ان وظيفة الخطاب الديني انما هي التربية والتنشأة على الهدى والصلاح، وهو تصور باطل افقد الخطاب تاثيره على ابناء المجتمع. ذ ان دور الخطاب الديني هو التذكير فقط .
7- عدم ادراك بعض الخطباء للمتغيرات الهائلة والسريعة التي تحصل باطراد في عالمنا المعاصر. لذلك تجدهم يؤكدون على امور اصبحت طي النسيان واهمالهم ما يمس حياة الانسان المعاصر من مشاكل
8- احد الاسباب المهمة لابتعاد الخطاب الاسلامي عن التاثير في اصلاح المجتمع هو كونه خطاب تبجيلي، تنزيهي، تمجيدي، تزلفي في الغالب، يقر الناس على اخطائهم بل يمتدحهم عليها ارضاءا ومداراة.
9- الازدواجية عند بعض الخطباء اذ يرصد المستمع مفارقات مزعجة، منفرة عند بعض الخطباء جعلت بينهم وبين الخطاب الديني عموما هوة سحيقة.
10- احد اهم الاسباب التي جعلت الخطاب الديني يخسر تاثيره في نفوس مريديه ويخسر من قاعدته الكثير هو انشغاله بالاوامر والنواهي المتعالية على الواقع والتي يتعذر تحققها لتنافيها مع الطبيعة البشرية.
الخاتمة:
واختتم السيد مضر الحلو الامسية بالقول ؛ لابد للمسلمين ان يدركوا ان عجلة التاريخ مستمرة في الدوران ولن تتوقف من اجلهم، ورياحه لاتستثني احدا، مالم يواكبوا ركب الحضارة فستطحنهم عجلته. وقد اجاب في ختام محاضرته عن الكثير من اسئلة الحضور التي اغنت الموضوع.