بروفايل –
فالح عبد الجبار،عالم اجتماع عراقي، غادر العراق عام 1978. عمل أستاذا وباحثا في علم الاجتماع في جامعة لندن، مدرسة السياسة وعلم الاجتماع في كلية بيركبيرك والتي كان قد حصل فيها على شهادة الدكتوراه. وقد عمل سابقا محاضرا في جامعة ميتروبوليتان – لندن، متخصص بدراسة الفكر السياسي والاجتماعي في الشرق الاوسط ،تتناول اعماله الدين ،دور القانون ،الصراع الديني والمجتمع المدني ،يكتب بالانجليزية والعربية ومن مؤلفاته العربية (مابعد ماركس؟- 2010) ، (العمامة والافندي :سوسيولوجيا خطاب وحركات الاحتجاج الشيعي –نموذج العراق- 2009) ، (في الاحوال والاهوال : المنابع الاجتماعية والثقافية للعنف-2008)، ( الديمقراطية المستحيلة الديمقراطية الممكنة- نموذج العراق-1998)،(التوتاليتارية- 1998) ،(معالم العقلانية والخرافة في الفكر السياسي العربي -1992) ، اما كتبه الصادرة باللغة الانجليزية : الحركة الشيعية في العراق (2003)، القبائل والسلطة في الشرق الأوسط (2002)، آيات الله والصوفيون والأيديولوجيون (2002)اما على صعيد الترجمة ،فله ترجمات يقف في مقدمتها ترجمته لكتاب رأس المال لماركس بثلاثة مجلدات.
الحديث مع الدكتور فالح عبد الجبار له متعة خاصة ، فمع صرامة الاكاديمي ودقته في التوصيف والتحليل تجد دفء وحميمة تحليل اللحظة والتقاط اليومي وقراءة الحدث بعين الصحفي الذي كانه عبد الجبار في سبعينات القرن العشرين ، صحفيا ومراسلا حربيا غطى العديد من الحروب الاهلية في الشرق الاوسط وتعرف على البنية الجوانية للعديد من دهاليز الشرق الاوسط الساخن ، لذلك عادة ما يأخذك فالح عبد الجبار في انتقالات بين الحاضر والماضي رابطا بحنكة عالم الاجتماع الاحداث بمسبباتها موصلا اياك الى مفاهيم ونتائج تكاد تلمسها وتحسها نتيجة طريقتة التي يمكن وصفها بالسهل الممتنع ، وهي صفة مايكتبه ايضا ، فنرى البروفيسور سامي زبيدة ،عالم الاجتماع العراقي يقول في مقدمته لكتاب فالح عبد الجبار (العمامة والافندي ) :ان معارف فالح عبد الجبار وابحاثه علمية صارمة ،لكنها لا تنبع من معطيات ارشيفية وثائقية فحسب، بل هي ثمرة ارتباط وثيق بالاحداث والشخوص والتيارات الفكرية ،بل ان سردياته مشبعة بمعرفة حميمة بالتاريخ والسياسة في عموم المنطقة ما يضفي على البحث منظورا مقارنا ،اما التحليل فانه ثري بالمعرفة النظرية الاجتماعية والسياسية.
هو الان يعمل مديرا لـ (معهد دراسات عراقية) في بيروت لذلك هويتنقل بين بيروت ولندن وفي فرصة سنحت لنا التقيناه في لندن فكان هذا الحوار الذي سألنا فيه الدكتور عبد الجبار عن رؤيته للوضع العراقي والمأزق الذي يمر به وهل هناك امكان للخروج من هذه الازمة ؛
امكانية بناء الديمقراطية في العراق
س/ د.فالح عبد الجبار احب ان ابتدأ الحوار معك بالقول انك اطلقت (مقولة نبؤة) اذا جاز التوصيف عام 2003م بعد اسقاط نظام صدام حسين والاجتياح الامريكي للعراق ،حيث قلت ان العراق امامه عشر سنوات دامية لكي يفرغ العنف الذي تشربه المجتمع خلال العقود السابقة ليستقر بعد ذلك ،وقد مر العقد وبعده عامان ،كيف ترى الوضع الان وهو لم يتغير بل ربما تغير نحو الاسوء؟
ج/ قال ضاحكا ؛ اذا كانت نبؤة فهي نبؤة فاشلة وسنحتاج الى طلب تمديد ربما عشر سنوات اخرى او اكثر مع تعقد المشهد العراقي اليوم ،الحقيقة انا ذهبت للعراق عام 2003 بعد غياب طويل ، الهدف هو زيارة الاهل ، وقد قمت ببعض المسوح وتدوين الملاحظات الميدانية عبر زيارات قمت بها في بغداد لبعض المناطق مثل مدينة الصدر كما زرت الموصل والنجف وخان ضاري القريبة من الفلوجة والبصرة ، ما هالني ان الشارع ممتلء بخوذ الاحتلال والعقال العربي ،اي سلطة الاحتلال العسكرية وسطوة التراث ممثلا بالزي التقليدي،بالمناسبة كنت قد اشتركت في مؤتمر عقد في لندن قبيل ان اذهب الى بغداد ،وكان السؤال المركزي في المؤتمر (هل هناك امكانية لأقامة الديمقراطية في العراق اليوم ؟)، وقد طرحت عدة اراء ونظريات حول ذلك ،ويمكن ايجاز الامر بان كل النظريات التي تؤهل مجتمع ما للانتقال من حالة الدولة الشمولية الى الديمقراطية هي :
1. ان تكون الدولة ضعيفة امام مجتمع قوي وبذلك يصبح الانتقال الى الديمقراطية سهلا ،مثال ذلك بريطانيا مقارنة بفرنسا في القرون الماضية .
