عدنان حسين أحمد –
ضيّفت مؤسسة الحوار الإنساني بلندن الأستاذ الدكتور موسى جواد الموسوي في أمسية ثقافية تحدث فيها عن “واقع التعليم العالي في العراق”. فيما ساهم في التقديم وإدارة الندوة الأستاذ غانم جواد. أوجز الموسوي محاضرته باثنتي عشرة نقطة أوردها تباعاً ثم توقف بشكل تفصيلي عند كل واحدة منها على انفراد حيث قال إن هناك تغييرات كثيرة طرأت على التعليم العالي في العراق غِبّ سقوط النظام السابق في 9 نيسان 2003 وأبرز هذه التغييرات هي “اختيار القيادات الجامعية، تحسّن الأوضاع الاقتصادية للأستاذة والموظفين، قبول الطلبة بشكل أوسع والحاجة إلى جامعات جديدة لاحتواء الدراسات الأولية والعليا، الأقسام الداخلية للطلبة، المناهج، التعبير عن الرأي، صلاحيات الجامعات واستقلاليتها، البعثات والزمالات والإجازات الدراسية، علاقة الجامعات العراقية مع الجامعات الدولية والانفتاح على العالم، دخول الجامعات التصنيفات العالمية، موقف الوزارة من عودة الكفاءات العراقية من الخارج ودعم طلبة الدراسات العليا ومشرفيهم وتطوير الكوادر التدريسية والتفرّغ العلمي”.
ذكر الموسوي الذي يشغل منصب المستشار الثقافي العراقي بلندن أن التغيير الأول الذي لمسناه بعد سقوط النظام السابق هو انتخاب القيادات الجامعية مثل رئيس الجامعة ومساعديه وعمداء الكليات والمعاهد حيث أفرزت هذه الخطوة الحضارية قياداتٍ كفوءةً من جهة، وأنّ الاختيار قد تمّ من قِبل التدريسيين أنفسهم ولم يكن مفروضاً من قبل الوزراة أو الجامعةالأمر الذي ولّد ارتياحاً غير مسبوق لدى الطلبة الذين لم يعهدوا هذه الخطوة الديمقراطية التي كانت مغيّبة في ظل النظام السابق. وعلى الرغم من إيجابيات هذه التجربة إلاّ أنها لم تخلُ من بعض السلبيات التي أوردها الموسوي مثل ترشيح عناصر غير كفوءة من التكتلات السياسية، وعدم تحرّي الدقة في عدد من الاستاذة المنتخبين بسبب انتمائهم إلى حزب البعث المنحلّ وشمولهم بقانون الاجتثاث الذي سُمّي لاحقاً بقانون “المساءلة والعدالة”.
أكدّ الموسوي بأن الحالة الاقتصادية للأساتذة والموظفين قد تحسنت كثيراً بعد عام 2003 حيث بادرت الحكومة إلى زيادة الرواتب والمخصصات بشكل مطَّرِد حيث بلغت الزيادات مئات الأضعاف عمّا كان يتقاضاه التدريسي قبل التغيير الأمر الذي أدّى إلى إقبال شديد للالتحاق بالوظيفية بحيث أصبح دخل الأستاذ في الوقت الحاضر منافساً لما يتقاضاه أقرانهم في البلدان والمجاورة وحتى في بريطانيا.
أشار الموسوي إلى أن التغيير في النظام قد أدّى إلى إقبال متزايد على الدراستين العليا والأولية في الجامعات، إذ طالبَ المتظلّمون الذين حرموا من حق الدراسات العليا سابقاً باسترداد حقوقهم في القبول وقد تمّ لهم ما أرادوا في بعض الجامعات. كما شجّعت الامتيازات التي تُمنح لأصحاب الشهادات العليا على تحفيز الطلبة المتمكنين على الحصول على شهادتي الماجستير والدكتوراه. وقد بلغ عدد المتقدمين للدراسات العليا في السنوات الأخيرة حوالي (30.000) متقدِّم قُبِل منهم نحو (8000) طالب علماً بأن جامعة بغداد لوحدها تستوعب %40 من مجموع طلبة الدراسات العليا في العراق سنوياً. كما بلغت برامج الدراسات العليا في جامعة بغداد لوحدها في العام الماضي (475) موضوعاً وتخصصا.
