اقامت مؤسسة الحوار الانساني بلندن امسية ثقافية استضافت فيها ثلاثة من اساتذة علم الاجتماع العراقيين للحديث عن المنجز الفكري لعالم الاجتماع العراقي الراحل فالح عبد الجبار،وهم البرفيسور سامي زبيدة و د.سعد عبد الرزاق و د.حميد الهاشمي يوم الاربعاء 3 اكتوبر/تشرين الاول 2018 . البروفسور سامي زبيدة استاذ السياسة وعلم الاجتماع في كلية بيركبك في جامعة لندن، ويعمل حالياً كباحث متخصص في مركز دراسات الاغذية في جامعة الدراسات الشرقية والافريقية في لندن، نشرت له عدة كتب عن الدين والدولة والمجتمع وصدر له حديثاً كتاباً بعنوان (نكهة الزعتر: ثقافة الطهي في الشرق الاوسط). الدكتور سعد عبد الرزاق حاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة براغ في علم الاجتماع، مارس التدريس في العديد من الجامعات العربية، وهو رئيس وحدة البحوث الاجتماعية في مركز الدراسات الاستراتيجية في بيروت،وله العديد من الدراسات والابحاث المتعلقة بالوضع الاجتماعي العراقي. الدكتورحميد الهاشمي حاصل على شهادة الدكتوراه بعلم الاجتماع . استاذ علم الاجتماع في الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية،كما يعمل في المركز الوطني للبحث الاجتماعي بلندن وقد عرف باشتغاله على دراسة الأقليات والهويات الفرعية والهجرة والاندماج الاجتماعي وقد صدرت له عدة كتب فضلا عن عشرات البحوث العلمية باللغتين العربية والانكليزية. سامي زبيدة ..رحلة من التلمذة الى الزمالة تحدث اولا البروفيسور زبيدة عن فالح عبد الجبار،وذكر رحلة تعرفه عليه منذ ان دخل الاكاديمية في بريطانية في مطلع تسعينات القرن الماضي واشار الى ان كان تلميذا متميزا نتيجة ما امتلكه من خبرات في العمل الصحفي والسياسي اكسبته معرفة ممتازة صقلها في الدراسة في جامعة بيؤكبك حيث اشرف على رسالته البروفيسورزبيدة. واشار زبيدة في معرض حديثه الى ان فالح عبد الجبار ولد في بغداد عام 1946 في ظروف متواضعة. وفي العشرينات من عمره، انضم إلى الحزب الشيوعي العراقي وعمل ككاتب ومحرر. في السبعينيات من القرن الماضي، أمضى بعض الوقت في لبنان دعماً لحركة المقاومة الفلسطينية. وفي الثمانينيات، انضم إلى الشيوعيين والأكراد المعارضين للحكم البعثي. في التسعينيات، انتقل إلى لندن حيث بدأ بدراسة الدكتوراه في علم الاجتماع في كلية السياسة وعلم الاجتماع في بيركبيك بجامعة لندن. وقد أشرف عليه سامي زبيدة، وعلى أطروحة نشرت بعد ذلك ككتاب بعنوان “الحركة الشيعية في العراق” (2003)، وهو كتاب مهم في وصف النشاط السياسي الشيعي في العراق.في وقت لاحق، أسس عبد الجبار المعهد العراقي للدراسات الاستراتيجية، ومقره في بيروت، لتدريب جيل جديد من الباحثين في العلوم الاجتماعية العراقية بهدف تعزيز ثقافة مدنية ديمقراطية سلمية متسامحة تستند إلى الحقوق في العراق، وبناء منظمات مجتمع مدني وحكم جديدة. كما قدم سامي زبيدة تعريفا سريعا بأهتمامات فالح عبد الجبار البحثية على صعيدي التأليف والترجمة وقدم استعراضا سريعا بانجازاته في التأليف ،فأشار الى ان المعرفة العميقة التي امتلكها فالح بالتاريخ العراقي والفهم الواسع