صادق الطائي –
استضافت مؤسسة الحوار الانساني بلندن الاستاذة اماليد علوان في امسية ثقافية تحدثت فيها عن ( أزمة الهوية لدي الشباب العراقي في المهجر ) يوم الاربعاء 25/3/2015 ، والاستاذة اماليد علوان باحثة في علم النفس الاجتماعي ، حاصلة على شهادة الماجستير في علم النفس الاجتماعي ، مختصة في الأبحاث الاجتماعية وخاصة حول مشاكل المجتمعات العربية والإسلامية في
المهجر، ومسؤولة اجتماعية ونفسية لعدة مؤسسات هولندية تعنى بشأن الاسرة في المهجر. وقد ابتدأت الاستاذة اماليد محاضرتها بتعريفات اجرائية للمصطلحات التي سترد في المحاضرة ، فعرفت الازمة؛ بانها مصطلح يذكر في علم النفس عند حدوث تغيرات فجائية تتناول أكثر من ناحية في الكائن البشري وتعرض الاتزان النفسي للاهتزاز والتمزق ، وهذه الازمة قد تتناول النواحي الاجتماعية، النفسية، الذهنية، والفيزيولوجية. اما الهوية فيقصد بها تحديد الفرد من يكون؟ وما سيكون؟ بحيث يكون المستقبل المتوقع امتدادا واستمرارا لخبرات الماضي متصلة بما يتوقعه من مستقبل ذو اتصال ذا معنى، أي تحقيق تفرده وتقوية أدواره الاجتماعية، وتوجهه نحو أهداف محدده، إنها صورة ذاتية معقدة تتطور خلال التفاعل الاجتماعي ، وينطوي تكوين الهوية بالشعور المستمر بالكيان الداخلي والتوحد مع شيء خارج هذا الكيان كي يحقق توقعات لنفسه وتوقعات لبيئة ولمجتمعه أيضا ، كما يسعى لبقاء الصورة مقبولة من المحيط. واشارت الى ان العالم ” ماير ” يشير في بحثه عن ازمة الهوية فيقول انها نتاج لفشل الفرد في تحديد هوية معينة ،تشعر الفرد بعدم القدرة على اتخاذ القرارات المناسبة والثبات عليها (اختيار المستقبل او الدراسة)، كما تنطوي الازمة على الإحساس بالاغتراب وعدم الجدوى وعدم ثبات الأهداف.وازمة الهوية ستكون اضطراباً في نمو هوية الأنا ،كما ستسيئ للشخصية وسلوكياتها ،وخاصةً عندما تكون في مراحلها السيئة حيث تذهب بالبحث عن هوية سلبية تؤثر على هيكلة الذات وبناء المستقبل.
ثم بينت الاستاذة اماليد علوان متى نحس بازمة الهوية فقالت أثناء مرحلة المراهقة والشباب ، ابنائنا سيكتشفون استقلاليتهم ويطورون أحاسيسهم حول الذات ، وهؤلاء الذين يجدون دعما وتشجيعا إيجابيا سيدعم ذلك كل ما يتعلق بسلوكهم الشخصي، سوف يخرجون من هذه المرحلة، وهم معتزون بذواتهم وتغمرهم مشاعر البهجة والاستقلالية والقدرة على التحكم. بينما الآخرين ممن لا زالوا غير متأكدين من إمكانياتهم أو قناعاتهم حول ذواتهم، فإنهم سوف يبقون خائفين ومرتبكين حول أنفسهم والمستقبل.
كما بينت ارتباط ازمة الهوية بالمراهقة اذ عندما يبحث المراهق عن مصادر للمعنى والانجاز والقيمة، ضمن مجموعة من التساؤلات والتكهنات، هذه المرحلة ستكون بداية تكوين الهوية وأسماها اريكسون ( هوية الانا ) وقسمها الى الهوية الشخصية والهوية الاجتماعية، حيث يرى إن الكثير من جوانب تطور الانا يعود الى نمو معنى الهوية حيث تبدأ من مرحلة المراهقة، وتتركز على عنصرين:
1 . اكتساب القدرة على الإنتاج والعلاقة مع المحيط.
2 . الإحساس بالاندماج في عالم معنوي مناسب.
ولتعريف الفترات العمرية لمرحلة المراهقة اشارت الباحثة الى ان المدة الزمنية “للمراهقة” تختلف من مجتمع إلى آخر، ففي بعض المجتمعات تكون قصيرة، وفي بعضها الآخر تكون طويلة، ولذلك فقد قسمها العلماء إلى ثلاث مراحل، هي:
1- مرحلة المراهقة الأولى (11-14 عاما)، وتتميز بتغيرات بيولوجية سريعة.
2- مرحلة المراهقة الوسطى (14-18 عاما)، وهي مرحلة اكتمال التغيرات البيولوجية.
3- مرحلة المراهقة المتأخرة (18-21)، حيث يصبح الشاب أو الفتاة إنساناً راشداً بالمظهر والتصرفات.
