مناقشة ظاهرة الطلاق بين افراد الجالية لعراقية بلندن في مؤسسة الحوار الانساني
صادق الطائي
أستضافت مؤسسة الحوار الانساني بلندن يوم الاربعاء 13 ايلول/سبتمبر الجاري الاستاذة القاضية لميعة الظاهر في أمسية ثقافية تحدثت فيها عن ظاهرة الطلاق بين افراد الجالية العراقية بلندن ،كونها عضوة لجنة الاسرة بلندن ،وهي لجنة تعمل بالتعاون مع المراكز الاسلامية بلندن للمساعدة في حل مشكلات أسر الجاليات العربية والاسلامية ومنها الجالية العراقية وتحديدا مشاكل الطلاق ،وتشتمل هذه اللجنة بالاضافة الى الاستاذة لميعة الظاهر بوصفها قاضية ،باحث اجتماعي واخصائي نفسي وعالم دين لدراسة المشكلة من كل جوانبها ومحاولة وضع الحلول لها.
المقدمة
ابتدأت الاستاذة الظاهر حديثها بقراءة اية من سورة النساء بقولها ” بسم الله الرحمن الرحيم .وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا” الاية 35 من سورة النساء ، وبينت بقولها؛ ان الله جل جلاله يأمرنا في هذه الاية ان نختار افرادا حكماء من اهل الزوج واهل الزوجة ليتناقشوا وليساعدوا الزوجين في حل مشكلة حدثت بين الزوجين ،وبما ان افراد الجالية العراقية في المهجر بلندن عادة ما يكونون بعيدين عن اسرهم الاصلية ،ارتأت بعض المراكز الاسلامية ان تقوم بتشكيل اللجنة التي اتشرف بعضويتها لنقوم بهذا الدور .
أبغض الحلال
انتقلت السيدة لميعة الظاهر الى جوهر المحاضرة وهي مشكلة الطلاق معرجة على الجانب الفقهي من الموضوع حيث تناولت الاراء الفقهية الاسلامية في مسألة الطلاق ،وذكرت ان الاسلام احل الطلاق درءا للمفاسد ،مع الاعتراف بانه شيء بغيض بل هو (ابغضالحلال عند الله) وانه يدخل الاسرة في واقع مؤلم ،لكنه طريقة علاج اشبه بطريقة البتر التي يلجأ لها الجراح عندما يفسد عضو في الجسم ،فانه يبتره حفاظا على صحة باقي اعضاء الجسم ،وذكرت الظاهر ان لجنة الاسرة بلندن تعاني من زخم حالات الطلاق التي ازدادت بشكل ملحوظ مؤخرا وذلك لاسباب عديدة سنأتي على توضيحها لاحقا، وذكرت انهم يتدارسون 12 – 15 حالة طلاق في الشهر،وبحسب سجلات اللجنة فانهم يوفقون في رأب صدع العلاقة في حوالي 20 % من الحالات بينما يفشلون في 80% منها وعندها يقع الطلاق بين الزوجين ،لكن اللجنة تسعى حتى في هذه الحالات لان يكون طلاقا متحضرا دون تبعات واثار عنيفة قد تقع على الزوجة او الاطفال ،اي ان تتم حالات الطلاق باقل الخسائر الممكنة.
انواع الطلاق
وبينت السيدة لميعة الظاهر ،ان الطلاق في الفقه والقانون الاسلامي يقسم الى قسمين رئيسين هما :
-
الطلاق الرجعي :وهو عندما يكون للزوج الحق في إرجاع زوجته المطلّقة إليه مادامت في العدّة، من دون عقدٍ جديد، ولا مهر جديد.
-
الطلاق البائن :وهو ما ليس للزّوج بعده الحق بالرّجوع إلى الزّوجة إلاّ بعقد جديد.
