تستضيف مؤسسة الحوار الانساني بلندن يوم الاربعاء 2/11/2016 الدكتور ميثم الحلو في امسية ثقافية يتحدث فيها عن الدين كتجربة ذاتية لإنتاج المعنى والإيمان كخيار ذاتي من حيث فهم النص الديني وفهم موافقته للكليات التي حث عليها النص من الدعوة الى العدل والمساواة وتكامل الإنسان.
الدكتور ميثم الحلو طبيب مختص بالامراض لجلدية ،صدر له اربعة كتب منها كتاب نقدي للفكر الإسلامي السائد قدم فيه قراءة مختلفة وانسانية للتدين. أنشأ مجموعة ( لمن يجرؤ على العقلانية ) التي يقدمون من خلالها فعاليات فكرية كل جمعة في الهواء الطلق في القشلة لنشر الفكر التنويري. باحث يعنى بكيفية تقديم قراءة عقلانية للاسلام.
الجمال والمعنى مقصد الدين/ قراءة إنسانية للنصوص الدينية
صادق الطائي
ضمن موسمها الثقافي الخامس عشر ضيفت مؤسسة الحوار الانساني بلندن يوم الاربعاء 2/11/2016 الدكتور ميثم الحلو في امسية ثقافية تحدث فيها عن مجموعة محاور تضمنت الدين كتجربة ذاتية لإنتاج المعنى، والإيمان كخيار ذاتي من حيث فهم النص الديني وفهم موافقته للكليات التي حث عليها النص المقدس من الدعوة الى العدل والمساواة وتكامل الإنسان.
الدكتور ميثم الحلو طبيب مختص بالامراض الجلدية ،صدر له اربعة كتب منها كتاب نقدي للفكر الإسلامي السائد قدم فيه قراءة مختلفة وانسانية للتدين. وقد أنشأ مجموعة ( لمن يجرؤ على العقلانية ) الناشطة في تقديم فعاليات فكرية كل يوم جمعة في الهواء الطلق في مبنى سراي الحكومة القديم (القشلة) في شارع المتنبي في بغداد لنشر الفكر التنويري. والدكتور ميثم الحلو باحث يعنى بكيفية تقديم قراءة عقلانية للاسلام.
المقدمة:
ابتدأ الدكتور الحلو امسيته بالقول ؛ من اسم المؤسسة (مؤسسة الحوار الانساني ) يمكننا ان نستلهم أهمية الحوار كعملية فعالة في انتاج المعنى.. فعند تناول الشأن الانساني أو الشان الديني عموما نلاحظ ان السائد هو نوع من القراءة الرسمية الواحدة.. لكأن الدين يتحول من تجربة ذاتية لانتاج المعنى الى ايديولوجيا او قراءة رسمية تمنع او تبعد القراءات الاخرى.. ونجد ان من الواجب الان المساهمة في انتاج قراءات متعددة ولا تكون حصرية او تبعد القراءات الاخرى.. الحوار بين القراءات المختلفة هو الذي سينتج المعنى وهو الذي سيفتح الافاق لان تتوافق هذه القراءات مع روح العصر ومع ما تتطلبه الحضارة الانسانية وقبول الآخر من مفاهيم جديدة يجب ان تنتج من خلال التجربة الدينية.
ذاتية التجربة الدينية
في هذه المحاضرة سأتطرق الى مجموعة من الاشياء.. سأتحدث عن ذاتية التجربة الدينية مرورا بنسق سورين كيركيغارد الفلسفي والفهم الانساني للنصوص الدينية ، ثم ساتطرق الى بعض الاليات التي نـُشكل فيها على القراءة الرسمية المتداولة للنصوص الدينية ثم سنفكك هذه الآليات ، وساضرب بعض الامثلة واناقشها في ختام المحاضرة ان شاء الله.
لو تحدثنا عن ذاتية التجربة الدينية.. فان خيار الايمان وعدمه هو خيار ذاتي متعلق بالانسان نفسه.. والانسان يجب ان يكون مختارا لنوع التجربة التي يتبعها او يعايشها. وامكانية صب الناس في قوالب ثابتة وفقا لنموذج سابق لن تنتج انسانا صحيحا مبدعا فعالا في حضارته وفي وجوده الانساني.
