مكارم إبراهيم –
حوار مع الكاتبة العراقية مكارم إبراهيم – أجرى الحوار الكاتب والصحفي الجزائري بشير عمري – لم تكتفي الكاتبة العراقية مكارم إبراهيم بنقد الواقع العربي من زاوية غربية كما يفعل حالياً جل البحاثة العرب ممن يقيمون أو أقاموا حيناً من العمر في البلاد الغربية,
بل سنحت لها إقامتها في الدنمرك أن تمتلك أدوات التفكيك والنقد الاجتماعي والتاريخي لتعمل مبضعه في جسد الوجود الغربي ذاته. هي إذا فاعلية الرؤية الخاصة التي تشكلت لديها بفضل الحيوية التاريخية والحضارية للزمان والمكان الذي تعيش فيه وهو ما جعلها ترتقي الى علياء الموضوعية التي أحوج ما تكون إليها اليوم نخبنا الناظرة بعجب للغرب والعارضة عن دائرتها الحضارية بكثير من التعالي الفكري النظري الذي ينأ باطاريحه المجردة في كثير من الاحيان عن التأسيسيات الواقعية في المشروع المجتمعي, ليبقى معلقاً فيما بين السماء والارض في مساحة رماد العقل تعنت عادة بكونها منطقة المثالية الفكرية الخاوية
ما الذي أضافته الهجرة إلى الغرب إلى رصيدك النقدي الفكري؟
لقد اضافت الكثير لان عملية الاحتكاك والتفاعل على كل الاصعدة مع المجتمع الغربي بشكل مستمر وخلال سنين عديدة ادى الى تغيير مكونات الوعي لدي.
هناك عاملان أساسيان ساهما بشكل كبير في تثبيت النقد الموضوعي في كتاباتي أولهما عامل العنصرية التي واجهتني كما تواجه غالبا الانسان المغترب .
فعامل العنصرية ساهم بشكل كبير في تثبيت اساس النقد الموضوعي في نظرتي للأخرين المخالفين لي شكلا وفكرا. لان ممارسة العنصرية المجحفة بحقي كمواطنة صالحة تخدم مجتمعها, حرضني على الدفاع عن حقي الطبيعي في الحياة الكريمة وحرضني بالتالي على الدفاع عن حق الاقليات بشكل عام والدفاع عن حق الفرد في اختار عقيدته الدينية وملبسه . ومن جهة اخرى ساعدني على ان انظر باحترام لاختلاف الراي مع اي شخص خاصة إذا كان يختلف عني في الشكل والسلوك . لأنني اخذ دوما في نظر الاعتبار الخلفية التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية للفرد المخالف لي .
وهذا ما يضعني دوما في نقدي لنصوص الاخرين على الجانب الآمن الموضوعي وتجنب اقحام المشاعر الخاصة بل الاعتماد على الادلة العلمية, وليس على الحكم المسبق. وهذا في الواقع جعلني أتجرا وانتقد مواقع الخلل في وجهات نظر كتابات لكتٌاب عرب بارزين .
والعامل الاخر هو دراستي في الغرب ساعدني كثيرا في الاطلاع على ممارسة النقد للنصوص التي تعرض علينا اثناء الدراسة حيث يطلب منا تحليلها بشكل موضوعي وهذه الممارسة المستمرة اعطتني قدرة كبيرة على تحليل نصوص الكتٌاب بشكل موضوعي وايضا منحتني المرونة في تقبل الآراء المخالفة لي. وتعلمت ايضا النقد الذاتي وهذا ما يجعلني اعطي مساحة للحوار البٌناء مع المخالف.
وبهذا لا يكون الهدف من حواري هو اقناع الاخر المخالف بصواب رأيي ولكن الهدف يكون هو توسيع أبعاد الرؤية الفكرية للمتحاورين والذي يؤدي غالبا الى ادخال أفكار جديدة وعناصر ربما تكون جوهرية في الموضوع وتم تهميشها من قبلي .
إذا كان الواقع الإنساني المأزوم وجوديا بما في ذلك صعيده الاقتصادي سواء في الشرق أو الغرب، فعلى أي مرجع نقدي تأسيسي يمكننا الاستناد في عملية فهم وتفكيك واقعنا العربي بكليانيته وخصوصياته؟
نعلم ان التاريخ يسير بحركة سريعة يشمل تطور ثقافة المجتمع وتطور الانسانية عامة باتجاه يسعى دوما الى تحرر الانسان من العبودية والاستغلال والانظمة الديكتاتورية.
