استضافت مؤسسة الحوار الانساني بلندن يوم الاربعاء 03 حزيران/يونيو 2020 د. تحسين الشيخلي في أمسية ثقافية تم تقديمها على منصة زوم نتيجة ظروف الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي ، قدم فيها الدكتور الشيخلي رؤيته للواقـع السـيبراني الجديـد الـذي فرضـه فايـروس كورونـا المسـتجد علـى العـالم، مـن زيـادة الاعتماد عـى الانترنـت والتكنولوجيــا لادارة شــؤون الحيــاة اليوميــة للافــراد، ســواء علـى مســتوى العمــل أو التعليــم أو الترفيــه، وكيف أثبــتت التكنولوجيــا انها هــي ســبيل الانســان للتعايــش في ظــل انتشــار وبــاء عالمـي، ولولاهــا لتوقفــت جميــع الأنشــطة الحياتيــة تمامـاً عـن العمـل. ومـن هنـا يمكـن القـول إن البشريـة قـد جنـت بالفعـل ثمار جهدهـا في التطويـر التكنولوجـي الـذي أنقذهـا مـن حالـة الشـلل التـام الـذي كان يمكـن أن تتعـرض لـه أثنـاء انتشـار الوبـاء.
سـاهم انتشـار هـذا الوبـاء في تسريـع عمليـة التحديـث التكنولوجـي التـي تمر بهـا المجتمعـات، فأصبحـت عملية التحول الذكي ضرورة لا غنى عنها لتسيير الحياة البشرية ، واصبح الانترنيت هو المخرج الوحيد للبشرية بعد ان تم محاصرتها ، وشكل بديلا ممكنا لحياة جديدة يمكن ان تستمر حتى بعد انتهاء هذا الوباء
تحسين الشيخلي من مواليد بغداد،اكمل دراسته في الجامعة التكنولوجية- بغداد، حصل على دكتوراه دولة في المعلوماتية من جامعة غرب بريتاني- فرنسا عام 1985، حصل على درجة الاستاذية عام 2001، متخصص في مجال هندسة البرامجيات، ومؤسس لأغلب اقسام هندسة البرامجيات في الجامعات العراقية. مدير مركز بحوث داراسات المستقبل في لندن، أشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراة ، ألف مجموعة من الكتب باللغة العربية والأنكليزية، نشر(37) بحثا في مجلات علمية محكمة، وحاز على التقدير الاكاديمي لبعض بحوثه من مؤسسات علمية عالمية مثل IEEE وACM .
اهمية الواقع الرقمي في حياتنا
تصور نفسك مضطر لأجراء العزل الاحترازي بسبب الجائحة و البقاء في البيت في زمن ليس فيه انترنيت و لا تلفزيون و لا راديو و لا هاتف و الصحف معطلة عن الصدور ولا وسيلة لأيصال طلباتك اليومية من الضروريات ، تفتح ستارة الشباك و تنظر الى الشارع لتجد عشرات الجثث ملقية هنا و هناك و الكلاب تنهش ببقاياها ، وحتى الكلاب و القطط تهرب مسرعة مع اي اشارة باقتراب أنسان منها لانها اصبحت صيدا للأكل بسبب شحة الطعام ، ماذا سيكون شعورك ؟
هذا الشعور لازم اكثر من نصف سكان العالم عام 1918 اثناء جائحة الانفلاونزا الاسبانية التي راح ضحيتها اكثر من 50 مليون انسان .. اليوم ، نحن بنعمة العصر الرقمي و تقنياته .