ساتطرق الى فيلسوف دنماركي عاش في القرن التاسع عشر هو سورين كيركيغارد (1813 – 1855). والمطلع على اعمال هذا الفيلسوف سيلاحظ شيئا اساسيا في تجربته ، وهو كونه مؤمنا مع اشكاليته ونقوده على النصرانية عموما ، لكنه كان مؤمنا بالمسيحية. كان مليئا بالشغف ، وبالنمط القلبي بالايمان في التجربة الدينية. ومن الغريب ان نلاحظ مفكرا من بلد صغير مثل الدنمارك وكان يتحدث بلغة تبدو غامضة للعالم يترك هذا الاثر في الفكر العالمي في القرنين التاسع عشر والعشرين. فهو لدى الكثيرين يعتبر الاب الحقيقي للوجودية بمعناها الحديث وقد اخذ منه الوجوديون الحديثون الكثير..هو ابو الوجودية الحديثة لديه الكثير من المؤلفات وساتطرق لاحدها.. وهو (ستاديا) الذي قسم فيه حياة الانسان الى مراحل.. ستاديا (جمع ستاديوم) الستاديوم هو الملعب او مكان العروض. وقد قسم حياة الانسان الى ثلاثة حقب او مراحل : الاولى والثانية والثالثة، وقد بين كيركغارد في هذا الكتاب ان الانسان قد يعلق في احدى تلك المراحل وهي بحسب تقسيم كيركغارد :
المرحلة الاولى: هو المرحلة الجمالية.. يصنف فيها بعض الناس الذين يكتفون بالتفرج على العالم بدون الانغماس بهذه التجربة، بدون الاهتمام بانتاج المعنى. فهم يلاحظون ما ينتجه الاخرون من اعمال فنية او جمالية، يتذقون الجمال لكنهم غير فاعلين في انتاجه او التفكير في المعنى الذي يكمن وراء هذا الجمال. ولا يهتمون بمعاناة الشاعر التي من خلالها ينتج النص او اللوحة الجميلة ، يكتفون بالتفرج على هذه القيم الجمالية وهذا هو جل وجودهم في الحياة.
ويضيف اليهم اولائك المفكرين النظريين التجريديين الذين يتعالون على الواقع ، وازمة الوجود التي تحيط بالانسان. يفكرون بالترف الفكري بعيدا عن الواقع المزري واليائس الذي يعاني منه الوجود البشري. فيصنفهم وكأنهم عالقون ايضا في هذه المرحلة.
المرحلة الثانية: هي المرحلة الاخلاقية، وهنا يبدأ المعنى بالظهور. يبدأ البشر بالعيش وفق معايير اخلاقية ، ولا يهمنا من فرضها أو من أوجدها. فيكون احساس الانسان واضحا بما يجب اوما لا يجب بالحق والباطل بالخير والشر، ويبدأ لدى الانسان الالتزام الطوعي بهذه المعاييرالاخلاقية.
المرحلة الثالثة : هي المرحلة الدينية، وهي الحقيقة النهائية لكنه يؤشر الى انها ذاتية متعلقة بحياة الانسان وجوهر وجوده، ويعطي امثلة من كتبه ومنها “الخوف والرعدة”, “اما .. او”، (في نقد المسيحية). ومعروف عن كيركيغارد انه وجد المسيح عندما ترك المسيحية. فهناك فصل بين النص كما يقدم لك والنص كما تعايشه، التجربة كما تقدم وكما تدرس لك او ان تصب في قوالبها بالغاء فردانيتك وروحك وبين ان تعايشها.
ويضرب لنا كيركيغارد مثالا من كتاب “الخوف والرعدة” ويقدمه كنموذج للتجربة الدينية فيتحدث عن قصة النبي ابراهيم (ع) في الكتاب المقدس عندما أمره الله بأن يذبح ابنه الوحيد ابن الوعد إسحق(ع)، فيذكر الكتاب المقدس ان ابراهيم (ع) نهظ مبكرا في ذلك الصباح .. ويدخل كيركيغارد في دواخل ابراهيم ليتساءل: لماذا بكر بالنهوض ليأخذ ولده الى الجبل ليذبحه؟ .. ويفكر ان الظاهر في الحقيقة ان ابراهيم لم ينم تلك الليلة اي انه لم يكن متحمسا لفعل ذلك بل لقد اخذه القلق الوجودي والتساؤل في مواجهة الظلمة.. ظلام مطلق. فالمعايير الجمالية والاخلاقية ضد هذا الامر، وكذلك الطبيعة البشرية لا تتوافق مع القتل حتى بدون نصوص. فكيف له ان يذبح هذا الابن الذي انتظره طويلا؟ بالتأكيد ان كل المعايير التي خبرها في مفهومه كانت بالضد من ذلك. فيقول ان ابراهيم وقف في مواجهة تلك الظلمة، وهذا ما يسميه ازمة القرار الوجودي في تلك اللحظة، وقصة ابراهيم في تواصله الحقيقي مع الله ،انه كان يملك هذا الايمان بجمالية تلك التجربة، وان المعيار الحقيقي للحق والباطل، للخير والشر هو الذي قدم له تلك التجربة ورأى انه يجب ان يمتثل لها مع ثقته ان ذلك الامتثال لن يجعله في ضياع ولن ينتج عن ذلك امر سيء. ولكن يجب ان ننبه هنا الى ان هذا الامر يختلف طبعا عن الايمانات الدوغمائية مثل ما يفعله الانتحاريون الذين تغسل ادمغتهم فنحن هنا نتحدث عن تجربة حقيقية تمثل التواصل المباشر مع الله، ولن يكون بمقدور شخص عادي ان يخوض فيها.
