استضافت مؤسسة الحوار الانساني في لندن الدكتور حميد الكفائي في أمسية ثقافية يوم الاربعاء الاول من تموز/يوليو 2020 على منصة زوم، سلط فيها الضوء على أحداث وشخصيات وأسباب ونتائج ثورة العشرين والعبر التي يمكن تعلمها منها.
حميد الكفائي كاتب وأكاديمي عراقي، من مواليد مدينة الرميثة، التي انطلقت منها الشرارة الأولى لثورة العشرين في 30 حزيران 1920، والتي أشعلها أبناء منطقته وشارك فيها أجداده وأعمامه. حاصل على بكلوريوس في الاقتصاد من جامعة لندن، وماجستير في الترجمة من جامعة ويستمنستر، ودكتوراه في العلوم السياسية من جامعة أكسيتر. عمل صحفيا وخبيرا ومديرا في مؤسسات دولية بينها بي بي سي، الأمم المتحدة، أم بي أن وكلاريفيت. كما عمل محاضرا في العلوم السياسية والاقتصاد السياسي والادب العربي والإسلام والحداثة في جامعات بريطانية. تبوأ عدة مناصب في العراق بعد سقوط الدكتاتورية. يكتب الأبحاث والمقالات في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة في اللغتين العربية والإنجليزية منذ 30 عاما، ويعمل مشرفا على الأبحاث العلمية في مؤسسة دولية. آخر مؤلفاته كتاب (فشل الديمقراطية في العراق-2019) عن دار راوتليج البريطانية، وروايتا (عابر حدود)، و(الغائب الحاضر) عن دار ضفاف في بغداد 2020.
في الذكرى المئوية لثورة العشرين
ابتدأ د. حميد الكفائي كلامه في استذكار ثورة العشرين في العراق معرفا بانها الثورة التي انطلقت من مدينة الرميثة في الفرات الأوسط والتي قادت إلى نيل العراق استقلاله من بريطانيا في العام التالي وتتويج الأمير فيصل بن الحسين ملكا في الثالث والعشرين من آب 1921 بعد قرار مجلس الوزراء باختباره ملكا في 16 تموز.
شرارة الثورة
ثم تحدث عن شرارة الثورة حيث مبنى السراي في الرميثة الذي لا يزال قائما حتى اليوم لكنه مهمل للأسف الشديد. هذا المبنى التأريخي كان مقرا للحكومة العثمانية ثم البريطانية في الرميثة وفيه اعتقل البريطانيون الشيخ الثائر شعلان أبو الجون شيخ عشيرة الظوالم عام 1920. وقد أقدمت عشيرة الظوالم بقيادة الشيخ غثيث آل حرجان على اقتحام المبنى يوم الثلاثين من حزيران وفتحت أبوب المعتقل بالقوة وأطلقت سراح الشيخ شعلان أبو الجون منه.
وقد قام الجيش البريطاني بملاحقة الثوار وإرسال قوة عسكرية عدد أفرادها مئتا جندي بهدف ملاحقتهم وقتلهم وإعادة الشيخ شعلان إلى المعتقل، لكن تلك القوة أُبيدت عن بكرة أبيها على أيدي الثوار من عشيرة البوحسان والظوالم ولم يبقَ منها سوى قائدها المقدم هايت (أو حايط كما كان يسميه الثوار في الرميثة). بقيت عشائر الرميثة تحارب المحتلين البريطانيين ولم تستسلم مطلقا بل انتهت الثورة بعد أن أجرى البريطانيون مفاوضات مع الثوار كان المفاوض الرئيسي عنهم فيها السيد محمد السيد محمود الشرع الذي كان شخصية مرموقة في المنطقة ومسموع الكلمة من قبل جميع العشائر في الفرات الأوسط.
أهازيج الثورة
ودخلت ثورة العشرين في الأدب والشعر، وأصبحت درسا للحركات والثورات والاحتجاجات التي حصلت فيما بعد، وتغنى بها الشعراء والأدباء وخلدوها بأبيات كثيرة من الشعر، حتى أن الثورة مع انطلاقها كان قد رافقها أشهر بيت شعري عرفه العراقيون، وهو “الطوب أحسن لو مكواري”، في إشارة للمقارنة بين السلاح الناري والمكوار الذي هو عصا غليظة تستخدم للقتال ويوضع عند أحد أطرافها مادة القير لتكون صلبة وقوية.
أسباب اندلاعها؟
كانت ثورة عام 1920 من أهم الثورات ضد القوات البريطانية في العراق، وكان وراء اندلاعها أسباب متعددة من أبرزها سوء الإدارة البريطانية وتعسفها في إدارة البلاد، فضلا عن الضرائب الثقيلة التي أرهقت كاهل الشعب العراقي، لقد سبق قيام ثورة العشرين اندلاع ثورة النجف الأشرف عام 1918 التي قمعها البريطانيون بكل قسوة، وأعدموا الكثير من الرموز الوطنية آنذاك، ثم تسارعت وتيرة الأحداث التي دعت إلى قيام ثورة شاملة ضد البريطانيين وإنهاء فكرة إلحاق العراق بمحمية عدن وجعله مستعمرة تابعة لها.