اننا مررنا بحالة – أنكار – لحقيقة دور التكنولوجيا في حياتنا ، وكتبنا و بحثنا في الجانب السلبي لها ولم نوفق في قراءة قوة تأثيرها لو وظفت بشكل سليم ). شيري توركل ، أستاذ في الدراسات الاجتماعية للعلوم والتكنولوجيا في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. حصلت على درجة البكالوريوس في الدراسات الاجتماعية ولاحقا على درجة الدكتوراه. في علم الاجتماع وعلم النفس الشخصي من جامعة هارفارد. وتتركز ابحاثها على التحليل النفسي والتفاعل بين الإنسان والتكنولوجيا. وقد كتبت العديد من الكتب التي تركز على نفسية العلاقات الإنسانية مع التكنولوجيا، وخاصة في مجال كيف يرتبط الناس بالموضوعات المحوسبة. كتبت توركل العديد من المقالات في التحليل النفسي والثقافة وفي «الجانب الموضوعي» لعلاقات الناس مع التكنولوجيا، وخاصة أجهزة الحواسيب. وهي منهمكة في دراسة نشطة للروبوتات والحيوانات الأليفة الرقمية والمخلوقات المصطنعة، خاصة تلك المصممة للأطفال وكبار السن وكذلك في دراسة التقنيات الخلوية المحمولة.
كتبت ثلاث كتب مهمة ، هذا هو كتابها الثالث ..هو ، لوحدنا معًا ( Alone Together ) ، تستكشف توركل كيف تغير التكنولوجيا الطريقة التي نتواصل بها. وتبدي توركل مخاوف بشكل خاص حيال الطريقة التي تتدهور بها التفاعلات الاجتماعية العضوية الحقيقية من خلال التعرض المستمر للمبادلات الوهمية ذات المعنى مع الذكاء الاصطناعي. تستبطن حجة توركل الرئيسية حقيقة أن التطورات التكنولوجية التي ساهمت بشكل كبير في ازدياد التواصل عززت في ذات الوقت الشعور بالاغتراب بين الناس. يشمل الاغتراب الروابط بين الشبكات الاجتماعية لصالح المحادثات المناسبة.
الحجة الرئيسية لتوركل في القسم الأول من الكتاب هي أن تفاعلاتنا مع الروبوتات والتي تحاكي المشاعر تضعنا تحت تهديدات خطيرة لقدرتنا على الاتصال ببعضنا البعض بشكل صحيح. تناقش توركل في موضوع الروبوتات التي صُممت للتفاعل مع البشر على مستوى عاطفي. إذ تخاف أن تحل محل البشر والحيوانات الأخرى في هذه الأدوار العاطفية. تخشى توركل أننا غالبًا ما ننسب صفات معينة إلى الروبوتات لكنها لا تمتلكها في الواقع، وأن تفاعلاتنا العاطفية مع البشر الآخرين تتآكل كنتيجة مباشرة. وبالتالي تخشى توركل أن يفنى تقديرنا للتفاعل الإنساني.
يدرس الجزء الثاني من الكتاب طبيعة التفاعلات الاجتماعية عبر الإنترنت، والطريقة التي غيرت بها وسائل التواصل الاجتماعي اتصال الناس مع بعضهم، وبالأخص فئة الشباب. تجادل توركل أنه بسبب التهاء الأشخاص والشباب على وجه الخصوص بهواتفهم في المواقف الاجتماعية الشخصية فإنهم يولون بعضهم انتباهًا غير كافٍ، ما يخلق علاقات ضحلة بشكل متزايد. وتجادل أيضًا بفكرة أن اعتماد المراهقين على نصائح أصدقائهم يمنع التأمل الذاتي، ويقود إلى استقلال شخصي أقل.
تتحدث توركل عن طبيعة الخصوصية في عالم ما بعد 11\9، وتناقش بأنه ضُحّي بالخصوصية في مقابل الأمان. كما تجادل توركل أنه بسبب نمو الأطفال كجزء من عالم تعتبر فيه الخصوصية ضعيفة بشكل متزايد، فإنهم لا يدركون دائمًا القيمة الكاملة للخصوصية، ما يتسبب بدوره بمشاركتهم للمزيد من التفاصيل الشخصية على الويب. وهذا يقلل من قيمة الخصوصية في دورة الإدامة الذاتية.
