بمناسبة اعياد الميلاد المجيد ورأس السنة الميلادية، تشرفت مؤسسة الحوار الانساني بلندن باستضافة الدكتور الاب فارس تمس في أمسية ثقافية يوم الاربعاء 23 كانون الاول/ديسمبر على منصة زووم ، تحدث فيها عن ميلاد السيد المسيح كرسالة سلام ومحبة في العالم وعن الرموز الدينية لأعياد الميلاد وجذورها التاريخية.
الدكتور فارس تمس، من مواليد قضاء الحمدانية/ قره قوش (الموصل/ العراق)1964. أنهى دراسته الابتدائية والثانوية في محافظة الموصل. حاصل على بكالوريوس التربية من كلية المعلمين – جامعة الموصل 1985. درس اللاهوت والفلسفة في جامعة الروح القدس – الكسليك / كلية الفلسفة واللاهوت الحبرية في لبنان وتخرج عام 1991. قصد روما عام 1999 لاستكمال دراسته العليا في القانون حيث حصل على الماجستير عام2001 وشهادة الدكتوراه من جامعة P.I.O. الكاثوليكية بروما /ايطاليا عام 2004 .عمل أستاذا محاضرا منذ 2004/2005 وحتى اليوم متبوءا الدرجات العلمية بكفاءة عالية ولازال حتى يومنا هذا يحاضر ويشرف على أطروحات الطلبة الدارسين للماجستير والدكتوراه. انتدب للعمل في محكمة البداءة الموحدة في بيروت في شباط 1992، ورئيس محكمة الاستئناف في العراق من 2006 ولغاية 2020. أسس كلية مار أفرام للدراسات اللاهوتية والفلسفية في قره قوش /الموصل – العراق عام 2005. له عدة مؤلفات وإصدارات متنوعة بالاضافة للوعظ والتعليم والتأليف الديني.
مقدمة
تحتفل «الكنيسة الجامعة» من المشرق الى المغرب، فى الخامس والعشرين من كانون الاول من كل سنة، بعيد الميلاد المجيد، وقد تحدد يوم احتفال المَسيحيِّين بعيد الميلاد عام 325م فى مجمع كنسي مسكونى كبير بمدينة «نيقية» الواقعة في آسيا الصغرى (تركيا حاليا) حيث التقى عددا من آباء الكنيسة ليرسلوا رسالة إلى العالم فى هذه المناسبة.
إن عيد الميلاد المجيد، هو أحد الأعياد السيدية الكبرى، ويعتبر من أهم الأعياد التى يحتفل بها المسيحيون، فهو تذكار ميلاد «السيد المسيح» من العذراء مريم، لافتًا إلى أن الميلاد حدث فريد لا بل معجزة فائقة لم يتكرر، ولن يتكرر، على مر التاريخ والأزمان: إذ إن «السيدة العذراء» ولدت طفلًا دون رجل.
عندما ندرس النبوات نجد أن الأنبياء أشاروا إلى ميلاد السيد المسيح، فيذكر أشعياء النبى: «لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابنًا وتكون الرئاسة على كتفه ويدعى اسمه عجيبًا مشيرًا إلهًا قديرًا أبًا أبديًا رئيس السلام». إشعيا 6:9 كما أشار إلى ولادته من عذراء: «هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ» اشعيا 14:7؛ وحين تساءلت «السيدة العذراء»: «كَيْفَ يَكُونُ هٰذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلًا؟»، أجابها الملاك المبشر: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا ٱلْقُدُّوسُ ٱلْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ٱبْنَ ٱللهِ» لوقا 1:35. وأيضًا حدد «ميخا النبى» مكان السيد المسيح عندما تنبأ قائلًا: «أما أنت يا بيت لحم افراته وأنت صغيرة أن تكونى بين ألوف يهوذا فمنك يخرج لى الذى يكون متسلطًا على إسرائيل. ومخارجه منذ القديم. منذ أيام الأزل»(ميخا 2:5 )، وقد أشار «القرآن» إلى ذٰلك الميلاد: ﴿إِذْ قَالَتِ ٱلْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ ٱللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ ٱسْمُهُ ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ﴾(سورة آل عمران 45).
أن الميلاد تحقيق للود، حيث خلق الله الإنسان على صورته ومثاله، ووضعه فى «جنة عدن» ليحيا فى سعادة فى وجوده مع الله إذ يقول:«… ولذاتى مع بنى آدم»؛ ثم قدم الله للإنسان الوصية فتعداها فسرى فيه حكم الموت وهٰكذا خرج الإنسان من محضر الله، مطرودًا من الجنة، فاقدًا خلود الحياة الحقة وفقد كل من أبوينا «آدم» و«حواء» سلامهما الذى تمتعا به، وأُغلقت الجنة أمامهما. إلا أن الله لم يترك الإنسان فى يأسه فقدم له وعدًا بأن «نسل المرأة يسحق الحية»، وظلت البشرية فى انتظار تحقيق ذلك الوعد إلى أن تحقق وكتب «القديس بولس الرسول»: «ولٰكن لما جاء مِلء الزمان، أرسل اللهُ ابنَه مولودًا من امرأة، مولودًا تحت الناموس…»؛ ومن ذٰلك الوعد حتى تحقيقه والله يُعد البشرية للميلاد العجيب عن طريق الأنبياء، والرموز والإشارات فجاء الميلاد تحقيقًا لوعد الله للبشرية.
- ولادة يسوع المسيح
تمر الأيام، جيل يمضي وجيل يجيء، ومع هذا تبقى قصة ميلاد يسوع المسيح، أقدس وأعظم وأجمل قصة في التاريخ: فهي قصة افتقاد السماء للأرض. قصة المحبة الأبدية والسامية التي تملأ قلب الله نحو جنسنا البشري. إنها قصة تجسد الله ومجيئه إلى عالمنا في شخص طفل المذود: ربنا ومخلصنا الوحيد يسوع المسيح. فمهما طال الزمان، ومع بداية الألفيّة الثّالثة على الميلاد، فإن قصة ولادة يسوع له المجد، من القدّيسة المباركة والمطوّبة مريم العذراء، كانت وستبقى أكثر قصّة روعة وإشراقاً في مسيرة الحياة. فـنور الميلاد ما يزال ساطعاً، بل يزداد تألقاً في عالمٍ يسقط يوميّاً في مستنقع الرذيلة والفساد. وفي هذه الأيام التي نحتفل فيها بعيد الميلاد المجيد، عيد ميلاد يسوع المسيح له المجد، يجدر بنا أن نتوقف لنعطي صاحب العيد كل الشكر والتسبيح والمجد الذي يستحقه. كذلك يجدر بنا أن نتأمل في قصة الميلاد من خلال النظر في إجاباتٍ لسبعة أسئلة رئيسيّة تتعلق بهذا الحدث الجليل، وهذه الأسئلة هي: من. لماذا. كيف. متى. أين. لمن. ماذا.