ويتضح من هذا التقسيم أن مرحلة المراهقة تمتد لتشمل أكثر من عشرة أعوام من عمر الفرد.
وللتعرف اكثر على فترة المراهقة تناولت الباحثة صفات المراهق بالتعريف قائلة ؛
بالنسبة للنمو العقلي للمراهق اننا نلاحظ مايلي:
يزداد النمو العقلي و الذكاء في الطفولة المتأخرة ، أما في المراهقة فتظهر القدرات الخاصة ولذلك مظاهر.
– تزداد القدرة على الانتباه وبالتالي يستطيع المراهق حل المشكلات المعقدة أو الطويلة
– يتعدى الأدراك الأشياء الحسية إلى المعنوية ، و الاحتمالات المستقبلية ( آثار الحروب )
– يكون التذكر في الطفولة آليا أمّا في هذه المرحلة فيقوم التذكر مع الربط و الفهم
– يزداد التخيل و تزداد معه احلام اليقظة للتخلص من الاحباطات اليومية أو التخطيط للمستقبل
– يكون التفكير في فترة الطفولة ماديا محدودا بينما يكون لدى المراهق مجردا معنويا واسعا ، ومثال ذلك : كلمة الحرية يغني للطفل حريته في اللعب متى ما شاء ، ولكنها لدى المراهق تتعدى ذلك إلى حرية المتعقدات و المبادئ و السلوك . مثال آخر ، كلمة العدل تعني للطفل تقسيم الحلوى بعدل ولكنها تتجاوز ذلك لدى المراهق للعدالة الاجتماعية و السياسية و الاقليات وغير ذلك
– يصبح التفكير لدى المراهق منهجيا قائما على الاحتمالات والفرضيات و التفسير العلمي و الربط المنطقي للأفكار ، وفي نهاية المراهقة تزداد الحكمة وحسن تقدير الأمور بناء على الخبرات السابقة وليست المنهجية ، وتزداد المرونة فيبدآ بتقبل أفكار الآخرين ، وإن لم يوافق عليها
– النزعة للمثالية و الانتقاد في كل شيء مما يدفعه للجدل و المحاججة
الاستقلالية الفكرية والفعلية :
هذا ما نراه بمعارضة الكبار في كل شيء أو اعتناق مبادئ دينية و سياسية ، بغض النظر عن صحتها او خطئها
مظاهر البحث عن الاستقلالية :
– التمحور حول الذات و الشعور بالغربة وشعوره بعدم تقبل الاهل له
– الشكوى من التدخل
– معارضة المدرس
– الخلاف مع الوالدين
– التأثر بالأصدقاء
– التذبذب في التدين : قد يلتزم دينيا ثم لا يلبث أن ينحرف ، وقد يقبل على الدعوات الدينية الجديدة لكن المعيار هو التربية في الطفولة و سلوك الأسرة
– اعتناق أفكار سياسية معارضة
تصنيف حالات الهوية
في هذا المجال ذكرت المحاضرة ان العالمة الاجتماعية “مارشا” تشير في دراساتها عن (هوية الأنا) كمحاولة لاختبار صدق افتراضات أريكسون عن النمو النفسي الاجتماعي في المراهقة، أن هناك أربعة رتب أساسية للهوية ذات طبيعة ديناميكية.
1 . انجاز او ( تحقيق) الهوية.
2 . تأجيل أو (عليق)الهوية
3 . انغلاق أو (تعويق) الهوية
4 . تفكك أو (تشتت)الهوية
انجاز او ( تحقيق) الهوية
تتحقق الهوية إذا خبر ألفرد أزمة هوية في مجال أو أكثر من مجالات حياتهم، وتوصل إلى قرار معين، والتزم بذلك القرار، وهذا مؤشر لنمو ألانا بطريقة سوية ومحققي الهوية يتمتعون بدرجات أعلى من التوافق، وتقدير الذات، والإنتاجية، ويعانون من درجات اقل من القلق والاضطرابات النفسية والسلوكية.
تأجيل أو (عليق)الهوية
ويشير تعليق الهوية إلى خبرة الأفراد الآنية لأزمة الهوية دون الوصول لقرارات.
وهي مرحلة متدنية عن سابقتها، إلا أنها ذات صفة الديمومة، فهو في رحلة مستمرة للبحث عن هويته وأهدافه، إلا أنه لا يظهر التزاما بها، وعادة ما يستمر في بتغيير الأهداف. ومثال على ذلك استمرارية الفرد في تغيير تخصصه الدراسي .
وبالرغم من تدني مستوى هذه الرتبة كمؤشر للنضج النفسي والاجتماعي، الا أن افرادها يظهرون اهتماما بالوصول إلى أهداف ثابتة. ونتيجة لديناميكية الرتب فإن احتمالات تحولهم إلى رتبة التحقيق تبقى قائمة مع التوجيه السليم.