باستغلال خبرتها البالغة خمسة عشر عامًا، تستخدم توركل كتابها «لوحدنا معًا» للبحث في مسألة ما إذا كانت التكنولوجيا تجلب الجودة لحياتنا أم لا. إذ تقول توركل إن الناس يستخدمون التكنولوجيا للهروب من الواقع والعواطف، ما يضعف العلاقات الحقيقية.
فيروس كورونا المستجد يبرز حدود البشر فهل نشهد تزايدًا في الأتمتة؟
أدت جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) إلى أزمة اقتصادية عالمية وارتفاع معدل البطالة، وأظهرت دور الأتمتة وأهميتها المتزايدة في حياتنا.
على الرغم من وجود بعض الأعمال التي لن تتمكن الآلات من إنجازها، فإن أزمة كوفيد-19 جعلتنا نتساءل عن مستقبل العمل وقدرة الآلات على الحلول محل البشر.
الأتمتة وفرص العمل
احتدم النقاش بشأن تزايد استخدام الآلات في بداية العام 2013، بعد أن نشر باحثون من جامعة أوكسفورد مقالًا عن احتمال استخدام الأتمتة في كثير من الأعمال والمهن، ويشمل ذلك أعمال المكاتب وخدمات الاستقبال والتسويق وشركات التأمين.
لكن هل سترفع الأتمتة معدل البطالة؟ الإجابة على هذا السؤال معقدة وتتأثر بعدة عوامل. فمع أن كثيرًا من المهن التي كان يتولاها البشر أصبحت تنجز بالآلات المؤتمتة، فإن بعض المهن المستحدثة تسهم في خلق فرص عمل جديدة أو في توفير خدمات للموظفين.
ويرتبط تأثير الأتمتة على معدل البطالة بنسبة استخدام الأتمتة في الدولة أو المدينة الواحدة. وينعكس تزايد استخدام الأتمتة في بعض الدول إيجابيًا على الوظائف المتاحة في هذه المنطقة، لكنه ربما يؤثر سلبيًا على فرص العمل في مكان آخر.
حلت الروبوتات محل الإنسان في كثير من الصناعات التقليدية في البلدان المتطورة، وستحل غالبًا محل مهن شتى في بلدان مختلفة. لكنها غالبًا ستخلق مزيدًا من فرص العمل في القطاعات التخصصية والمتطورة، مثل الفنون وهندسة الطيران وحتى مجال تصميم الأزياء.
الجائحة توجهنا نحو الأتمتة
بدأت استراليا بتبني الأتمتة منذ فترة طويلة نسبيًا. وهي الأولى عالميًا في استخدام الأدوات المؤتمتة في عملية استخراج المعادن. إذ تستخدم المناجم فيها آليات تعمل بالتحكم عن بعد، حيث يشرف العمال على آليات التشغيل الذاتي. ما ساعد العاملين في مجال التنقيب على التعامل مع الجائحة بشكل أفضل.
ويوجد حاليًا عاملان مهمان يشجعان على تبني الأتمتة في مجالات مختلفة في المستقبل القريب:
العامل الأول هو توجه استراليا في الاعتماد على الذات في تأمين الاحتياجات والخدمات. وسعيها لامتلاك نظام محلي لتأمين المواد الأولية ما سيساعدها في تجنب التأثر بالأزمات العالمية. وسيتطلب هذا رفع معدل الصناعات ضمن الدولة ومن أهم الطرق المطروحة استخدام أساليب جديدة في المهن المختلفة عن طريق الأتمتة والروبوتات.
العامل الثاني هو خفض الاحتكاك المباشر بين البشر (التباعد الاجتماعي)، إذ حذر الاختصاصيون من تزايد خطر حصول جائحات مستقبلية. يوضح الباحثون أن فيروس كوفيد-19 يمكن أن ينتشر عبر الأسطح والاتصال المباشر مع الأشخاص المصابين.
