استضافت مؤسسة الحوار الانساني بلندن الكابتن الطيار نمير القيسي يوم الاربعاء 6 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 في أمسية ثقافية تحدث فيها عن تأثير العقوبات الدولية على سلطة الطيران العراقي، أسبابها، تأثيرها، وكيفية معالجتها وايجاد الحلول لها.
نمير ناطق القيسي، طيار عسكري سابق، ومعلم طيران وطيار مدني حاليا، حاصل على بكالوريوس في علوم الطيران من كلية القوة الجوية العراقية عام ١٩٨٥. كما حصل على بكالوريوس في علوم الادارة من الجامعة المستنصرية عام ١٩٩٧. محصل على ماجستير في النقل الجوي متخصصا في ادارة المطارات وشركات الطيران من جامعه وستمنستر / لندن عام ٢٠١٧. يعد القيسي اول طيار عراقي يحصل على عضويه (Royal Aeronautical Society ) . وهو اول طيار عراقي يحصل على عضوية (British Association for Aviation Consultant ) و (Co-founder of Rulez Aviation ) . يعمل حاليا مستشارا في شركه طيران وأكاديميةAISالهولندية.
مقدمة
يعود تاريخ الطيران في العراق الى ثلاثينات القرن الماضي حيث تم افتتاح اول مطار في بغداد، عام 1933 وأمتاز هذا المطار في وقته بسعة مساحته وتجهيزه بأحدث التقنيات كما في المطارات الدولية آنذاك , وفي غضون عدد من السنين تم تأسيس مصلحة الخطوط الجوية العراقية وتحديدا عام 1945 وكانت في مقدمة شركات الطيران المدني في المنطقة التي كانت طائراتها تحلق في سماء العراق وايضا في سماء الدول المجاورة بذلك أكتسبت شهرة وسمعة جعلتها موضع ثقة واطمئنان من جميع المسافرين على متن هذه الرحلات , خصوصا أن الشركة امتلكت تاريخا نظيفا في تأمين سلامة السفر الجوي بعدد من ساعات الطيران الخالية من الحوادث والكوارث.
وبرغم الاحداث التاريخية التي مر بها البلد والحافلة بالحروب التي أجبرت شركة الخطوط الجوية العراقية من أن يتراجع المخطط البياني التطوري لها وتحديدا في حرب عام 1990 ومارافق ذلك من حصار اقتصادي أدى الى توقف رحلاتها بصورة شاملة , وكان هذا هو الحظر الاول الذي طال النورس الاخضر فوق أوربا وباقي دول العالم وأستمر حتى عام 2009 عندما بدأت الشركة تعيد نشاطها من خلال أمتلاكها للطائرات الجديدة ومحاولة أعادة كوادرها للعمل عليها برغم قلة الاعداد وعدم التحضير لاعداد كوادر جديدة ، بالفعل اعاد نورسنا الاخضر نشاطه لمدة عام وخلالها ظهرت لنا مشكلة الجارة الكويت مع الخطوط ووقفت رحلاتها لفترة اخرى تم حلها بالاموال .
باشرت بعدها الخطوط الجوية العراقية تسيير رحلاتها الى اوروبا عام 2013 وطلبت الوكالة الاوربية لسلامة الطيران (اياتا) من الخطوط الجوية العراقية في حينها توفير معايير السلامة والامان الاوربية في طائراتها كما في شركات الطيران الاوربية الاخرى من خلال تطبيق اتفاقية البلد الثالثTCO من اجل تسيير رحلاتها الى اوربا، اي ان الخطوط الجوية العراقية يجب ان تهبط في بلد اوروبي ثالث للتأكد من معايير السلامة والامان في الطائرة قبل السماح بهبوطها في لندن مثلا، وحينها وقع الاختيار على مدينة مالمو جنوبي السويد، وكانت المفاجئة عندما طلبت وكالة سلامة الطيران الأوروبيةعام 2014 منع طيران العراقية بشكل مؤقت لمخالفته شروط ومعايير السلامة في أحد رحلات الشركة الى لندن لحين حل هذه المخالفات، ومنها حسب تقرير لجنة سلامة الطيران الاوربيةالموجودة في البلد الثالث من ان هناك اهمال واضح للاتصالات خلال الرحلة، والانحراف عن خط سير الطائرات، وهناك أثار تدخين في قمرة القيادة، والانشغال بالأحاديث الشخصية من قبل الطيارين، وغيرها من الاخطاء التي يتحملها بشكل اساس الطاقم الذي وجد عنده المشاكل، وارسلت تقريرا فنيا الى سلطة الطيران العراقي قسم السلامة الجوية بصفته هو المسؤول الفني عن متابعة الشركة، مع قسم توكيد الجودة في الشركة، وحل المخالفات والتاكيد على عدم تكرار هكذا حالات. ولكن مع الاسف تم تجاهل هذا الامر (بقصد، أو جهل باجراءات او تخطيط مسبق ومتعمد لالحاق الضرر بالشركة). لا بل أستمر ظهور هذه المخالفات حيث قامت لجنة سلامة الطيران الاوربيةSAFA من الكشف عن حالات خرق جديدة لرحلات اخرى للشركة بالاضافة لما سبق ومن المخالفات الجديدة التي ظهرت:
- انتهاء صلاحية زجاجات الاوكسجين والاطفاء ونقص عض احزمة المقاعد وعدم وجود مقاعد اطفال.