نوّه الموسوي إلى أن الجامعات العراقية تتسع لقبول خريجي الدراسات الأولية الذين لا يتجاوز عددهم (60.000) طالب، إلاّ أن الإقبال على التعليم الجامعي قد ازداد بشكل مطرد بعد عام 2009 حتى أصبح عدد المتقدمين ضعف الخطة الاستيعابية للجامعات الحكومية التي بلغ عددها (37) جامعة وهيئة تعليم تقني في جميع أنحاء العراق وبضمنها الإقليم. آخذين بنظر الاعتبار أن عدد الجامعات والكليات الأهلية في العراق قد بلغ (31) جامعة، كما أن الوزارة تنوي استحداث (15) جامعة أخرى مبثوثة في كل محافظات العراق علماً بأن قسماً منها جامعات تخصصية. إن سبب التوسع في عدد الجامعات هو محاولة جدية لاحتواء الطلبة المتخرجين من الثانويات الذي بلغ عددهم الآن أكثر من (200.000) طالب بينما لا تتجاوز سعة الجامعات العراقية أكثر من(120.000) طالب كما ذكر الدكتور الموسوي. أشار المحاضر إلى أن عدد الطلبة في الجامعات الحكومية قد بلغ (545.022) طالب، فيما وصل عدد التدريسيين في العراق إلى(40.763) تدريسي، كما أن عدد الطلبة في الجامعات الأهلية قد بلغ (91.794) طالبا. توقف الموسوي عند موضوع إعادة نظام الأقسام الداخلية الذي ألغاه النظام السابق حيث تبذل الجهات ذات العلاقة قصارى جهدها من أجل ترميم الأقسام الداخلية وإعادة تأهليها في محاولة لإيصالها إلى المستوى اللائق الشبيه بالدول المجاورة في الأقل. كما تم إنشاء أقسام جديدة على الرغم من الصعوبات الأمنية التي يواجهها البلد خلال العشر سنوات الماضية.
ذكر الموسوي بأن تغيير المناهج الدراسية يحتاج إلى وقت طويل، لكن الوزارة حرصت على تغيير المناهج للدراسات الإنسانية والعلمية وخصوصاً المفردات الآيديولوجية التي تمجّد النظام السابق وهي ماضية في هذا المشروع بغية الوصول إلى مناهج نقية تخدم الطالب العراقي وتزرع في حب الوطن والمواطنة الحقة التي لا تفرّق بين العراقيين البتة.
أتاح التغيير فرصة التعبير عن الرأي كما أشار الموسوي، لكن هذا التعبير تجاوز الأصول المتبّعة حيث لعب المخبر السرّي دوراً سلبياً جداً أدخل الجامعات في منزلقات خطيرة لأن التقارير التي كان يرفعها كاذبة وكيدية في معظم الأحوال الأمر الذي سبّب إرباكاً في سياقات العمل اليومي. نوّه الموسوي إلى أن الجامعات قد حصلت على استقلاليتها بعد التغيير، كما مُنح رؤوساء الجامعات صلاحيات كبيرة تتيح لهم حلّ المشاكل والمعضلات التي تواجههم، كما قلّلت هذه الصلاحيات من معاناتهم، وحسنّت من أدائهم. ربما ينصّب اختصاص المحاضر بوصفه مستشاراً ثقافياً للعراق بلندن على موضوع البعثات حيث قال في هذا الصدد أن هناك ثلاثة أنواع من البعثات وهي “بعثات التعليم العالي، وبعثات اللجنة العليا لتطوير التعليم العالي التابعة لرئاسة الوزراء وبعثات الإقليم” وأوردَ لنا بعض أرقام البعثات التي أتيحت بعد التغيير بسنة واحدة. فقد أُعلن في عام 2004 عن (1000) بعثة ة مخصصة للتعليم العالي لكن توزيعها تعثّر لبضعة سنين. ثم أُعلِن في عام 2011 عن (4000) بعثة