توفر التقنيات الحديثة طرقًا متعددة لتجنب التواصل المباشر. وكمثال على ذلك، فإن التسوق عبر الإنترنت حل مكان التسوق التقليدي من المتاجر، وأنقص معدل الاتصال البشري بنسبة مهمة، ولفترة كبيرة وذلك قبل أزمة كورونا. ومع أن التسوق عبر إنترنت ليس آليًا تمامًا (لأن المشتري يختار ويشتري بنفسه). فإن ذلك يعد حجر الأساس في مخطط أمازون للسيطرة على عالم التسوق التقليدي وتحويله إلى نظام مؤتمت.
فمن خلال ميزة تسوق واخرج مباشرة، يستطيع الزبون شراء كل ما يحتاج من رفوف المتجر والخروج مباشرة دون الوقف في طوابير المحاسبة. إذ يعمل نظام تلقائي على تحديد المشتريات عن بعد ويبدأ عملية الحساب أثناء خروج الزبون من المتجر مباشرة.
ما العمل بمهارة؟
قالت الكساندر هييت رئيسة قسم التحليل الاقتصادي في البنك الأسترالي المركزي «ارتفع معدل الأعمال التي تتطلب درجة عالية من المهارة من 15% في منتصف عام 1960 إلى أكثر من 30% في الوقت الحالي. لكن كيف نصنف العمل بمهارة؟
يصنف الكثيرون الأعمال التي لا تحتاج مهارة عالية بأنها الأعمال البعيدة عن الأتمتة أو الروبوتات. فالتنظيف مثلًا لا يحتاج إلى مهارة عالية عادةً، لكن أهميته خلال جائحة كورونا جعلته أكثر تعقيدًا وبحاجة إلى العمل اليدوي وتخطيط الوقت بشكل مناسب. ما جعل التنظيف من المهن غير القابلة للأتمتة واستخدام الروبوتات بشكل مطلق وسيبقى استخدام الروبوتات في هذا المجال نوع من الخيال العلمي.
قطف الثمار، مثال آخر على العمليات المعقدة عند تجزئة الخطوات المطلوبة ستواجه استراليا في الموسم المقبل نقصًا في اليد العاملة بسبب تقييد السفر الدولي. واستخدام الروبوتات لقطف الثمال وحصد المحاصيل موضوع بغاية الأهمية ضمن أبحاث الروبوتات الحالية.
وعلى الرغم من التطور الملحوظ في هذا المجال، لم يطور بعد نظام نموذجي للاستخدام في المجالات التجارية، ولهذا فمن غير المتوقع أن تحل الروبوتات مشكلة نقص العمالة الصناعية خلال الأعوام القليلة المقبلة.
تكلفة عملية التحويل
عندما نحاول التنبؤ بمستقبل الأتمتة في استراليا، كمثال، علينا أن نأخذ في الحسبان العديد من العوامل وأهمها قدرة الدولة على تبني هذه التقنيات الحديثة، وخاصة أن العديد من الأعمال والمنظمات تواجه مشكلات اقتصادية خلال فترة الركود الاقتصادي الحالية.
سيستهلك تبني الأتمتة كثيرًا من الوقت والمال في المستقبل القريب، وبتوفر الوقت الكافي تبقى أهمية استثمار الأموال في هذا المجال مخاطرة كبيرة في ظل الأوضاع الراهنة.
لكن كما نعلم فإن تحصيل الثروة بحاجة إلى الجرأة والمخاطرة. وربما كان الركود الاقتصادي الحالي فرصة لاختراع طرائق جديدة في توفير الخدمات وتوصيل الطلبات.
