10 أكتوبر 2010 –
عدنان حسين أحمد
ألقى سماحة السيد حسين إسماعيل الصدر في حفل افتتاح مؤسسة الحوار الإنساني “بيت السلام” كلمة مقتضبة أكدّ فيها على ضرورة ترسيخ مبدأ “الحوار مع الاخر لفهمه وليس من أجل تغييره” كما شدّد على ضرورة الانفتاح على الآخر بغض النظر عن دينة ومذهبة وقوميته وعرقه ولون بشرته. وقد جاء في كلمته ما يلي: “بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على محمد سيد المرسلين وعلى آله الأبرار المنتدبين ثم الصلاة والسلام على أنبياء الله ورسله أجمعين لا نفرق بينهم. أرحِّب بالسادة الأعزّاء وأعرب عن سعادتي باستقبالكم، خصوصاً في هذه المناسبة الرائعة الجميلة، مناسبة افتتاح مؤسسة الحوار الإنساني، هذه المؤسسة هي الأولى التي أسسناها بعد انهيار النظام السابق، وهي من ضمن المؤسسات الكثيرة ولكنها كانت الأولى والأهم.
تعمل مؤسسة الحوار الإنساني بمبدأ الحوار، وتسعى من أجل ترسيخ فكرة الحوار وثقافته، ولا تنحاز إلاّ للحوار. لا تهدف هذه المؤسسة إلى الدعاية، وهي ليست نفعية ولا ربحية وإنما ربحها هو ضمير الإنسان وثقافته وحواره. ونحن ندرك بأن هذا الحوار الذي تريده مؤسسة الحوار الإنساني أن يجعل هذا الطرف يعرف الطرف الآخر، وإذا عرف رأيه فلابد أن يحترمه ويقدّر رموزه.
لم تقم هذه المؤسسة على أساس ديني، أو مذهبي أو فكري معيّن، وإنما اعتمدت فكر الحوار الذي يخدم الإنسان ويطوّره وينمّي قدراته وقابلياته، ولهذا نحن مع تنمية الفكر الإنساني بالشكل الذي يخدم الإنسان وقضيته ووجوده، ويعزِّز كرامته وحريته الفكرية. نحن نعتقد أن الأساس في الحوار هو معرفة الرأي الآخر واحترامه وأن نأخذ من كل الآراء ما يخدم المسيرة الإنسانية. لا ضير في أن يكون الحوار بين الديانات والطوائف والمذاهب والأفكار ولكن الهدف من هذا الحوار هو معرفة الآخر وليس تغييره لأننا نؤمن بأن الديانات السماوية كلها مصدرها واحد وهو الله أو الربّ، وهدفها واحد هو الإنسان الذي نسعى لخدمته ولتعميق ثقافته. إذن، جميل أن يكون هناك حوار بين الديانات والمذاهب والثقافات والأفكار غير أن هذه الحوارات لا تقوم على أساس تناقضي، وإنما على أساس تضامني الهدف منها تعزيز سلامة الإنسان لتكريس ثقافته وتمكينه من أداء رسالته. إن الإنسان الذي نؤمن به هو أكبر قيمة إلهية في هذا الوجود، فالإنسان هو خليفة الله في هذا الكون، وهو المُوكل من قِبل الرب لإعمار هذا الوجود. إذن، لابد أن نتحاور في الأفكار والمفاهيم الدينية والثقافية المتنوعة من أجل الإنسان كي يحمل رسالته التي كلّفه الرب بحملها إضافة إلى حمل رسالته الإنسانية من جهة والوطنية من جهة أخرى. إذ يجب أن يعمل كل إنسان لمصلحة وطنه أيضا. المهم أن نعمل جميعاً من أجل ترسيخ ثقافة الحوار مع الآخر والقبول بآرائه فإذا غابت هذه الثقافة مع الآخر فإن الكثير من الانحرافات ستقع، والكثير من الصعاب ستحدث سواء للمسيرة الإيمانية أم للمسيرة الإنسانية أم للمسيرة الوطنية. ولهذا أتمنى أن نعمل مخلصين بجهود حملة الفكر والثقافة العراقيتين، وبجهود كل المؤمنين بالإنسان والإنسانية من أجل الانفتاح على الآخر والقبول بآرائه واحترامها. أرحب بكم ثانية معرباً عن سعادتي باستقبالكم متمنياً لكم الصحة والسلامة والعافية وأتمنى أن أكون معكم وأن تكونوا معي حاملين رسالة الحوار كل في بلده، ومن أجل شعبه، وفي بقية البلاد أيضاً من أجل خدمة الإنسان. شكراً لكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.