فيختار ابراهيم تلك القفزة، او قفزة الايمان. فحينما لا يرى امامه الا الظلام ، بينما الشيء الوحيد الذي يثق به وبجماليته يخبره ان يتقدم، فانه سيتقدم اعتمادا على تلك الثقة. فهو يقول له: لن أتركك وحيدا وسترى المغزى فيما بعد.. فيقدم على الامتثال. ومثل هذه التجربة لا يمكننا ان نقيسها بمعاييرنا. وسنتطرق لاحقا الى القصص القرآني وفي الكتب المقدسة وما الذي تعنيه، لكنني فقط اشير هنا الى ما يأخذه كيركيغارد من تلك القصة.
هنا اعتبره كيركيغارد او اسماه: “الارجاء المؤقت لسلطة الاخلاق”. مثل الملتزم بالقوانين والاشارات المرورية وفي يوم ما يتدخل شرطي المرور في ظل ازمة مرورية. فيجد الاشارة الحمراء التي اعتاد الوقوف عندها بينما يشير له الشرطي الى كسر تلك القاعدة. وبعض الناس حتى في حال ان اشار له الشرطي ان يتقدم فهو يتردد لانه اعتاد غير ذلك. لكن التردد لن يكون عقلانيا لان سلطة القانون المتجسدة امامك هي التي تطلب منك كسر القانون. فالامتثال يجب ان يكون عقلانيا، لانك لا يمكن ان تقول ان السلطة هنا غير عقلانية.
الجمال والمعنى
لقد حدث الشيء نفسه في قصة ابراهيم (ع) الذي أخبره الله ان يتقدم، وانه يمنحه تلك الصلاحية لأن يتقدم. وتلك اللحظة الوجودية هي التي جعلت ابراهيم (ع) يعيش التجربة الحقيقية والذاتية للايمان. وهي ذاتها يمكننا قياسها على تجاربنا الدينية، والقصد أن خيارك الحقيقي هو الخيار الذاتي الذي تعايشه انت، وانه يفترض بالدين ان يكون موجها لنا جميعا اذا احتجنا اليه وليس بالاكراه ، فكما اسلفنا ان الايمان وعدمه خيار ذاتي. لكن اذا اخترنا الايمان فلن نختار ان نصب في قوالب ، وانما يجب ان نختار التجربة ونعايشها وان نفهم مقاصدها الجمالية ومقاصد انتاج المعنى فيها وهذا امر اساسي وهو جوهر التجربة الدينية.
فان اوحت لنا بالجمال واضفت المعنى في حراكنا البشري في المجتمع فيجب الا تكون معرقلة للنشاط البشري وان تعطينا المعنى للاستمرار في مواجهة هذا الوجود الانساني الذي قد يبدو مليئا بالظلام واليأس والشك وعدم التيقن والتثبت. فالايمان يأتي مع الشك وليس مع التيقن الكاذب، فاذا كنت قادرا على اختبار تلك الاشياء التي تحس بها مرة بعد مرة وان تحاكمها بقلبك وذاتك فيمكنك عندئذ أن تقدم فكرة حقيقية عن أبدية الرسالة وعدم تأريخيتها. فأنا على المستوى الشخصي انظر الى النص الديني على انه تاريخي نزل على ناس معينين ولدواع معينة وبواسطته تم حل اشكالات لزمن آخر، بيد ان عمومياته واشارته القلبية هي لكل الناس ،فمنطق النص منطق تأريخي يفصح عن تأريخيته.