كيف ستُشكِل التقنيات الناشئة معالم عقدنا الحالي؟
أصدرت شركة ديل بالتعاون مع معهد المستقبل للأبحاث في ولاية كاليفورنيا تقريرًا يستشرف تأثير التقنيات الناشئة على حياة الأفراد وبيئات العمل والمؤسسات وطرائق التوظيف والتعلم خلال العقد الحالي 2030، ويشمل ذلك تقنيات الذكاء الاصطناعي والواقع المعزز والواقع الافتراضي والأنظمة المؤتمتة والحوسبة السحابية.
بين التقرير أن نحو 85% من الوظائف التي ستوجد في نهاية العام 2030 لم تُستكشف بعد، ما يثبت صحة التنبؤ الشهير الذي يشير إلى أن نحو 65% من أطفال المدارس الابتدائية بدءًا من العام 1999 سينتهي بهم المطاف في وظائف لم تُعرف بعد.
بين التقرير أن الشراكة بين الإنسان والآلة لن تساعد في أتمتة الحياة وتنسيقها فحسب، بل ستسهم في اختيار المؤسسات للمواهب العاملة فيها، وستؤثر على إدارة فريق العمل داخل المؤسسة الواحدة، فضلًا عن طريقة تقديم الخدمات والمنتجات للمستهلكين ودعم التطوير المهني، إذ أن تلك الشراكة لن تُنهي الوظائف البشرية، لكنها ستشكل بيئة عمل مختلفة تمامًا.
بحلول العام 2030 سيعاد رسم المشهد العام للمؤسسات وستنقلب طريقة تعيين المواهب داخل المؤسسات رأسًا على عقب، فبدلًا من أن يبذل الأفراد جهدًا للبحث عن وظيفة كما اعتدنا سابقًا، ستتنافس بيئات العمل في البحث عن أفضل المواهب لأداء مهامها، إذ أن تصور البيانات ومحركات السمعة والتقييمات والتحليلات الذكية ستجعل كفاءات الأفراد ومهاراتهم قابلة للبحث.
ستُلغي الشراكة بين الإنسان والألة حدود الزمان والمكان وسيصبح العمل المستقل واقعًا جديدًا، وهو العمل غير المنتظم أو غير مرتبط بعقد، فوفقًا لإحدى الإحصاءات؛ مثلت العمالة المستقلة في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2019 نحو 35% من القوى العاملة أي 57 مليون شخص تقريبًا مرتفعةً بذلك من 53 مليون فرد في العام 2014.
وأشارت أيضًا إحدى التقارير الصادرة عن شركة ماكينزي للاستشارات في العام 2017 أن نحو 162 مليون شخص في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية يعملون في سوق العمل المستقل أي 20 إلى 30% تقريبًا من نسبة القوى العاملة.
وأوضح التقرير الصادر عن شركة ديل أن القدرة على تنسيق الموارد المادية والبشرية على حدٍ سواء سيساعد المؤسسات في تنشيط هذه الموارد أو إلغاء تنشيطها أينما ومتى دعت الحاجة إلى ذلك، ولن تزيد تلك الميزة من قدرة المؤسسات التنافسية فحسب، بل ستقلل أيضًا تكاليفها الثابتة ونفقاتها العامة وستضعها على الطريق السليم لتصبح أكثر مرونة وربحية.
وأظهر التقرير أن إعادة صياغة طرائق التوظيف سيطلق العنان لمجموعة جديدة من المواهب العالمية والحقيقية، وسيستفيد هؤلاء الأشخاص المهرة من أدوات الاتصال المطورة ومن التعاون الاجتماعي الحاصل، إذ سيتاح لتلك العمالة المستقلة التنسيق عبر المؤسسات والمناطق الزمنية المختلفة، وستتلاشى الروابط بين الجغرافيا والعمل، ومع نمو مناطق جنوب وسط آسيا وصحراء جنوب إفريقيا نحو مليار شخص بحلول العام 2030، فإن العمل وخاصةً الرقمي سيبحث عن أفضل المواهب والأفكار المبتكرة الموجودة في هذه المناطق الناشئة.