للفكر الاجتماعي قد مكنته من تقديم اعمال مميزة مثل (العمامة والافندي :سوسيولوجيا خطاب وحركات الاحتجاج الشيعي –نموذج العراق- 2009) ، (في الاحوال والاهوال : المنابع الاجتماعية والثقافية للعنف- 2008)، ( الديمقراطية المستحيلة الديمقراطية الممكنة- نموذج العراق-1998)،(التوتاليتارية- 1998) ،(معالم العقلانية والخرافة في الفكر السياسي العربي -1992) ، اما كتبه الصادرة باللغة الانجليزية : الحركة الشيعية في العراق (2003)، القبائل والسلطة في الشرق الأوسط (2002)، آيات الله والصوفيون والأيديولوجيون (2002)،كذلك على صعيد الترجمة ، اشار زبيدة الى الترجمات التي انجزها فالح عبد الجبار والتي يقف في مقدمتها ترجمته لكتاب رأس المال لماركس بثلاثة مجلدات. سعد عبد الرزاق: فالح عبد الجبار ومفهوم الدولة أهتم فالح كثيراً بالدولة والمجتمع والمجتمع المدني، وكل هذه المفاهيم مرتبطة بدراسته في إطار علم الاجتماع السياسي. فالدولة مفهوم اساسي في علم السياسية كما هي مهمة لبقية العلوم الاجتماعية خصوصاً السوسيولوجيا (علم الاجتماع). وأخر ما اهتم به فالح هو وضع ومسار الدولة العراقية منذ تأسيسها في عام ١٩٢١، مع العودة الى التاريخ العثماني المرتبط بتشكيلها (مدحت باشا، وانقلاب ١٩٠٨، والحرب العالمية الاولى، واحتلال بريطانيا للعراق). وهذه المواضيع، خصص لها فالح اخر اعماله ”كتاب الدولة: اللوياثان الجديد“، الذي يتناول تاريخ الدولة العراقية لغاية احتلال العراق في ٢٠٠٣،وعنوان الكتاب يحمل اشارة ذكية وصحيحة الى كتاب توماس هوبز ”ليفايثن“، الذي يعتبر من اول المؤلفات الحديثة عن الدولة ١٦٥١. ويكمله في مخطوطة غير منشورة حتى الان بالعربية عن ”اللادولة“ الذي تناول فيها الاوضاع بعد ٢٠٠٣. ويتناول كتاب هوبز، كيفية تأسيس الدولة الحديثة، بعد ان اصبح من الصعب على الانسان الإستمرار في الحياة الأولية، التي تتلخص في ”حرب الجميع ضد الجميع“.ولهذا ينبغي على الانسان ان يتنازل عن بعض حقوقه الأساسية وتحويلها الى شخص او جماعة تقوم يتنظيم حياته داخل المجتمع (فكرة العقد الآجتماعي)، ومن دون ذلك لا يمكن ان يقوم المجتمع ولا ان يحصل الانسان على السلم والأمان، بل انه لا يتمكن من العمل الحرفي والصناعي والتجارة …الخ ولا يتمكن بالتالي بالقيام بأي عمل مثمر. والعقد او العهد الاجتماعي يتضمن: *عدم تمكن الافراد من تغيير الحكومة. وكذلك عدم تمكن الحاكم من تغيير العهد *يرتبط وجود الحاكم بالاكثرية التي وافقت عليه، وعلى الاقلية الموافقة على ذلك. *ليس من حق الحاكم ايذاء المواطن، كما انه لا يتهم باللا عدالة. *لا يمكن الحكم على الحاكم بالموت. *اساس المجتمع هو السلم * ينبغي شرح لقواعد القانون المدني وحقوق الملكية. *للحاكم الحق في الحكم في كل القضايا *يمكن للحاكم ان يشن الحرب وان يعلن السلم، ويتولى هو قيادة الجيوش. *يتمكن من اختيار مستشاريه ووزرائه وموظفيه. *ان يقدم المنح لمن يستحقها ويعاقب المخالفين. انواع الدول ثلاث بحسب نظرية هوبز: ملكية، وارستقراطية وديمقراطية. وكان هوبز يفضل الملكية.