ضيفت مؤسسة الحوار الانساني بلندن يوم الاربعاء 9/3/2016 الكاتب العراقي صادق الطائي في امسية ثقافة تحدث فيها عن ظاهرة الفساد المالي والاداري في العراق واسباب هذه الظاهرة وسبل معالجتها ، والاستاذ صادق الطائي ؛ كاتب عراقي درس الهندسة في جامعة بغداد (1987) ، كما حصل على بكالوريوس علم الاجتماع من جامعة بغداد (1998) وحصل على الماجستيير في علم الانثروبولوجيا من جامعة بغداد (2005) ، له كتاب ( سحر الفضة .. سر الماء ) دراسة انثروبولوجية عن طائفة الصابئة المندائيين في العراق ( 2010) ، صدر عن المجلس الاعلى للثقافة – وزارة الثقافة المصرية ، يكتب في عدد من الصحف العراقية والعربية مثل القدس العربي والعرب اللندنية والمدى البغدادية ،يعمل حاليا في مؤسسة الحوار الانساني بلندن.
المقدمة
ان المحرك الاساس للحراك الشعبي الذي انطلق اخيرا في بغداد والعديد من مدن العراق كان وكما يعلم الجميع هو الاحتجاج على ما وصلت اليه حالات الفساد في العراق من مديات غير مسبوقة تاريخيا ودوليا. ان اتساع حجم الفساد وتشابك حلقاته وترابط درجاته بدرجة لم يسبق لها مثيل،اصبح من المسائل التي تهدد مسيرة التنمية ،وتعد ظاهره الفساد الإداري والمالي من الظواهر الخطيرة التي تواجه البلدان وعلى الأخص الدول النامية حيث أخذت تنخر في جسم مجتمعاتها بدأ بالأمن وما يتبعه من شلل في عملية البناء والتنمية الاقتصادية والتي تنطوي على تدمير الاقتصاد والقدرة المالية والإدارية وبالتالي عجز الدولة على مواجهة تحديات أعمار أو إعادة أعمار وبناء البنى التحتيه اللازمة لنموها.
تشير الكثير من الاحصائيات الصادرة عن المنظمات العالمية المعنية بشؤون النزاهة ومكافحة الفساد المالي والإداري الى ان العراق يحتل الصدارة بنسبة الفساد بين دول العالم ولعدة سنوات متتالية على الرغم من وجود الكثير من الدوائر الرقابية كهيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية ومكاتب المفتشين العموميين ودوائر الرقابة الداخلية في الوزارات التي يفترض ان تعمل جميعها على مراقبة الاداء الحكومي في المجالات المالية والادارية.
ويحتل العراق هذه المراكز المتقدمة في مجال انتشار الفساد على الرغم من ان ما يتم تناوله بالتدقيق والتحقيق من قبل هيئة النزاهة لا يصل في احسن الاحوال ولدى اكثر المتفائلين الى نسبة (5%) من حالات الفساد المالي والاداري والمهني الموجود فعلاً في دوائر الدولة .ان المشكلة الاساسية التي ادت الى استشراء الفساد في العراق هي نظام المحاصصة المتبع في البرلمان والحكومة الذي سبب ضعف الدور الرقابي لمجلس النواب بسبب المساومات المتبعة في علاقات الكتل البرلمانية التي تجعلها متفاهمة اتفاقاً أو ضمناً على عدم محاسبة المفسدين من أي طرف لأنه يعرض المفسدين من الأطراف الاخرى للمساءلة ايضاً وكذلك الحماية التي توفرها الاحزاب الحاكمة للمفسدين المنتمين اليها قد ساعد – اضافة الى عوامل اخرى – على شيوع ثقافة ارتكاب الفساد ومحاربة النزاهة والنزيهين والمخلصين وممارسة هذه الثقافة في واقع العمل الوظيفي في دوائر الدولة العراقية وبشكل كبير جداً طولاً وعرضاً من دون رادع قانوني ولا رقابي، فنهب المال العام وانتشر الفساد بصور متعددة كالسرقة والرشاوى والاحتيال والاختلاس والهدر ومن خلال المشتريات والعقود الوهمية أو غير السليمة،ولم يجد المفسدون من يردعهم فصاروا مثالاً يحتذى من قبل الكثير من الموظفين الأدنى منصباً أو مسؤولية حتى تحول العراق الى بؤرة للفساد المالي والاداري تتربع على عرش الفساد العالمي.