- أولاً: من هو المولود؟
أظهر الملاك هويّة وحقيقة طفل المذود عندما أعلن خبر الميلاد للرّعاة حين قال لهم أنّ المولود هو المخلّص والمسيح و (لوقا 11:2). كذلك قال الملاك للقدّيس يوسف أنّ الطفل هو عمّانوئيل اّلذي تنبأ عنه النّبي إشعياء (إشعياء 14:7)، أي أنّه الله معنا (متى 23:1). فالمسيح هو الله الذي جاء من السّماء ليكون معنا، وليخلّصنا، وليكون والسيد على حياتنا، إذا قبلناه بالإيمان في قلوبنا وحياتنا. نقرأ في سفر إشعياء النبي 6:9 “لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْناً وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيباً مُشِيراً إِلَهاً قَدِيراً أَباً أَبَدِيّاً رَئِيسَ السَّلاَمِ”. نجد هنا خمسة أسماء عظيمة للمسيح: فهو عجيب، وهو مشير، وهو أيضاً الله القدير، وأب الأبديّة، ورئيس السّلام. وهذه جميعها أسماء الله بالذّات. كذلك نقرأ في يوحنّا 1:1 “فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللَّهَ”. ويضيف البشير يوحنا في الآية 14 قائلاً “وَﭐلْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا”. أي أنّ المسيح هو الله الأزلي اّلذي تجسّد بصورة إنسان.
حقاً إنك يا طفل المغارة هو الله الأزلي القدير مع الآب والرّوح القدس. فأنت هو الخالق (كولوسي 15:1-16) ومعلن الحق (إشعياء 1:42) والأزلي (ميخا 2:5) والحاضر في كلّ مكان (يوحنّا 13:3 ومتى 20:18) والعليم (يوحنّا 17:21 ورؤيا يوحنا 23:2) ورب الحياة والموت (أعمال الرسل 59:7 وكولوسي 17:1) وديّان العالم (أعمال الرسل 42:10 ويوحنّا 22:5). هذا هو طفل المغارة، إلهنا القدير، يأتي متواضعاً إلى عالمنا، يأتي مجسّداً لمحبّة الله، وداعيّاً النّاس جميعاً إلى التّوبة وإلى حياة القداسة والتّقوى ومخافة الله.
- ثانياً: لماذا ولد المسيح؟
يقدم لنا الله في الإنجيل المقدس إجابات عديدة عن سبب مجيء المسيح إلى عالمنا، ومن هذه الإجابات:
1. جاء المسيح إلى العالم ليتمم الفداء والخلاص وذلك بالتكفير عن خطايا الجنس البشري بدمه الكريم الذي سفكه على الصليب. نقرأ في رسالة تيموثاوس الأولى 15:1 “صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ وَمُسْتَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُولٍ: أَنَّ الْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ الْخُطَاةَ الَّذِينَ أَوَّلُهُمْ أَنَا”. كذلك نقرأ في سفر النّبي إشعياء 4:53-6 أن المسيح “مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا… وَ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا”.
2. جاء المسيح ليعطي الإعلان الكامل والنهائي والشّامل عن الله. أي أن من يريد أن يعرف الله وإرادته، فعليه أن يأتي إلى المسيح (راجع عبرانيّين 1:1-2 ويوحنا 9:14).
3. جاء المسيح ليكمل ناموس الله ويتمم النبوّات (راجع متّى 17:5). فعندما ندرس سيرة حياة المسيح، نجد أن كل ما عمله كان لكي تتم أقوال الله على ألسنة أنبيائه في العهد القديم.
ولد المسيح إنساناً كاملاً في مذود بيت لحم، وفي ميلاده ظهرت محبة الله. فهو المحبة المتجسدة. وقد ظهرت أعظم صور المحبة في الصليب، عندما تمم المسيح مطالب عدالة الله ومات بدلاً عنا. فالمسيح ولد ليموت من أجلنا. ولد ليعطينا حياة، وحياة أفضل (يوحنا 10:10).
- ثالثاً: كيف ولد المسيح؟
ولد يسوع من القديسة المباركة مريم العذراء، وهذه الحقيقة المجيدة تعتبر واحدة من أقدس معجزات وعجائب الله. نقرأ في إشعياء 14:7 قول الله “وَلَكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ”. وهنالك مراجع أخرى في الكتاب المقدس تؤكد على حقيقة الحبل العذراوي (متى 18:1-25؛ لوقا 26:1-38؛ مرقس 6:3). لقد حبلت القديسة مريم بالطفل يسوع وهي عذراء، أي بدون زرع بشري بل بقوة الروح القدس الفائقة للطبيعة. وهذه الحقيقة الكتابية هي ركن من أركان العقيدة المسيحية الرّاسخة.
تذكرنا حقيقة الحبل العذراوي أن المسيح هو الله الأزلي وأنه ولد بلا خطيه، وبالتالي فهو إنسان فريد في تجسده ومولده. فالحبل العذراوي دليل قوي على سلطان الله على قوانين الطّبيعة. كذلك فإن الحبل العذراوي دليل على عمل الروح القدس في حياة القديسة مريم العذراء، حيث أن الله اختارها من بين نساء العالم أجمع ليتمم من خلالها ولادة المخلص.
كذلك فالحبل العذراوي يذكرنا أن الخلاص هو عمل فائق للطبيعة ولا يتم بالجهود البشرية بل بمبادرة السَّماء. فالخلاص نعمة وعطية من الله. فالله القدوس قادر أن يعطي ولادة روحيه جديده للخطاة.
