رشيد الخيون باحث متخصص في التراث العربي/الاسلامي، وحاصل على دكتوراه في الفلسفة الاسلامية. صدرت له عدة كتب منها معتزلة البصرة وبغداد، مذهب المعتزلة من الكلام الى الفلسفة، الاديان والمذاهب بالعراق، وأخرها كتاب لاهوت السياسة: الاحزاب والحركات الدينية بالعراق، الصادر عن معهد الدراسات الاستراتيجية في بيروت.
لندن – أستضاف مركز الحوار الإنساني، في بيت السلام، الباحث العراقي الدكتور رشيد الخيُّون في ندوة ليتحدث بأسلوبه الشيق عن
ضمن الموسم الثقافي للمؤسسة مساء الاربعاء المصادف 24/11/2010، حضر الندوة جمهور من المثقفين العرب والعراقيين. وقدم الدكتور الشاعر صلاح نيازي للمحاضرة من خلال تصور عما يقوم به الباحث المحاضر من ربط بين الماضي والحاضر في بحثوه ومقالاته ومدى تأثيرها لدى المواطن العراقي منطلقاً من أفكاره الوطنية.
عُرف المعتزلة منذ نشأتهم في بداية القرن الثاني الهجري بالمناظرة والحوار، حتى أن لحظة النشأة والتسمية كانت من أجواء مناظرة، جرت بين واصل بن عطاء، مؤسسهم الأول، وشيخه الحسن البصري بالبصرة. أما المنحى العقلي لديهم فهم اعتبروا العقل قبل النص، وتمخضت حواراتهم أو مناظراتهم عن أفكار تُعد في وقتنا الحاضرة متقدمة، قياساً بما يجوب عالمنا من تراجع فكري مريع .
ربط الباحث بين مجريات الأمس وما وصلت إليه طائفة اسلامية من قدرتها على استعمال العقل واسلوب الحوار الذي اتسموا به، وبين اوضاعنا الحالية من سيطرة الأنغلاق والأوهام والخرافات واقصاء العقل عن واقع الحياة.
تحدث الخيّون عن المصادر التي وصلنا عنها الفكر المعتزلي، ومنها حسب تسمية الباحث، مصادر الخصوم والمحايدة ومصادر المعتزلة أنفسهم. وبعد توضيح تسمية المعتزلة الإشكالية، بدأ الخيّون بشرح مقالاتهم في التوحيد والعدل، وتوقف عند مسألة خلق القرآن، على أنها تحسب من أصل التوحيد عندما يتعلق الأمر بالصفات، التي يعطلها المعتزلة عن الذات الإلهية، وتحسب من العدل عندما يتعلق الأمر بأصل العدل، فاعتبار القرآن الكريم قديم في اللوح المحفوظ يتعارض مع فكرة نفي القدر، التي يبني عليها المعتزلة فلسفتهم في العدل، ومسؤولية الإنسان عن أفعاله. وأشار الى التطور العقلي لدى المعتزلة، بعد الإطلاع على الفلسفة اليونانية حال ترجمتها آنذاك، إذ بلغوا من الأفكار العقلية بما يتعلق في الوجود، كمسألة العدم، واعتبارهم للعدم مرحلة متصلة بالوجود مع اختلافهم بين أن يكون أشياء وأجسام، ثم فكرة المداخلة والكمون، وهو احتواء الأشياء على بعضها البعض، وما الظهور إلا عمليات تفاعل داخل الأشياء محسوبة بقانونية.
وأشار الخيّون إلى جوهر فكر المعتزلة في “أن الله حكيم ومن حكمته أنه لا يفعل شيء يخل بتلك القانونية، فلا يمكن أن يجعل من بذرة التفاح شجرة برتقال مثلاً، مع قدرته على ذلك.”
وتحدث عن مناظرات المعتزلة حول شكل الأرض والجاذبية، وأنهم استعملوا مثل التفاحة في التدليل على كيفية سقوط الأجسام، قبل نيوتن بثمانية قرون، وبذلك اعتبر المحاضر المعتزلة هم السابقون إلى اكتشاف الجاذبية، وإن كان باسم آخر هو “الهوي”، أي سقوط الجسم.
وختم الخيّون محاضرته بمقارنة بين الحاضر الذي تعيشه البصرة وبقية المدن العراقية وما كانت عليه قبل أكثر من ألف عام، من النضج الفكري والإبداعي، وإن كان إرهاصات لما اكتشف في القرون التالية. وهو يرى أن قراءة تاريخ المعتزلة وفكرهم ” يجعلنا نثق أنها الفِرقة التي نحتاج إلى بعثها من جديد، ذلك للموازنة في الاتكاء على الماضي إذا كان لابد من الناحية النفسية والثقافية من مناجاة ذلك الماضي واستحضاره. الإتكاء على الماضي أخذ نهج بعث استلاب العقل، وإشاعة القتل، وتدمير حرية الإنسان، وهذا ما تفعله الأُصولية بشراهة. لذا أجد في مقالات المعتزلة فيضاً من التطور الفكري والتقدم العقلي. ولا أتردد بالقول أن البصرة، التي هي حالياً شبيه بمدينة من مدن أفريقيا في مجاهل تشاد أو الصومال، لو استمرت فيها مناظرات المعتزلة وأفكارهم لتقدمت تلك المدنية إلى إنتاج أرقى أدوات المعرفة الصناعية اليوم، لكان الكمبيوتر يظهر بها قل ظهوره في طوكيو، أو أي مكان آخر من أمكنة العالم المتمدن”.
وصاحب المحاضرة نقاش جدي وعميق حول المعتزلة وأفكارهم من قبل الحاضرين في مسعى لإجراء إسقاطات فكرية ومعرفية بين المعتزلة والوضع العربي الراهن والعراقي منه على وجه الخصوص.