وعلى سبيل المثال لا الحصر ،كان رئيس الوزراء السابق نوري المالكي قد اعلن في اجتماع مع المحافظين بتاريخ 2/ 12/ 2007 بان عام 2008 سيكون عام محاربة الارهاب والمفسدين من الموظفين والمسؤولين الحكوميين ،ولم يتحقق ذلك ،بل على العكس فقد زاد الفساد وانتشر. وكذلك اعلن في المؤتمر الثالث لأعمار البصرة في يوم الاربعاء 12/ 12/ 2007 بانه وجه الدوائر المعنية بالنزاهة ومحاربة الفساد بكشف قضايا الفساد حتى وإن كانت في مكتب رئيس الوزراء الا انه بعد ذلك بايام اقال رئيس هيئة النزاهة في وقتها بعد ان فضح عبر وسائل الاعلام واحدا من كبار المسؤولين في مكتب رئيس الوزراء بسبب شرائه سيارتين تبلغ قيمة الواحدة منهما (750 مليون دينار).
تعريفات
لاقت مشكلة الفساد Corruption) ) اهتمام الكثير من الباحثين والمهتمين واتفقت الآراء على ضرورة وضع وتأسيس إطار عمل مؤسسي،الغرض منه تطويق المشكلة وعلاجها من خلال خطوات جديه ومحدده ومكافحة الفساد بكل صوره ومظاهره وفي كافة مجالات الحياة لتعجيل عملية التنمية الاقتصادية وقد أشار مدير فرع الجنوب لهيئة النزاهة العامة إلى إن الفساد الإداري والمالي ظاهره قديمة أصابت الجهاز الإداري في العراق منذ نشأة الدولة العراقية في بداية عشرينيات القرن الماضي واستفحلت بعد انقلاب تموز 1968 . وكان تغير النظام السياسي عام 2003 وما تبعه من عملية الانتخابات بطريقة ديمقراطية وحرية تامة موضع استبشار من قبل المواطنين لتغيير معالم الظلم والهدر والتبذير في الأموال العامة وعدم العدالة في توزيع الثروات ، بعد معاناة حروب وحصار دام لعقود … لكن الحقيقة كانت مخيبة للآمال لوجود نخب سياسية من مختلف الأطياف أضحى اهتمامها بالدرجة الأولى (كما يتداول علناً بوسائل الأعلام المختلفة) توزيع حصص القيادات العليا أو الحقائب الوزارية أو الإدارات العامة مما جعل العراق في المركز 129 في الدول الأنظف في سلم الفساد (في تقرير لمنظمة الشفافية العالمية) أو كما جاء (في تقرير مستقل أخر) باعتباره ثالث بلد (بعد الصومال وميانمار) من بين 180 بلداً في الفساد . وكان لسن العديد من القوانين وتشكيل المفوضية العامة للنزاهة ووجود دوائر المفتش العام في الوزارات بارقة أمل وشعور بأطمئنان لعهد جديد دخل فيه العراق واندثرت معه عصور الظلمة . إلا إن تشريع القوانين الممهدة للسلب والنهب والاحتيال في وضح النهار وبأساليب ملتوية وظهور المحاصصه وتمرير قوانين مقابل أخرى بات يحمل مسوغاً قانونياً ضمن مصطلح الحصانة (سواء كان للمشرع أو للموظف القيادي الكبير) . لهذا كان على المهتمين والباحثين ضرورة إعداد الدراسات والبحوث لتشخيص ومتابعة ومن ثم معالجة ظواهر الفساد المختلفة وأهمها الفساد الإداري الذي يتبعه الفساد المالي حتماً .
وبحسب تعريف موسوعة العلوم الاجتماعية (الفساد هو سوء استخدام النفوذ العام لتحقيق أرباح خاصة) ولذلك كان التعريف شاملاً لرشاوي المسؤولين المحليين أو الوطنيين ، أو السياسيين مستبعدة رشاوي القطاع الخاص . كماعرفته (هو خروج عن القانون والنظام العام وعدم الالتزام بهما من اجل تحقيق مصالح سياسية واقتصادية واجتماعية للفرد أو لجماعة معينة).