- رابعاً: متى ولد المسيح؟
نقرأ في غلاطيه 4:4-5 “وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ، 5لِيَفْتَدِيَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ، لِنَنَالَ التَّبَنِّيَ”. نجد هنا أن يسوع ولد في “ملء الزّمان” أي في الوقت المحدّد والمعيّن والمرتّب من الله: فقد ولد المسيح في زمن الله، في زمن انتشار ما سمّي أيامها بسلام روماPax Romana حيث ساد نفوذ قياصرة روما على العالم القديم، وربطت الطّرق بين أجزاء الإمبراطوريّة الرّومانيّة. وسادت اللّغة اليونانيّة كلغة الفلسفة والدّين والتّعامل اليومي، بحيث كان الوقت مناسباً جداً لانتشار الإنجيل.
كذلك ولد المسيح في زمن ازدادت فيه مظاهر الانحطاط والفساد والشّر والخطيّة، إلى جانب مظاهر التّديّن الزائف. أيضاً ولد المسيح في وقت التهبت فيه المشاعر وتأجّجت العواطف شوقاً لمجيء المسيح المنتظر.
ولد المسيح في أيّام أعظم أباطرة روما، وهو أغسطس قيصر (لوقا 1:2)، وعندما كان الوالي الرّوماني كيرينيوس يدير شئون سوريا الكبرى (لوقا 2:2)، وفي نفس الوقت كان هيرودوس الكبير ملكاً على فلسطين، ولكن تحت سلطة روما.
لقد هيّأ الله الظروف المناسبة لولادة يسوع، وجاء يوحنا المعمدان ليعد الطّريق (لوقا 76:1) داعياً النّاس إلى الاستعداد لميلاد المسيح، مخلّص العالم.
- خامساً: أين ولد المسيح؟
أعلن نبي الله ميخا في القرن الثامن قبل الميلاد أن المسيح سيولد في مدينة بيت لحم، حيث نقرأ: ” أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمِ أَفْرَاتَةَ، وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا، فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي الَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطًا عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ، مُنْذُ أَيَّامِ الأَزَلِ” (ميخا 2:5). وهي نفس المدينة التي ولد فيها الملك والنبي داود (صموئيل الأول 1:16-13) وفعلاً تمت النبوّة، وولد يسوع في بيت لحم (متى 1:2-6، لوقا 4:2، 15)، أي وسط الشّعب القديم الذي كان يعرف كلمة الله والنبوات وينتظر ولادة المسّيا المنتظر.
لقد اختار يسوع في تجسده وولادته أن يقدم لنا أجمل وأرق صوره من صور التواضع والوداعة، حيث اختار بيت لحم التي كانت في أيامه من أصغر مدن فلسطين، كذلك عند ولادته وضعته أمه القديسة مريم العذراء في مذود، أي أن يسوع ولد في مغارة أو إسطبل للحيوانات وليس في قصرٍ أو بناية فخمه، وهذه صورة مثالية لمنتهى التواضع والبساطة، بحيث أن يسوع خالق وصاحب كل الكون يولد في مكان بسيط للغاية ليكون لنا أفضل مثالٍ على الإطلاق.
- سادساً: لمن أُعْلِنت بشارة الميلاد؟
اختار الله بحكمته الفائقة أن يعلن خبر الميلاد لجماعتين مختلفتين من الناس وهم:
1. الرُّعاة: كان الناس يعتبرون الرعاة جماعة محتقرة ومنبوذة ونجسة بحسب الطقوس الدينية التي كانت شائعة في أيام ولادة المسيح، فقد كانوا فقراء ويعيشون على هامش المجتمع. أما نظرة الله فكانت وما تزال تختلف عن موازين البشر، فقد اعتبرهم الله جديرين بالبشارة، بحيث كانوا أول من سمع نشيد الميلاد الملائكي الرائع: “ﭐلْمَجْدُ لِلَّهِ فِي الأَعَالِي وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ”. (لوقا 14:2). يجب أن نلاحظ هنا أن الرعاة كانوا أيضاً من شعب الله القديم الذي انتظر مجيء المسيح، وهم يمثلون كل إنسان استقبل ميلاد يسوع بفرحٍ وقام بنشر الخبر بين النّاس.
2. المجوس: أَشار النبي دانيال في العهد القديم إلى المجوس باعتبارهم جماعة العلماء والمنجِّمين الذين كانوا من ضمن حاشية ملوك بابل (دانيال 20:1؛ 2:2؛ 7:4؛ 7:5)، حيث اهتم المجوس بدراسات الفلك والنجوم وكتب النبوّات. وعند ولادة الطفل يسوع، أظهر الله لجماعة من مجوس المشرق نجماً فهموا منه أن المسيح الملك قد ولد (متى 1:2-12). أي أن الله اختار أيضاً جماعة من الأثرياء الوثنيين ليخبرهم بولادة الطفل يسوع.
يحب الله جميع الناس، لذلك جاء المسيح لخلاص الجميع بدون تمييز، ومنذ لحظة ولادته أعلن الله الخبر لشعبه القديم مُمَثَّلاَ بالرعاة، وللأمم الوثنية البعيدة عن الله، مُمَثَّلةً بالمجوس. كذلك جاء المسيح لخلاص الفقراء والأغنياء، فالجميع بحاجة إلى الخلاص.
- سابعاً: ماذا كانت ردود الفعل عند ولادة يسوع؟
جاء الرعاة مسرعين لرؤية طفل المذود، ويخبرنا الإنجيل المقدس أنهم لما “فَلَمَّا رَأَوْهُ أَخْبَرُوا بِالْكَلاَمِ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ عَنْ هَذَا الصَّبِيِّ”. (لوقا 17:2). أي أن الرعاة كانوا أوَّل رجال التبشير في التاريخ. كذلك فإن مجوس المشرق فرحوا فرحاً عظيماً جداً “وَأَتَوْا إِلَى الْبَيْتِ وَرَأَوُا الصَّبِيَّ مَعَ مَرْيَمَ أُمِّهِ فَخَرُّوا وَسَجَدُوا لَهُ ثُمَّ فَتَحُوا كُنُوزَهُمْ وَقَدَّمُوا لَهُ هَدَايَا: ذَهَباً وَلُبَاناً وَمُرّاً”. (متى 11:2)، فالمجوس سجدوا لطفل المذود وقدموا له هدايا ثمينة جداً.