كما كان ضد فصل السلطات. الفكرة: ان الدولة تاسست بعد ان أتفق الناس على منح السلطة للحكومة، وبذلك هم يتنازلون عن بعض حقوقهم الطبيعية من اجل الحصول على الأمن والسلم من خلال الدولة (العادلة). ومؤسسات الدولة هي التي توفر هذه الصيغة وتفصل بين الجمهور وقضاياهم الاساسية وغيرها.وهذه كانت بإختصار فكرة الدولة الحديثة في منتصف القرن السابع عشر. في اللوياثان الجديد، يبين فالح عبد الجبار بوضوح كيف تأسست الدولة العراقية،ويشير الى جهود الملك فيصل الآول، وتحول رؤساء القبائل الى كبار ملاكي الارض، ومن ثم الطبقة السياسية الآساسية في نهاية العهد الملكي. كما يشير الى الطابع الانتقالي لانظمة الدولة العراقية،ويتناول مسألة النفط وتحول العراق بفضله الى دولة ريعية. ويشير الى الدور السلبي الذي لعبه القطاع العام في الاقتصاد العراقي، كما هو الحال في تأميمات عام ١٩٦٤. ثم ينتقل الى صعود البعث للحكم للمرة الثانية وتحول النظام الى نظام شمولي.والتحول من النظام الريعي – التسلطي الى نظام اسري – توتاليتاري بعد استلام صدام للسلطة. صعود القبيلة والدين بعد ١٩٩١. الفكرة عند فالح حسب كتابه، ترجع لعام ١٩٩١من ملاحظة ان في العراق وبعض دول العالم الثالث: “الدولة كل شيء، والمجتمع لا شيء”. وعلى عكس تطور الدولة في الغرب فإنها في عالمنا الثالث: “كائن همجي، لا عقلاني، يمثل إرادة جزئية، جزافية”. الكتاب ـ حسب فالح- هو دراسة للدولة العراقية، المرحلة الأولى ١٩٢١-١٩٦٣ وهي المرحلة التي جرى فيها محاولة خلق أمة حديثة ”في إطار ليبرالي اقتصادي وسياسي“. ثم تحولها في المرحلة الثانية ١٩٦٣-٢٠٠٣ من دولة ”تسلطية- عسكرية الى دولة توتاليتارية – قرابية“. ويشير فالح عبد الجبار الى ان المجتمع العراقي مر بمراحل انتقالية بدأت مرحلته الأولية منذ ايام الامبراطورية العثمانية وهي التي تعرف بالمرحلة ماقبل الحديثة (دويلات المدن ومافيات الأحياء والاصناف الحرفية، والقبائل ، والعشائر ، والاشراف، والعائلات)،ثم انتقل المجتمع فيما بعد (بعد عام ١٩٢١) الى التركيبات الاجتماعية الاقتصادية الحديثة: الطبقات، الفلاحون، اصحاب الاراضي. اكثر من نصف المجتمع بلغ المرحلة الثانية، ولا زال الربع عند المرحلة الاولى، والباقي بقي مابين المرحلة الاولى والثانية. وفي مكان اخر من الكتاب يشير فالح الى ان : “العراق مجتمع انتقالي تتعايش فيه النظم الاجتماعية الحديثة والتقليدية وتتداخل مع وجود روابط وسيطة ضعيفة وقدرة مؤسساتية ضعيفة، وثقافة تقليدية تتطور على خط طائفي”. يذهب الكتاب الى شرح عدد من المفاهيم المتعلقة بالدولة مثل الأسرية والتوتاليتارية وحكم الفرد والديمقراطية وغيرها.ويلخص فالح فكرته: بأن الدولة العراقية “مرت من النظام السلطاني، الى الديمقراطي، الى التوتاليتاري في مسلسل انهيارات متلاحقة” .. وفي مكان اخر، ان هذه الدولة انهارت تماماً بحلول العام ٢٠٠٣. “ولا بد بعد العام ٢٠٠٣ من اعادة اطلاق عملية تشكيل الدولة وبناء الأمة مجدداً في ظل ظروف التشظي المفرط، وأزمة الهوية، وفقدان الشرعية، والفراغ المؤسساتي وغلبة الطبقة الرابعة، اي فقراء المدن والمهمشين، وقوة العنصر الريعي، وعداوة دول المنطقة، ..