خالد القشطيني
خالد القشطيني كاتب متعدد الادوار و الاهتمامات الأدبية والصحفية والفنية. اتجه مؤخرا لأدب الرواية والسخرية فوصفوه ببرنارد شو العرب. كاتب عمود اسبوعي في صحيفة الشرق الأوسط.
سيخصص هذه الامسية لتدشين كتابه الأخير « حكايات عراقية» و يتكلم عن ظاهرة الاهتمام بحكايات ايام فاتت.
اعترف بأنني بعد سماع ما قاله عريف الامسية الصحافي اللامع معد فياض من ثناء جزيل علي، اضطررت للتوجه لله و طلب المغفرة عن ثلاثة ذنوب، اولاً- ان يغفر للزميل معد عما قاله من مبالغات في الثناء علي، و ثانياً- ان يغفر لي استمتاعي بما قاله عني، و ثالثاً- ان يغفر لي ما تمنيته و هو ان تمنيت ان يكون عريف الامسية شابة جميلة بجانبي و تقول هذا الكلام عني.
فاغفر لنا يا رب!
كتابي هذا الذي نحن بصدده ” ايام عراقية” هو سلسلة من الاحاديث الاذاعية و المقالات التي سبق نشرتها. وكان الزميل كامران قرداغي قد دعاني قبل 14 سنة لتقديم سلسلة من الاحاديث من صوت العراق الحر. غرضها النيل من صدام حسين. قلت له على العين و الراس. و لكني اقترح ان تدور الاحاديث عن الجوانب الجميلة التي اتذكرها من العهد الملكي. لتثير في السامعين الثورة و الاسى عند مقارنتها بما عانوه من نظام صدام من مظالم. قال هذه فكرة ممتازة. ماذا نسمي السلسلة ؟ قلت ” ايام الخير”. قال هذه احسن تسمية .
لم تمض ايام كثيرة حتى لقيت السلسلة اقبالا كبيرا لا بين العراقيين فقط بل و بين سائر العرب الآخرين ايضا. سرعان ما دخلت كلمات ” ايام الخير” في قاموس السياسة العربية للاشارة الى الماضي الجميل. استرعى ذلك تفكيري. لماذا هذا الهوس بأحاديث الماضي؟ التفسير هو لأنهم اصبحوا يشعرون بالقرف من حاضرهم و اوضاعهم الراهنة السيئة فينشدون الهروب و لو في الخيال الى ذكريات الماضي. سمعت بأن بعض المستمعين كانوا يبكون عندما انتهي من اذاعة بعض هذه الاحاديث و انهيها بمقطع من غناء يوسف عمر: ” ما بالكم يا سادتي ، لو تعيدون ليالينا القدامى. “
رويت ضمن هذه الاحاديث عن تجربة شخصية عندما سافر نوري السعيد في سفرة خاصة الى البصرة و حجز عربة صالون اجرتها 15 دينارا. كان اخي موفق مديرا في السكك فبعث بالفاتورة لمجلس الوزراء. جائنا بعد ايام بوجه ضاحك و قال صدقوا او لا تصدقوا ، استلمت صكا يحمل توقيعه لتسديد الفاتورة من حسابه الخاص. فلم تكن زيارته زيارة رسمية.
هكذا كانت الأمور. قارنوا ذلك بما نسمعه اليوم عن سرقات المليارات من اموال الدولة و تهريبها للخارج. و لكنني لا اقول ان العراق كان يعيش في ترف و رفاه. كلا. لقد ارتفعت نفوس الشعب من اربعة ملايين عند تأسيس المملكة و الآن نفوسه 27 مليون. تعكس هذه الزيادة تعاظم الرفاه و توفر الاكل و سبل العيش. هناك الآن ضمان اجتماعي و معاشات للارامل و حقوق العمال. لم يكن ذلك متوفرا في العهد الملكي. ما يجعلنا نحن اليه هو هذا الفارق. الصحة و الأمان التي كانت متوفرة في تلك الايام. كنا نخرج من بيوتنا و نسهر الليالي دون اي قلق او خوف. نشرب الخمرة و نزور الملاهي و المباغي دون اي احد يتعرض الينا. و الا فوسائل التسلية و الراحة ، كالتلفزيون و الراديوات الرقمية و كامرات الفديو و الثلاجات و المبردات المتوفرة الآن لم تكن موجودة بالأمس.
معظم القرى و البلدات لم يكن فيها اي كهرباء او ماء نقي او تلفونات. لكن الناس كانوا آمنين على انفسهم و ممتلكاتهم ، وهذا امر مهم. آن لي الآن ان اقرأ لكم ما كتبته عن ناحية المدينة التي لم يكن فيها غير فانوس واحد امام بيت البلدية. يعكس هذا الفقر و التخلف الذي عاشه العراق. و لكنني سأقرأ لكم بعد ذلك حكايتي عن حفلة عرس و وليمة مسقوف في الاعظمية. تعكس هذه الحكاية مدى الامان و الشعور بالحرية الذي كان شائعا في بغداد وهو ما يجعلنا نحن لتلك الايام.
========================
تعليقاً على ما قالته السيدة جبرة في ان العراق سيقوم ويبقى خالدا ماجدا ما دام هناك بين ابنائه خالد القشطيني . اقول كلا يا سيدتي. لا ارى ذلك و لكنني ارى انه سيبقى كذلك رافع الرأس و ينتظره مستقبل باسم ما دام بين رجال الدين فيه رجل مثل سماحة الشيخ حسين الصدر يكرس وقته و عنايته و ماله لوجوه الخير في رفع مستوى التعليم في العراق وازدهار الثقافة العراقية فيقيم في لندن هذا المركز الحضاري للحوار الانساني حيث يستمع الجمهور لشتى الطروحات الثقافية و الفكرية في جو رائع من الفكر الحر و التسامح و رحابة الصدر. كثر الله من امثاله و ما احوجنا اليهم.