ثقافة المحبة
* البارونة إيما نيكلسون: نتقدم بالشكر والامتتنان لسماحكتم لفتح هذا المجال لتعزيز ثقافة الحوار وتعزيز أطر التعاون بين مؤسسة الحوار الإنساني والمؤسسات الأخرى. أنا عندي سؤال صغير أصوغه بالشكل الآتي: في أحيان قليلة يكون هناك خلاف بالرأي بين شخصين يختلفان سواء أكان الموضوع دينياً أم ثقافياً أم عائلياً ويطلب طرف في هذا النقاش من الطرف الآخر الاعتراف برأيه لكنهما يبقيان في وضع غير قابل للحراك والنقاش حيث يتوقفان عند هذه النقطة ويبقى كل طرف متشبثاً برأيه مما يولّد نوعاً من الكراهية بين هذه الأطراف وهذا كله لمجرد أن هناك اختلافاً في الرأي. أشار سماحتكم إلى أهمية الحوار وفهم الرأي الآخر والاعتراف بالرأي به. حسب حكمة سماحتكم وخبرتكم الواسعة في الحياة ما هي الدلائل والمؤشرات التي تنصح بها لتليّين مواقف هذه الأطراف المتصلبة؟ وما هي الطريقة الأفضل حسب خبرة سماحتكم للتعاطي مع مشكلة من هذا النوع؟
* سماحة السيد: لو كانت ثقافة الحوار موجودة بينهما لما حصل الخلاف سواء أكان بين شخصين من دينين أو مذهبين مختلفين أم بين مجموعتين من فكرين مختلفين، ولكن حصل الخلاف ووصلا إلى باب مغلقة لأنهما لم يمتلكا ثقافة الحوار. هنا مسألة مهمة جداً في تقديري في موضوع الحوار والوصول إلى نتائج. ففي حالة الاختلاف لا ينظر الطرفان إلاّ لمسألة الاختلاف، ولكننا بحاجة لأن نذكّرهما بنقاط الاتفاق ولو راجعها كل منهما على انفراد لرأياها كثيرة، ولكن بسبب محدودية ثقافة هذا الشخص أو تعصبه فهو لا يلتفت إلى الإيجابيات التي تجمعه مع الآخر لأنه التفت فقط إلى زاوية صغيرة وهي الزاوية التي يختلف بها مع الآخر. إذن، في هذه الحالة نحن بحاجة لأن نلفت نظر الطرفين المختلفين إلى نقاط الاتفاق وهي كثيرة في الجانب الديني والإيماني إذا كان النقاش منصباً على الديانات والطوائف والمذاهب وإذا تعذّر ذلك فعليهم أن يرجعا إلى الجانب الإنساني الذي ينطوي على جوانب إيجابية كثيرة. وبذلك نؤكد على أهمية ثقافة المحبة والأخوّة التي زرعتها الأديان بين أبناء القوميات والطوائف والمذاهب على اختلاف أنواعها وتعدد مشاربها.
* نبيل الحيدري: توجد في تراثنا نظرة انتقاص إلى الآخر ففي القرآن الكريم: “إن الدين الإسلام ومن يدعو لغير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين”.
* سماحة السيد: الديانات بأجمعها تعني الاستسلام لله والقبول بأمر الله. ولهذا فكل أبناء ديانة ينفذّون أوامر الله يكونوا مسلمين له. والاستسلام لله ضمن الديانة التي ارتضاها الإنسان لنفسه يكون ممن أسلم.
الحكمة والموعظة الحسنة
* صلاح التكمجي: إن أطروحتي للماجستير قائمة على الحوار والآية التي تقول: “وأدعو إلى ربك بالحكمة والموعظة الحسنة” هي جزء من الأدلة على الحوار. بودي أن أعرف من سماحة السيد مفهوم الحكمة والموعظة الحسنة لفهم هاتين الآليتين في طريقة الحوار الإنساني؟
* سماحة السيد: بالتأكيد أن هذه المفردات هي مفردات أساسية في موضوع الحوار فعلى المتحاورين أن يستعملوا الحكمة أولاً فيما يقولون. وأن يستعملوا الحكمة في الوقت المناسب. فعندما نتحاور مع الآخر فمن الضروري أن نراه في وقت مناسب هو مستعد فيه للحوار، كأن يكون منشرح الصدر حين يحاورني ويعرّفني بنفسه. علماً بأنني لا أريد تغييره وإنما أريد معرفته. إذن، لا بد أن أختار الوقت المناسب لأن أعرف الآخر فذلك من الحكمة، وبعد ذلك عندما أريد أن أعرف الآخر لا يمكن أن أنكر له فكر، ولابد أن أحترم فكره ورأيه من أجل أن أعرفه فعلاً. ومن الحكمة أيضاً ألا أحاور الآخر مع مسبقات معينة. أما الموعظة الحسنة التي تأتي بعد الحكمة فلابد أن يكون سلوك الإنسان الذي يريد أن يتحاور مع الآخرين مطابقاً لقوله، وأن يعرف الآخرين ويحاورهم بسلوكه الواضح وقوله الصحيح ولا يعيش الاثنينية أو الازدواجية.