الخ”. ان احدى اهم المشاكل الاجتماعية التي تكومت على المجتمع العراقي: يضعها فالح بالشكل التالي، مستنداً على سلغليت وبطاطو: لا تشكل الطبقات الحديثة سوى ٢٨٪ من السكان والعمال ٩٪. اما الباقي ٦٧٪ فيتألفون من اكثرية عديمة المعرفة ومتدنية التعليم، مفتقرة الى الأدوات التنظيمية الضرورية للعمل الاجتماعي. ويقف فالح عند عدم تمكن الفئات الوسطى في اخذ مواقعها المفترض في أخذها بعد ثورة تموز ١٩٥٨، فبقيت ضعيفة ومنقسمة على نفسها، وبدلاً من ان تتولى السيطرة، جاءت فئات من الموظفين الحكومين ذوي الرواتب، موظفي دولة وعسكريين، للسيطرة على الدولة وتمشيتها حسب رغبتهم.،وربما ادت قوانين التأميم لعام ١٩٦٤ الى زيادة تشذرم الطبقة الوسطى من اصحاب رجال الآعمال والقطاع الخاص. استقلالية الدولة والدولة الريعية: يرى فالح عبد الجبار ان استقلالية الدولة اتية من عدم اعتمادها على قواها المنتجة، بل على الريع الخارجي: النفط.وان الديمقراطية لا تصلح لمجتمع مثل المجتمع العراقي. فهي ككل أنظمة الحكم تستلزم وقتاً وجهداً لتضرب جذورها. اللادولة: ٢٠٠٣-٢٠١١ لم يكن للولايات المتحدة خطة كتلك التي كانت لديها في افغانستان، كالحكومة المؤقتة، مؤتمر بون، وتنظيم الآوضاع بعد الاحتلال. كما يبدو حصول تغيير في السياسية الامريكية من غارنر الى بريمر من مؤتمرات الناصرية وبغداد، وكان المفروض اقامة مؤتمر في الرمادي، ومؤتمر اخير في بغداد، من اجل تسيير الدولة العراقية الجديدة ، لكن الحال تحول الى تشديد الاحتلال واحتكار بريمر للقرار العراقي.حيث طبققوانين مثل اجتثاث البعث وحل الجيش وفتح الحدود، والعدد القليل للقوات الامريكية بالنسبة لإحتلال العراق، وهكذا يلخص فالح الاوضاع بعد ٢٠٠٣ بالشكل التالي: ”لقد خرجت الأمة لتوها من 35 سنة من الحكم التوتاليتاري الذي خلّفها في أزمة هوية؛ تشظٍ عرقي وطائفي عميق، وتدمير شبه تام للمؤسسات الحديثة. النكوص إلى متاهات الشبكات القرابية ازداد تفاقماً بفضل تنامي الأسلمة الشعبية بتشجيع من الدولة، أسلمة سرعان ما ارتبطت بالإسلاموية الأصولية المتمركزة في معظمها في المنافي. والإسلاموية، فضلاً عن تعصبها (كما هي الحال في لبنان، ومصر، والخليج) تتنافى في جوهرها مع الديمقراطية”… ويضيف ” فالنظام القديم قد باد؛ وما زال على النظام الجديد أن يتشكل. هذه أمة في حال الانتظار، وعد بلا يقين، ورجاء في حال من الشك. السؤال الأكبر والأوحد هو: هل بتنا ننتظر غودو على طريقة صامويل بيكيت؟ وإلا فما هي الاحتمالات الأخرى؟ “ وفي مكان اخر عن الاوضاع خلال الاحتلال الامريكي يذكر: ” كان المجتمع العراقي في أزمة هوية عميقة، تتحارب فيها قطاعات عديدة متخاصمة عرقياً، ودينياً، وطائفياً، وقبلياً.” . وإذا اعتبرنا المجتمع مجال احتراب وتناحر، فإن الحرب الدائمة للمصالح، بوسائل قانونية ام بغيرها، يستلزم وجود الدولة كأداة للتوفيق. بمعنى: إذا كان الاحتراب هو الحالة “الطبيعية”، فإن وجود الدولة هو كفالة توازنها. غير أنه لم يكن ثمة للدولة من وجود للتوافق معها أو بها. كانت الشكاوى من الدولة البائدة لا تزال حية وغير مبلسمة. لكن التظلّم من ظرف اللادولة