ومن اقسام الطلاق البائن ما يسمّي بالطلاق الخلعي ويقصد به الطلاق بفدية من الزّوجة الكارهة لزوجها إلى حدّ يحملها على تهديد زوجها بعدم رعاية حقوق الزّوجية، وعدم إقامة حدود الله فيه، ولكن من دون أن يكرهها هو. فإذا قالت الزّوجة لزوجها: (بذلت لك مهري على أن تخلعني) وقال الزّوج بعد ذلك بلغة عربيّة صحيحة وبحضور شاهدين عدلين (زوجتي ـويذكر اسمهاـ خالعتها على ما بذلت) أو يقول (فلانة طالق على كذا) فاذا قال ذلك فقد طلّقها طلاقاً خلعياً. ولا يجب ذكر اسم الزوجة هنا إذا كانت معيّنة. ويجوز أن يكون مال الخلع المبذول للزوج غير المهر. كما يحق للزوجة والزوج أن يوكلا من يقوم مقامهما في بذل المهر أو غيره في الطلاق الخلعي، وفي سورة البقرة الاية229 تفصيل الامر في قوله تعالى (بسم الله الرحمن الرحيم. الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)
وهنا ذكرت الاستاذة لميعة الظاهر حالة درستها لجنة الاسرة ،وهي حالة شخص جلب زوجته من العراق الى لندن ،وحدثت بينهما مشاكل فطلقها الزوج ،واخرجها من البيت ،وهو جاهل بتفاصيل فقهية كثيرة او اعتقد بحرمة ان يكونا هو وزجته تحت سقف واحد طوال فترة العدة ،وعندما اخبرناه ان الفقه يقول بعكس ذلك (بسم الله الرحمن الرحيم .يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) سورة الطلاق ، اي ان المرأة المطلقة طلقة رجعية تبقى في بيتها مع زوجها دون علاقة جسدية على امل ان يهدأ كل منهما وتعود علاقتهم بعد حل الخلافات بهدوء وعندها ومن لمسة يد تعتبر العلاقة قد عادت دون الحاجة الى عقد جديد.
اما في حالة الطلاق البائن بينونة كبرى ،اي الطلاق النهائي الذي وقع بعد الدخول بالزوجة ووقوع الطلاق وانتهاء فترة العدة فان الزوجة تصبح محرمة عليه ،حتى تنهي عدتها وتتزوج بشخص اخر ويدخل بها ،فاذا وقع الطلاق بينها وبين الزوج الثاني ،فان من حق الزوج الاول التزوج بها بعقد جديد ،وليس كما يصوره البعض بان الامر زواج صوري بما يسمى (محلل) لتعود الى زوجها ،لان ذلك من المحرمات. وتفصيل الامر جاء في سورة البقرة الاية 230 ( بسم الله الرحمن الرحيم .فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ۗ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۗ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ).
المشاكل الاجتماعية وحدوث للطلاق
تناولت الاستاذة لميعة الظاهر بالحديث المشاكل التي تحدث بين الازواج وقد تؤدي الى الطلاق ،واشارت الى ان كل من الزوج والزوجة يجب ان يعرفا حقوقهما وواجباتهما ،فاذا التزم كل طرف فان حياتهما ستكون مستقرة وان الاسرة ستحضى بحياة قائمة على اسس صحية، ومن حقوق الزوج ،حق القيمومة وحق الطاعة بما امر الله وحق صون السر والعرض والمحافظة على خصوصية حياة الزوجة مع زوجها،وتفصيل ذلك جاء في الاية 34 من سورة النساء (بسم الله الرحمن الرحيم .الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ۚ).
اما حقوق الزوجة ،فقد فصلتها الاستاذة الظاهر بالقول ان للزوجة حق النفقة شرعا ،اي ان يعيل الزوج زوجته واولاده حتى ان كانت المرأة ذات مال او حالة مادية تمكنها من الانفاق على نفسها واولادها، كما ان لها حقوقا جسدية تتمثل بالمعاملة الحسنة واقامة العلاقة الجنسية وعدم الانقطاع عن ذلك الا لاسبابقهرية،فاذا حدث ذلك لمدة حددتها احكام الفقه المختلفة ،فان من حق الزوجة اللجوء للقضاء لايقاع الطلاق من زوجها لانه امتنع عن اقامة العلاقة الجنسية معها ،وبين الله تعالى حقوق الزوجة في محكم كتابه في سورة الطلاق الاية 6 و 7 ( بسم الله الرحمن الرحيم . أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ۚ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ۚ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۖ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ ۖ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ (6) لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ۚ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۚ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) اي ان الرجل ملزم حتى بدفع أجر للزوجة على ارضاع وليدها ،وهذا من تكريم الاسلام للمرأة ومنع تجني الزوج في علاقته بزوجته.
