ضيفت مؤسسة الحوار الانساني بلندن يوم الاربعاء 19 شباط/ فبراير 2020 الدكتور تحسين الشيخلي في أمسية ثقافية قدم فيها قرائته لكتاب؛” العصر الرقمي الجديد؛ إعادة تشكيل مستقبل الافراد والأمم”، والذي يناقش القلق على مستقبل الدول ومفاهيم السيادة في ظل تحديات العصر الرقمي.
د.تحسين الشيخلي من مواليد بغداد، أكمل دراسته في الجامعة التكنولوجية في بغداد، حصل على دكتوراه دولة في المعلوماتية من جامعة غرب بريتاني- فرنسا عام 1985، حصل على درجة الاستاذية عام 2001، متخصص في مجال هندسة البرامجيات، ومؤسس لأغلب اقسام هندسة البرامجيات في الجامعات العراقية. مدير مركز بحوث داراسات المستقبل في لندن، أشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراة، ألف مجموعة من الكتب باللغة العربية والأنكليزية، نشر(37) بحثا في مجالات علمية محكمة، وحاز على التقدير الاكاديمي لبعض بحوثه من مؤسسات علمية عالمية مثل IEEE وACM .
المقدمة
يعرض كتاب “العصر الرقمي الجديد: إعادة تشكيل مستقبل الناس والأمم والأعمال” لأريك شميدت وجاريد كوهين للقلق من انحراف العصر الرقمي وخشية أن يدار بلا قيادة مسؤولة. وسبق لجاريد كوهين الذي شارك شميدت في تأليف هذا الكتاب، ان عمل لسنوات كخبير رقمي في وزارة الخارجية الأميركية في عهد الوزيرتين كوندوليزا رايس وهيلاري كلينتون، وانتقل في أيلول/ سبتمبر 2010 إلى شركة غوغل كمدير للتخطيط.وقد ابتدأ د.تحسين الشيخلي محاضرته بالاشارة الى لقائه المؤلفين في زيارتهما الى بغداد، ومن ثم مصاحبتهما في اللقاءات التي اجروها، وتطور الامر ليصل الى ولادة هذا الكتاب. فقد كتب المؤلفان فصلا في كتابهما عن زيارتهما العراق، وقد قرأ ترجمة جزء من هذا الفصل د. الشيخلي ، فقال ؛” في خريف عام 2009 كنا في بغداد، نسعى مع العراقيين لإجابة السؤال الحاسم حول قدرة التقانة على مساعدتهم لإعادة اعمار مجتمعهم. وخلال تنقلنا في المدينة، ومقابلتنا وزراء الحكومة والقادة العسكريين والدبلوماسيين والمقاولين والاهم لقائنا مع الناس العاديين، كانت أمامنا أمة بدت فرص تعافيها ونجاحها في المستقبل وكأنها معلقة بخيط رفيع. لم نكن نحن أنفسنا نعلم على وجه اليقين ما الذي قد تواجهه غوغل هناك او ما الذي بامكانها تحقيقه؟
لكن الجواب سرعان ما صار جليا، فأينما نظرنا كنا نرى أجهزة هواتف نقالة. وقد فاجأنا ذلك ، فقد كان العراق في ذلك الوقت منطقة حرب لما يزيد على ست سنوات بعد سقوط صدام حسين الذي كان قد منع استخدام الاجهزة النقالة، وجاءت الحرب لتجهز على البنية التحتية للعراق، فلا ماء و لا كهرباء و حتى البضائع كانت مرتفعة الاسعار والانقاض متجمعة في أغلب الأماكن والمشاكل لم تحل على مدى سنوات والأخطر هو إن أمن الناس لم يكن مضمونا .. لذا كان المتوقع أن تكون الهواتف النقالة أخر اهتمامات الناس، ألا إننا أدركنا إن العراقيين بالرغم من المشكلات الملحة في حياتهم فأنهم يولون التقانة أولوية خاصة.