إما تعريف منظمة الشفافية العالمية فهو (إساءة استخدام السلطة العامة لتحقيق مكاسب خاصة) إما تعريف صندوق النقد الدولي (IMF) (علاقة الأيدي الطويلة المعتمدة التي تهدف إلى استحصال الفوائد من هذا السلوك لشخص واحد أو مجموعة ذات علاقة بين الأفراد) . إن الفساد (Corruption) مصطلح يتضمن معاني عديدة في طياته . والفساد موجود في كافة القطاعات الحكومية منها والخاصة فهو موجود في أي تنظيم يكون فيه للشخص قوة مسيطرة أو قوة احتكار على سلعة أو خدمة أو صاحب قرار وتكون هناك حرية في تحديد الأفراد الذين يستلمون الخدمة أو السلعة أو تمرير القرار لفئة دون الأخرى وقد يتضمن مصطلح الفساد الإداري محاور عديدة .
مجالات الفساد
1 . الفساد السياسي ويتمثل بالانحراف عن النهج المحدد لأدبيات التكتل أو الحزب أو المنظمة السياسية نتيجة الشعور بالأزلية أو كونه الأوحد أو الأعظم أو المنظر ، أو بيع المبادئ الموضوعة في أدبيات المنظمة للكتل الدولية أو الإقليمية او القومية لسبب أو أكثر فالخيانة والتواطؤ والتغافل والإذعان والجهل والضغط … وغيرها اشكال متنوعة للفساد السياسي .
2 . الفساد الإداري ويتعلق بمظاهر الفساد والانحراف الإداري أو الوظيفي من الذي يصدر عن المنظمة او التي تصدر من الموظف العام إثناء تأدية العمل بمخالفة التشريع القانوني وضوابط ولوائح العمل ، أي استغلال موظفي الدولة لمواقعهم وصلاحياتهم للحصول على مكاسب ومنافع بطرق غير مشروعة .
3 . الفساد المالي ومظاهره … الانحرافات المالية ومخالفة الأحكام والقواعد المعتمدة حالياً في تنظيمات الدولة (إدارياً) ومؤسساتها مع مخالفة ضوابط وتعليمات الرقابة المالية .
الجهات المسؤولة على مكافحة الفساد عالمياً :-
حددت الجهات التالية كجهات دولية مهمتها مكافحة الفساد الإداري على نطاق عالمي وهي :-
1. منظمة الأمم المتحدة
أصدرت الأمم المتحدة عدد من القرارات لمحاربة ومكافحة الفساد للقناعة التامة بخطورة الفساد وماله من مخاطر وتهديد على استقرار وامن المجتمعات وأصدرت أيضاً اتفاقية لمكافحة الفساد سنة 2004 وقد انضمت إليها كثير من دول العالم ومنها العراق .
2. البنك الدولي
وضع البنك الدولي مجموعة من الخطوات والاستراتيجيات لغرض مساعدة الدول على مواجهة الفساد والحد من أثاره السلبية في عملية التنمية الاقتصادية.
3. صندوق النقد الدولي
لجأ صندوق النقد الدولي إلى الحد من الفساد بتعليق المساعدات المالية لأي دولة يكون فيها الفساد عائق في عملية التنمية الاقتصادية .
4. منظمة الشفافية العالمية
أنشأت هذه المنظمة سنة 1993 وهي منظمة غير حكومية (أهلية) تعمل بشكل اساس على مكافحة الفساد والحد منه من خلال وضوح التشريعات وتبسيط الإجراءات واستقرارها وانسجامها مع بعضها في الموضوعية والمرونة والتطور وفقاً للتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والإدارية .
إما محلياً في العراق فهناك ثلاث مؤسسات رقابية تعمل على مكافحة الفساد الإداري والمالي في العراق وهي :-
أ . هيئة النزاهة العامة :-
أنشأت هيئة النزاهة بموجب الأمر 55 لسنة 2004 ،مهمتها التحقيق في حالات الفساد المشكوك فيها كقبول الهدايا والرشاوي والمحسوبية والمنسوبية والتمييز على الأساس العرقي أو الطائفي واستغلال السلطة لتحقيق أهداف شخصية أو سوء استخدام الأموال العامة من خلال :-
(1) وضع أسس ومعايير للأخلاق الواردة في لائحة السلوك التي يستوجب الالتزام بتعليماتها من قبل جميع موظفي الدولة.
