لت لكم بأن الفيسبوك بات كاريزما عصرية وضرورة وطنية، منه تنطلق الثورات، وتعلن جماعات عن تحزبات وتنسيقيات، وتخشاه جدا كل الحكومات، فترسل بلطجيتها الفكرية، لتغزو ايضا هذا المجتمع الوليد الذي لملم كل المشتتين الذين انشاؤا في منفاهم على صفحاته اوطانا، ووجدوا لهم في مجموعاته اخوة واخوانا، ينشرون اينما سمح لهم كلاما يوحد أرضنا بجنان الرب، ويلغي من فكرنا فايروس التعصب الاستبدادي الذي يبقي البشر ابدا كائنات متوحشة مفترسة تتوق لدم بعضها البعض، لكن حكومات العالم بأسره تحاول ان تضفي على ضوء كلمات هؤلاء الذين حملوا رسالة الفكر التنويري الحر الإنساني، المتألمين لحال البشرية لدرجة الإبداع في ايجاد حلول عاجلة وناجعة لها، شيء من ظلام خدعهم القديمة ليحافظوا على ممالكهم، حتى اصبح هذا المجتمع ايضا ككل المجتمعات مترسا بالأضداد، فيه القومي والاشتراكي والارهابي واليميني واليساري، وكل ما انتجه تاريخ الانسان من تطرف نزق، لكنه كذلك ككل الارض الجرداء يحمل في جوفه خزانات من الماء الحي الباعث للحياة، تنبثق فجأة من تحت جفافه المتخشب، فتترك رطوبة حسناء على سطح جلده المتجعد، مثل هؤلاء الرسل الذين يحاولون ان يرطبوا جفاف حروب ونزاعات العملة والمصلحة باندفاع فطري منقرض لحب الآخرين، وبشغف لا مثيل له، فتراهم يتألمون ملء جوارحهم لنكبة حلت فأتلفت، او لظلم عصف فجرح بعمق، وينفعلون كأطفال أو خذت منهم ادوات لهوهم المعبودة؛ في مواقف بتر لجسد الإنسانية تحت عباءة من الهرطقة الفكرية، من ضرورات حرب مقنعة بمطامع اقتصادية، وتحرير بلدان وملاحقة ديكتاتور او شيطان، فيقتل الابرياء ويعاقب الضحايا ويجرم الشهود باسم العدالة والديمقراطية، وتموت قارات في مجاعة وحرب اهلية، وتباع النسوة في محلات تجارية باسم الحرية، وغيرها من اساليب البيع المتبادل حسب المصالح الوطنية!
وكلما رفع هؤلاء الزاخرين بماء الحياة الستار عن زندقة هذه المبادئ الكذابة التي تخبئ خطط واستراتيجيات قمعية تقنع الاغلبية بالبقاء في خدمة ترف الاقلية، يتعرضون في كل المواقف إثر كلماتهم المستفزة كضوء شمس النهار، لهرطقة من وجه آخر تحت اسم الدبلوماسية كأساس للتعامل الإنساني الجديد، فالتعامل الإنساني كموضات ثيابه وسياراته يتغير حسب الفصول الاقتصادية والسنوية، ويتفق دوما مع رأي الحكومة او الأغلبية الثرية، وكذلك هو حال الطب الحديث، فهو في هذا الزمن العاصف بالأفكار كمولدات للغضب العام وللثورات ولكشف خبايا وخباثة السياسات، يحث الجميع على كبت نفسه تحت باب ضبط الاعصاب، فالغضب لا يليق بالسادة، ومما لا يخفى ان الجميع يسعى بكل ما اوتي من قوة ونفوذ وحذلقة؛ بأن يكون سيدا، فيختبئ في بدلة انيقة، او وراء سيجارة من احدى الماركات الرائجة، وبسيارة ضلت طريقها فأصبحت بيت متنقل، وغيرها من علامات التريش الذي يجتذب العيون مهما كانت متأرقة او مشغولة، فتعطي صاحبها صفات النبل والعقلانية، وتصفق له الأيادي بحماسية.. في سيناريوهات معدة لهرطقة فكرية تجرنا من الرأسمالية الحالية المختبئة وراء اسم الديمقراطية إلى عهد العبودية !!