لم يكن العراقيون يقتنون التقانة و يثمنونها وحسب، بل كانوا يدركون أيضا قدرتها الهائلة على تحسين حياتهم و تحقيق مستقبل افضل لبلادهم، وفي غضون الاشهر التي تلت زيارتنا، بات واضحا لنا إن ثمة هوة تفصل بين اولئك الذين يفهمون التقانة واولئك المسؤولين عن اكثر المشكلات الجيوسياسية تعقيدا في العالم. كتبنا مذكرة لوزيرة الخارجية هيلاري كلنتون، أوضحنا فيها ما ألهمتنا به هذه الزيارة و بالتالي كان هذا الكتاب.
تحذير من مخاطر المستقبل
وحذر المؤلفان من الفوضى التي ستعم العالم وتدمر العلاقات بين الدول والشركات، إن لم توجد قيادة مسؤولة وقوانين تلزم التعامل عبر العصر الرقمي.وذكر أريك شميدت المدير التنفيذي لشركة غوغل وجاريد كوهين مدير التخطيط في الشركة نفسها، ان المخاطر المرافقة لشبكة الانترنت باعتبارها أكبر تجربة تنطوي على تغيير التاريخ، قد تودي بالعلاقات القائمة بين الدول والشعوب.
وحذرا في كتاب مشترك من دخول المتطرفين على تحديد صيغ وأنظمة الشبكة العالمية وبناء الشبكات غير المشروعة، وما قد يتسببان بحرب الكترونية عالمية في عصر يدار كليا بالأنظمة الرقمية.وطالبا دول العالم بتوثيق علاقاتها مع محرك البحث “غوغل” من أجل مستقبلها ومصالحها الأمنية.ويعرض المؤلفان في الكتاب الذي تناولته وسائل الإعلام في الولايات المتحدة وبريطانيا باهتمام لافت بمجرد توزيعه، إلى القلق من انحراف العصر الرقمي وان يدار اليوم بلا قيادة.
التقنيات وتغيير العالم
ويشرح الكتاب كيفية قيام التقنيات الحديثة على تغيير الطريقة التي نعيش بها، وما محكوم علينا بالخضوع إليها في إدارة شؤون حياتنا وأعمالنا.ويرا إن ثورة المعلومات ستجرد الناس من سيطرتهم على معلوماتهم الشخصية في الفضاء الافتراضي، والتي سيكون لها عواقب كبيرة في العالم المادي.
ويفسرا كيف ان التكنولوجيا محايدة، والإنسان هو من يستخدمها لأغراض جيدة أو سيئة، يمكن أن تكون لها عواقب مؤذية.وركزا على الإجابة على تساؤلات كيف أصبح “غوغل” بمثابة دولة رقمية قائمة وبلا حدود، وهل يخضع محرك البحث العملاق للمسائلة من شعبه المكون من مليارات المستخدمين.
الدولة الافتراضية؛ دور غوغل
وأكدا على أهمية وجود اليد البشرية التوجيهية في إدارة الدولة الافتراضية الرقمية، في استعارة وصفت بالذكية مما قاله عالم الاقتصاد آدم سميث قبل قرون حول الأسواق الحرة والدور المناسب للدولة في تنظيم الاقتصاد.وعبرا الكاتبان بصفتهما يشتركان في صنع قرار محرك البحث العملاق عن عدم خشيتهما من مساهمة “غوغل” في حل المشكلات الأمنية العالمية المستعصية على الدول والحكومات.
ويتوقع أن يثير الكتاب ردود فعل مختلفة، لاسيما وان المؤلفين يعرضان لدور “غوغل” في صنع مستقبل العالم الرقمي، بصفتهما من أقطاب الشركة، وليس كمحللين محايدين.ويأتي كتاب شميدت وكوهين “العصر الرقمي الجديد: إعادة تشكيل مستقبل الناس والأمم والأعمال” بعد سنوات من إصدار رجلي قانون كتاب “من يحكم الأنترنت”.ولا يكتفي غولد سميث وتيم وو في كتاب “من يحكم الأنترنت” بعرض الجانب اللطيف للحكومة في المساهمة بأمن الانترنت، عندما يقولان أن الحكومة ليست ضامنا محبا وعطوفا كبيرا يعمل للصالح العام، وتقوم بالأمر الصحيح دائما.