(2) عقد ندوات وإعداد برامج توعية للتثقيف وتبني ثقافة مبنية على الشفافية والنزاهة والشعور بالمسؤولية.
ب . المفتشون العامون :-
أنشأت مكاتب المفتشين العامون بموجب الأمر 57 لسنة 2004 في الوزارات كافة مهمتها المراجعة والتدقيق لرفع مستويات المسؤولية والنزاهة والإشراف على الوزارات ومنع حالات التبذير وإساءة استخدام السلطة والتعاون مع هيئة النزاهة من خلال التقارير التي تقدم عن حالات الفساد في الوزارات المختلفة .
جـ . ديوان الرقابة المالية :-
وهي الجهة المسؤولة عن التدقيق المالي في العراق ،وهي من المؤسسات القديم وتم تفعيل دورها بموجب الأمر 77 لسنة 2004 مهمتها تزويد الجمهور والحكومة بالمعلومات الدقيقة الخاصة بالعمليات الحكومية والأوضاع المالية لغرض تعزيز الاقتصاد من خلال مهمة التدقيق المالي وتقييم الأداء لغرض مكافحة الفساد المالي.
ان ما قدمته حزم الاصلاح المقدمة من البرلمان والحكومة لا تعدو كونها قد مست مشكلة الفساد مسا خارجيا لا يتجاوز القشرة ،ولم تعمل على معالجة واقتلاع هذا الداء الذي ينهش تاعراق من جذوره ،فان ادماج بعض الوزارت مع بعضها لا يعد حلا لمشكلة الفساد او حتى تقليص الحمايات او مخصصات الدرجات الخاصة لا يعد اصلاحا حقيقيا او خطوة جادة في مواجهة الفساد ،والامر والادهى ان السياسين العراقيين من كل الاطياف يخرجون على وسائل الاعلام ينددون بالفساد وبسرقة المال العام …الخ ،فاذا كانوا هم من يندد اذا من الفاسد؟! هل هو الشعب المغلوب على امره والمبتلى بهذه الطبقة السياسية.
نماذج عالمية لمعالجة الفساد
التجربة السنغافورية:
تتلخص تجربة سنغافورة في مكافحة الفساد عام 1959، في إصدارها ” قانون مكافحة الفساد “، بالإضافة إلي إنشاء ” مكتب التحقيق في ممارسة الفساد ” وبالتزامن تمت بزيادة رواتب الموظفين الحكوميين، وتحسين مستوي أدائهم في الخدمة.
وبالفعل نجحت سنغافورة في مكافحة الفساد وأرجع رئيس وزرائها – آنذاك – ” لي كوان يو ” هذا النجاح إلي إصدار القانون الخاص بمحاربة الفساد وتعاون الجمهور في الإبلاغ عن حالات الفساد واضطلاع مكتب التحقيق في ممارسة الفساد بمهامه علي الوجه الأمثل .
هذه هي خلاصة التجربة، ولكن التفاصيل هي التي صنعت الفارق، ونقصد بها حزمة القوانين والتشريعات والإجراءات، التي توجت التجربة بالنجاح الذي أبهر العالم .
إجراءات الوقاية من الفساد
وبالنسبة لسياسة الوقاية من الفساد، فبالإضافة إلي التوعية وتأمين الضبط الاجتماعي بوسائله المختلفة، اتخذت سنغافورة ما يلي :
• الفصل بين الوزارات وإداراتها التنفيذية، حيث تتولي التنفيذ هيئات ومؤسسات منشأة بقانون، لإبعاد الوزارة عن سلطة التنفيذ، وإزالة كل ما يمكن أن يترتب علي ذلك من فساد، ولا يبقي للوزارة إلا التخطيط الاستراتيجي للمدي المتوسط والبعيد.
• زيادة مرتبات الموظفين في الدولة بحيث تكفي لتوفير مستوي حياة كريمة، باعتبار أن دفع أجور مرتفعة أهم رادع للفساد.
• تبسيط الإجراءات الإدارية والحد من المستندات المطلوبة للحصول علي الخدمة مع وضع مدونة إجراءات إدارية واضحة.
• التضييق من سلطته التقديرية بوضع معايير دقيقة يستند إليها في أدائه لعمله.