الجديد كان يتخذ شكل رفض للاحتلال. وقد خرجت المظالم كلها متكتلة كتلاً، دفعة واحدة إلى العلن، مؤكدة حقوقها المتصورة في لحظة الندرة القصوى. كان على العراق الآن أن يضع خرائط جديدة لبحار مجهولة ويخوض عملية مثلثة تشتمل على بناء الدولة، وإعادة تكوين الأمة، وبسط الاستقرار دفعة واحدة. واشار فالح الى ان هناك عدد من النماذج، التي تشدد في العلاقة بين المجتمع والدولة، فمثلاً ان بعض المدارس التعددية وكذلك الماركسية (مع الفارق بينهما) التي تشدد على المجتمع بإعتباره هو المحدد لطبيعة الدولة. كما ان هناك بعض الاتجاهات مثل الليبرالية- الجديدة، والنخبوية، والمؤسساتية الدولية، التي تشدد على ان الدولة تقوم بالتفتيش عن مصالحها الذاتية، وبهذا من خلال دورها المستقل تصوغ طبيعة المجتمع. ١- الدولة إنعكاس للمجتمع: التعددية: بمختلف اتجاهاتها تشدد على ان مصدر اتخاذ- القرار الديمقراطي لا يتأتي من تصنيفات الدولة بل من التنوع المجتمعي. ويمكن ان نجد النفوذ موزع في اماكن مختلفة. فمختلف الجماعات يمكنهم لتجنيد اشكال مختلفة من المصادر، والنفوذ لا يجب ان يكون مجمع في مكان واحد. ويمكن ان تكون الدولة ”حيادية“ تجاه المصالح المتعارضة في المجتمع، لكنها فعالة في الوصول الى نوع من التوازن، او الحكم الوسيط بين القوى المتصارعة، لغاية خلق اشكال قوية من التفاهمات، التي تحاكي بشكل ما مايسمى بـ ” الشعور بالمصلحة العامة“. الماركسية: اهتمت بأن الدولة انعكاس للحالة الطبقية في المجتمع.علماً ان ماركس ذكر في ١٨ برومير بأن الدولة قد تكون مستقلة عن الطبقات وصراعاتها في ظروف محددة.لكن ماركس لم يؤكد بتاتاً بإحتمال ان تكون الدولة متحررة بالكامل من البنية الطبقية للمجتمع. ٢- الدولة تصنع المجتمع: الليبرالية الجديدة: أغلب مفكروا الليبرالية الجديدة يعتبرون طبيعىة الدولة الهيمنة والتأثير المؤذي ، والتي تفرض نفسها على المجتمع. وستصبح الدولة الحديثة قوية وذات نفوذ بحيث تقمع الحريات واستقلالية المجتمع المدني. وهكذا فبالنسبة لهذا الفكر فأن الدولة ستصبح لافيتان جديد (هوبز). النخبوية: روبرت ميتشيل ” القانون الحديدي للاوليغارشية“، بمعنى مهما تكن الانتخابات ديمقراطية ونزيهة، فأن عدد قليل من القادة سيتبؤون المراكز المهمة في تولي القرار. كما ان موسكا وباريتو لهم نظريات بهذا المعنى. موسكا لا يمكن ان يكون هناك ”حكم الشعب“ و باريتو دورة ”الاسود والثعالب“. مذهب مركزية مؤسسات الدولة: ظهرت هذه المدرسة كرد فعل للأراء المعتمدة على التأثير السياسي للقوى الاجتماعية، وخصوصاً اولئك الذين اهملوا التحليل الفئوي للدولة لصالح الأهتمام بالأنساق السياسية. اشارت تيدا سكوكبول الى ان كافة الهويات، والاهداف والقدرات للجماعات السياسية الفعالة متأثرة بالبنية السياسية وبطبيعة الدولة. يذهب بعض المفكرين الى ان اكثر دول العالم الثالث ليس لديهم مجتمعات بالمعنى الحديث، وذلك لانهم يفتقدون الى وجود مراكز فعالة. هنا بمعنى المركز والضواحي. وبعضهم يركز على دور الدولة في فرضها وتأثيرها على تشكيل بنية المجتمع. كما ان هناك بعض التنظيمات الشكلية واللاشكلية