ويرينا الكاتبان كيف يمكن للحكومة فرض سيطرتها على الانترنت، وإن أي حكومة تمارس القمع يمكنها السيطرة على الانترنت، بالطبع الأمور تكون أفضل في ظل نظام ديمقراطي يتمتع بحرية الصحافة والتعبير وقضاء مستقل وانتخابات نزيهة.
هياكل بناء الدولة
إذا نحن اليوم نعايش مرحلة جديدة من مراحل التغيير في هياكل بناء الدولة التقليدية في القرن الحادي والعشرين , ربما سيتراجع فيه مع الوقت نوعا ما عنصر مهم من عناصرها المكونة لبنائها القانوني والسياسي , وهو عنصر السيادة الوطنية بطريقة او بأخرى , باتجاه ما يمكن ان يطلق عليه في العقود القادمة بالدولة الرقمية او الافتراضية او المواطن العالمي , صحيح ان الدول ذات السيادة ستستمر بتأدية دور كبير في السياسة العالمية لزمن ليس بالقصير , ولكن ذلك لن يستمر الى ما لا نهاية , بل سيتعين عليها مع الوقت التنازل عن بعض من سيادتها واستقلالها الكامل أمام ضربات العولمة , وستكون اقل عزلة وانطواء على نفسها , وأكثر مسامية , وسوف يتعين عليها ان تتقاسم مسرح السيادة الوطنية مع مواطنيها , بل ومع أفراد واسر دولية من الخارج.
وكما يؤكد ذلك المؤلفان في كتابهما “العصر الرقمي الجديد .. إعادة تشكيل مستقبل الأفراد والأمم” بأن الدول وخلال العقود القادمة والتي ستخضع فيها سيادتها الوطنية الى عوالم وأيقونات وضربات المملكة الافتراضية، إذ ستحن الى تلك الأيام التي لم يكن عليها فيها سوى التفكير بالسياسات الخارجية والمحلية في العالم الفيزيائي، ولو كان بالإمكان استنساخ هذه السياسات الى المملكة الافتراضية فلربما كان مستقبل فن السياسة أقل تعقيدا، ولكن على الدول ان تتعايش مع حقيقة ان الحكم في الوطن مع فرض النفوذ –والسيادة الوطنية – في الخارج والداخل بات أصعب بكثير اليوم .
السيادة في العصر الرقمي
أدركت الدول أن الأنترنيت ليس منصة اتصالات فقط، بل أصبح قوة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، أضافة الى أنها خلقت حالة من عدم التوازن السياسي فيما يخص سلطة الحكومات على هذه الشبكة.أما الأمر الأول، فقد كان لظهور تكنولوجيا الويب وما تبعها من تطبيقات محدودة في بداية تسعينيات القرن الماضي ما استرعى انتباه البعض أن العالم على مشارف حقبة جديدة ستلعب فيها هذه التكنولوجيا الناشئة دوراً محورياً في تطوير وتغيير العديد من المفاهيم والنظريات التقليدية في مجالات عدة كالاقتصاد والأعمال والتعليم والخدمات وسيتسع تأثيرها ليشمل جوانب أخرى في المستقبل.
وبدأت ملامح هذه الحقبة الجديدة تتشكل بظهور العديد من الشركات الصغيرة والتي بدأت بتقديم خدمات وبيع منتجات من خلال مواقعها الإلكترونية. بعض هذه الشركات فشل واختفى بعد سنوات قليلة والبعض الآخر نجح وتقدم إلى مصاف الشركات العملاقة. وما شركات مثل أمازون وياهو وجوجل إلا أمثلة قليلة لذلك النوع الأخير. ومع مرور الوقت اتسعت الإنترنت ونمت التجارة الإلكترونية ونما معها حجم المعلومات المتدفقة وكذلك حجم الإعلانات التي باتت تشكل مصدراً أساسياً من مصادر دخل الشركات العاملة في مجال الإنترنت.