• الحد إلي أكبر قدر من تعامل الموظفين بالمال (الموظف لا يري المال وإنما يري الأرقام)، فالرسوم والغرامات تدفع الكترونيا . وقد تم إنشاء إدارة تولت تعليم المواطنين كيفية الدفع الالكتروني.
• التوسع في تقديم الخدمات بالطريق الالكتروني، لا لتقليل من الاتصال المباشر بين الموظف وطالب الخدمة.
• وضع أنظمة شفافة تؤدي إلي التقليل إلي حد كبير من الأسرار التي يملكها الموظف العام بسبب وظيفته.
• إنشاء هيئة لمراجعة تاريخ الأفراد قبل توظيفهم لضمان عدم تولي أي شخص لمنصب قيادي أو عمل سياسي بسبب شبهات سابقة بالفساد.
• الحد من نشر ثقافة الفساد في سنغافورة، و منع نشر إشاعات عن حالات فساد دون وجود أدلة واضحة، واعتبار ذلك جريمة في حد ذاته.
• حظر استعمال الصفة في الأماكن التي تقدم خدمات بالنسبة للقضاة وأعضاء النيابة العامة والموظفين العامين كافة.
• تحديد أجل ستة أشهر يجب أن تفصل فيه المحاكم في القضايا المعروضة عليها وعدم التأجيل لتاريخ يتجاوز هذا الأجل.
مكافحة الفساد جنائيا
وقد شملت السياسة الجنائية التي اتبعتها سنغافورة في مجال مكافحة الفساد جانبا موضوعيا وآخر إجرائيا. ويمكن إجمال خصائص النظام السنغافوري في مكافحة الفساد علي النحو التالي :
• وجود هيئة تتبع رئيس الوزراء ويعين أعضاؤها بقرار منه بعد أن كانت تابعة لوزارة الداخلية، تتولي دون غيرها جمع الاستدلالات والتحقيق في قضايا الفساد.
• إعطاء سلطات واسعة لأعضاء هيئة مكافحة الفساد في الكشف عن الجرائم ومن ذلك مراقبة التغييرات التي تطرأ علي حياة الموظفين.
• عند التحقيق في قضية من قضايا الفساد يجب أن يتعدد المحققون، بحيث لا يجوز أن يتولي القضية محقق واحد.
التجربة النيجيرية :
منذ أقل من سنة، في مايو/ ايار الماضي، فاز رئيس المعارضة محمد بخاري بالرئاسة النيجيرية، وكانت حملته الانتخابية تركز على مكافحة الفساد. بعدما صنفت دولته في الترتيب ١٣٦ بمؤشر الفساد العالمي.
وتعد نيجيريا من أكبر مصدري النفط في أفريقيا، لكن تفشي الفساد أدى الى انتشار الفقر الذي وصلت نسبته الى .٧٠%.
ومنذ عام ٢٠٠٩ تحارب نايجيريا مجاميع ارهابية ومتشددة وجماعة بوكوحرام التابعة لتنظيم “داعش” التي احتلت مساحات واسعة من شمال البلاد ووقعت تحت سيطرتها اهم المدن الكبرى.
وعندما تسلم الرئيس الجديد منصبه في مايو ٢٠١٥، اتخذ عدة اجراءات لمكافحة الفساد وتحسين الوضع العام:
• كشف عن كامل ذمته المالية وأللزم نائبه بذلك، حيث تبين انه أفقر رئيس أفريقي.
• عمل على تطبيق نظام المحاسبة المالية الحكومي الموحد بإشراف البنك المركزي النيجيري.
• أطلقت الحكومة “النظام الموحد للمعلومات الشخصية والمالية” للموظفين، لربط الرواتب والمخصصات المالية بالبيانات الشخصية بنظام بنكي متطور، مما جعلهم يكتشفون ٢٤ ألف وظيفة وهمية وفرت ١١.٥ مليون دولار شهرياً.
• شكل الرئيس الجديد لجنة من الخبراء والأكاديميين لمراجعة عمل مؤسسات مكافحة الفساد، والتي عملت على دمج جمع الجهات الرقابية تحت مظلة تنسيقية واحدة.
• تم وضع مشروع قانون لحماية الشهود والمبلغين عن قضايا الفساد.
• عملت الحكومة النيجيرية الجديدة على الغاء ١٠٢ وكالة ولجنة حكومية من اصل ٥٤١، ودمجت ٥٢ منها بباقي الوكلات.