وهناك علاقة جدلية بين التطور الثقافي للمجتمع وبين التطور الانساني. وهذه العلاقة مسؤولة عن تغيير البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكرية للمجتمع.
ومن اجل دراسة ونقد واقعنا فيجب دراسة هذه البنى التي تقوم عليها دولنا ومجتمعاتنا المحملة بموروث ثقيل, فعلينا كشف التناقضات في البنى الاجتماعية اي تفكيكها بموضوعية تامة وعلمية. في سبيل ايقاظ وعي الانسان سواء كان أمياً او مثقفاً.
هناك قيود تحكم افكارنا وتناقضات الموروث الثقافي الغالبة على المجتمع وهناك حقائق كثيرة عن آليات التفكير والسلوكيات لم نطلع عليها بسبب قمع الانظمة الديكتاتورية في كشف الحقائق التاريخية التي لا تخدم بقائها وكذلك اخفاء حقائق عن ثقافات القوميات الاخرى المتعايشة مع القومية العربية.
نقد مجتمعاتنا يتطلب دراسة تاريخية لكل المجموعات الاجتماعية المختلفة فيها في كل الطبقات من خلال دراسة كل مؤسساتها, السياسية, التعليمية, المالية, الدينية. والتركيز على العلاقة الجدلية بين المجموعات الاجتماعية جميعا وعلاقة طبقات الشعب المختلفة بالسلطة الحاكمة وتأثير هذه العلاقة على آلية عمل هذه المؤسسات.
هل العلاقة مستقلة ام هناك تدخل كلي وشامل من قبل الدولة على عمل هذه المؤسسات. والجدير بالإشارة هو ان الحكومات النيوليبرالية السائدة في الغرب اليوم تدعم الخصخصة وتقليص تدخل الدولة في عمل الافراد والتشجيع على مفهوم الفردية والقضاء على مفهوم الجماعية. والنيوليبرالية لدى الحكومات العربية ايضا تدعم الخصخصة وتدعم الفردية والقضاء على الجماعية لكن هنا تنكشف بشاعة حقيقة النيوليبرالية بشكل اوضح حتى للأعمى اذا تتوضح مدى تدخلها في حرية الفرد وليس كما هو الحال لدى الحكومات الغربية التي تصور للمواطن بانها السياسة الافضل لا نها تمنحه حرية اكثر لكن في الحقيقة هي تستعبده تماما من خلال تضليله فكريا وسياسيا بالتحكم في كل وسائل الاعلام التي يملكها رجال في السلطة الحاكمة.
المهم ان الدراسة التاريخية لكل التناقضات ضرورية لفهم المستقبل وهذا لن يحدث اذا لم يتم اطلاق الحريات الفكرية للأفراد.
الهوية والحديد، أو ما انتصرت له أنت من الآلات على الأحاديث والآيات، مفارقة تاريخية مشكلة حديث الوجود العربي وشاكلة هذا الوجود على مستوى الممارسة والخطاب والتنظير، فتمظهرت اعتوارات الوضع السجالي على المستوى الواقع المعيش بينما تبقى النخب تجتر دائما أطاريح النقد النظري والنقل التنظيري عن الغرب، ألا يمكن أن نؤسس لنقد موضوعي من داخل الدائرة الحضارية الخاصة بما نحفل به من سمات واقعية ذاتية؟
هناك فئة كبيرة من الكتاب لديها مشكلة الحكم المسبق وعدم الموضوعية والعلمية في نقد الظواهر الاجتماعية في منطقتنا حيث يصفون حضارتنا وشعوبنا بالتخلف وربط فئات دينية معينة اسلامية مثلا او فئات لها ايديولوجية معينة بأمراض نفسية او عضوية رغم ان هؤلاء الكتاب لديهم تخصص في الطب النفسي انه احتقار صريح لمهنتهم أولاً وهو تمييز عنصري لفئة دينية او ايديولوجية معينة ثانياً. وهذه هي اسباب تصادمي الفكري مع هذه الفئة. اذا المشكلة لدينا هي إيجاد نخبة مثقفة فعلا والابتعاد عن تقديس اسماء لامعة بل يجب نقد افكارها بشكل جدي وموضوعي وتشخيص نقاط الخلل لديها وتجاوز قدسية الاسماء حتى لو كانت حاصلة على جوائز عالمية.