ومع انتشار خدمات الإنترنت، تنبهت الحكومات إلى هذا الوسيط الجديد الذي يمكن من خلاله تقديم العديد من الخدمات للمواطنين بطريقة أكثر فاعلية وكفاءة، وبدأنا نسمع عن خدمات الحكومة الإلكترونية قرب نهاية العقد الأخير من الألفية السابقة. تزامن ذلك مع استثمارات كبيرة قامت بها الدول في بنيتها التحتية للاتصالات سواء بشكل مباشر أو من خلال شراكة مع القطاع الخاص. لكن لم تكن الخدمات الإلكترونية والاستثمار في البنية التحتية هو غاية اهتمام الدول في ذلك الوقت.
كانت ثمة أسئلة تطرح نفسها بشأن القواعد والقوانين المنظمة لانتقال المعلومات والبيانات والسلع والخدمات عبر الحدود من خلال شبكة لا تعترف بالحدود الجغرافية. هذه أمور تتعلق بسيادة الدول لكن مع اختلاف بسيط أن فضاء الإنترنت يحتاج إلى قواعد جديدة لتمكين الدول من ممارسة سيادتها على حدودها الافتراضية بشكل مماثل أو على الأقل مشابه لسيادتها علي أراضيها وسماواتها ومياهها الإقليمية والتي تتم وفقاً للقوانين والمعاهدات الدولية. وبدا واضحاً منذ ذلك الحين أن الإنترنت ستشكل تحدياً لسيادتها وأن عليها التعامل مع هذا الأمر بكل جدية ومن خلال آليات وقنوات مختلفة.
الأمر الثاني والمتعلق بسلطة الحكومات على شبكة الإنترنت فقد لاحت في الأفق بدايات النقاش حول هذه القضية والتي عرفت لاحقاً باسم ( حوكمة الإنترنت ) في الفترة بين عام ١٩٩٦ و ١٩٩٨. وكان المكون الرئيسي لقضية الحوكمة آنذاك هو موضوع إدارة أسماء وأرقام الإنترنت. وكما هو معروف فإن إدارة أسماء وأرقام الإنترنت كانت تتم تحت إشراف الحكومة الأمريكية من خلال عقود مع أشخاص وجهات مختلفة داخل الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي عام ١٩٩٨ تم إنشاء هيئة الإنترنت للأسماء والأرقام المخصصة (آيكان) للقيام بهذا الدور. لكن لكون آيكان هيئة خاصة غير ربحية تخضع لقوانين ولاية كاليفورنيا الأمريكية فقد أثيرت قضية الحوكمة من منظور سيادة الدول على الإنترنت، والدور الذي تضطلع به الولايات المتحدة الأمريكية مقارنة بدور باقي الدول في هذا السياق، وهو الأمر الذي يعبر عنه أحياناً بحالة عدم التوازن السياسي التي خلقتها الإنترنت. وشهدت القمة العالمية لمجتمع المعلومات والتي عقدت على مرحلتين (جنيف ٢٠٠١-٢٠٠٣ و تونس ٢٠٠٣-٢٠٠٥) ظهور قضايا الإنترنت لأول مرة بشكل رسمي على مائدة المفاوضات الدولية. ولاتزال هذه القضايا مطروحة على الأجندة السياسية الدولية حتى يومنا هذا.
وبعد أكثر من عشر سنوات من الجدل حول الجوانب السياسية والسيادية للإنترنت، كيف يبدو المشهد اليوم؟ ماذا فعلت الدول لتعزيز سيادتها على الإنترنت؟ هل حالة عدم التوازن السياسي التي خلقتها الإنترنت مازالت مستمرة؟ هل هناك أي تغيير في المفاهيم الخاصة بالحوكمة؟ هل هناك أي تطور في الأراء والمواقف التي يتبناها أصحاب المصلحة المختلفين حول هذه القضايا؟ هل لمثل هذه القضايا أي أثر إيجابي أو سلبي علي الإنترنت التي يستخدمها اليوم قرابة ٢٫٥ مليار مستخدم؟ سأحاول عرض بعض المشاهد والأحداث للإجابة على هذه التساؤلات.