فنقرأ مثلا: “يسالونك..” عن ماذا يسألونك؟ تختلف الأسئلة من زمن الى آخر ، ففي زمننا الاسئلة متكاثرة، على المستوى الفلسفي والمعرفي والعلمي، هي أسئلة عن الوجود الانساني والمصير وعن المعنى الذي يكمن وراء ذلك كله. وتختلف وفق الاطار المعرفي عما كانت عليه في السابق.فمثلا كانت الاسئلة: “يسألونك عن المحيض، عن الأهلة، ماذا ينفقون، عن اليتامى، وهي اسئلة كانت فاعلة في انتاج المعنى لذلك الزمان فإذا اردنا ان ننظر للمطلوب فهو العموميات الموجودة داخل النص يجب الا نهدر السياق او العنوان الذي وجه اليه النص. فاذا كان الرجوع بالفعل بالفقه بالتفقه بالنظرة للتجربة الدينية فيجب ان نرجع الى القلب. ولو لاحظنا فان النص يسند هذه الرؤيا لأنه لم يجعل الفقه علما بل جعله محسوسا، مثل قوله “لهم عيون لايبصرون بها وآذان لا يسمعون بها وقلوب لا يفقهون بها”. فالفقه اذاً متعلق بالقلب وقد وضعه بمقام الحواس الاخرى فهو اذاً عملية قلبية وليست عملية عقلية او تدبرية.
وحتى التدبر وجهه لكل الناس وليس لفئة معينة فقال: “أفلا يتدبرون القرآن؟ أم على قلوب أقفالها” فبمن يكون تدبر النص القراني ؟ هل هو بالعلوم أم بالتحصيل؟ أم بالقلب؟ ولذا فنحن نقول ان النص تاريخي لكن القلب غير تاريخي. منطق القلب غير تاريخي، منطق عالمي انساني يتجاوز جميع الازمان. واذا قرأنا النصوص بالمنطق القلبي سنقول نعم إن القرآن صالح لكل زمان ومكان ولكل انسان قديم او حديث مهما اختلف انتماؤه لهذا المجتمع او ذاك. فالقلب يتساوى به الجميع. لكننا اذا ما كنا مصرين على وضع المحددات والاضافات وغرقنا في التفاصيل وضعنا في الاسئلة المفرطة والاسئلة الفقهية المتكاثرة فهي ملأى بكل ما ليس له علاقة بالوجود القلبي. والاغراق في التفاصيل الفرعية الكثيرة بلا وجود للقلب واسراف في المواعظ والحكم دون ان نمتلك المروءة والاخلاق مثلا ولا نمتلك الرجوع الى القلب.
في النص المقدس .. جوهرالقراءة الدينية
هذا هو جوهر القراءة الدينية، ولذا فنحن نرى انه لابد من تقديم قراءات بديلة. وبحسب الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا في كتابه ( الكتابة والاختلاف) حين يفكك النص فإنه بالتفكيك يحطم المركزيات الموجودة في السرديات ولا يضع بالمقابل منهجا بديلا، فهو يفكك النص ليفصح عن عيوبه ويفتح الباب للقراءات الاخرى فلا يضع مركزية مقابل مركزية .كذلك نحن نقترح فتح الباب للقراءات الاخرى التي لن تكون حصرية ولن تدعي العصمة ولن تكون ايديولوجيا بديلة، وتكون مفتوحة ومعيارها الوحيد هو معيار انساني معيار يجعلنا متوافقين مع مسار الحضارة والعلم ، مع انسانيتنا ومع عودة الاطر الاخلاقية والقلبية والاكتراث بالعالم مع قبول الآخر مع الايمان قطعا بالحرية والكرامة الذاتية والحقوق.
الدين وجد من اجل الانسان ولا يمكن ان يوجد الانسان من اجل الدين. وحتى في الاحاديث: “ان الله لا ينظر الى صوركم ولا الى اجسادكم ولكن ينظر الى قلوبكم.” وحين تحدث الله عن القرآن مع الرسول فقد قالله : “نزّله على قلبك.” فهو يفصح ان النص تاريخي، وما خرج من الرسول الى الناس كان محكوما بزمنه. لكن مؤداه هو الرسالة العالمية التي يقدمها اذا فهمناها كما هي وليس كما تقدمها القراءة المتداولة الان. وهنا سنتطرق الى آليات القراءة المتداولة التي اهدرت السياق والجمال والمعنى. وستكون القراءة البديلة في تفكيك هذه الآليات. ان اهم الية استخدمت لاهدار المعنى والمقاصد الحقيقية للدين هي اهدار السياق الدلالي والاجتماعي،فنحن نجد في تعامل المفسرين مع النص القراني ان السياق الدلالي والاجتماعي للكلام قد اهدر تماما. فاذا كانت الاية موجهة للناس “ياأيها الناس..” فهي موجهة للناس عموما. اما في حالة الخطاب بصيغة “يا أيها الذين آمنوا”.. فيجب ان نفهم ان هناك ثمة تحديدات للمجموعة المخاطبة ، يجب ان نفهم السياق فحين يأتي المفسر ويقول: “ان العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص المورد.” يكون هنا قد أهدر السياق بالكامل ،كأن أكون قد وجهت رسالة الى محمد فتؤخذ الرسالة نفسها مع شطب الاسم الموجه اليه وتوجه الى اي شخص آخر ويقال انها موجّهة للجميع. واذ تجادله انها موجهة الى شخص بعينه يجيبك: أنْ لا “ان العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص المورد.” ومن هذا كثير. ومثال ذلك ايضا ما يرد ضمن سياقه الاجتماعي، حين يخبرنا التاريخ ان الرسول كان يمشي ومر بشخص ما تحدث بأمر ما وبعبارت عامة جاءت كردة فعل عن حادثة صغيرة تطلبت منه حل اشكال بعينه، ويأتيك المفسر قائلا ان هذا الكلام الذي صدر عن الرسول هو لكل البشرية وصالح لكل شيء ولكل زمان ومكان.