ووفقًا للتقرير ستُلغي فرضية ملاحقة المؤسسات لموظفيها واختيارهم مشكلات التحيزات الشخصية وستتغير القوالب النمطية لعمليات البحث عن الوظائف، إذ سيؤدي دمج تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز، مثلًا في بروتوكولات التوظيف إلى تمكين العامل المستقل من إثبات كفاءته وعرض مهاراته دون الكشف عن جنسه أو عرقه، وسيؤدي دمج التقنيات الناشئة في عمليات التوظيف إلى زيادة معدلات التوظيف المنخفض للمرأة في مجال الحوسبة، إذ تشغل المرأة حاليًا نحو 26% فقط من وظائف الحوسبة في الولايات المتحدة الأمريكية، لكن بوجود هكذا تقنيات ستُفتَح الأبواب أمام الأشخاص الذين عانوا من عدم تساوٍ في الفرص، وستعزز تلك التقنيات قدرات المديرين داخل المؤسسات على تقييم قدرة الموظفين لاكتساب المعرفة أو تعلم مهارة جديدة لتطبيقها لاحقًا.
كشف التقرير أنه بحلول عام 2030، ستُنظَم موارد البشر وتُرتَب احتياجاتهم من خلال التقنيات الرقمية وتعلم الآلة لتحقيق النتائج المرجوة، وسيتولى الإنسان دور القائد المنظم لتلك العمليات الرقمية، وستكون التقنيات بمثابة امتداد للبشر لأنها ستعمل على إدارة وأتمتة العديد من الأنشطة اليومية، إذ ستغوص تلك التقنيات وتُنسَج داخل حياة البشر نسجًا، وستلائم احتياجات كل فرد على حده، بل ربما تلبي احتياجات الناس قبل شعورهم بوجود تلك الحاجة أصلًا.
سيعتمد القادة المنظمون للعمليات الرقمية من فئة الآباء مثلًا على الشراكة بين الإنسان والآلة لإدارة التزامات أسرهم وعملهم، وسينضم إليهم الملايين من الأشخاص المعنيين برعاية أفراد أسرتهم، فمثلًا في مناطق آسيا وأوروبا يشكل الأفراد البالغون من العمر 80 عامًا أو من هم في سن التقاعد أكبر شريحة من المجتمع، وستظل شريحة سن التقاعد سائدة لعقود مقبلة، لذا سيستخدم العديد من أقارب كبار السن الروبوتات المنزلية خفيفة الوزن والمنخفضة التكلفة لمشاركة ذويهم الحضور والاعتناء بهم أثناء عملهم، فضلًا عن اعتمادهم على منصات التنسيق الرقمية لمراقبة وجدولة خدمات الرعاية الصحية لأقربائهم عند الحاجة.
تأثير التقنيات الناشئة على الأفراد
على الرغم من أن امتلاك الخبرة في مجال معين ومعرفة كيف تُنجَز المهام ستظل سمات أساسية لدى الموظفين على مدى العقد الحالي، إلا أنه توجد صفات مهمة سينبغي توفرها لدى كل العاملين حسبما كشف التقرير، وغالبًا ما ترتبط تلك الصفات برواد الأعمال، مثل المثابرة والإبداع في حل المشكلات ووضوح الرؤية والهدف، وستظل القدرة على اتخاذ قرارات مدروسة لدفع المؤسسات للمضي قُدمًا وتقديم حلول إبداعية للمشكلات سمات مميزة للبشر عن الآلات، بالإضافة إلى حالة الشغف الموجودة بالفطرة لدى البشر والتي تحثهم دومًا على تعلم أشياء جديدة ومعرفة كيف تعمل الأشياء.