أما هيرودوس الملك فقد اضطرب، أي امتلأ خوفاً وغضباً، لذلك تآمر بسبب شروره وأنانيته على قتل الطفل يسوع (متى 3:2، 16).
اليوم، ونحن نحتفل بهذه الذكرى المجيدة، كيف سيكون رد فعلنا: هل نستقبل الطفل المولود ونعطيه مكانته الحقيقية بصفته مخلصاً ورباً وسيداً على حياتنا؟! هل نسجد له ونعبده ونقدم له حياتنا كأغلى هدية؟ هل نبشر باسمه مثل الرعاة القدماء؟ أم نرفضه بسبب خطايانا وفسادنا مثل هيرودوس؟!
يريد يسوع، صاحب الميلاد، أن يولد اليوم في قلوبنا، فهل نقول له: آمين، تعال يا يسوع.
- الميلاد رسالة السلام
أن الميلاد قدم رسائله على مر الزمان وهى رسالة السلام، والمحبة، والتواضع؛ ولكننى أتحدث اليوم عن «السلام» أعظم احتياجات العالم اليوم، موضحًا أنه مع خروج الإنسان من الجنة افتقد السلام، وازدادت وطأة الخوف وشراسته وتصاعد عدم الإحساس بالأمان، بعد أن امتدت يد الإنسان لتقتُل شقيقه حسدًا وكراهيةً!! وهٰكذا سرت مشاعر الخوف والقلق فى البشرية، وتاهت معالم السلام فى حياة الإنسان، إلى أن أعلنت الملائكة استعادته فى الميلاد. فتعد أنشودة الملائكة إلى الرعاة: «المجد لله فى الأعالى، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة».هى تلك الرسالة الخالدة عبر الأزمان، التى تقدم «السلام» الذى جاء «السيد المسيح» من أجل تقديمه للبشرية؛ فالميلاد استعادة للسلام الذى فُقد بين الله والإنسان. ففى «الميلاد»، وُلد المخلِّص الذى أعلنت الملائكة أن اسمه «يسوع» أى «مخلص»؛ كما قيل للرعاة:«… فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب: أنه وُلد لكم اليوم فى مدينة داوُد مخلِّصٌ هو المسيح الرب»؛ فصار الميلاد تلك البشارة المفرحة بقرب انكسار الحاجز بين الله والإنسان؛ واستطاع الإنسان أن يجد السلام مع الله، ونفسه والآخرين.
أن العالم يئن اليوم تحت وطأة الاضطرابات والتشويش وفقدان الهُدوء والأمان والسلام، وفقدان السلام فى حياة الإنسان يُعد من أهم المشكلات التى تعترض مسيرة تلك الحياة. إن الإنسان الذى فقد سلامه، تجده يخطو نحو المستقبل بتردد وارتياب، كما أن قدرته على العمل تتأثر بشدة لشعوره الدائم بأن هناك شيئـًا ما فى الحياة يدفعه إلى الخوف والجزع والتراجع.
- الميلاد دعوة للسلام
أن الميلاد هو دعوة للحياة فى سلام ومن يعرف قوة السلام الحقيقى فى أعماقه ويعيشها، فإنه يسعى لنشره بينه وبين الآخرين؛ وهٰكذا ينتشر بين الجميع. وقد جاء السيد المسيح ليقدِّم للإنسان السلام؛ وكانت رسالته ممتلئة بالسلام والمحبة نحو الجميع؛ فقال السيد المسيح له المجد فى موعظته على الجبل: «طوبى لصانعى السلام، لأنهم أبناء الله يُدعَون». فإن كان الله هو واهب السلام وصانعه على الأرض، فكل من يسلك فى هٰذا الطريق يسير على النهج الذى يقدِّمه الله، وهو ما يَزيد من مسئولية رسالته نحو الجميع.
إن صنع السلام هو صفة من صفات الإنسان الذى يكون قلبه ممتلئـًا بالمحبة نحو الجميع، وأيضـًا يعيش حياته فى حياة الصلاح والوداعة؛ فتمتلئ حياة مثل هؤلاء البشر بالسلام الداخليّ الذى يُشع فى حياتهم ليضىء ويملأ حياة من يمر بهم فى رحلة العمر، فينتشر السلام فى الأرض. وعلى النقيض من ذٰلك، فإن الأشرار لا يحصلون على السلام فى حياتهم جراء أعمالهم الشريرة، فيكونون فى اضطراب دائم ويملؤون الكَون من حولهم صخبـًا وأنينـًا مثلما حدث مع «قايين» حين قتل أخاه، ثم قال له الله: «ماذا فعلت؟ صوت دم أخيك صارخ إليَّ من الأرض»، وعاش القاتل هائمًا على وجهه فاقدًا السلام جميع أيام حياته.
إلى أن السلام يتحقق حين يرفض البشر كل ضغينة يمكن أن تكون فى أعماقهم، ويزرعون الحب فى قلوبهم بعضهم نحو البعض، مدركين أن رسالتهم فى الحياة هى البناء والتعمير. أمّا الكراهية والحسد فلا يجلُبان سوى الموت وفقدان السلام. أيضًا يتحقق السلام بين البشر حينما يسعى كل إنسان فى محاولة جادة أمينة لفَهم الآخرين، مدركًا أن البشر جميعًا ما هم إلا أعضاء عائلة إنسانية واحدة. وبينما الإنسان يحاول إسعاد الآخرين، يتذوق هو نفسه معنى السعادة والسلام.