2. اذا كان هنالك طبقة وسطى قوية ،فان هذه الطبقة وبحسب ما عرف من صفاتها فانها ستكون الحامل او الحاضن لثقافة الديمقراطية .
3. النظرية الثالثة تقول اذا كان هنالك ثقافة ديمقراطية – مساواتية – شائعة في المجتمع وقمعت لاسباب ما ،كما هو حال المانيا بعد النازية ،فأن التحول الى الديمقراطية سيكون ممكنا .
4. النظرية الرابعة تعزو الامرلاسباب اقتصادية ،وتفترض انه اذا وجد اقتصاد سوق ،اقتصاد حر،فأن ذلك سيمثل ركيزة مهمة للتحول الديمقراطي.
كل هذه الافكار والطروحات تبين ان العراق خلوا منها او خلوا من مقومات اقامة الديمقراطية، الاقتصاد ريعي تمسك به الدولة المركزية ،الطبقة الوسطى مهمشة ،ثقافة الديمقراطية – المساواتية- مفقودة ،وهنالك مزيج من ثقلفات عروبية قومية وهي ثقافة تركز على الامة وليس على الديمقراطية او الحرية ، في نفس الوقت وفي المؤتمر ذاته ناقشنا سؤالا جوهريا مفاده ؛لماذا تفشل الديمقراطيات بعد ان تقوم ؟ وكانت هنالك عدة طروحات يمكن ايجازها في ؛التباين الاقتصادي الحاد في المجتمع وهذا يقود الناس للبحث عن المساواة الاقتصادية قبل البحث عن الحرية او الديمقراطية التي هي مساواة سياسية ،ورأي اخر قال اذا كان البلد يتعرض لتهديد او خطر خارجي ،فأن الديمقراطية واستحقاقاتها تصبح ليست من الاولويات حيث الاولوية للامن القومي . النتيجة وجدنا ان كل العوامل التي تساعد على بناء الديمقراطية في العراق غير موجودة وان العوامل الهادمة للديمقراطية موجودة وبقوة .
تجليات العنف في العراق
س/ كيف يرى الدكتور فالح عبد الجبار دوامة العنف التي ما أنفكت تدور وتطحن المجتمع العراقي منذ 2003 م ولحد الان ، ماهي الاسباب ؟ هل هنالك سبل لحل ينقذ العراقيين من الموت المجاني اليومي؟
ج/ العنف في المجتمعات الحديثة هو عنف الدولة لانها هي التي تحتكر وسائل العنف مثل الجيش والشرطة والسجون وكل وسائل القوة ،ولانها جهاز يحتكر السلاح بحسب تعريف عالم الاجتماع الالماني ماكس فيبر، والدولة عندما لا تكون ممثلة لسكانها تكون علاقتها بالمجتمع علاقة قمع وعنف ،لذلك كانت هنالك جرعات مستديمة من عنف الدولة تجاه المجتمع ، وهذا العنف يتشربه المجتمع ويكمن فيه ،اذ انه لا يتسرب بل يكمن في المجتمع ويحاول ان يجد له منافذ او قنوات للخروج ،كذلك نحن نعلم ان جيلين من العراقيين هما جيلي حروب ،الحكومات خاضت عددا من الحروب منذ منذ السبعينات في كردستان مرورا بالحرب العراقية الايرانية في الثمانينات وحرب احتلال الكويت في التسعينات والحرب الاخيرة التي احتل فيها العراق عام 2003 ، مئات الالاف من الضحايا والمعوقين والاسرى والارامل والايتام هي نتائج هذه الحروب ،وهذه الحروب شلت المجتمع اجمع وليس المقاتلون فحسب،لذلك هنالك جيلين او ربما ثلاثة تشربت هذا العنف واستقر في النفوس والعقول لتصبح اللغة الوحيدة التي تعرفها الاجيال الحالية هي لغة السلاح والمناخ السايكولوجي هو مناخ العنف ،لنكون ازاء مجتمع غير متعود على مجالسة بعضه البعض وحل المشاكل بالطرق السلمية والقانونية ،بالاضافة الى الكميات الهائلة من الاسلحة التي انتشرت في الشارع نتيجة الفوضى بعد 2003 م كل ذلك مثل عوامل عدم الاستقرار في المجتمع العراقي اليوم ، ويخطأ بعض الكتاب او المحللون عندما يعتبرون العنف خصيصة او سمة عراقية ، فقد شاهدنا ماحصل في دول الجوار عندما تمر بظروف مشابهة لما حدث في العراق ،فتجد العنف ينفلت من عقاله كما حصل في الحرب الاهلية اللبنانية والحروب الاهلية الدائرة اليوم في ليبيا وسوريا واليمن ،العنف هو انهيار المنظومة الاخلاقية لدى الدولة مما يقود الى انهيار المنظومة السياسية وبالتالي تجد المجتمع يعود الى منظومات بدائية .