- عدم دراية الطيارين باللودشيت وتوزيع الاوزان.
- مجموع اعمار الكابتن والمساعد يتجاوز الحد القانوني
- بعض مهندسو الطيران لا يتكلمون الانكليزية ولا يفقهون شيئا بهندسة الطائرات.
- ا لسماح لا صدقاء الطيار من المسافرين بالدخول الى قمرة القادة.
- الاستغراب من وجود مساعد طيار برتبة طيار وعمره صغير جدا لا يتناسب مع التدرج الوظيفي.
هذه الخروقات بمجموعها والتي زادت عن ( 200 خرق حسب منظمةSAFA) أدت الى حظر الطائر الاخضر من الطيران فوق أوربا رسميا منذ عام 2015 ولحد يومنا هذا , تحت بند عدم استيفاء شركة الخطوط الجوية العراقية لمتطلبات الوكالة الاوربية لسلامة الطيران (الاياسا) وفق اللائحة(EC No. 2111/2005) التي وضعتها الاياسا لقواعد مشغلي الدولة الثالثthird country operators) TCO) وتتم تحت إشراف سلامة الطيران لدولة عضو أخرى أو دولة ثالثة لتفتيش الطائرة التي تنوي الطيران فوق اوربا في موقف الطائرات ، حيث يهتم بشكل رئيسي بوثائق الطائرة وكتيباتها ، وتراخيص طاقم الطيران ، والحالة العامة للطائرة وحالة من معدات السلامة وغيرها.
من خلال اطلاعي على لوائح وقوانين الاياسا لهكذا حالات سنناقش بصورة علمية صحيحة اسباب هذا الحظر ؟ والحلول التي اقترحها من وجهة نظري لانهاءه ؟ واضعها تحت تصرف لجنة رفع الحظر المشكلة في الخطوط الجوية العراقية التي شكلت يوم 8/11/ 2018 اي بعد اكثر من 3 سنوات من الحظر ! كما اضع تصوري للنتائج الوخيمة والقادمة لكل قطاع الطيران العراقي في حالة عدم تدارك موضوع رفع الحظر ؟
في البداية ان شهادة مشغل البلد الثالثThird Country Operator تفرض على اي شركة نقل جوية من خارج الاتحاد الاوربي الطيران فوق المجال الاوربي وهناك أكثر من 600 شركة نقل جوي حاصلة على هذا الترخيص للطيران فوق اوربا وتوجد اجتماعات دورية كل 6 أشهر تعقد في الوكالة الاوربية لسلامة الطيران (الاياسا) لمراجعة التقارير المرفوعة لنشاط هذه الشركات ومنع المخالف لشروط ومتطلبات هذه الشهادة من الطيران فوق اوربا وفقا لتقارير ترفعها لجنة تقييم سلامة برنامج الطائرات الأجنبية(SAFA) ,
وشهادة مشغل البلد الثالثTCO تمنح الترخيص لهذه الشركات من خلال المراحل التالية:
- مرحلة التطبيق
- مرحلة التقييم
- مرحلة التخويل
- مرحلة المراقبة
فيجب على المشغل ( شركة النقل الجوي) التسجيل لدى الوكالة وستقوم الوكالة بعد ذلك بإجراء فحص الأهلية من خلال لائحة خاصة بالمعايير المطلوبة وهي اللائحة(TCO.GEN.115) وتتضمن اللائحة تطبيق معايير منظمة الطيران المدني الدولي الايكاو التي يجب على الشركة الناقلة الامتثال لها وتتضمن إدارة الوقود أثناء الرحلة ، وعمليات التفتيش قبل الرحلة الجوية ، وأمن طاقم الطائرة وغيرها , وهذا يعني أنه يجب علىيهم الالتزام