د. حميد لحمداني: تمثيلات الـ «ق. ق. جداً»!
محمد نجيم
يُعتبر الدكتور حميد لحمداني، من أبرز الأسماء المغربية التي أغنت الخزانة الأدبية المغربية والعربية بعدد كبير من المؤلفات النقدية الجادة، في الرواية والقصة القصيرة والأدب العربي عموماً. وفي كتابه الجديد الموسوم «نحو نظرية منفتحة للقصة القصيرة جداً»، يدخل لحمداني إلى عالم هذا الجنس الأدبي الجنسي، مستكشفاً معالم، وكاشفاً عن عناصر إدهاشاته وقوانينه الإبداعية. وفي هذا الحوار مع الناقد المغربي بمناسبة صدور كتابه، ساءلناه عن جوانب القصة القصيرة جداً في العالم العربي، والمعروفة اختصاراً بالـ «ق. ق. جداً»، فأشار إلى بداتها الإبداعية في عدد من الأقطار خصوصاً سوريا ومصر وفلسطين، وكذلك التأسيسات النظرية لها علي أيدي عدد من النقّاد.
تحدث لحمداني عن وجود هذا الفن في الإمارات العربية المتحدة، مشيراً إلى ارتباطه مع بدايات القصة القصيرة، التي أشرّت إلى بذور الـ «ق. ق. جداً»، وهو الآن فن قائم بجهود نسائية بالدرجة الأولى.
وفي ما يلي نص الحوار:
◆ أصدرتم مؤخراً كتابكم الجديد: «نحو نظرية منفتحة للقصة القصيرة جداً». لماذا اخترتم تناول القصة القصيرة جداً كمجال للبحث؟ وهل نحن نعيش في عصر السرعة، أي عصر القصة القصيرة جدا؟
◆◆ الواقع أن «القصة القصيرة جداً» هي التي اجتذبتني منذ سنة 2005 لأهتم بها. وقد قرأت آنئذ كثيراً من نماذجها الجيدة المنشورة على صفحات الويب وفي بعض المجلات العربية وكانت منها النماذج المتألقة التي نشرتها على الخصوص ليلى العثمان في أحد أعداد مجلة «البيان» الكويتية وبعض نماذج الـ «ق. ق. جداً» التي نشرها الكتاب الشباب في سوريا ومصر وفلسطين، أما من المغرب فقد قرأت على الخصوص لمحمد بوخريص وعبد الله المتقي، بالإضافة إلى ما قرأته من النماذج الجيدة في العالم العربي. وكان ذلك عاملاً حاسماً لبدء اهتمامي بهذا الجنس القصصي المستفز والقادر بوسائله وحيله الفنية الجديدة على توصيل احتجاجاته ونقده اللاذع لعيوب الواقع بنكهة فنية غير مسبوقة.
اطلعت في موازاة ذلك على نتائج المؤتمرات التي كانت نُعقد منذ أواخر التسعينات وبداية الألفية الثانية في سوريا وما نتج عنها من حوار نقدي حول مشروعية الـ «ق. ق. جداً» أو عدم مشروعيتها وما أدى إليه ذلك من بداية النشر التنظيري لهذه الظاهرة عند أحمد جاسم الحسين ويوسف حطيني وكذا ما حصل من اهتمام متميز بها في المغرب وباقي أقطار العالم العربي. كان همي الأساسي في البداية هو البحث في مدى قدرة الـ «ق. ق. جداً» على أن تفرض نفسها كموضوع لبحث أكاديمي بعد أن كان مجالها الحيوي الأول هو النشر الإلكتروني والصحفي وبعض المؤتمرات الدورية في نطاق محدود. وقد قمت سنة 2005 بعرض تعريفي مع تقديم وتحليل بعض النماذج الجيدة من الـ «ق. ق. جداً» في برنامج لدعم البحث العلمي بكلية الآداب ظهر المهراز بفاس لفائدة طلاب السلك الثالث، وهو ما كان آنئذ خطوة فيها كثير من الجرأة وقد كنت أقيس بذلك مدى تقبل الشباب الباحث لهذا النمط القصصي الجديد و كانت النتائج مذهلة بالنسبة إلي مما شجعني على الاستمرار في الاهتمام بها والتحول من دراستها إلى البحث في نظريتها المنفتحة كما ظهر ذلك بعد زمن ليس بالقصير في كتابي «نحو نظرية منفتحة للقصة القصيرة جداً»، قضايا ونماذج تحليلية (2012). لذا أشير إلى أن اختيار الـ «ق. ق. جداً» كموضوع للبحث نشأ بشكل تفاعلي بين القصة نفسها والاهتمامات الإبداعية والتنظيرية التي كانت هي شغلي الشاغل بحكم نشاطي الأكاديمي في مجال التعليم العالي. وألاحظ مع ذلك أن الاهتمام بالـ «ق. ق. جداً» في المجال الجامعي كان مع ذلك متأخراً، وربما لا يزال كذلك إلى الآن في كثير من الجامعات العربية، وهذا أمر مقلق حقا لأن هذا النمط القصصي يعبر فعلا، كما أشرت، أحسن تعبير عن اللحظة الحالية بكل توتراتها وقلقها وسرعتها رغم كل المحاذير التي ينبغي الانتباه إليها عند اختيار النماذج القصصية التي تستحق فعلاً أن تكون صالحة لقيام دراسات جادة ومفيدة في مجال البحث الأكاديمي أو كل بحث جاد على العموم.