تبدأ من الاسرة والى جماعات الجيرة، والشركات الاجنبية الكبرى، تستخدم مختلف العقوبات و المكافئات والرموز التي تجبر الناس للسلوك وفق قواعد اللعبة. (القيم والمعايير). حميد الهاشمي :فالح عبد الجبار.. قراءة موجزة في منهجيته البحثية نحاول في هذه المقالة الموجزة أن نقدم قراءة في التقنيات البحثية والاجراءات المنهجية التي اتبعها عالم الاجتماع العراقي الراحل د. فالح عبدالجبار. منهجيته: بالرغم من تخليه التدريجي عن التبني الآيديولوجي للماركسية في أعماله، إلا أنها بقيت سمة ميزت للعديد من أعماله ابتداءً من انتقائه لعناوين أعماله البحثية، فتجد الثنائيات المتصارعة أو المتناقضة أو التقابل المتنافر فيها. خذ على سبيل المثال: (العِمامة والأفندي)، و(الدولة والمجتمع المدني)، (العقلانية والخرافة)، و(المادية والفكر الديني، و(الوعي الديني والتطور الرأسمالي)، والتقدم من الحاضر إلى الماضي)، فيما خص به (دولة الخلافة- داعش ووتجربتها مع المجتمع المحلي في العراق). فالح عبد الجبار ظل يسارياً وهو في أقصى حالات نقده للماركسية وانفتاحه على مدارس علم الاجتماع الأخرى، إذ لم يغادر أبداً فرضية أن الفكر العلمي الأكاديمي ليس ترفاً معرفياً محايداً، بل له غائيته الساعية لتغيير التاريخ إلى وضع أكثر عقلانية في علاقة المحكومين بالحاكمين، وفي اعتماد أسس منصفة لإعادة توزيع الثروة، وفي إمكانية أن يتدخل (أي الفكر العلمي) دوماً لبلورة وعي سياسي جماعي متقدم عبر التأثير في العوامل المادية المنتجة لذلك الوعي، لا سيما من خلال التأثير الإيجابي في نسق العلاقة بين السلطة والمجتمع. فالناس قابلون دوماً للتغيير بفعل السياقات المستجدة، أي مرشحون دوماً لإعادة إنتاج ظروف حياتهم بما يجعلهم أقرب إلى إشباع حاجاتهم المشروعة المستلبة، وهنا على الفكر العلمي أن يسهم في استكشاف هذه السياقات والعمل على إنضاجها. وهو في يساريته هذه ظل عقلانياً وامبريقياً، على نحو فريد، إذ زاوج بهدوء وسلاسة بين التفكير العلمي والنزعة الأخلاقية دون أن يُفسِد أياً منهما، بل تلاقحا حد التماهي. فكانت بصمته التي ستبقى ماثلة في الثقافة العراقية: إنه المفكر المهموم بقضايا المستضعفين، دون أن يفقد ارستقراطيته الأكاديمية. فالح عبد الجبار ظل يسارياً وهو في أقصى حالات نقده للماركسية وانفتاحه على مدارس علم الاجتماع الأخرى، إذ لم يغادر أبداً فرضية أن الفكر العلمي الأكاديمي ليس ترفاً معرفياً محايداً، بل له غائيته الساعية لتغيير التاريخ إلى وضع أكثر عقلانية في علاقة المحكومين بالحاكمين، وفي اعتماد أسس منصفة لإعادة توزيع الثروة، وفي إمكانية أن يتدخل (أي الفكر العلمي) دوماً لبلورة وعي سياسي جماعي متقدم عبر التأثير في العوامل المادية المنتجة لذلك الوعي، لا سيما من خلال التأثير الإيجابي في نسق العلاقة بين السلطة والمجتمع. فالناس قابلون دوماً للتغيير بفعل السياقات المستجدة، أي مرشحون دوماً لإعادة إنتاج ظروف حياتهم بما يجعلهم أقرب إلى إشباع حاجاتهم المشروعة المستلبة، وهنا على الفكر العلمي أن يسهم في استكشاف هذه السياقات والعمل على إنضاجها. وهو في يساريته