زيف اسطورة المستبد العادل
س/ هذا يقودنا الى مقولة مطروحة لدى النخبة وفي الشارع العراقي ، مع تزايد الازمة يزداد طرح مقولة (نحن بحاجة الى مستبد عادل) كيف يرى او يوصف الدكتور فالح عبد الجبار ذلك ؟
ج/ ان ما اوصلنا الى ما نحن فيه هو اطروحة( المستبد العادل )،هذه خرافة ،لانك عندما تقول مستبد فقد سقطت عنه صفة العدل ،لان الصفتين متضادتان ،هذا كلام فارغ ،هو تعبير عن الاستياء تجاه عجز الدولة عن القيام بدورها والحفاظ على النظام ، عندما تنهار الانظمة نتيجة لاسباب مختلفة مثل التمردات ،الغزو ،الثورات ،الكوارث ،وتعجز الدولة عن القيام بابسط واجباتها وهو الحفاظ على الارواح والممتلكات ،فان المواطنين يبحثون عن هكذا حل وهمي ، وهو حل احمق في رأي هذا حكي العجائز او حكي المقاهي المرسل على علاته ،كأن يقول احدهم نحن الان بحاجة الى رجل قوي يمسك بزمام الامور ويعيد النظام .. الخ ،والحقيقة غير ذلك تماما لان الامر غير منوط برجولة وقوة فرد ،انما هو الحاجة الى مؤسسات وتربية وثقافة ،لان المجتمع بحاجة الى قناعة ان هذه الحكومة تمثلهم وانهم يحتاجون الى تنامي الوعي بحيث تشيع الثقافة القانونية لحل النزاعات وليس العودة الى الاساليب البدائية .
س/ في سياق متصل احب ان اسألك ، انك ذكرت في مؤتمر حول الاقليات عقد في الاردن مؤخرا ،ان الملك فيصل الاول – ملك العراق – كان الشخصية الوحيدة التي اشتغلت على اقامة الدولة – الامة في العراق محاولا احتواء كل المكونات العراقية ،اما بقية التجارب فكان عليها مآخذ مختلفة ،هل تعتقد ان العراق اليوم بحاجة الى فيصل جديد ليعيد تحقيق المعادلة او للخروج من الازمة الحالية ؟
ج/الملك فيصل الاول كان نسيجا لوحده ،كان احد قادة الحركة العربية ضد العثمانيين ، وبالرغم من انه قادم من بيئة لا تتوفر فيها معطيات الدولة الحديثة ،فالحجاز بيئة قبلية تقليدية تتحكم فيها البنية الدينية ،لكن يجب ان لا ننسى انه درس في اسطنبول ،وكان واعيا لمبدأ تكون الامم ومبدأ وودرو ويلسون الرئيس الامريكي ،وهذا الوعي ليس افتراضيا ،فهو موثق في رسالة نشرت في كتاب المؤرخ العراق عبد الرزاق الحسني تاريخ الوزارات العراقية وجهها الى عدد من السياسين العراقيين عام 1932م، ويصف فيها حال الامة العراقية بدقة وتشظيها وامكانية اقامة الدولة على اساس الادارة والجيش ،واهمية بناء المؤسسات الحديثة مثل البرلمان ودوره في انشاء الامم ،وفعلا اشتغل على ذلك ،وعندما أنشأ مجلس الاعيان مثلا فقد اختار عدد من وجهاء وشيوخ العشائر في هذا المجال ،وقد عد ذلك تمثلا سياسيا لهم ،وتم اصدار قانون تسوية الاراضي الذي مثل ضمانا اقتصاديا لهم ، وقد حولت اعرافهم العشائرية الى قانون عقوبات خاص بهم على سبيل دمجهم في الامة بسياسة الخطوة خطوة ،لذلك عندما اصدر بعض رجال الدين في النجف فتاوى بمقاطعة الانتخابات والدولة بسبب اقرار المعاهدة البريطانية ،لم يلتزم شيوخ العشائر بها لان مصالحهم اصبحت مع الدولة .