بقواعد السلامة الخاصة بالاتحاد الأوروبي في هذه المجالات تحت مسمى “ﺍﻹﺠﺭﺍﺀﺍﺕ ﺍﻟﺘﺸﻐﻴﻠﻴﺔ” بالإضافة إلى معاييرICAO وخصوصا الملاحق التالية ( الملحق 1 – ترخيص العاملي , الملحق 2 – قواعد الجو , الملحق 6 – تشغيل الطائرات , الملحق 8 – صلاحية الطائرات للطيران , الملحق 18 – النقل الآمن للبضائع الخطرة بطريق الجو) وهذه المعايير الدولية هي الحد الأدنى من مستوى الحماية والسلامة البيئية اللازمة لحماية الطائرات و يجب على الدول المتعاقدة أن تلتزم بتطبيق هذه المعايير والتي تقر بأن الاتحاد الأوروبي يعترف بالشهادات والتراخيص أدناه وهي من أهم مصادر المعلومات المتعلقة بالسلامة بما يتماشى مع التزامات الايكاو للدول الأعضاء والتي تؤثر بشكل كبير على تصنيف مقدمي طلباتTCO / المشغلين المعتمدين وتقييمهم ، وهذه الوثائق هي:
( CofAs)وشهادات الكفاءة والتراخيص ووثائق شهادة الضوضاء بالاضافة الى تقارير الايكاو الخاصة بالبرنامج العالمي لتدقيق مراقبة السلامة الجويةUSOAP, وبياناتICAO-CMA نهج المراقبة المستمر.
والان لمراقبة وتفتيش الوثائق اعلاه للشركات المحلقة فوق اوربا في مطار ثالث غير مطار الاقلاع والهبوط وممكن ان نسميه “مطار المراقبة والتفتيش” قرر الاتحاد الاوربي في عام 1996 بتأسيس برنامج تقييم سلامة برنامج الطائرات الأجنبية(SAFA) Safety Assessment of Forging Aircraft حسب اللائحة 2004/36ECno. وهو التزامً قانونيً على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لإجراء عمليات تفتيش في مكان وقوف الطائرة في دولة ثالثة تهبط الطائرات في مطاراتها وتشمل طائرات دول الاتحاد الأوروبي أو الدول غير الأوروبية.
عندما يتم اجراء التفتيش للطائرات في مطار الثالث من قبل منظمة(SAFA) لمتطلبات السلامةTCO لشركات النقل الجوي المحلقة فوق اوربا ووجدت ملاحظات( Finding) على التطبيق يتم عندها حظر الشركة من الطيران حسب اللائحةEC No 2111/2005 وهي الوسيلة التي يستخدمها الاتحاد الأوروبي في تقرير ما إذا كان سيتم تضمين المشغلين في قائمة سلامة الاتحاد الأوروبي او حظرها اي ان نتائج تفتيش وكالةSAFA تعد من المدخلات الهامة عند تخصيص فئة الحطر إلى المشغل وعند اتخاذ قرار بشأن منهجية التقييم المستخدمة في الترخيص الأولي والرقابة المستمرة أذن تعتبر اللائحة التنظيمية(EC No 2111/2005 ) التفويض الرسمي بحظر المشغلين حتى لا تعمل داخل الاتحاد الأوروبي,
بعدها ستقوم الوكالة بإجراء تحقيقات أو زيارات ميدانية مشتركة مع سلطة دولة المشغل على أساس المادة 3 من لائحة المفوضية(EC No 473/200621) كما تقوم الوكالة بتعليق الترخيص خلال حظر التشغيل و يجوز تقييد أو تعليق التفويض طوال مدة التشاور المشترك أو في حالة فرض حظر فوري تفرضه دولة عضو.