انغلاق أو (تعويق) الهوية
يقع الأفراد في رتبة الانغلاق كنتيجة لعدم خبرتهم لأزمة الهوية، حيث يواجهون بقوى خارجية تختار لهم أهدافهم، ومن ذلك اختيار الآباء لنوع الدراسة أو العمل أو غير ذلك لأبنائهم، إلا أنهم مع ذلك لا يظهرون رفضاً بل على العكس فإنهم يظهرون تقبلا ورضا بما يحققون، ولسوء الحظ فان هذه الرتبة عادة ما تنال الرضا والدعم الاجتماعي من قبل الآباء، والحقيقة أن الأفراد فيها يعانون من ضعف في (نمو الأنا) ودرجة عالية من الاعتمادية والقلق، وقد يظهر ذلك جليا في حالة فقدان مصدر الدعم.
تفكك أو (تشتت)الهوية
ويمثل أسوأ رتب الهوية، حيث يعاني فيها الأفراد من ضعف (نمو الأنا) بدرجة كبيرة وأيضا من المشكلات السلوكية والنفسية التابعة لذلك، ونتيجة لهذا الضعف فان الأفراد يصنفون في هذه الرتبة نتيجة لغياب أزمة الهوية التي لا يخبرونها أصال ولا يظهرون اهتماما بذلك، إلا أنهم يختلفون أيضا عن المنغلقين في أنهم لا يظهرون أي التزام بما تشاء الصدف أن يقوموا به من أدوار، ولذا فقد يتركون هذه الأهداف لأسباب مختلفة، وحتى لو لم يتركوها فإنها لا تمثل لهم أكثر من أدوار فرضت عليهم، وفي الغالب فإنهم يظهرون اضطرابات تختلف في حدتها، وقد تصل ببعضهم إلى العدوان والانحراف والجريمة.
وفي مجال اختلاف الاباء عن الابناء وكيفية التعامل مع هذا الامر ذكرت الاستاذة اماليد العلوان ان اختلاف مفاهيم الآباء عن مفاهيم الأبناء له عدة وجوه منها اختلاف البيئة التي نشأ فيها الأهل وتكونت شخصيتهم خلالها وبيئة الأبناء واختلاف الأجيال والأزمان فالوالدان يحاولان تسيير أبنائهم بموجب آرائهم وعاداتهم وتقاليد مجتمعاتهم، وبالتالي يحجم الأبناء عن الحوار مع أهلهم؛ لأنهم يعتقدون أن الآباء
إما أنهم لا يهمهم أن يعرفوا مشكلاتهم، أو أنهم لا يستطيعون فهمها، أو أنهم – حتى إن فهموها – ليسوا على استعداد لتعديل مواقفهم. ومعالجة هذه المشكلة لا تكون إلا بإحلال الحوار الحقيقي بدل التنافر والصراع والاغتراب المتبادل، ولا بد من تفهم وجهة نظر الأبناء فعلياً بحيث يشعر المراهق أنه مأخوذ على محمل الجد ومعترف به وبتفرده حتى لو لم يكن الأهل موافقين على كل آرائه ومواقفه – وأن له حقاً مشروعاً في أن يصرح بآرائه. الأهم من ذلك أن يجد المراهق لدى الأهل آذاناً صاغية وقلوباً متفتحة من الأعماق، لا مجرد مجاملة، كما ينبغي أن نفسح له المجال ليشق طريقه بنفسه حتى لو أخطأ، فالأخطاء طريق للتعلم.
معالجة المشكلة
وقد قدمت المحاضرة بعض الحلول المقترحة للمشكلة هي :
• الحوار العاقل والهادئ
• الصداقات المبنية على الاخذ والعطاء الإيجابيين.
• بناء العلاقات الاجتماعية التي تساهم في نمو الهوية الذاتية بشكل سليم.
• تكوين الحس الإيجابي من خلال المواقف والتجارب الناجحة.
• تفهم للأخطاء واعتبارها أبواب لتكوين معارف جديدة.
• إعطاء الأدوار المتنوعة لفهم المعنى في الحياة.
• نحتاج الى زمن للتأمل .
• تكوين عادات جيدة تخدم طريق الكفاح.
• استغلال أوقات الفراغ بشكل نافع ومغذي للروح والعقل.
• البحث عن المشتركات التي من خلالها نبني ونصلح ما فاتنا.
• احياء نشاطات دورية فردية وجماعية بناءة وفعالة تخدم الاسرة والفرد.
• إدارة حوارات جماعية تشبع العطش الحاصل في روح الفرد كبيرا كان ام صغير.
• تقوية الجسور بين المسؤولين والشباب للتعبير عن مخاوفهم وامالهم وطموحاتهم كي نفهم ما نواجه .
وقد كانت المحاضرة ممتعة ومفيدة وتفاعل معها الحضور عبر العديد من الاسئلة والمناقشات خلال المحاضرة.