هذه ظل عقلانياً وامبريقياً، على نحو فريد، إذ زاوج بهدوء وسلاسة بين التفكير العلمي والنزعة الأخلاقية دون أن يُفسِد أياً منهما، بل تلاقحا حد التماهي. فكانت بصمته التي ستبقى ماثلة في الثقافة العراقية: إنه المفكر المهموم بقضايا المستضعفين، دون أن يفقد ارستقراطيته الأكاديمية. (نظمي، 2018) امتلك عبدالجبار إمكانية متميزة في تطويع اللغة، وشد القارئ إلى النص الذي يكتبه أو الحديث الذي يبديه، وهذه لعمري أحد أدوات الإقناع خصوصاً في مجتمع متحدثي الضاد. ولعل لإجادته الألمانية والانكليزية دور في هذا الإثراء اللغوي والمعرفي. مثلت لديه المؤسسة الدينية والعشيرة والاثنية، محور العديد من أعماله، وهو بذلك يرى فيها أضلاع مثلث وركائز تقوم عليها الديناميات اغلاجتماعية وستاتيكية المجتمع على السواء، باعتبارها أبرز القوى الفاعلة فيه وهذا ما بدى واضحاً في بعض أعماله سيما (العِمامة والأفندي سوسيولوجيا خطاب وحركات الاحتجاج الدِّيني، وهو مادة أطروحته للدكتوراه التي قدمها إلى كلية بيركبك بجامعة لندن تحت إشراف بروفيسور سامي زبيدة). يؤمن بجدوى العمل بفريق بحث يتوزع على مستويات تبدأ من الباحث الرئيسي المخطط، وصاحب المشروع، وصولاً إلى الباحث الميداني أو الشخص الذي يجري المقابلات (interviewer). يميل إلى استخدام تقنية المقابلة الموسعة التي تتناول عينات شاملة لقطاعات مجتمع بحثه. كذلك يعتمد على (المخبرين). عادة ما يفضل اختيار عينات بحثه بطريقة (العينة الطبقية)، وفق قناعة التمثيل الشامل بقدر ما لمجتمع بحثه. وهذا ما نصحني به في معرض رده على استشارتي الشفهية له قبل حوالي 4 سنوات حينما التقيته هنا في لندن وفي مؤسسة الحوار الانساني تحديداً على هامش محاضرة له. كانت رغبتي أن آخذ رأيه في أفضل التقنيات لإنجاز بحثي (بغداد من المدينية إلى التريف: إكراهات الطائفة والعشيرة والسياسة). وقد كانت نصيحته أن أقوم بتوزيع استبيان واسع على عينات (طبقية) ممثلة لمختلف فئات سكان بغداد (مهنية، حرفية، عمرية، حسب مستويات التعليم…الخ). ولكن باعتبار ان مثل هكذا عمل يحتاج الى وقت وتكاليف وفريق عمل، فقد خالفته الرأي، وبررت له ذلك، فتفهم واقتنع. كل ذلك يفسر قناعته بأن على الباحث ألا يعتمد على حدسه وخبرته بمجتمعه دوماً، إنما عليه استقاء المعلومة من مصدرها مهما كانت، ومن ثم عليه الموازنة بين خبرته وما توفر لديه. وباعتقادنا الشخصي، فهو أبرز مجايليه، وأكثرهم شهرة خصوصاً في الأوساط الغربية والعربية. وقد ساعدته اجادته للغة الإنكليزية، وصلاته بالمؤسسات والمحافل العلمية وإقامته في الغرب، ما أتاح له نشر نتاجاته وحضوره في المناسبات سواء محاضراً أو ضيفاً على الإعلام، خصوصاً مع تكرار حدوث الأزمات العراق والشرق الأوسط ميدان اشتغالاته البحثية وخبراته العلمية. اعتقد عبد الجبار أنه بعد تحول النشاط السياسي من نشاط قائم على الإيديولوجيا إلى نشاط قائم على الهوية، وجد الإسلام السياسي نفسه وحيدا في الساحة، بعد ضرب الخيارات الأيديولوجية الأخرى، اليسارية والقومية. وكان إغلاق الفضاءات التنويرية وحصارها مناخا مناسبا لصعود الفكر الطائفي. .