- معوقات السلام
أن ما يعيق السلام فى حياة البشر فهو تباعد كل إنسان عن أخيه الإنسان واستقاء المعرفة من خلال أعين الآخرين وتفسيراتهم الشخصية للمواقف، فى حين يكون من الأفضل والأدق أن يعرف كل إنسان الآخر من خلال الحوار، والمعايشة والتواصل الحقيقيَّين؛ بقلب وفكر منفتحين يحملان الإنسانية المشتركة التى خلقنا عليها. وعلينا أن نتذكر أن سلام الإنسان مع الآخرين يأتى نتاجًا لمحبته لله التى تدعوه إلى صنع الخير مع جميع البشر، وزرع المحبة فى أعماقه تجاه الآخرين. نعم، إن السلام يحتاج إلى عمل وتعب وجَهد إذ يوجد من يزرعون الشوك لقتل السلام. علينا أن ننزِع الشوك ونستمر فى زرع المحبة فى كل مكان.
فى إحدى صفحات التاريخ المضيئة وبالتحديد فى شتاء 1914م، أثناء لهيب الحرب العالمية الأولى، وفى ليلة «عيد الميلاد المجيد» على أرض «بلغاريا»؛ تسلل السلام بين الجنود البريطانيين والألمان ليوقف الحرب بينهما وتعرف النفوس التى أرهقتها وطأة الحرب معنى السلام.
فلتكُن رسالتنا فى هٰذا العيد عام 2020م هى رسالة سلام إلى الجميع: «اتْبَعوا السلام مع الجميع…». كل عام وجميعكم بخير وسلام.
- ولادة المسيح … الزمن الصعب
أن السيد المسيح ولد فى زمن يفتقد إلى الأمن والأمان، فلقد شهد القرن الأول الكثير من أعمال العنف، ولكن فى يوم ميلاده كانت أنشودة السماء، وعلى الأرض السلام.
أن السيد المسيح رفض فى كل حياته استخدام العنف بكل أشكاله وألوانه، لقد كان أسلوبه هو أسلوب السلام الذى يأسر قلوب البشر وعقولهم بالمحبة، فلم يشكل جيشا، ولم يعلن حربا، لكنه حارب الخطية والظلم والظلام، من غير أن يرفع سيفا، ولا حتى صوتا، لقد كان سيفه الحب، ورمحه الوداعة، وترسه التواضع، وقوته فى غفرانه، لم يفتح مدينة، ولكنه فتح أعين العميان وأذان الصم، كما فتح أبواب الأمل أمام البائسين واليائسين، لم يشعل مشاعر البغضة والكراهية، ولم يحرض أحدًا على أحد، لكنه شجع الجميع على الحب والتسامح بدون حدود، والعطاء والغفران بغير قيود.
لقد دُعى «رئيس السلام» بمعنى أنه صانع السلام، فلم يعلم تلاميذه أن يحملوا سلاحا أو سيفًا، وإن كان مفهوم القوة ارتبط فى ذهن البعض بالعنف والقتل وإراقة الدماء، لكنه كان يعلم أن الانتقام أول علامات الضعف، أما الغفران فهو من سمات القوة.
أن الحقيقة التى لا يشوبها أدنى شك هو أنه لا يمكن أن يتمتع الإنسان بالسلام الحقيقى إن لم يحصل على سلام مع الله، فمن حُرم سلامًا مع الله لا يمكن أن يهنأ بسلام مع نفسه أو مع الآخرين، لأن الله هو مصدر كل سلام لذلك فى ذكرى الميلاد.
- الميلاد تجسد للحب
أن تجسد المسيح هو قصة الحب الإلهي، أحب الله الإنسان الخاطئ المغلوب من الخطية، غير القادر على إنقاذ نفسه من مخالب الشر، إن كل خطية يقترفها الإنسان هى فى حقيقتها عصيان لله، ونوع من عدم المبالاة بوصاياه، كما أنها ترجمة دقيقة لعدم محبة الله، لأنه قال: «إن كنتم تحبوننى فاحفظوا وصاياى» رد الله على عداء الإنسان بالحب، فلم يصنع معنا حسب خطايانا، ولم يجازنا حسب آثامنا، وإنما كبعد المشرق من المغرب أبعد عنا معاصينا».
إلى أن ميلاد المسيح يعد الدرس العملى للحب الإلهى العظيم، كيف لا! وهو من فرط محبته وعظيم غفرانه نجده وقد أخطأ الإنسان، يسعى لمصالحته، وإعادة العلاقات معه دون أن ينظر إلى خطاياه، فى مرات نحن نتطلع إلى أن السعى للصلح هو سمة من سمات الضعف، أو لون من ألوان الخنوع، لكن من الميلاد نتعلم أعظم الدروس فى الحب والغفران والتسامح والسعى للمصالحة، وندرك أن مَنْ يسعى للصلح يبرهن على أن محبته أعمق، وتواضعه أصدق، وحياته الروحية أسمى وأقوى، وانتصاره على الذات لا شك فيه، وأن الكبير هو الكبير فى قلبه وفى حبه وفى تواضعه.
- رسالة الميلاد
رسالةُ السيد المسيح هي رسالةُ السلام، فقد أرسى دعائِمَ السلامِ الحقيقي بين الله والإنسان، وبين الإنسان وأخيه الإنسان، وفي عظتِهِ على الجبل قال السيد المسيح: “طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناءُ الله يدعون”.
المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرّة هذه هي القصيدةُ اليتيمةُ الفريدة، التي نظَّمتها السماءُ ولحنتّها، وأنشدتها الملائكةُ معلنةً بذلك بهجَتَها بميلادِ السيد المسيح، الذي هو ميلادُ السلام، وبدءُ العملِ بميثاقِ المصالحة بين السماءِ والأرض، وفَتْحِ باب الملكوت أمام المحرَّرين من الخطيّة.
ففي الليلةِ التي وُلدَ فيها المسيح يسوع مخلّصَ العالم، ابتهجت السماءُ وتهلّلت، ابتهاجَ الصادقِ الوفيِّ، وهو يبرُّ بوعده. ووقفَ ملاكُ الربِّ برعاةٍ بسطاء، فخافوا خوفاً عظيماً، فهدّأ الملاك روعَهم بقوله لهم: “لا تخافوا، ها أنا أبشركم بفرحٍ عظيم يكون لجميع الشعب، أنه وُلدَ لكم اليومَ في مدينة داود مخلصٌ هو المسيحُ “.