وبنمو الاقتصاد المعتمد على العاملين المستقلين وتنامي محركات السمعة وارتفاع معدل تصور البيانات والتحليلات الذكية ستصبح مهارات الأفراد وكفاءتهم قابلة للبحث بشكل متزايد، وسيُعَد الحفاظ على علامة تجارية شخصية قوية من أساسيات العمل الاحترافي على مدار العقد الحالي، وسيعتمد كثير من الأفراد على الآلة لإنجاز أنشطتهم اليومية المرتبطة بإدارة العلامات التجارية الشخصية والسمعة المهنية، إذ سيُعد الدمج بين أدوات الأتمتة في العمل وفي الحياة اليومية مهارة جديدة وحاسمة سيعمل الأفراد على تطويرها واكتسابها، وسيقلل الدمج بين خدمات الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية الاستثمارات الكبيرة في بنيات التقنيات التحتية، وستشهد عملية الوصول إلى المعلومات توسعًا كبيرًا خلال عقدنا الحالي أكثر مما هي عليه اليوم.
تأثير التقنيات الناشئة على المؤسسات
أفاد التقرير بأن الاستثمار والتوسع في إمكانات المؤسسات التقنية أمر أساسي لا مفر منه، ولن يُعَد وقوع المؤسسات في الاختراقات الأمنية مشكلة تقنية فحسب بل مشكلة تجارية أيضًا، وستكون الآثار التجارية المترتبة على الوقوع في تلك الاختراقات دافعًا لتطوير أنظمة أمنية قوية داخل المؤسسات وتصميم استجابات استراتيجية فاعلة لتفادي تلك الاختراقات والخروج منها بأقل ضرر في حال حدوثها.
سيشهد عقدنا الحالي أيضًا مشاركة رقمية كبيرة لبيانات الناس وهَوياتهم المادية والرقمية، لذا فإن الحفاظ على أمن العملاء وبياناتهم سيكون أمرًا حيويًا لدى المؤسسات لكسب ثقة عملائها.
وأوضح التقرير أن تلبية توقعات العملاء واحتياجاتهم سيكون أمرًا مصيريًا لنجاح المؤسسات خلال هذا العقد، سواء كانت تلك الخدمات ممثلة في توصيل المنتج أو التنفيذ السريع للخدمات، وأي تأخر في تلك المعاملات الرقمية لن يكون مقبولًا من المستهلكين، ومع دخول الذكاء الاصطناعي تدريجيًا ستتمكن المؤسسات من حل مشكلاتها وتقديم خدمات جديدة ضمن سلسلة تلقائية ومستمرة من التحسينات، بالإضافة إلى الاستجابة في الوقت الفعلي والقضاء على الكمون في أنظمة التحكم الرقمية، كل هذا سيرفع من قيمة المؤسسات التنافسية وكفاءتها.
ستحتاج المؤسسات إلى تعزيز كفاءتها الداخلية سريعًا للتأكد من أن الخوارزميات التي تديرها تواءم علامتها التجارية وقيمتها، وستحتاج المؤسسات أيضًا لأن تكون بارعة في مراجعة افتراضاتها المضمنة في أنظمتها الآلية للتأكد من عدم إظهار تلك الأنظمة لأي تحيزات جنسية أو عنصرية، بالإضافة إلى ضمان دقة المخرجات الناتجة عن أنظمة التعلم الآلي.
ومع تنامي فرضية ملاحقة المؤسسات لموظفيها، سيكون لزامًا على تلك المؤسسات أن تختبر وتعيد تعيين الافتراضات المرتبطة بقيمة العمل، إذ سيحتاجون إلى فهم كيف تغيرت قيمة العمل في حياة الناس بالإضافة إلى تقييم عائدهم المتوقع من الوقت الذي سيقضونه في العمل، إذ سينظر البشر إلى الوظائف على أنها فرصة للتعلم وإحداث تأثير مفيد للمجتمع، وستجذب المؤسسات التي تتبنى هذه التطلعات أفضل المواهب في المستقبل.