تمارس كثير من الدول سيادتها على الإنترنت باعتبار أن ما يجري على شبكة الإنترنت داخل الحدود الجغرافية للدولة يقع في نطاق سيادتها وبالتالي يدخل في أطرها القانونية والتشريعية. والأمثلة على ذلك كثيرة ومتنوعة ومن ضمنها، سن قوانين لتنظيم عمل شركات الإنترنت سواء العالمية أو المحلية إذا أرادت هذه الشركات أن تقدم خدمات داخل الدولة، حجب المواقع التي ترى جهة ما في الدولة أنها توفر خدمات أو محتوى بالمخالفة لقوانين بعينها، أو بالمخالفة للتقاليد والقيم الأخلاقية والدينية، أو بالمخالفة لسياسة الدولة وأمنها وسلامتها، مراقبة مستخدمي الإنترنت والتضييق على حرية الرأي والتعبير وفرض قيود على استخدام بعض الخدمات كشبكات التواصل الاجتماعي والتدوين. وقد ذهبت بعض الدول إلى حد قطع خدمات الإنترنت نهائياً.
التحدي الأكبر بالنسبة للدول هو قدرتها على التصدي لما يمكن أن تتعرض له من هجمات إلكترونية، وعلى بناء قوى ردع دفاعية وهجومية تستطيع استخدامها إذا لزم الأمر. وقد شهد العالم في السنوات القليلة الماضية العديد من هذه النوعية من الهجمات التي وضعت دولاً خارج نطاق خدمة الإنترنت لعدة أيام، وعرضت مواقع ومنشآت حيوية لدول أخرى للتجسس والتخريب. والجدير بالذكر أنه لا توجد حتى يومنا هذا اتفاقية أو معاهدة دولية لتأمين الفضاء الإلكتروني.
وباستثناء اتفاقية مجلس أوروبا للجريمة الإلكترونية والتي وقع عليها أكثر من أربعين دولة، لم تتمكن دول العالم من التوافق حول اتفاقية متعددة الأطراف بشأن تأمين الفضاء الإلكتروني. وبينما تسعى مجموعة من دول المعسكر الشرقي بقيادة الصين وروسيا ومعها دول العالم النامي للوصول إلى صيغة دولية مقبولة لمثل هذه الاتفاقية تحت مظلة الأمم المتحدة، تتخوف الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من أن مثل هذه الاتفاقية قد تؤدي إلى إحكام الدول سيطرتها على الإنترنت والحد من التدفق الحر للمعلومات على هذه الشبكة التي تمثل الكثير بالنسبة لدول الاقتصاد الحر والسوق الدولية المفتوحة. وستظل قضية تأمين الفضاء الإلكتروني هي الشغل الشاغل لكثير من الدول لفترة طويلة قادمة، ولا عجب في ذلك إذ تشير كثير من التوقعات إلى أن حروب المستقبل القريب ستكون إلكترونية.
أيضاً في العشر سنوات الماضية، لم تتغير المواقف كثيراً في قضايا حوكمة الإنترنت. وبالرغم من أن القمة العالمية لمجتمع المعلومات وتحديداً أجندة تونس قد أسست لمجموعة من المفاهيم الجيدة للحوكمة بل وأنشأت منتدى حوكمة الإنترنت كمنصة مفتوحة للجميع للمشاركة والحوار في قضايا الحوكمة، إلا أن المواقف حول القضايا السياسية وبالأخص قضية إدارة أسماء وأرقام الإنترنت، لم تتغير كثيراً.وقد أرست القمة العالمية لمجتمع المعلومات لمبدأ مهم وهو مشاركة جميع أصحاب المصلحة من الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني والأكاديميين والمجتمع التقني في عمليات تطوير السياسات العامة للإنترنت. وعلى مدار سبع سنوات هي عمر منتدى حوكمة الإنترنت حاولت أطراف عديدة من المؤسسات والحكومات والخبراء تعزيز نموذج تعدد أصحاب المصلحة، وقطعت بعض هذه الأطراف شوطاً معقولاً لتحسين أداء مؤسساتها وتطوير عملياتها لدعم هذا النموذج وتقديمه على أنه النموذج الأفضل للتعامل مع قضايا الحوكمة، إلا أن تأثير ذلك على المواقف السياسية التي تتبناها الدول يكاد يكون معدوماً.