أجل تجسَّد الإلهُ الكلمةْ، من الروحِ القدسِ ومن مريمِ العذراء، وَوُلدَ في ملءِ الزمان، بل صارَ زمانُ ميلاده تاريخَ التواريخ، وابتدأ بميلادِهِ عهدُ النعمةِ والرحمةِ والحنان، عهدُ الحقِّ والمغفرةِ والقداسة.
عيد ميلاد سيدنا يسوع المسيح له المجد يعتبر من اهم الاعياد المسيحية بعيد عيد قيامة المسيح من بين الاموات وصعوده الى السموات، ويمثل تذكار ميلاد يسوع المسيح وذلك بدءًا من ليلة 24 كانون أول ونهار 25 كانون اول في التقويمين الغويغوري واليولياني غير انه ونتيجة اختلاف التقويمين ثلاث عشر يومًا يقع العيد لدى الكنائس التي تتبع التقويم اليولياني عشية 6 كانون ثاني ونهار 6 كانون ثاني.
- الميلاد في وطن الام فلسطين
يترافق عيد الميلاد باحتفالات دينية وصلوات خاصة للمناسبة واجتماعات عائلية واحتفالات اجتماعية أبرزها وضع شجرة الميلاد وتبادل الهدايا واستقبال بابا نويل وتناول عشاء الميلاد، علمًا أن اعدادًا كبيرة من غير المسيحيين تحتفل بالعيد ايضًا، وهو عطلة رسمية في اغلب دول العالم وفي الوطن العربي يعتبر عطلة رسمية في فلسطين والاردن وسوريا ولبنان ومصر ولابناء الكنيسة في العراق.
نعم، أعياد الميلاد المجيدة تذكرنا في فلسطين الحبيبة منذ زمن طويل كمسيحيين ومسلمين بأننا جزء لا يتجزأ من نسيج المجتمع الفلسطيني، وحضارتنا وتاريخنا المشترك يمليان علينا دوماً أن ننقل ما لدينا من ثقافة وحضارة للعالم أجمع، لأن قوة فلسطين تكمن في عمقها الحضاري ومكوناته المسيحية والإسلامية، وفي قوة الإنسان الفلسطيني واستمراريته عبر التاريخ، وانه لا يوجد خيار كشعب او أي مشكلة بين الأديان كي نتحاور لأنها أديان توحيدية، إنما المشكلة لدى البعض الذين لا يفهمون جوهر الأديان.
في الخامس والعشرين من شهر كانون اول من كل عام بحسب التقويم الغويغوري يحتفل المسيحون الغربيون بعيد الميلاد المجيد وفي السابع من كانون ثاني من كل عام يحتفل المسيحيون الشرقيون بعيد الميلاد المجيد.. هذا العيد الذي يحمل في معانيه وطياته الكثير وخاصة في فلسطين حيث فيها ولد السيد المسيح ونشر تعاليم ومبادئ الديانة المسيحية، وصلب وقام من بين الأموات وصعد إلى السموات من اجل خلاص البشرية.
فميلاد المسيح له المجد هو ميلاد المحبة، فالمحبة ينبوع القوة والوحدة والتقدم. لذا، حيث وجدت المحبة وجدت الحياة المشعة بالخير والبركة، وحينما فقدت المحبة ساد الشر والخطيئة.
نعم إننا كمسيحيين في فلسطين وكجزء لا يتجزأ من الشعب العربي الفلسطيني نحتفل بميلاد المسيح تعبيرا عن إيماننا وعقيدتنا الراسخة بان سيدنا المسيح سيكون دائما بجانبنا حتى نتخلص من الاحتلال وبطشه، وعلى يقين أكيد من محبة يسوع لنا تخفف عنا أوجاعنا نتيجة الظروف القاسية والصعبة التي نعيشها في فلسطين، وان يفك عنا الحصار التي تفرضه إسرائيل على شعبنا بحرمانه من التنقل من مكان إلى اخر. إننا في فلسطين ندعو الله أن يستجيب لأبناء الشعب الفلسطيني الذي على مدار عشرات السنين الماضية يعيش حالة الظلم والاضطهاد والفقر.. هذا الشعب الذي يطمح كباقي شعوب المعمورة للحصول على استقلاله وحريته.. هذا الشعب الذي قدم الكثير لان يتحرر من براثين الاحتلال.
إننا في أيام أعياد الميلاد المجيدة نطلب من الرب مخلصنا أن يعيد اللحمة الوطنية لأبناء هذا الشعب، وأن يبقى أبناءه موحدين تجاه قضيتهم الاسمى “فلسطين”، وان تتحقق الوحدة الوطنية من خلال بناء جسور الثقة المتبادلة لأبناء الوطن الواحد الموحد.
- شجرة الميلاد
الرموز المستخدمة للزينة والاحتفال بالميلاد جميعها ذات معانٍ خاصة. لكن مع مرور الزمن، وبسبب علمانية عيد الميلاد في معظم الدول، فقدت هذه الرموز معناها الحقيقي.
وربما القائمة التالية تشجعنا لتعليم اولادنا والذين يعيشون حولنا المعاني الحقيقية للميلاد، إذ إن العادات هي علامات خارجية تعبر عن معان داخليه، وما أكثر عاداتنا وطقوسنا ورموزنا!
النجمة: هي الرمز السماوي للوعد. الله ارسل المخلص للعالم ونجمة بيت لحم كانت علامة الوعد لانها قادت المجوس الى مكان ولادة المسيح. نور النجمة هو الذي قاد المجوس إلى يسوع ويسوع هو نور العالم الذي يقودنا لملكوت الله. توضع النجمة في البيوت على رأس الشجرة أو زينة على سطح البيوت كإشارة لولادة المسيح .يقال انه يوجد في السماء نجمة لكل شخص في العالم تمثل الامل للانسانية.
اللون الاحمر: هو اللون الاول لعيد الميلاد واستخدم من المؤمنين الاوائل لتذكيرهم بدم المسيح الذي سفك. المسيح اعطى حياته وسفك دمه من اجل ان نحصل على الحياة الابدية.
اللون الاخضر: هو اللون الثاني لعيد الميلاد. اللون الاخضر للاشجار دائمة الخضرة يبقى كما هو طول ايام السنة، الاخضر هو الشباب والامل واكثر الالوان غزارة في الطبيعة. الاوراق الابرية الشكل لشجرة عيد الميلاد تتجه نحو الاعلى وترمز الى الصلوات المتجهة نحو السماء.