وبالتأكيد يمكننا تأسيس قاعدة للنقد الموضوعي من سمات ذاتية داخل حضارتنا دون الاعتماد على سمات حضارية غربية لأنها ربما تكون سمات اصلا وهمية وحتى لو كانت تملكها فأنها مرتبطة بمراحل تاريخية معينة للمجتمعات الغربية وربما لا تتناسب مع واقعنا.
ولكن غالبا الازمات التي تعاني منها المجتمعات الغربية اليوم تتشابه مع أزماتنا .والفرق بين الحضارتين هو ان التناقضات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في منطقتنا مكشوفة بشكل واضح للجميع ولكن بحكم انظمتنا القمعية الديكتاتورية فلا يجرؤ احد من النخب المثقفة على تناولها في الاعلام. بينما يقوم الاعلام الغربي على فضحها بحجة الدفاع عن حقوق الانسان وبحجة نقد انظمتنا الديكتاتورية التي هو اصلا يساندها على طول الخط. لدرجة أنه يتفاخر بالثورة المصرية في تصريحاته رغم مساندته القوية والمستمرة لنظام مبارك لأنه بهذه الطريقة يصور لنا نفسه بانه المثالي والافضل وعلينا ان نهلل له وندعمه ونعتبره مثالياً.
بينما نفس هذه التناقضات التي نجدها في المجتمعات الغربية تكون مغطاة بشعارات انسانية كالحرية والليبرالية والديمقراطية وحرية التعبير وماهي في الواقع الا شعارات وهمية غير حقيقية استطاعت الحكومات الغربية من خلالها تمرير مصالحها في منطقتنا بنهب خيراتنا وخيرات الدول الفقيرة سواء الافريقية منها او اللاتينية .
لهذا هناك مسؤولية كبيرة على عاتقنا بفضح هذه التناقضات في المجتمعات الغربية لان ذلك يساعدنا كثيرا على استنطاق وقراءة التناقضات في مجتمعاتنا بشكل علمي ادق وموضوعي دون الانجراف الى مثالية الحكومات الغربية.
نقدك للتاريخ بوصفه هوية أو عنوان الجغرافيا وهذا من خلال إثارتك لحق الأقليات غير العربية الموجودة على كامل الرقعة الجغرافية للعالم العربي أو بالأحرى لا أحقية الأكثرية العربية في التفرد بالصفة القومية للمكان يدفعنا لطرح سؤال عن مغزى ومعنى الكينونة الإنسانية بدلالتها الانتمائية الثقافية وسبل نقلها من التصادمي إلى التضامني، كيف يمكن أن نعيش سويا برمز جامع لا طاغ؟
انا أتفهم سبب التأكيد على القومية العربية واضح جدا كرد فعل على الاستعمار العثماني الذي الغى كل شيء عربي من أجل دعم قوميته وبعدها جاء الاحتلال الانكليزي والفرنسي وهذا أثر كثيرا على المواطن الذي اراد الدفاع عن هويته.
ولكن علينا هنا الانتباه الى أن تسمية امة او جمهورية بانها دولة او امة عربية هو اقصاء لا انساني بحق القوميات الاخرى المتعايشة مع القومية العربية .وهذه التسمية ساهمت بشكل كبير في تنمية واحتقان العداوة من طرف الفئات المهمشة المتجاهلة وبالتالي تنمية حساسيات وطنية بين هذه القوميات.
هذه التسمية لا تخدم تعزيز مفهوم المواطنة لدى افراد الشعب, بل على العكس تماما تساهم في تشتيت قوة الشعب واضعاف روح الانتماء للوطن الى درجة انه يدفع الاقليات المهمشة الى مساندة اعداء الوطن.
ولكن يمكن ان يتعايش هذا التنوع القومي والثقافي في ضمن حدود دولة واحدة اذا تم احترام هذه القوميات الاخرى. وذلك بإلغاء تسمية العربية على اسم الدولة ومعاملة جميع القوميات معاملة متساوية في دستور البلاد والسماح للأقليات والقوميات الاخرى ان تمارس ثقافتها وطقوسها بحرية في الاعلام وفي المؤسسات وادخال لغتها في نظام التعليم الى جانب اللغة العربية وتوزيع المناصب بالعدل على جميع القوميات كل حسب كفاءته العلمية والمهنية.