• اعتمدت الحكومة النيجيرية على موازنة مالية جديدة لهذا العام بطريقة اسمها “الموازنة الصفرية”، وهي من الخطوات التي تتخذها الحكومات لمكافحة الفساد وإهدار المال العام.
• قامت الحكومة بتغيير جميع الوزراء بلا استثناء، ومسؤولي الهيئات الحكومية وكل مساعديهم.
• أعلنت الحكومة التحقيق مع ٥٥ شخص، اختلسوا ٦.٨ مليار دولار عبر ٧ سنوات، منهم ٤ وزراء سابقين وحكام ولايات ورجال بنوك وشركات ووزير الدفاع الأسبق، ورئيس مفوضية الجرائم المالية والاقتصادية، ورئيس الشركة الوطنية للنفط ورئيس مجلس الشيوخ الأسبق، في حين القي القبض على مستشار الرئيس السابق للأمن القومي، بسبب وجود عجز ٢ مليار دولار في الأموال المخصصة لتسليح الجيش لحرب ضد جماعة “بوكو حرام”.
• بعد تسلمه للرئاسة بشهرين اصدر مرسوم حكومي يقضي بأقالة وزير الدفاع ورئيس الأركان وقادة القوات البرية والبحرية والجوية، وقادة الجيش بسبب اخفاقهم في الحرب ضد جماعة “بوكو حرام”، وحذر القادة الجدد من الفشل.
• أعلن الرئيس التحقيق مع ٣٨ من قادة الجيش السابقين بكل المستويات لاتهامهم بالفساد والتلاعب بعقود التسليح.
• حل الرئيس مجلس ادارة شركة النفط الوطنية بالكامل، وعين مدير جديد لها، وهو من خريجي جامعة هارفارد الأمريكية، وعندما باشر المدير الجديد أقال ٣٨ موظف من مناصبهم.
• منع الرئيس ناقلات النفط من دخول المياة الاقليمية النيجرية لحين مراجعة اجراءات تسليم الشحنات، بسبب ظاهرة شحنات النفط الوهمية.
الاخبار والانباء المتداولة عالميا تشير الى تحسن الاوضاع السياسية والامنية والاقتصادية في نيجيريا خلال اقل من عام واحد بعد ان تسلم الرئيس الجديد مهامه لادارة البلاد.
الاستنتاجات
1) ان اي اصلاح في العراق لابد وان يبتدأ في وضع معالجات حقيقية وجادة لمكافحة الفساد عبر تفعيل دور القضاء وحماية استقلاله ،وتفعيل دور مؤسسات الرقابة (هيئة النزاهة،المفتشون العامون،ديوان الرقابة المالية )
2) إن الفساد الإداري والمالي ظاهرة قديمة أصابت الجهاز الإداري في العراق ، و أزدادت بدرجات فلكية بعد 2003 حيث استخدمت الوظيفة لغايات ومكاسب شخصية مما أدى إلى تفشي ظاهرة الفساد وذلك بسبب ضعف الإرادة السياسية لمكافحة الفساد حيث يمنع أعضاء البرلمان والحكومة والطبقة السياسية من الكشف عن مدخولاتهم ومصادرها.
3) ا فتقار المراقبة والمساءلة من قبل الحكومة للمسببين ابتدأ من الإدارات العليا حيث أصبح العراق ثالث دولة في العالم من ناحية تفشي الفساد فيها حيث كشف الدكتور مهدي الحافظ وزير التخطيط والتعاون الإنمائي السابق على “وجود عملية هدر للثروة تجري بشكل حثيث وعمليات اختلاس للأموال جراء الفساد الإداري المتوارث من النظام البائد المستشري في مؤسسات الدولة.تدخل الوزراء وكذلك بعض الكتل في مجلس النواب في شؤون الموظفين ومحاولة البعض الأخر التستر على المخالفات وحماية المخالفين في وعدم التعاون مع دائرة المفتش العام.
4) التحقيق في المخالفات لفترة زمنية طويلة يساهم في تمييع القضايا الجنائية وهروب البعض الأخر قبل المحاكمة مثل ما حصل فعلاً في هروب رئيس هيئة النزاهة نفسها بسبب استدعائه للمسائلة إمام مجلس النواب وسحب الثقة منه في حالة الإدانة .