الجرس: إن صوت الجرس يعني الفرح والبهجة. انه يبشر بالعيد وبالفرح ويحمل في طياته حنينا يترك الارتياح في النفس. أما دوره فهام في الحياة المسيحية، فهو يحمل بشارة العيد ويبشر بالصباح وبالربيع. وعندما يرن الجرس يأنس به كل من يسمعه لأنه يحمل إلى قلبه الحنين والارتياح. استعمل الجرس للعثور على الخروف الضال. سيدق الجرس لكل شخص ايضا ليجد طريقه للاب “الراعي الصالح” ويعني ذلك الهداية والرجوع بالاضافة الى ذلك مؤشر الى اننا جميعا اعزاء في عيون الله.
النور والشموع: النور هو رمز المسيح “النور الحقيقي وشمس الأقطار”، وقانون الإيمان يعلمنا بان المسيح هو “نور من نور”. الشموع على شجرة الميلاد كانت تمثل تقدير الإنسان للنجمة، في الكثير من البيوت تضاء الشموع وهي تمثل نور الله، أما ألان فتستخدم أكثر منها الأشرطة الضوئية لذكرى ميلاد المسيح.
الربطة او البمباغ: توضع على الهدايا لتذكرنا بروح الاخوة فمثلما يربط البمباغ هكذا يجب ان يكون الجميع مترابطين بعضهم مع بعض.
العكازة: تمثل عصا الراعي. الجزء المعقوف او الملتوي من العصا كان يستخدم لجلب الخروف الضال. اللون الاحمر والاخضر وبقية الالوان المستخدمة بشكل حلزوني ترمز الى اننا حراس الاخ الضال، كما تمثل العكازة الحرف الاول من اسم المسيح باللغة الانكليزية عند قلبها رأساً على عقب.
الطوق او الاكليل: يرمز الى الطبيعة الخالدة للحب الإلهي الذي لا ينضب ولا يتوقف، ويذكرنا الاكليل بحب الله اللامحدود لنا الذي هو السبب الحقيقي والصادق لميلاد المسيح.
بابا نويل او سانتا كلوز: هو شخصية ترتبط بعيد الميلاد، لا بل انها الرمز الميلادي الابرز. هو معروف غالباً بأنه رجل سعيد دائما، وسمين جداً، ومبتسم باستمرار، يرتدي بزة يطغى عليها اللون الاحمر بأطراف بيضاء، وتغطي وجهه لحية ناصعة البياض. وكما انه مشهور في قصص الاطفال، فإن “سانتا كلوز” يعيش في القطب الشمالي مع زوجته السيدة “كلوز” وبعض الاقزام الذين يصنعون له هدايا الميلاد، الى الأيائل التي تجر له مزلاجته السحرية ومن خلفها الهدايا، ليتم توزيعها على الاولاد أثناء هبوطه من مداخن مدافئ المنازل أو من النوافذ المفتوحة وشقوق الأبواب الصغيرة.
- من هو بابا نويل؟
بابا نويل هو شخصية تاريخية معروفة تنسب الى القديس نيكولاوس الذي ولد من عائلة غنية جدا وقد كان دائما يعمل من أجل مساعدة الأشخاص وبخاصة العائلات المحتاجة. ولأنه كان شابا قام بالارتحال الى بلدة ميرا في تركيا، المكان الذي اصبح فيه اسقفا. وكان يمضي كل وقته في خدمة الفقراء، وكان يحب الأطفال كثيراً، وله في ذلك قصة شهيرة جدا، حيث كان في مدينة مورا عائلة فقيرة جداً لديها ثلاث فتيات، وفي ليلة من الليالي صعد هذا القديس الى سطح المنزل وأسقط أكياس كانت تحتوي على نقود فسقطت في جوارب كانت الفتيات قد وضعتها لتجفيفها… وفي اثناء وجود القديس نيكولاوس شاهده والد الفتيات ودار حديث بينه وبين القديس نيكولاوس، حيث طلب هذا القديس منه أن يبقي هذا الأمر سراً والمفاجأة كانت بعد يومين، عندما أصبحت البلدة جميعها تعرف ماذا فعل هذا القديس ومن هنا ظهرت عادة وجود جوارب حمراء اللون لتتزيا بها منازلنا تذكيرا بالحادثة التي من خلالها عرف هذا القديس. وأول رسم لبابا نويل كان سنة 1862م وهو عبارة عن شخص صغير يبدو قزما يلبس ملابس حمراء وقبعة صغيرة، وله ذقن طويلة بيضاء.
- هدايا الميلاد
جرت العادة أن يقدم الناس في عيد الميلاد هدايا متنوعة ترمز الى السيد المسيح “هدية الله للإنسان”، وترمز الى العطايا التي قدمها المجوس للطفل يسوع، وأولى الهدايا قدمت في العصر المسيحي، وبالنسبة لبطاقة الميلاد أنشأها كندول الإنكليزي سنة 1944 وعمت بعد ذلك معظم بلدان العالم.
- خاتمة
ها هو العيد من جديد يطل علينا في كل سنة وفي مثل هذا اليوم تخضر شجرة الميلاد وتتللألأ نجمة السماء.. تدعونا لنفتح قلوبنا للنور .. تدعونا للمحبة .. تبحث عن قلب صادق .. ليكون مغارة ليسوع المسيح .. في مثل هذه اليوم نحتفل بميلاد المحبة.. تقرع أجراس العيد.. مرنمين فرحين بولادة المخلص يسوع المسيح: المجد لله في الاعالي وعلى الارض السلام وبالناس المسرة.
حبيبتي مدينة بيت لحم: هنيئا لك ميلادك ، فأنت رمز الجنة على الارض.. وجعلت الجنة لمن أحبك. أعادَ الله أعيادَه المقدسة عليكم جميعًا، باليمنِ والبركات، ووطَّدَ أمنَه وسلامَه في أقطارِ المسكونَةِ قاطبةً، وخفّفَ عن الناسِ ويلاتَ الحروبِ والنزاعات والمجاعات بنعمته تعالى آمين. وكل عام وأنتم بألف خير.