انظر الى سويسرا فلا يطلق عليها سويسرا الفرنسية او سويسرا الايطالية او سويسرا الالمانية او سويسرا الرومانسية بل يطلق عليها سويسرا فقط ولهذا السبب تتعايش هذه القوميات الاربعة المختلفة بسلام فيما بينها. لان انتمائها للوطن معزز بروح الاحترام والدستور يحترم جميع هذه القوميات . فلا يوجد تمييز عنصري بين الفرنسي والالماني والايطالي والرومانسي.
ألا ترين أن عاهة الجغرافيا التي رأيت من خلال سؤالك حول تسمية الخليج بين الفارسي والعربي، تشكل معضلة الشرق التي وفرتها قفزة التاريخ الإنساني مذ أطلت الحداثة وغيرت من ملامح هاته الجغرافيا ومجرى هذا التاريخ؟ بما معنى أن جراحات التاريخ وخدشاته طفت على وجه الجغرافيا كاشفة عن عمق تشوهات الممشى التاريخي للشرق؟
لم يكن التاريخ الذي مرت به شعوب منطقتنا تاريخا ممتعاٌ. فالعديد من الحروب التي طحنت ارواح الملايين كانت بسبب الصراع على التقسيمات الجغرافية التي تم توزيعها بطريقة تسهل عملية السيطرة عليها من قبل الاستعمار العثماني وثم الانكليزي والفرنسي وحتى يومنا هذا مازالت شعوب هذه المنطقة تدفع فاتورة هذه التركة الاستعمارية.
والمشكلة في الصراعات على هذه الاراضي هو وجود انظمة ديكتاتورية عبيدة لأوامر حكومة واشنطن وحلفائها بسبب مصالحهم المشتركة التي تدفع دوما حكومة واشنطن وحلفائها باستخدام هذه الورقة في الوقت المناسب عندما تكون هناك حاجة للإطاحة بزعيم ما وشعب ما في منطقتنا كما حدث في تحريض صدام حسين على الدخول في حرب ضد ايران ثماني سنوات. وفي نفس الوقت فان الزعيم الديكتاتوري يحاول ان يشغل شعبه بهذه الصراعات والتسميات لأبعاده عن مشاكله الجوهرية مع نظامه الديكتاتوري.
بعد ان كتبت مقالة بعنوان هل الخليج عربي ام فارسي. كتب بعدي كاتب اردني مقالة تحمل نفس عنوان مقالتي, وحاول التأكيد على ان الخليج هو عربي منذ زمن السومريين وعلينا الدفاع عن هذا الحق.
ولهذا هنا تأتي مهمة النخبة المثقفة الواعية سياسيا بتسليط الضوء على ابعاد هذه التناقضات وخلفياتها التاريخية لتجاوزها والتركيز على المواجهة الرئيسية للشعب مع نظامه الديكتاتوري .فالتركيز على هذه التسميات لن تخدمنا بل تشتت قوتنا وتبعدنا عن العدو الحقيقي.
هل يمكن إسقاط لفظ الثورة بكل ما يحمله اللفظ من دلالة على حركات الاحتجاج العربي اليوم؟
نعم بإمكاني ان اسقط لفظ الثورة على الحركات الاحتجاجية اليوم في منطقتنا. لأن الثورة هي الحراك الشعبي الذي يؤدي الى تغييرات عميقة على الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والفكري في مؤسسات الدولة. وما حدث من احتجاجات في كل من تونس ومصر على سبيل المثال لا يمكن اعتبارها ثورة فهي استطاعت الاطاحة بزعيم ديكتاتوري, الا انها لم تنجح في احداث تغييرات سياسية واقتصادية واجتماعية فهي لم تقلب الوضع الاجتماعي للشعب ولم تقدر على اعادة الثروات التي نهبها الزعماء واسرهم وتوزيعها على الشعب. ولم تغير من البنية الهيكلية للمؤسسات الاقتصادية الرأسمالية التي مازالت تنهب الاقتصاد الوطني. ولم تنجح في اعادة تغيير هيكلية السلطة القديمة فهي لم تسمح بتعدد الاحزاب بشكل عادل ومازال هناك قمع ومراقبة على بعض الاحزاب المعارضة. ولم تحل اجهزة الامن التي تنتهك حقوق الانسان بأقبح صورة .
