بقلم : خالد القشطيني –
احدى صالات العرض في «سومرست هاوس»
«سومرست هاوس» من أروع المباني التاريخية في لندن، لا سيما في موقعه الاستراتيجي بين جسر واترلو ونهر التيمس. ويتكون من عدة أجنحة استعملت لشتى الأغراض في تاريخه الطويل. ولكن تقرر أخيرا تكريسه لخدمة الفنون، فخصص الجناح الشمالي منه ليكون معرضا لمجموعات «كورتولد غاليري». وفي هذا الموسم خرجت إدارة الغاليري عن تقاليدها بعرض الأعمال الفنية من التراث الأوروبي فقط بأن كرست صالاتها لهذا الموسم لآثار الفن الإسلامي. وشمل ذلك 40 عملا جيء بها من شتى المتاحف والمجموعات الشخصية. وحظيت مدينة الموصل العراقية بجانب مرموق من هذه المعروضات، بما اشتهرت به مدينة الموصل من الأعمال النحاسية. وكان من أطرفها وأروعها «شنطة» نسائية عجيبة. لفتت الأنظار. فهي ليست من الجلد ولا من القماش كما نتوقع من «الشنط» النسائية، وإنما صُنعت من صحائف معدنية من النحاس الأصفر، أو ما يُعرف بالصفر، وقد زخرفت وزينت بشتى الرسوم التي تعكس الحياة الراقية للبلاط الخاندي في ذلك العصر، وهو القرن الـ14 بعد الميلاد. فـ«الشنطة» تعود لأميرة أو خاتون من حفيدات جنكيز خان وهولاكو اللذين كانا يحكمان العراق عندئذ. أما الرسومات والزخارف فكانت بالفضة والذهب الخالص تبهر الناظر في محيطها من النحاس.
ولربما نعجب كيف كانت الأميرات الرقيقات يحملن مثل هذه «الشنطة» المعدنية الثقيلة، وما فيها من قناني العطور والماكياج. بيد أن كتالوغ المعرض يقول إن حملها كان من واجب الجارية، أو الوصيفة، التي كانت تمشي وراء الخاتون وتحمل لها حاجياتها ومشترياتها. لا يملك الناظر غير أن يقول كما شعرت وقلت: المرأة هي المرأة في دلالها وخيلائها، مهما بعد الزمن أو اقترب!
ومن الموصل، أو مدينة الحدباء، كما تُعرف عند العراقيين، ضم المعرض أيضا إبريقا من سبيكة الصفر، أو النحاس الأصفر، يعود تاريخه للقرن الثالث عشر بعد الميلاد، أو لشهر رجب من العام الهجري 629، كما نقش عليه. وقد جرى صنعه بشكل مضلع وزُيِّن هو الآخر بصور وزخارف من الفضة والنحاس الأحمر. والمعروف عن الصناع الحرفيين لمدينة الموصل مهارتهم في صنع أباريق الوضوء المزخرفة لاستعمال سراة القوم وأثريائهم، في زمن كانت مدينة الموصل تحتل مكانتها التجارية المهمة كمركز لمرور القوافل، على ما عرف بطريق الحرير الذي يربط الصين بسواحل البحر المتوسط.
وبالإضافة لبراعة صناع مدينة الموصل في أعمالهم النحاسية، برزوا كذلك في القرون الوسطى بصناعة المنسوجات الحريرية التي تهالك عليها الأوروبيون، وعُرفت باسمهم «الموصلين» حتى اليوم.
اشتمل هذا العرض الإسلامي أيضا على مجموعة من الرسوم التي تعود لذلك العهد، حين أصبح العراق خاضعا للمغول بعد سقوط بغداد على يد هولاكو. وقد اعتدنا اعتبارهم وحوشا دمروا البلاد، ولكنهم في الواقع سرعان ما دخلوا الدين الإسلامي، واقتبسوا حضارة المسلمين، وأقاموا في العراق الحكم الخاندي الذي تميز بتشجيع الفنون والحرف المحلية، وهذا المعرض الذي سيستمر حتى شهر مايو (أيار) المقبل يعطي صورة لحضارتهم ورفعة ذوقهم. وفيه رسوم بارعة يعود تاريخها لبغداد. ومن الطريف أن نجد بينها صورة لخاتون تحمل بالضبط «شنطة» نسائية من النوع الذي أشرت إليه بعاليه.