دراسية رُصد لها مبلغ (483) مليون دولار وقد خُصص معظمها لدراسة الدكتوراه حيث شمل تدريسي الجامعات من حملة الماجستير في التخصصات الطبية والهندسية والعلمية والإدارة والاقتصاد والطب البيطري والقانون. وقد نُفذت من هذه البعثات نحو (1500) بعثة إلى مختلف دول العالم وكان الحظ الأوفر منها إلى بريطانيا حيث تُدفع لهم رواتب ومخصصات جيدة أسهمت في استقرار حالتهم المعيشية علماً بأن %60 من هؤلاء المبعوثين هم من المتزوجين ويتوزعون على أكثر من (90) جامعة ويتركز العدد الأكبر منهم في جامعات كارديف، نيوكاسل، شفيلد، نوتينغهام، سالفورد، مانشستر، وبرونيل وغيرها. ركّز المحاضر على التسهيلات الكثيرة التي تُمنح للمبتعثين مثل تخفيض بنسبة %25 على أجور الخطوط الجوية العراقية، وحصر التصديقات بالدائرة الثقافية، وتخويل المستشارين الثقافيين بعدد من الصلاحيات التي تسهّل مراجعات الطلبة.
شدّد المحاضر على أهمية الانفتاح على الجامعات العالمية وضرورة تلاقح الرؤى والأفكار وتبادل الخبرات العلمية من خلال المشاركة في المؤتمرات والندوات وورشات العمل التي تقام في مختلف دول العالم.
افتخر المحاضر بأن الجامعات العراقية قد بدأت تدخل التصنيفات العالمية منذ عام 2011 حيث دخلت جامعة بغداد التصنيف العالمي وحصلت على تسلسل (651) من بين أحسن (700) جامعة عالمية وقال بأن هذه المناسبة كانت حدثاً حظي بمباركة رئيس الوزراء ووزير التعليم العالي ولجنة التعليم في مجلس النواب. غير أن الباحث نديم عبدالله قد أكّد في مداخلته قائلاً: “إن التصنيف العالمي لجامعة بغداد هو (5575) كما ورد في الموقع الآتي (http://webometrics.info/en/aw/Iraq) وليس(651) كما ذكر السيد المستشار” . أما الموقف من عودة الكفاءات العراقية من الخارج فقد ذكر المحاضر بأن الوزارة قد دعت إلى ذلك، لكنها لم تنظّم العودة بقانون، وقد عاد بعض منهم وتمّ استيعابهم في الجامعات العراقية. كما وضعوا تعليمات جديدة لمشروع “الأستاذ الزائر” المرتبط بمكتب الوزير وقد حقق بعض النجاح، وفي النية التوسع في استقبال الراغبين بالعودة وتسهيل الاجراءات القانونية. وفي إطار دعم طلبة الدراسات العليا، وتطوير الكوادر التدريسية، والتفرغ العلمي فقد ذكر المحاضر بأن دائرة البحث والتطوير قد أقرّت هذا المشروع حيث سيتم إرسال طلبة الدراسات العليا إلى الخارج مدة ستة أشهر لمتابعة متطلبات البحث، وكذلك إرسال المشرفين لمدة شهر واحد لنفس الجامعة التي يتدرب فيها الطالب حيث ستتاح للكوادر التدريسية فرصة الإطلاع على وسائل التعليم ووضع الأسئلة وسير الامتحانات. كما يشمل برنامج التطوير منح تفرغ علمي للأساتذة لمدة سنة واحدة خارج العراق لإجراء بحث في حقل اختصاصهم على أن يُكرر هذا التفرغ مرة كل خمس سنوات. خلُص المحاضر إلى القول بأن وضع التعليم العالي في العراق يتطور بشكل بطيء، لكنه يسير في الطريق الصحيح وسوف يحقق انجازات معقولة في المستقبل المنظور تتناسب مع حجم العراق ومكانته الدولية بين الأمم.