حتى تغيير الدستور لديهم كان شكلياً وليس جوهرياً. وقام بعض الزعماء العرب بامتصاص غضب الجماهير من خلال وعود وردية بزيادة الرواتب واجراء اصلاحات سياسية او تقديم بعض المنح المادية. وانا ارى ان فشل هذه الاحتجاجات من بلوغها مستوى الثورة هو بسبب تدخل حكومات وقوى دولية مساندة للنظام الديكتاتوري السابق من تحت الستار.
ألوية الوطن على الدولة التي وسمت الحق السياسي للإنسان الغربي وأسست لما بات يعرف بالمواطنة، لم تعرف لها سبيلا في الواقع السياسي القطري العربي أين تغولت دوما الدولة بدواع عدة أمنية وثورية وممانعتيه كما هو الحال مع الوضع السوري، هل في رأيك يمكن القول أن المواطن العربي وفي القرن 21 هو الآن بصدد اكتشاف الدولة بعدما شبع من أناشيد الوطن؟؟
بداية أود ان أشير الى مفهوم المواطنة لدى المواطن الغربي او أولوية المواطنة على الدولة بدا للأسف الشديد في الانحسار التدريجي بسبب صعود الاحزاب اليمينية المتطرفة المسيحية والتي تدعو لمحاربة الاجانب والمسلمين والماركسيين فاعتقد ان المجتمعات الغربية اليوم تسير بالاتجاه العكسي للحضارة الانسانية ولهذا بدأت احتجاجات الاحرار والشباب تندلع في مدن عديدة في اوروبا .
لقد حرم المواطن في منطقتنا ولعقود طويلة من استيعاب مفهوم المواطنة. لأنه لم يشعر بان هذه الدولة هي دولته, ولم يتعلم بان ثروات الوطن هي ملك للشعب وليست ملك لفرد ويجب الحفاظ عليها وعدم سرقتها. فالدولة لم تحترم يوما راي الشعب ولم تعطيه مساحة للتحرك والتطور بل جعلته يفهم بان الدولة يملكها حاشية الزعيم والشعب هم عبيد عليهم الطاعة دون الاعتراض والمناقشة . لقد ساهمت الحكومات الديكتاتورية في منطقتنا على زرع اسس الانتماءات الطائفية والقومية والقبلية والعشائرية ولم تربي الشعب على الانتماء الوطني وذلك من اجل سهولة التحكم به.
واليوم ولأول مرة تنتفض شعوب منطقتنا بسبب ازدياد وطأة القمع والاستغلال من قبل انظمتها الديكتاتورية الحاكمة. لقد ادركت هذه الشعوب معنى الدولة المسؤولة الرئيسية عن التمادي في الفساد والقمع دون اي رادع ضميري, وهي سبب استمرار تردي أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية والتهميش السياسي. واتصور ان هذه الاسباب كفيلة بان تجعل المواطن قادر على استيعاب المواطنة رغم انه لم يمارسها لان حراكه كان من داخله ولم يأتي من تدخلات خارجية كما حدث في العراق.
أترك لحضرتك خاتمة القول
أود ان اشكر جريدة الامة العربية على قبولها لاستضافتي على صفحاتها والتواصل مع قرائها وأود ان اشكر الزميل الكاتب الصحفي بشير عمري على مشاركتي الحوار بأسئلته القيٌمة .
وأريد ان اؤكد على حقيقة جوهرية حول الحراك الاجتماعي والسياسي الذي يسٌير الاحداث وبسرعة مذهلة على الساحة السياسية في منطقتنا وهي أنه وبرغم كل العثرات والاغتيالات التي يوجهها الاحرار إلا انه مازال لدي امل كبير في التغيير الجذري لمجتمعاتنا وبلوغ هذه الاحتجاجات مكاسب الثورات لأنه يشارك فيها اكبر شريحة من الشعب وبالأخص شريحة الشباب المثقف سياسيا. واعتقد بانه لن يتوقف عن مواصلة النضال مهما ارتفعت فاتورة التضحيات علاوة عليه ان يدرك بان قدرته على الاطاحة بزين العابدين بن علي ومبارك ساهم في بعث روح الثورة والاحتجاج من جديد لدى المهمشين في أوروبا . ولهذا عليهم مواصلة الكفاح حتى يتم التغيير الحقيقي وازالة جذور الانظمة القمعية والفروق الطبقية بين ابناء الشعب واعادة ثروات البلاد للشعب.