يعد عيد الميلاد المجيد من أهم الأعياد التي يحتفل بها المسيحيون فهو تذكار ميلاد “السيد المسيح” من العذراء مريم ، وقد أشار “القرآن” إلى ذٰلك الميلاد: ﴿إِذْ قَالَتِ ٱلْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ ٱللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ ٱسْمُهُ ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ ﴾.
ويقدم الميلاد رسائله على مر الزمان وهي رسالة السلام، والمحبة، والتواضع؛ ولكنني أتحدث اليوم عن “السلام” أعظم احتياجات العالم اليوم خاصة في ظل الاضطرابات والتشويش وفقدان الهُدوء والأمان والسلام في كثير من بلدان العالم.
ورؤيتي أن ففقدان السلام في حياة الإنسان يُعد من أهم المشكلات التي تعترض مسيرة تلك الحياة. إن الإنسان الذي فقد سلامه، تجده يخطو نحو المستقبل بتردد وارتياب، كما أن قدرته على العمل تتأثر بشدة لشعوره الدائم بأن هناك شيئـًا ما في الحياة يدفعه إلى الخوف والجزع والتراجع.
وأري أن السلام يتحقق حين يرفض البشر كل ضغينة يمكن أن تكون في أعماقهم، ويزرعون الحب في قلوبهم بعضهم نحو البعض، مدركين أن رسالتهم في الحياة هي البناء والتعمير. أمّا الكراهية والحسد فلا يجلُِبان سوى الموت وفقدان السلام. أيضًا يتحقق السلام بين البشر حينما يسعى كل إنسان في محاولة جادة أمينة لفَهم الآخرين، مدركًا أن البشر جميعًا ما هم إلا أعضاء عائلة إنسانية واحدة. وبينما الإنسان يحاول إسعاد الآخرين، يتذوق هو نفسه معنى السعادة والسلام.
- تمنيات الميلاد
أتمنى أن يفتح كل إنسان قلبه إلى الله ليتمتع بسلامه العجيب، وأتمنى أن يفكر كل واحد فى صناعة السلام مع الجميع، فتنعم بلادنا العزيزة بالسلام والاستقرار والازدهار، وطوبى لصانعى السلام.
أن أرسل جبرائيل الملاك من الله إلى مدينة من الجليل أسمها ناصرة إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف واسم العذراء مريم.. (لو 1: 26، 27)، وبشر ها بميلاد السيد المسيح حسب ما تنبأ به أشعياء النبى قبل مجىء السيد المسيح إذ كتب يقول: «يعطيكم السيد نفسه آية، ها العذراء تحبل وتلد ابنًا وتدعو اسمه عمانوئيل (أى الله معنا)» (سفر أشعياء 7: 14). وقد كتب أشعياء كتابه قبل السيد المسيح بنحو 700 سنةّ. (إن المخطوطات الأصلية لسفر أشعياء موجودة اليوم فى المتحف فى القدس). وهذا فعلًا ما حدث، إذ وُلد السيد المسيح من عذراء حسب النبوة.
جميل هذا الاسم الذى دعى به السيد المسيح فى مولده، عمانوئيل (الله معنا)، اسم فيه الكثير من التعزية، إذ فيه الكثير من حب الله لنا، فالله محبة والإنسان ثمرة حب الله وعلامة هذه المحبة هو وجود الله وسط شعبه وكان الرب يسير وسط الجنة وآدم وحواء يتمتعان بالوجود مع الله، ولكن دخلت الخطية إلى العالم وانفصل الإنسان عن الله فعاش فى أنانية فى خوف وقلق واضطراب، وجاء ميلاد السيد المسيح ليعيد الإنسان إلى حضرة الله.
أن بركة عيد الميلاد هى هذه: أن نشعر، أن الله فى وسطنا، ساكن معنا، وساكن فينا، مشيرًا إلى أن الله فى الحقيقة يحب البشر جدًا، مسرته فى بنى البشر. يحب أن يهب الإنسان لذة الوجود معه، ويحب قلب الإنسان كمكان لسكناه، وأن الله ينظر إلى قلبك ويقول: «هذا هو موضع راحتى إلى أبد الأبد. ههنا أسكن لأنى اشتهيته». (مز132: 14).
الله يسكن فى القلب الوديع المتواضع الذى يحب الخير والجمال ويفرح بالحق ويمجد الله فى حياته وعبادته ويترجمها فى سلوكياته، وفى الختام، تساءل: «ماذا يستفيد الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نعمة الوجود مع الله؟، فستظل قلوبنا قلقانة ومضطربة حتى تجد راحتها فى الله ورسالة الميلاد هى فرحة، فرحة الوجود مع الله ومجد لله فى الأعالى وسلام على الأرض».
«مع غروب عام منصرم، وإشراقة شمس عام جديد، أتطلع بعين الإيمان نحو الأفق لمستقبل ينعم بالسلام والأمن والأمان، ونرفع أدعيتنا وصلواتنا لله، بأن يحفظ العالم من مشرقه إلى مغربه من الشرور والبلايا».
أن المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام والرجاء الصالح لبنى البشر، مشيرًا إلى أن العالم ودع عامًا كاملًا تمازجت فيه مشاعر مختلفة من الفرح والحزن، وخسر أشخاصا واكتسب آخرين، تعلم واختبر أشياء جديدة.
أنه مع ميلاد السيد المسيح المجيد تولد الطموحات الكثيرة وتتجدد الأمنيات السعيدة بولادة جديدة خالية من الحروب والنزاعات حيث لا ألم ولا وجع ولا ظلم، ونرجو ونأمل بأن تحل المحبة الأخوية بين البشر أجمعين، ويزول الحقد والضغن من القلوب ويتمتع الجميع بالغفران وروح التسامح حتى نعيش السماء على الأرض.
واختتم: «ليجعل هذا العام 2020 عام سعيد عام خير وبركة، عام فرح وسعادة، عام مليء بالنعم وعطايا الله الغنية، عام الصحة والعافية، عام لغد أفضل.. كل سنة وكل الشعب والعالم أجمع بألف خير».