الناس سواسية
* السيد مضر الحلو: إن من يقوموا بهذا الهمّ الكبير، همّ الحوار الإنساني، هم قليلون وسماحة السيد هو واحد من هؤلاء القلة الذين تبنوا هذا المشروع، ولذلك أوجه له هذا الكلام لأقول له بأننا قد تربينا في مجتمعاتنا الإسلامية سواء أكان في المدرسة أم في المجتمع أم في البيت، على أننا أفضل بالمطلق من الآخر، وربما كان الآخر يفكر بنفس الطريقة لكنه في الغرب وضعت مناهج دراسية منذ المراحل الأولى لإزالة هذه النظرة الفوقية وبالتالي النظر إلى الجميع على مستوى واحد. ولهذا فنحن نحمّل سماحة السيد باعتباره يحمل هذا الهمّ أن يدعو في العراق إلى البدء بثقافة الحوار منذ المراحل الدراسية الأولى، وأن يُغذّى الطالب بهذه الثقافة لكي ينظر للآخرين نظرة واحدة. فالإنسان الذي يتربى على الثقافة الفوقية وعلى أنه فوق الآخرين وأفضل منهم سوف يصطدم بواقع ربما يُحدث عنده صدمة عن الدين. نحن نحتاج في ثقافة الحوار أن نبدأ بها منذ الطفولة وأن نربي أطفالنا على وفق هذا الأسلوب، ونحمّل سماحة السيد أن ينقل هذا الهمّ للمعنيين في بلدنا على أن يثقفوا أبناءنا بهذه الطريقة.
* سماحة السيد: السيد أحسنتم فيما تفضلتم به. وكما ذكرتم بأن أول ما يصطدم به الشخص هو رسالته الدينية التي لم تكن تعطيه في يوم من الأيام الفوقية أو الأفضلية على الآخرين. الإسلام واضح وصريح في احترام الآخر والقبول برأيه، وعدم الفوقية عليه. ويمكن أن أستشهد بعجالة ببعض الآيات القرآنية الكريمة التي تخاطب بقية الديانات بالقول: “الله ربنا وربكم” أو “ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم” وهذا تماماً قبول بالرأي الآخر وأن عمل الآخر كعمله. وقبل ذلك كرّم الله الإنسان لإنسانيته قبل النظر إلى دينه وطائفته وعرقه وقوميته عندما قال “وكرّمنا بني آدم”. بعض الآيات تؤكد على أن “من أحيا نفساً فكإنما أحيا الناس جميعاً”، ولم يقل من أي دين أو طائفة أو عرق، وإنما هي نفس وكفى، أو إنسان وكفى. كما يقول القرآن “من قتل نفساً بغير حق فكإنما قتل الناس جميعاً” فمن قتل نفساً كإنما قتل بشرية بكاملها. وفي الحديث النبوي الشريف يقول مخاطباً الناس جميعاً “كلكم لآدم وآدم من تراب”، أو يصف أبناء آدم كأسنان المشط. إذن، ليس هناك أي مجال للفوقية سواء عند أبناء ديانة الإسلام أم عند بقية الديانات. لقد دعمنا ثقافة الحوار على المستوى الثقافي والديني والشعبي. عقدنا العديد من المؤتمرات المتعلقة بالأديان وكبار العلماء، وكرّمنا رموز وعلماء من الديانات الأخرى ومن أهمها الحفل الذي أقمناه للكاردينال عمانوئيل دلي عندما مُنح الكاردينالية من البابا. كذلك أقمنا مؤتمرات أخرى مع المتخصصين من أبناء الطوائف الأخرى ومع رموز ثقافية وعشائرية بهدف التواصل والتعرف على ثقافات الطوائف الأخرى ورزع المفاهيم الوطنية والإنسانية. وكان لهذه الندوات والمؤتمرات وحفلات التكريم أثرها الكبير في الساحة العراقية. وقبل مجيئي إلى لندن ببضعة أيام كان هناك طلب في مكتبي أن أستقبل أمير الطائفة الإيزيدية في العالم وهو عراقي للمناسبة وقد أعربت عن رغبتي وترحابي باستقباله. لقد عملنا على المستوى الاجتماعي من أجل تقريب وجهات النظر، وزرع ثقافة الحوار، والقبول بالرأي الآخر، واحترام رموزه. والحقيقة نتمنى لكل الشعوب أن تعمل بثقافة الحوار مع الآخر، وأن يكون الأساس هو الانتماء الوطني والمواطنة الحقة. وإذا كانت المواطنة الصحيحة هي الأساس، فعلى كل إنسان أن يحترم وطنه بما فيه من ديانات وأطياف وألوان. وقد نبّهنا بالتأكيد الجهات المسؤولة على أهمية زرع ثقافة الحوار وترسيخها، والقبول بالرأي الآخر، ودعوناهم لتبنّي هذا المفهوم في المراحل الدراسية المختلفة.