اسباب الطلاق
اشارت القاضية لميعة الظاهر في معرض حديثها عن اسباب الطلاق من خلال ما شهدته في الحالات التي مرت عليها في لجنة الاسرة بلندن ، ان احد اهم اسباب الطلاق هو الاختيار الخاطيء للزوج او الزوجة ،فنحن نعيش اليوم في ظل مجتمعات طغت عليها الاحكام المادية مع تراجع واضح للقيم الاخلاقية والاجتماعية القائمة على التواد والتراحم والتواصل ،فنحن نرى نمط علاقات الشباب ببعضهم تقوم على اساس قيم الجمال والاندهاش بالمظاهر او على اسس الحالة المالية للزوج او الزوجة ،بينما يجب ان يكون للتفاهم والتقارب الفكري حصة كبيرة في اختيار شريك الحياة ،وان لاسرتي الشاب والفتاة دور مهم في مساعدة ابنائهم في اختيار شركاء حياتهم ،وانا أعلم مدى استقلالية الجيل الجديد في هذا الامر ،الا ان نصيحة الاهل لها دور مهم في مساعدة الابناء خصوصا اذا كانت نابعة من حكمتهم ومن حرصهم على مصالح ابنائهم لا من مصالحهم المادية مثلا التي قد يحكمونها للزج بابنتهم في زواج مصيره الفشل.
واشارت السيدة الظاهر الى اهمية أطالة فترة الخطوبة ليتسنى للشاب والفتاة التعرف على بعض بشكل اكبر قبل ان يرتبطوا بزواج مستعجل قد ينتهي بالفشل،كما لاحظت الاستاذة الظاهر ان اهمال الزوجة والاولاد اصبح ظاهرة منتشرة بين شباب الجالية بلندن وعزت الامر الى تطور التقنيات الحديثة مثل الحواسيب الشخصية والهواتف الذكية التي اصبحت نقمة على الحياة الاجتماعية للاسرة ،وقد تبين ان العديد من الشباب يدخلون في علاقات خارج اطار الزواج نتيجة سهولة العلاقات في وسائط التواصل الاجتماعي وغيرها من غرف الدردشة . كما ان المشاكل المادية التي تضغط بشكل كبير على الاسر في المهجر كان لها دورها في تنامي حالات الطلاق ،وبشكل خاص اذا تزامنت مع بخل الزوج وامكانية لجوء المرأة للمحاكم البريطانية التي تنحاز بشكل واضح للمرأة وبالتالي ستمكنها من الحصول على مورد دخل ومسكن وتأمن حياتها بسهولة بمعزل عن الزوج مما يؤدي بالنساء وبشكل خاص محدودات الوعي الى استسهال حالة الطلاق.
كما ان هنالك ظاهرة المشاكل الجنسية في المهجر،حيث تعتبر ظاهرة ظاغطة على حياة الاسر وبشكل خاص على المرأة المسلمة التي لا تستطيع ان تلبي حاجات الشاب المتطلع الى مختلف القنوات الاباحية او حتى ما يشاهده في الشارع في الحياة اليومية ، مما يزيد المشاكل ويؤدي الى الطلاق مع غياب الوعي بالمشاكل التي ستتحملها الاسرة وخصوصا الاولاد من ذلك.
وان اختلاف طبيعة المجتمع ونمط العلاقات الاجتماعية ومنظومة القيم والاخلاق كلها تؤدي الى ازدياد الضغط على الاسرة العربية المسلمة في المهجر ومنها الاسر العراقية ،كما ان بعض الاسر تلجأ الى الاحتيال على مؤسسات الدولية بايقاع طلاق شكلي للحصول على معونة اجتماعية اكبر اوسكن اضافي ،لكن في الكثير من الحالات لاحظنا ان الامر يتطور ليصبح طلاقا فعليا ،كما ان ضغوط لاسر على ابنائهم وتدخلهم المفرط في مشاكل الازواج الجدد يتسبب كثيرا بوقوع حالات طلاق ،وخصوصا اذا تزامن الامر مع بوادر الغيرة والشك في مجتمع منفتح تعيش فيه الاسرة.
اعمال اللجنة
بينت الاستاذة لميعة الظاهر بالقول؛بعد ان اطلعتم على تفاصيل عامة عن موضوع الطلاق ومشاكله بين افراد الجالية العراقية بلندن ،احب ان اعرج على طبيعة عمل لجنة الاسرة ،حيث نحاول تقريب وجهات النظر بين طرفي الخلاف (الزوج والزوجة) وننجح في بعض الحالات لكننا وللاسف نفشل في حلات كثيرة اخرى،ونحن نؤدي عملنا الذي يشمل نصح الزوج بالتأقلم مع المحيط واصلاح ذات البين مع زوجته ،وننصح الزوجة بأن لا تفقد هويتها وتتخبط في متاهة الغرب التي قد تجرها الى اتون مشاكل لاتحمد عقباها ،وعندما تلجأ المرأة للمحاكم الوضعية البريطانية قد تحصل على مبتغاها بسرعة بالتخلص من الزوج ،لكنها قد تدخل اسرتها اولادها في دوامات مشاكل كبير ة نسعى من خلال عمل لجنتنا ان نجنب اسر الجالية مشاكلها.