ومما لا شك فيه أن قضايا الحوكمة وما يترتب عليها من سياسات وقواعد وقوانين لها بالغ الأثر على الإنترنت وعلى مستخدمي الإنترنت سواء بالإيجاب أو بالسلب. وعادة ما تكون احتياجات وأولويات كل طرف أو كل صاحب مصلحة مختلفة عن الطرف الآخر. فبينما تسعى شركات الإنترنت للإبقاء على هذه الشبكة كمجال مفتوح لنقل المعلومات وتتبنى السياسات التي من شأنها فتح مزيد من الأسواق لها وزيادة عائداتها، فإن ما يهم المستخدم النهائي ومن يمثله من جمعيات المجتمع المدني هو ألا تنتهك خصوصيته على الإنترنت ولا تقيد حريته في الوصول لمعلومة، أو في استخدام خدمة، أو في التعبير عن رأيه.
في المقابل نجد أن ما يهم جماعة التقنيين الذين يطورون المعايير الفنية اللازمة لتشغييل الإنترنت ويعملون على إدارة البنية التحتية للشبكة، هو استمرار عمل الشبكة بكفاءة واستقرار عاليين وتفادي أي سياسات أو قرارات سياسية ئؤثر سلباً على التشغيل الفني للشبكة. وتظل القضايا السياسية والسيادية هي محور اهتمام الدول ومن يمثلها من حكومات. ونتيجة لهذا التباين في الأولويات بين الأطراف المختلفة، يرى البعض أن قضايا السياسات العامة للإنترنت تحتاج لمشاركة جميع أصحاب المصلحة حتى يتمكن كل طرف من عرض وجهة نظره ويتوافق الجميع حول سياسات تحقق التوازن المطلوب بين مصالح جميع الأطراف، وقد يسري ذلك على ما يتم إقراره من سياسات على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي.
لكن واقع الأمر ليس على هذه الدرجة من المثالية، فنموذج تعدد أصحاب المصلحة يواجه تحديات كبيرة على أرض الواقع. هذه التحديات تفرضها عوامل مختلفة بعضها لها علاقة بكيفية تطبيق النموذج وما إذا كان بالفعل يمكن الجميع من المشاركة على قدم المساواة، وبعضها لها علاقة بطبيعة دور الحكومات في قضايا السياسات العامة وما إذا كان هذا النموذج يمثل تهديداً لهذا الدور. وبالتالي تشير جميع الشواهد إلى استمرار الجدل السياسي حول قضايا الإنترنت لنفس الأسباب التي جاءت أساساً بهذه القضايا إلى اجتماعات الدول والمنظمات الدولية الحكومية والتي لخصناها سابقا في أمرين إثنين هما، ما تمثله الإنترنت من قوة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، وحالة عدم التوازن السياسي التي فرضتها الإنترنت.
الخلاصة
إن السنوات القادمة ستشهد وبكل وضوح معالم تراجع ما يسمى بسيادة الدول على أراضيها وتفتت ما يطلق عليه بمبدأ السيادة الوطنية باتجاه دول افتراضية وسيادة جزئية تتحكم بها الثورة المعلوماتية ,والتجمعات الرقمية او شبكات التواصل الاجتماعي كتويتر والواتساب والفيس بوك , وكذلك الشركات العابرة للقارات , لتكون السيادة القادمة ليس للجغرافيا السياسية بقدر ما سيكون ذلك للجغرافيا الافتراضية , وستتحول الأنظمة السياسية القادمة الى حكومات الكترونية والأفراد الى مؤثرين فاعلين في سيادة تلك الأنظمة سواء كان السيادة الداخلية او الخارجية , فيما يمكن ان يطلق عليه بنهاية السيادة الوطنية وبداية الدولة الكونية الافتراضية او الرقمية.