كذلك ان هنالك ثمة اهدار للصيغة، مثلا حين نقرأ في النص: “ياأيها النبي قل لبناتك..” وهو ما نستخدمه في حياتنا العادية. ولكن تم تفسيرها بمعنى الالزام او الوجوب ولم يعد ثمة فرق ما بين الاسلوب او الصيغة التي توجب الالزام داخل النص كقولك “إفعل”.. او “لا تفعل”، وكل ما يترتب عليها من عذاب دنيوي او في الآخرة، كصيغة واضح فيها الالزام والوجوب، وبين الندب.
فالصيغة تختلف داخل النص يقصد بها الالزام وما يترتب عليه من توعد، وما بين الندب الى عمل مستحب فهو يستخدم صيغة اخرى لا يمكن ادراجها ضمن قوالب الالزام. كما ان هناك ايضا عدم تفريق ما بين الخبر والانشاء. فمن المعروف في اللغة العربية ان الخبر هو كل ما يصح ان يقال عنه بأنه صادق او كاذب: مثال جاء محمد.. فإذا جاء فعلا فالخبر صادق وإذا لم يجئ فهو خبر كاذب. والجملة اذاً هي جملة خبرية. لكن ثمة اساليب اخرى في اللغة مثل التمني والترجي والاستثناء والاستفهام وهو ما يعرف بالانشاء. ولا يصح القول عنه بأنه صادق او كاذب، وقع او لم يقع. وفي النص القرآني لا يفرق كثير من المفسرين بين الخبر والانشاء ومنها القصص القرآني. فنحن نجد في القصص القرآني ما ينطوي على الاسطورة والخيال فهي في النهاية قصص. ويقول النص القرآني: “لقد كان في قصصهم عبرة.” اي ان الغاية من القص هي العبرة. وليس حقيقة وجودها التأريخي أو ان ندخل في جدل أن تكون قد حدثت او لم تحدث. ولذا لا يمكن ان نقول انه ما دامت قد ذكرت في القرآن فهي حقيقة. بينما يذكر القرآن نفسه: “نحن نقص عليك أحسن القصص.” اي ان لدينا خيارات من القصص واحسن القصص هو القصص القرآني. لكن الفكرة في القصص هي العبرة وليست الحقيقة التاريخية.
لذا نحن نقع دائما في اشكالات، فكيف نفسر علميا مثلا طوفان نوح؟ او يونس في بطن الحوت. فهي حقيقة لا يمكن ان يعقلها بشر. ولو فككناها وفق المعايير العلمية فستكون مستحيلة الوقوع حتى في اطار المعجزة. لان المعجرة بلوازمها غير موجودة وغير عقلانية هنا. والقصة تكون محدودة داخل النص القرآني لا تفاصيل فيها لكنهم يكملوها لنا بالتفاسير. فالنبي سليمان مثلا بقي واقفا على عصاه سنة كاملة حتى جاءته دودة الارضة ونخرت عصه فسقط واكتشفوا انه ميت. وهو ملك، فكيف يمكن ان يعقل ذلك ؟ ألم يسأله احد من الوزراء او الحاشية لماذا انت واقف متكأ على عصاك؟ اترغب في شيء ؟ القصد ان الله قادر على كل شيء، لكن لوازم المعجزة هنا غير عقلانية.
كذلك الافق المعرفي الذي كان النص يحاكيه، فكان يتحدث بعلومهم. كانت لديهم في ذلك الزمن مثلا ثنائية الشمس والقمر. ولو جاء القرآن في زمننا هذا لما تم استخدام ثنائية الشمس والقمر لانها غير فاعلة في حياتنا. فنحن اليوم نعلم انه لا علاقة بين الشمس والقمر، ولا يمكن ان يكونا متناظرين في هذا الكون الواسع الذي لم يكونوا يعرفون منه الا ما يشاهدونه فيه.المغزى اننا لو حاكمنا النص بمعاييرالعلم فانه سيخذلنا لكننا لو افترضنا انه خطاب تأريخي غير موجه لنا وانما لآخرين يخاطبهم وفق افقهم المعرفي ، لذا فهو ليس غريبا عن المنطق الذي كان سائدا في ذلك الزمن. وليس الخلل في النص نفسه.