5) زعزعة القيم الأخلاقية القائمة على الصدق والأمانة والعدل والمساواة وتكافؤ الفرص وتحول هـذه القيم الأخلاقية،وانتشار السلبية وعدم المسؤولية والجرائم بسبب غياب القيم
6) يؤدي الفساد إلى ضعف الاستثمار وهروب الأموال خارج البلد في الوقت الذي كان من المفروض استغلال هذه الأموال في إقامة مشاريع اقتصادية تنموية تخدم المواطنين من خلال توفير فرص العمل.
7) يؤدي الفساد بالإضافة إلى هجرة رؤوس الأموال الوطنية ،الى هجرة أصحاب الكفاءات والعقول الاقتصادية خارج البلاد بسبب المحسوبية والوساطة في شغل المناصب العامة . مما يؤدي إلى ضعف إحساس المواطن بالمواطنة والانتماء إلى البلد .
التوصيات
1) وضع المناهج التربوية والثقافية عبر وسائل الأعلام المختلفة لإنشاء ثقافة النزاهة وحفظ المال العام عن طريق استراتيجية طويلة المدى لغرض تحقيق الولاء والانتماء بين الفرد والدولة حيث إن القانون ليس هو الرادع الوحيد للفساد وإنما يجب إن تكون هناك ثقافة النزاهة وحفظ المال العام .
2) إعطاء الدور الريادي لوزارات الثقافة والتعليم العالي والتربية والعلوم والتكنولوجيا لوضع منهج دراسي لكل المراحل لتلبية ثقافة الحرص على المال العام والنزاهة في التعامل وتقليص روح الأنانية الفردية والسمو بالروح الجماعية.
3) تفعيل دوائر المفتشين العامين واللجان الفرعية للمراقبة وهيئة النزاهة ،كل بحسب اختصاصه ضمن الوزارات المعنية .
4) إصدار قوانين صارمة لمنع هدر الأموال العامة والفساد الإداري والمسائلة الجدية لهم .
5) إنشاء أجهزة أمنية تراقب التصرف بالأموال العامة قد ترتبط برئاسة الوزراء مباشرة أو ضمن أجهزة وزارة الداخلية
6) . تعديل قانون الحصانة الممنوح للوزراء وأعضاء مجلس النواب لتمكين الجهات القضائية في التحقيق والمسائلة في قضايا الفساد المرفوعة ضدهم.
7) الاختيار الصحيح للأشخاص النزيهين من هيئات الرقابة والمفتشين والنزاهة.
8) خلق رأي عام يرفض الفساد دينياً وأخلاقياً لأثاره السلبية في التنمية الاقتصادية الشاملة أي تثقيف المجتمع وتحويل الولاء بصورة تدريجية من العائلة والعشيرة إلى قيم المواطنة ، مكافحة البطالة والتضخم (وبضمنها البطالة المقنعة) عن طريق توفير فرص العمل وتشجيع الاستثمار المحلي وفرض شروط على الاستيراد لتنشيط الصناعة الوطنية وحمايتها .
9) وضع أنظمة فعالة وجدية لتقويم أداء المؤسسات الحكومية من خلال مبدأ محاسبة تكاليف الفساد المادية وغير المادية لكي لا تكون مبرراً لتجميد إلغاء خطط مكافحة الفساد لارتفاع تكاليفها عن تكاليف الفساد
10) الطرق الفعالة للحد من ظاهرة تسهيل غسيل الأموال التي تتبعها الشبكات العالمية وبضمنها مافيات السلاح والمخدرات والاتجار بالبشر وتداخل ذلك مع بعض الانشطة السياسية في العراق .
11) التحفيز على القيام بالواجب وعدم ارتكاب المخالفات عن طريق الترغيب والترهيب .
12) تعميق دور الإدارة العليا من خلال تكثيف الجهود لتطويق مشكلة الفساد والسيطرة عليها ومعالجته والوقاية من عودته من خلال اتخاذ القرارات الحاسمة وكذلك العمل على تشكيل لجنة عليا مستقلة لمكافحة الفساد من خلال الصلاحيات التي تمنح لها وكذلك الاختبار الصحيح لأعضاء اللجنة (خارج نطاق الخدمة المدنية) إن يكون لها استقلال وتقوم بتقديم تقاريرها إلى أعلى سلطة وبشكل مباشر وليس من خلال أي جهة سواء كانت تشريعية أو تنفيذية .