هذه اللائحة هي نفسها التي حظرت الخطوط الجوية العراقية من السفر فوق اوربا بسب بعض المخالفات التي ارتكبتها العراقية ضمن اللائحة التنظيمية(EC No 2111/2005 ) هذه الخروقات بمجموعهاوالتي زادت عن ( 200 خرق , حسب منظمةSAFA) والتي بمجموعها هي مخالفات تقع ضمن لوائح الايكاو التي على اساسها اعطيت الشركة شهادة المشغل الجويAOC من قبل السلامة الجوية العراقية وهي اللوائح (1,2,6,8,18) والتي المفروض تكون متابعة من قسم السلامة الجوية ؟ وهي ملاحظات كان يجب على شركة النقل الجوي العراقي حلها باشراف قسم السلامة الجوية ومتابعته هذه الاجراءات المرسلة من قبل منظمةSAFA .
وكما وضعت الاياسا اللائحةEC No 2111/2005 لحظر وايقاف ترخيص شركات النقل المخالفة لتطبيقاتTCO وضعت ايضا لائحة الحل تحت بندEC No 452/2014 هذه اللائحة تتضمن اجراءات حلFinding ووفق وسائل الامتثال المقبولةTCO.GEN.120)) وهو مايسمىAMC Acceptable Means Compliance ضمن تعليمات وارشادات(TCO .GEN.125) GM Guide’s Materials بالمقارنة نجدها تقع تحت بنود لوائح الايكاو المنوه عنها اعلاه بالاضافة الى البرنامج الدولي لتقييم سلامة الطيران(IASA) الذي أنشأته إدارة الطيران الفيدرالية(FAA) حيث يساعد هذا البرنامج على تحديد ما إذا كانت سلطة الطيران المدني في بلد ثالث تتمتع بقدرات إشراف كافية على مشغليها لضمان التشغيل الآمن وفقًا لمعايير منظمة الطيران المدني الدولي والمطبقة على شركات الطيران التي لها حقوق تشغيل لها داخل الولايات المتحدة , وايضا تعليمات منظمة التدقيق الدولي للسلامة التشغيلية(IOSA) التي قامتIATA بتأسيسها عام 2003 وهي خطة تدقيق شاملة وموحدة لمجموعة من المعايير المقبولة عالمياً والممارسات الموصى بها من قبلICAO وصولا الى النتائج والمتطلبات للمشغل لتحديد خطة عمل تصحيحية ضمن اللائحة(TCO.GEN.130) تضمن الوصول الى رفع الحظر نهائيا وهي نفس النتائج لعمليات تدقيق مراقبة السلامة التي تجريها الايكاو على أساس الملحق الأول اجازة العاملين، والملحق السادس تشغيل الطائرات، والملحق الثامن صلاحية الطائرات للطيران.
حجم المخالفات التي ارتكبتها الخطوط الجوية العراقية والتي ادت الى منع طيران العراقية بسيط جدا قياسا الى تاريخ وسمعة الشركة و يتحملها بشكل اساسي الطاقم اللي وجد عنده المشاكل في حينها وكان بالامكان تجاوزها بعد وصول تقريرSAFA من خلال قسم التوكيد والجودة في الشركة ومتابعة قسم السلامة الجوية لهذا الامر بهدف منع تكرار هكذا حالات ولا ان يقوموا بتشغيل طائرات الشركة تحت شهادة مشغل لشركة تركية ( اطلس جت) وهو القرار المؤقت الذي يشوبه الكثير من شبهات الفساد المالي للنتائج الوخيمة التي طالت الشركة من خسائر مالية ضخمة من ملايين الدولارات التي ميزانية الشركة احق بها اضافة الى خسارة سمعة وتاريخ الشركة والعاملين فيها.
لذلك أضع مقترح الحلول اعلاه وأمل ان تكون خارطة طريق لو تم اعتمادها سيساعد في التحضير لرفع الحظر في اجتماع الاياسا القادم في شهر أيار 2019 وبخلافه فان تجديد التمديد لفترة اطول سيؤدي الى نتائج وخيمة على قطاع الطيران العراقي برمته ومن ابرز هذه النتائج ( إعطاء مبرر لسلطات طيران دول أخرى بتطبيق الحظر ويؤدي ايضا لاحتمالية عدم قبول أي طائرة مسجلة عراقيا من عبور أوربا والاهم يمكن ان يؤدي الى عزوف المستثمرين عن تاسيس شركات نقل جوي عراقية وإفساح المجال لشركات غير عراقية بتسيير رحلاتها.