ثمة من يقول ان ثمة اسئلة مقموعة داخل النص. مثل: “يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ” وهذا في الحقيقة ظلم للنص. لان النص استجاب بطريقة جيدة لكل التساؤلات والاسئلة حتى تلك التي لم تكن ذات نتاج معرفي. مثل: “يسألونك عن ذي القرنين.” فما هو النتاج المعرفي الذي حصلوا عليه اذ تمت الاجابة عن ذلك السؤال؟ ومع هذا فقد أجابهم النص عنها. اي ان النص لا يقمع الاسئلة بل يقمع الاسراف في الاسئلة وهو عين ما نعانيه اليوم من القراءة الدينية فالنص ينهانا عن الاسراف في الاسئلة التفصيلية المملة التي لا تنتج المعرفة.
حياتنا اليومية والنص المقدس
اليوم نجد أسئلة فقهية غريبة من مثل “لو كانت ثمة كائنات تسكن على القمر واراد الرجل ان يتزوج بها فما هو حكمها الفقهي؟ وما هي عدة الكائن الفضائي؟” لكأننا تجاوزنا كل مشاكلنا وهمومنا وذهبنا للبحث عن تلك الاجابات على الرغم من اننا اليوم بأمس الحاجة الى انتاج نمط حقيقي من المعرفة بدلا عن تلك المعرفة الزائفة. نحن اليوم في نهاية الامم. ولابد ان يكون خطابنا الديني وتجربتنا الدينية بعيدة عن ذلك الشيطان الذي يكمن في التفاصيل.
من يضيق على نفسه يضيق الله عليه. ونحن اليوم في فقهنا نضيق على انفسنا في كل شي. فالتجربة الدينية تجربة ذاتية تنتج المعنى وغير معرقلة للحياة، اي انها تسير مع نسق الحياة وبموازاتها ولا تعرقلها. فتضفي عليها المغزى والجمال والمقصد الجميل لكنها لا يجب ان تقف عائقا دون الحياة. ولكم بعض الامثلة السريعة التي كنت قد تطرقت اليها في كتابي ( لمن يجرؤ على العقلانية) الذي حاولت فيه تقديم قراءة عملية انسانية تجعل من القلب معيارا، ومن الانسانية معيارا لحرية وكرامة الانسان وهي قراءة غير مفروضة على احد كما اسلفنا.
لو أخذنا على سبيل المثال مسألة الربى، فالفتاوى من كل الطوائف تحرم التعامل مع البنوك وحتى البنوك الاسلامية منها. والبديل عن ذلك هو ان يطلق على مبلغ الفائدة مصطلح “المرابحة” او “فائدة بإذن الله”! ومثال آخر حين كانوا في العراق في زمن ما يبادلون الطحين بالخبز، صدرت فتاوى حينها بتحريم ذلك لانها معاملة ربوية. وكان الحل ان تنوي ان تهب البائع الطحين فينوي ان يهبك الخبز! وبهذه المناورة الاشكالية لخداع الله اصبح الشخص بعيدا عن الربى. وهنا بالذات يختفي القلب. (ومثال مشابه على غياب القلب في حالات معينة يكذب الانسان ويتكلم خلاف الحقيقة لكنه كذب حلال لانه “يعرّض”، وهو ما يعرف بـ”المعاريض”).
وبالعودة الى موضوع الربى الذي تم تحريمه في زمن الرسول، يقول النص: “ولا تأكلوا الربى أضعافا مضاعفة.” لأنه لم تكن ثمة مؤسسات وبنوك (والبنوك اليوم لا تفرض أضعافا مضاعفة، بل على العكس فهي تقدم تسهيلات للمحتاج) وقديما كان ثمة اشخاص اصحاب اموال وكان الدَين يعود الى التاجر المستغل اضعافا مضاعفة بما يرهق الفقير والمحتاج وتستغله. وهذا ما حرمه النص القرآني. ثم ان النص لم يتطرق للمستدين بل كل الكلام موجه للمرابي صاحب الاموال، فيقول: “يا أيها الذين آمنوا اتقو الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين*فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تُظلمون” . والنص هنا يفصح عن انسانيته وجماله، بينما نجد إن القراءة الدينية له مخالفة تماما للنص. وهذا مثال واضح عن القراءة المتداولة التي تبعد الجمال والمغزى، والتي تضع عائقا يعرقل نسق الحياة، وهو بالضد تماما مما يفترض ان تقدمه التجربة الدينية.