ومن المؤسسات الجامعة الاخرى والمهمة كان الجيش ومدرسة الموظفين التي حاول فيصل فتحها ليدخل فيها ابناء شيوخ القبائل ليخلق منهم طبقة تكنوقراط يشاركون في حكم البلد ، وكذلك الشركات والبنوك والتعليم والنشيد الوطني والعلم الموحد للعراق ،كل هذه الاجهزة تفتح قنوات الدولة على المجتمع فتكون مثل شجرة لها جذورها الممتدة تمتص بها ما يغذيها من المجتمع ككل ،فاذا سدت هذه القنوات ذبلت الدولة .واستمر هذا الحال حتى عهد عبد الكريم قاسم ،التراجع الحقيقي في رأي ابتدأ مع انقلاب شباط 1963 ،ربما فترة حكم عبد الكريم قاسم كانت قد عطلت الدستور والغت البرلمان والمحكمة الدستورية وبدون دراية اغلقت القنوات في وجه المجتمع التي ينفذ من خلالها مصالحه المتنوعة ، وكان ذلك على خلفية الوضع الدولي الذي يمر به العالم حينئذ ،الحرب الباردة كانت في اوجها ،جدار برلين ،ازمة كوبا ،الحرب الكورية … الخ ،كما ان المجتمع العراقي كان منقسما بين تيارين رئيسيين التيار القومي والتيار اليساري ،وقاسم كان رجلا وسطيا ربما جاء قبل اوانه،غلق المنابر السياسية كان المفروض ان يكون مؤقتا فاصبح دائميا بعد 1963 ،وكان هذا اول تدمير لبناء الامة ،ثم تلته التحولات التي حدثت وظهرت على شكل الانحياز الى القبلية والمناطقية وحتى الاحزاب مثل حزب البعث تحول الى ملحق بهذه المنظومة القبلية او العائلية ، كما ان الوفرة النفطية التي حدثت بعد 1973 حولت الدولة الى دولة ممسكة بكل شيء سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا فتحولت الى تنين (تنين لوناثان الذي تحدث عنه هوبز ) ابتلع كل شيء واحتكر كل شيء ،وعندما انهارت تركت فراغا مروعا في المجتمع امتلأ بالبنى التقليدية ؛العشائرية والطائفية والاثنية والمناطقية وهذا ما وصلنا اليه.
الحال اليوم واستشراف ما سيحدث
س/ هل ترى كوة في ظلمة الوضع العراقي الان ؟ ما هي احتمالات التغيير وكيف يمكن ان يتم الحراك (ملاحظة مهمة ،هذه المقابلة تمت قبيل اندلاع الحراك والمظاهرات التي تشهدها مدن العراق اليوم)
ج/عندما تكون اصوات المدافع عالية فلن يسمع اي صوت عدا اصوات المدافع ،لكنها عندما تهدأ وتبدأ تسمع الحوار ،عندها نستطيع القول اننا ابتدءنا بالحل ،هنالك اليوم نتف او نطف هنا وهناك وسط الشيعة ووسط السنة رافضة لما يحدث ،هي تعبر عن تطلعات الطبقة الوسطى ،هي الان صامتة لكنها ليست خرساء ، ولأعطيك مثالا ، فقد انطلقت مبادرة على صفحات التواصل الاجتماعي شعارها (انا لست شيعيا ،انا انسان) جمعت خلال اسبوع واحد اكثر من (37)الف توقيع،وهذه الحملة لا تعني ان المشاركين غير مؤمنين او رافضين لمذاهبهم ولكنها ترفض اقصاء الاخر على اساس طائفته ،اليوم هنالك شريحة كبيرة من شباب الشيعة بلا عمل ولا امل والحكومات التي تحكم من المفترض ان تكون معبرة عنهم ،لكن الواقع المزري والتردي الامني والخدمي والاقتصادي بسبب انتشار اسوء احوال الفساد هو واقع هذه الحكومات ،المشكلة الحقيقية في العراق هي تسيس الطائفية ،وهناك فرز جميل في العراق اذ يتم التمييز بين المذهبية والطائفية ، فالاولى تعني الجانب الروحي والديني والثقافي بينما المصطلح الثاني يعني تسيس المذهب وتحويله الى كيان عنصري وهذا هو السبب في الوضع العراقي المتردي .