على إثر ذلك ، اجتمع بعض من زعماء الفرات الأوسط في بيت الشيخ هادي المكوطر، أحد كبار شيوخ محافظة الديوانية، وكان من الحاضرين الشيخ خيون العبيد، وهو من كبار شيوخ ذي قار، ودار النقاش حول القيام بالثورة، لكن الشيخ خيون اقترح القيام بتوعية الشعب للتحضير لذلك، ولا سيما أن منطقة المنتفك كانت في حالة صراع مع العثمانيين والبريطانيين خلال الفترة 1908-1918. بعد ذلك خرج الجميع من الاجتماع بفكرة واحدة وهي توعيه الناس وتحشيد الجهود، وتم تشكيل جمعية الرابطة الإسلامية للقيام بذلك.
ومن الأسباب المباشرة لاندلاع الثورة ، قيام القوات البريطانية بسجن الشيخ شعلان أبو الجون شيخ عشيرة الظوالم في محافظة المثنى (السماوة) جنوب البلاد يوم 30 يونيو/حزيران 1920، والاستعداد لإرساله عبر القطار إلى مدينة الديوانية. لكن عشيرة الظوالم هاجمت السراي الحكومي وحررت الشيخ من السجن، حيث تعتبر تلك الحادثة من الشرارات الأولى لاندلاع الثورة وانتقالها لباقي المدن العراقية.
ومن الأسباب الأخرى لتفجيرها وتوسع نطاقها، إعلان قبيلة شمر حربها على الإنجليز، ومن أبرز الثوار الشيخ ضاري بن محمود الزوبعي. فقد طلب الحاكم الإنجليزي في حينها العقيد ليتشمان مقابلة الشيخ ضاري، لكن الشيخ رفض في بادئ الأمر المثول أمامه، لعلمه بأنه سوف يطلب منه التعاون مع الإنجليز ضد العراقيين.
وعندما تمت المقابلة في منطقة خان بين بغداد والفلوجة، قام الضابط الإنجليزي بإهانة الشيخ ضاري بكلمات نابية وشديدة، وحاول اعتقاله. فهبّت الحمية بالشيخ وخرج وأحضر ولديه اللذين وجها بنادقهما إلى رأس العقيد ليتشمان وأطلقوا النار عليه فأردوه قتيلا، ثم أجهز عليه الشيخ ضاري بسيفه، وعند محاولة المرافق المقاومة قتلوه أيضا. وبالتزامن مع ذلك حدثت انتفاضة أخرى قام بها الأكراد ضد البريطانيين في شمال العراق، وكان الشيخ محمود الحفيد من أبرز قادة الثورة الكردية.
وعلى الرغم من أن الثورة قد حققت بعض النجاح الأولي، فإن البريطانيين تمكنوا من قمعها نهاية أكتوبر/تشرين الأول 1920. وكانت أهداف الثورة هي: الاستقلال عن الحكم البريطاني، وتأسيس حكومة عراقية مستقلة.
وقد اعتبر عالم الاجتماع العراقي المعروف الدكتور علي الوردي أن المنتصر الحقيقي في تلك الثورة هم عشائر الرميثة والفرات الأوسط الذين لم يلقوا سلاحهم إلا وفق اتفاقية قادت في النهاية إلى استقلال العراق، ورغم أن هذه المنطقة تمثل العراق التأريخي وأن أهلها هم الذين ساهموا في تأسيس العراق الحديث إلا أنها لا تزال الأفقر في العراق وفق الإحصاءات الرسمية.
ولا تزال الكتل السياسية الرئيسية لا تعير أهمية لها بل حتى أن بعضها قدم مرشحين من محافظات أخرى في الانتخابات المتعاقبة كي يمثلوها في البرلمان. لكن هذه المنطقة ستبقى تمثل الضمير الوطني العراقي وتبقى متمسكة بالوحدة الوطنية العراقية رغم الإهمال والتهميش الذي لن يطول بفضل الوعي والحس الوطني الذي يتمتع به أهلها.
مبنى سراي الرميثة هو مبنى تأريخي عراقي مرتبط بالوجدان العراقي ويجب أن تعتني به الحكومة كأثر عراقي خالد ويسجل لدى دائرة الآثار العراقية كي يحظى بصيانة متواصلة لحفظه من التآكل والهدم. هذا هو أقل ما يمكن عمله لتخليد ثورة العشرين وتأكيد العرفان للرميثة وأهلها وعشائرها على تضحياتهم الجليلة على مر العصور في سبيل العراق …
واختتم د. حميد الكفائي محاضرته بقوله؛تحية لثوار العشرين في ذكرى الثورة وتحية لأرواح قادتهم العظام وعلى رأسهم الشيخ شعلان أبو الجون والشيخ غثيث الحاجم والسيد محمد السيد محمود الشرع والسيد هادي المكوطر والسيد نور الياسري والشيخ عبد العباس الفرهود وباقي الثوار الذين لا تتسع الصفحات لذكر مآثرهم وأفضالهم على العراق. ألف