ومثال آخر على ذلك هو موضوع إرث المرأة: “فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ “، من الواضح أننا متمسكون بهذا وكانه قانون كوني لا جدال فيه، بينما في الحقيقة ان النص القرآني يكذب ذلك لان فيه إهدار واضح للصيغة، فالنص يقول: “يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين”. وفي ذلك الزمن لم تكن الانثى تورّث أصلا، ولم تكن لديها اي حقوق مالية. وحين اراد ان يعطي المرأة حقوقها بدأ معهم بالتدريج، فكانت الخطوة الاولى ان يكون حظ الذكر مثل حظ الانثيين، وهي صيغة غير ملزمة وغير نهائية وهي قابلة للتفاوض، فهو منحها ذلك الحق في الورث بالتوصية كحد ادنى غير ملزم، فمن اراد ان يعطي ما هو أكثر فليفعل. يعني لا يمكن اعتبار ان الشرع ألزمنا بمنح المرأة نصف حظ الذكر.
وكذلك في مسالة القوامة: “الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض”. فتلك الـ”بعضية” التي جاءت في النص انما هي متبادلة ووضعت لتناسب التطور الطبيعي للانسانية. “بما أنفقوا من اموالهم”. تتعلق بوضعية الذكر فيما اذا كان هو المنفق لانه في ذلك الزمن كان الرجل هو صاحب الحركة الاقتصادية. اما في مرحلة اخرى ، حينما يتغير وضع المرأة ويصبح لديها القابلية على الانفاق سيزول شرط القوامة. أما البعضية فثمة آية اخرى تاتي بها ضمن سياقها النهائي الانساني للنص، يقول “فاستجاب لهم ربهم يقول اني لا اضيع عمل عامل منكم من ذكر او انثى بعضكم من بعض”. وهذه البعضية هنا جاءت في سياق مختلف. ففي الاولى “بعضكم عن بعض” وهنا “بعضكم من بعض” اي انه في السياق النهائي اراد الله سبحانه وتعالى أن يجعل الذكر والانثى متساويين.
وكذلك في الارث حين قال: “حظ الذكر مثل حظ الانثيين” فإنه في السياق لم يقل حظ الانثى نصف حظ الذكر بل جعل حصة الانثى هي الاساس لأنه واحد صحيح وهي حصة متغايرة فهي غير الزامية كما أسلفنا وغير نهائية وكذلك ناظرة اي اننا يجب ان ننظر اليها ضمن سياقها الاجتماعي والاقتصادي، والا نهدر السياق الدلالي الذي جاءت فيه داخل النص فنجمد معتبرين انه نص نهائي لا تفاوض معه. فالنص نفسه يفصح عما فيه ما إذا كان تأريخيا او نهائيا. ومثال ذلك ايضا موضوع الحجاب التي لا اريد ان اتطرق اليها لانها تحتاج بحث طويل، لكنني سأتحدث فقط عن الصيغة التي جاء فيها داخل النص ،اولا هو من الاحكام منصوصة العلة، وهي الاحكام التي اذا ازيلت العلة ازيل عنها الحكم لآنه قال ” ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذينَ”. وكان الغاية من ذلك التفريق بين الحرائر والجواري ونحن لا نملك هذه المشكلة الآن. أما اذا نظرنا الى الصغية التي جاءت عليها في النص فإننا سنجد انها صيغة لا الزام فيها: “ياأيها النبي قل لبناتك”. انظروا الى هذه الصيغة اللطيفة الجميلة التي تم تحويلها الى صيغة بالاكراه والقهر وهذا مخالف لجوهر النص وحقيقته. وقد تطرقت الى موضوع الحجاب في كتابي (لمن يجرؤ على العقلانية) ووضعت بحثا كاملا حول هذه المسألة، واكدت ان مستوى التدليس في هذا الحكم لهو مستوى فضيع. لان الحجاب في القرآن أصلا لم يأتِ بمعنى الزي والملابس ابدا. فحكم الحجاب في القرآن موجود لكنه حكم خاص بنساء النبي، وهو ليس زيا، هو ما حكم بعزلهن وإقرارهن في البيوت لأسباب تأريخية خاصة بهن فقط. فيقول: “لستن كأحد من النساء” لأن أحكام نساء النبي احكام خاصة بهن، فإذا ما ارتكبن فاحشة مثلا فعليها ضعف العذاب وأحكام نساء النبي لا يمكن أن تعمم على جميع النساء.