الحكومة لا تقدم حلولا في هذا المجال الان وايضا تحتكر الاقتصاد ،هذا الاحتكار الذي ليس له مستقبل ،وتغلق الابواب بوجه اقتصاد السوق، الاقتصاد الحر الذي يمكن ان يسهم في علاج المشاكل الاقتصادية ، ولنأخذ مثالا على ذلك ،في الثمانينات كان تعداد موظفي الدولة قرابة المليون عندما كان تعداد السكان قرابة العشرين مليون ،اليوم السكان اصبح تعدادهم حوالي الثلاثين مليون اي زيادة 50% بينما جهاز الدولة تضخم الى خمسة ملايين اي بزيادة 500%، ماهو الحل من وجهة نظر القائمين على الحكم ؟الاعتماد على ريع البترول ؟ هاهي اسعار البترول تنهار ونحن ازاء كارثة اقتصادية حقيقية .
الاحتكار السياسي والتحديات الامنية والفساد والنمو السكاني ،وظهور جيل لم يعيش في ظل حكم صدام حسين وبالتالي ليس له علاقة بتظلمات الماضي ،هذا الجيل يطالب بالعيش الكريم في بلد يمتلك امكانات وثروات كبيرة ،هذا الجيل مختلف من ناحية توفر التقانات الحديثة ،جيل كوني او عولمي يرى ما يحدث في العالم عبر وسائل الاتصال الحديثة ،كل ذلك يجعل مأزق الحكومة كبير اليوم ،انا اتوقع حدوث انفجار كبير ، وهنالك بعض الرسائل التي أبتدأت بالظهور ،فقبل اربعة ايام قتل شاب في البصرة كان خارجا في مظاهرة ضد سوء الخدمات ،كما اننا يجب ان لاننسى ماحدث في مظاهرات 2011 م تماهيا او تأثرا بما حدث في الربيع العربي ، انا ارى ان كل ذلك يمثل تشكلات لحراك قادم لا مفر منه ،اليوم هنالك اضرابات عمالية وطلابية من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب ،هذه كلها تمثل بروفات صغيرة للتغير الكبير القادم .
( إجري الحوار في 20 تموز/يوليو قبل انطلاقة حركة الاحتجاج في الأول من آب الماضي- سؤال أخير في 4 ايلول/سبتمبر الجاري)
○ ما تقييمك لحركة التظاهرات الواسعة؟
• من جديد أخطئ التقدير. كنت أظن ان الحركة ستنفجر خلال خمسة أعوام أو نحوها.
باختصار شديد إنها إعلان مدوي عن فشل الإسلام السياسي الشيعي والسني، وبداية تفكك خطاب تسييس الهويات المذهبية، التي هي في الأصل هويات ثقافية. لقد نجح الإسلام السياسي في هذا التسييس بل والعسكرة الجماهيرية للهويات الطائفية على مدى 13 عاما عجاف، وهو بطبيعة سياساته أعمل معول الهدم في هذه الهوية.
الحركة تجري في كل المحافظات الشيعية ومحافظتين مختلطتين. وإذا أردنا استخدام الرطانة الطائفية نقول ان المجتمع الشيعي يتمرد على الخطاب الطائفي وينقل النشاط والوعي السياسي من سياسة الهوية إلى سياسة القضايا، وان استمرار الحركة من شأنه ان يعمق الهوة بين سواد المجتمع والنخب السياسية حاملة الخطاب الطائفي الذي تحول من رداء أنيق إلى اسمال مهلهلة. الشعار الرئيسي يعبر عن ذلك أفضل من كتابة مجلدات: بأسم الدين سرقونا الحرامية!
وبإزاء حركة الاحتجاج ثمة كتلة بقيادة المالكي وحلفائه هادي العامري وقيس الخزعلي يعدون العدة لحركة مضادة للاستيلاء على السلطة بقوة السلاح.
صادق الطائي