نتطرق الآن الى مسألة اخرى وهي مسألة الصيام. ففي النص: “وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وان تصوموا خير لكم”. في هذه الآية ثمة من يذهب للقول بأنها منسوخة. لكن السيد الخوئي في كتابه “البيان في تفسير القرآن” يقول أنها آية غير منسوخة. ومعظم الآيات المدعى نسخها هي في الحقيقة غير منسوخة وأنا أتفق مع هذا الراي.وتتحدث هذه الآية عن ناس معينين فمن يطيق هو من يستطيع الصوم ولكن بمشقة شديدة. وهذا حكم سارٍ حتى اليوم، فالذي يطيق الصوم كمن يستنزف طاقته أو أنه كمن يطوّق نفسه بطوق التحمل. فكان حكم الله عليه فدية طعام مسكين وهو ليس مثل الكفارة. وهذا شامل لكل أسباب الاطاقة دون تحديد. فكل من يجد صعوبة في الصيام اعطاه الله رخصة بأن يفطر مقابل دفع فدية طعام مسكين دون تحديد سبب تلك الصعوبة.
وحين نعود لنضع هذه الآية ضمن التحديدات الروائية التي ذكرت مصاديقا للآية مثل مريض السكر الذي يحتاج ان يشرب الماء دائما، في قوله: “الشيخ الكبير أو ذي العطاش” فإن ذلك انما ذكر لبعض المصاديق لكنها ليست محددات. فالآية تقول وعلى الذين يطيقونه اي كل من لا يستطيع الصيام لأي سبب حتى لو كان لأسباب نفسية أو مزاجية يستطيع أن يفطر مع دفع فدية طعام مسكين. وهي آية غير منسوخة ولا ادري لماذا حدد الفقهاء انه “الشيخ الكبير أو ذي العطاش”، فنحن هنا انما نخالف المنهج القرآني لأن الآية الكريمة تقول: “يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر”.
والنقطة الأخيرة التي احب ان اتطرق اليها بسرعة وهي الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. فمنذ أن كنا صغارا في المدارس علمونا هذا الحديث: “من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان”. حين نأتي الى الفقه نجده يقلب لنا الامر فإذا جئته قائلا بان جاري يشرب الخمر فهل أذهب اليه لأضربه بيدي فإن لم استطع فأتحدث اليه وإذا لم استطع وكنت ضعيفا جدا فاُغيره بقلبي فقط؟ فتأتينا الإجابة الفقهية بالعكس: فيبدأ بالقلب تغير وجهك عنه اولا ولكن ما لا يلتفت اليه بإعتقادي ان من أجمل الاشياء في القرآن هي إشارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهو لم يقل الامر بالخير والنهي عن الشر ولم يقل الامر بالحق والنهي عن الباطل، لأن مفهومي المعروف والمنكر ليستا من المفاهيم المتعالية المحسومة مسبقا ويجب اتباعها.. بل قال “المعروف والمنكر” فالمعروف لا يكون معروفا الا عند ظهوره في المجتمع، وان يعرف الناس ويتعارف عليه فالتسمية ناتجة عن المعرفة. اي ان تفسير الحالة في المجتمع ان يرى الناس شيئاً يجدونه جيدا ويتوافقوا عليه فيصبح معروفا يجب الأمر به. اما حين يجد المجتمع أمرا شاذا مستهجنا مستنكرا فهو منكر. اذاً فلا يوجد شيء معروف بالاصل ولا يوجد شيء منكر بالاصل لان هذان المفهومان يوجدهما المجتمع نفسه. وقد جاء اللفظان على صيغة اسم المفعول اي انه بعد ظهوره في الخارج يتحدد ما إذا كان معروفا أو منكرا.
واختتم الدكتور ميثم الحلو محاضرته بالقول ؛ ولذا فانني اقول ان الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان وحرية المرأة وتعليمها هذا كله معروف يجب الأمر به الآن ولا علاقة له بالمعروف الذي كان سائدا قبل قرون من الزمان. اما الاستبداد الديني والقهر والاغراق في التفاصيل الدينية والحجاب والاستبداد بالحكم والقول ان الاسلام دين ودولة فهذا كله منكر يجب النهي عنه الآن. ويجب ان يفسح المجال للقراءات الاخرى ضمن معايير النص فنحن لا نتكلف القراءة. فلست أنا من اسماه معروفا وانما النص الصريح هو الذي اسماه كذلك. انا فقط اتبع القراءة بدون تعسف وبآلياتها الحقيقية. فهل يمكن ان نسمي الشيء معروفا وهو مفهوم متعال ومعصوم ولم يظهر في الخارج؟ فمن الذي عرفه اذاً؟ وكيف أصبح معروفا؟ ومن انكر ذلك الشي فأصبح منكرا؟ اذا يجب ان تكون الثنائية ايجابية وفاعلة في المجتمع لتحديد طبيعة المفهوم ويحدد موقفنا منه.