استضافت مؤسسة الحوار الانساني بلندن د. حميد الكفائي في أمسية ثقافية يوم الاربعاء 28 آب/اغسطس 2019، وقد سلط فيها الضوء على المعوقات الثقافية التي تقف في طريق تقدم المجتمع وطرح رؤيته لوضع حلول لهذه المعوقات. حميد الكفائي كاتب وأكاديمي عراقي، حاصل على شهادة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في العلوم السياسية والاقتصاد من جامعات لندن وويستمنستر وأكسيتر. عمل محاضرا في العلوم السياسية والاقتصاد السياسي والادب العربي والإسلام والحداثة في جامعات بريطانية. عمل صحفيا وخبيرا ومديرا في مؤسسات دولية بينها بي بي سي والأمم المتحدة وأم بي أن. تبوأ مناصب حكومية في العراق بعد سقوط الدكتاتورية. يكتب المقالات في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة في اللغتين العربية والإنجليزية منذ 30 عاما. يشرف حاليا على تقييم الأبحاث والمقالات الأكاديمية في مؤسسة دولية للأبحاث العلمية. آخر مؤلفاته كتاب (فشل الديمقراطية في العراق) ورواية (عابر حدود). التقدم وكيفية قياسه اشار د. حميد الكفائي انه يرى ان يبدأ محاضرته بتعريف التقديم وآلياته كمدخل مفاهيمي للموضوع: ويمكن القول ان التقدم هو القرب من المستقبل ، وان التقدم يصنعه العمل والإبداع، فكلما تطور العمل وازداد الإبداع تحقق التقدم. كما إن خصوم التقدم يمكن تحديدهم بأنهم المرتبطون بالماضي، مهما كانت مبرراتهم لهذا الارتباط، وهم المتقوقعون في الحاضر دون تفكير بالمستقبل؛ مهما كانت مبرراتهم لهذا التقوقع. وان المبررات لهذا التقوقع مختلفة ويمكن القول إن أقواها هي الاسباب الدينية والقومية والتقليد والتميز الثقافي وعدم التبعية والقبلية والطائفية والمناطقية، لكنها في حقيقة الامر كلها تتمحور حول نقطة جوهرية هي الخوف من المجهول والارتياح للمألوف. ان الحرية الفردية تعد من أهم شرط التقدم، فلا يمكن أن يتحقق الإبداع الذي يصنع التقدم إن كان المرء خائفا من ممارسة حريته، وان قمع الحريات له أسبابه أيضا، فظاهرها المحافظة على التقاليد والتقيد بالدين وضرورة عدم تحدي المجتمع، لكن حقيقتها هي الضيق بالرأي الآخر والسلوك الآخر ورؤية غير المألوف. وان أخطر الاسباب هي ممارسة العنف الكائن في النفوس لأسباب هورمونية أو جينية أو ثقافية، وان السلم واحترام الحياة والكرامة الإنسانية هي أهم القيم التي يجب أن يقدسها بنو البشر وكل شيء آخر عدا ذلك ممكن ان يخضع للنقاش. تعريفات الثقافة الثقافة في العالم الغربي تأتي من النمو (Colere) والمصطلح كان مرتبطا بشكل ما بالزراعة، بينما في العربية يأتي جذر الكلمة من التشذيب والصقل وإزالة الشوائب التي تعني هنا الجهل. وهي أيضا تعني العثور أو الحصول على الشيء. وهناك تعريفات كثيرة للثقافة في اللغة العربية. ومفهوم الثقافة يختلف عربيا عنه غربيا أو شرقيا بحكم اختلاف الثقافتين. لذلك لا يمكن تقييم الثقافة بحيادية لأن أي تقييم لابد أن ينطلق من قاعدة ثقافية معينة، أي أنه هو إجراء مستند إلى خلفية ثقافية. وقد استخدم الشاعر الإنجليزي ماثيو ارنولد مصطلح الثقافة للإشارة إلى مُثُل التهذيب الإنساني وعرّفه بشكل مختصر بأنه (أفضل ما قيل وما انتجه الفكر البشري في العالم) وقد وضع آرنولد الثقافة مقابل الفوضى بينما وضعه مفكرون غربيون آخرون بينهم هوبس وروسو مقابل الطبيعة. كذلك نجد ان هربرت سبنسر ولويس هنري مورغان وضعا نظرية الداروينية الاجتماعية، أو نظريّة التطوّر الثقافي بمعنى أن مفهوم الثقافة يتطور بمرور الزمن. ويمكن ان نقسم الثقافات العالمية الى : الثقافات الغربية (أوروبا وأمريكا) الثقافات الشرقية (الصين واليابان وكوريا والهند) الثقافات اللاتينية (امريكا الجنوبية المتحدثة بالأسبانية والبرتغالية) الثقافات الشرق أوسطية الثقافات الأفريقية وان هناك مكونات عديدة للثقافات منها المناخ والغذاء واللغة والأديان والتفاعالات الإنسانية السياسية والاقتصادية والأدبية كلها تساهم في صنع الثقافة . وقد انشأت منظمة الأمم المتحدة منظمة اليونسكو من أجل تناغم الثقافات العالمية وتقاربها. ويمكن القول ببساطة ان الثقافة هي اكتساب المعارف في كل اتجاه والسعي نحو الامتلاء المعرفي والكمال السلوكي… واستخدام المعارف في شؤون الحياة العامة، لكننا اليوم بصدد تعريف محدد للثقافة ألا وهو: السائد من العادات والممارسات والمعارف والسلوكيات في المجتمع. نظريات علم الاجتماع في قياس الموقف ونبدأ مع نظرية التوازن Balance Theory لفريتز هيدرFritz Heider : ترتكز هذه النظرية على كيفية بناء العلاقة بين ثلاثة أطراف، الأول في أعلى الهرم والثاني في يساره، والثالث، وهو عادة موضوع أو قضية، في يمينه كما هو موضح في الشكل : تصور أنك في A وصديقك في B والقضية التي تؤيدها، في C: والعلاقة A-B و A-Cموجبتان، لكن العلاقة بينB و C سالبة. +X+X-=- والعلامة السالبة يعتبرها هيدر عدم توازن في العلاقة وهذه تقود إلى تعاسة وضغط نفسي وعدم ارتياح. وعدم الارتياح يدعو الشخص إلى تقليص الاختلال في التوازن عبر تغيير الموقف من القضية التي يؤيدها فتصبح لديه علاقاتان سالبتان وأخرى موجبة وعندما تضربها ببعضها تكون النتيجة موجبة. إذ ان الإنسان بطبيعته يسعى دائما إلى التخلص من الضغوط النفسية التي يسببها اختلال التوازن في العلاقات وذلك من خلال تغيير مواقفه وتبني المواقف التي تجعله سعيدا او تحقق له طموحاته أو مصالحه. النظرية الأخرى هي نظرية الانسجام Congruity Theory: وهي تشبه نظرية التوازن لكنها أكثر دقة لأنها تضع قيما رياضية للاتفاق والافتراق عن القضايا والأشخاص وتعتمد على مبدأ اختلاف درجة المواقف من القضايا والأشخاص والتقييم يترواح بين +3 و -3. مثال ذلك انك ربما تؤيد بوريس جونسون بدرجة +2 لكنك لا تنسجم مع موقف مغادرة أوروبا الذي يتبناه بدرجة -3 وعندما تجمع 3- 2=-1 فإنك في النتيجة ستعارض جونسون. اما نظرية التناشنز المعرفي لليون فستينجر Cognitive dissonance : فهي نظرية تشير إلى التناقض في مواقف الإنسان ولجوئه إلى تبني موقف نقيض للمعلومات المتوفرة لديه لتبرير أفعاله المتناقضة. (المايلوح العنب)، كما ان المدخن مثلا يعرف أخطار التدخين ولأن من الصعب عليه أن يقلع عنه، فإنه يحاول أن يقنع نفسه بأنه غير ضار فيجد مصاديق لذلك مثل أن فلان عمره 80 سنة ويدخن ولم يصب بالسرطان ، وان تغيير القناعات هو السبيل الوحيد لتبرير التناشز بين المعرفة والتطبيق المناقض لها. ان علماء الاجتماع حددوا ثلاثة مكونات تدخل في قرارات اتخاذ المواقف وهي: معرفي (cognitive): يتعلق بمعرفة الشخص ومعلوماته عاطفي (affective): يتعلق بعاطفة الشخص وهواه دون مبرر عقلاني سلوكي (conative): وهو الميل السلوكي أو الرغبة للقيام ببعض الأفعال وليس بالضرورة الإقدام على القيام بها. وعليه يمكننا تحديد معوقات التقدم بالعوامل الاتية: اولا- الموقف من العمل: ان التقدم لا يحصل دون ثراء والثراء لا يأتي دون عمل ، وان هناك ميل عند المجتمع العراقي للراحة والقناعة بالقليل، كما ان هناك استنكاف أو ترفع من أداء بعض الأعمال مثل التنظيف بينما هي من أهم الوظائف. كذلك هناك من يرفض أن يعمل إلا في اختصاصه ويبقى عاطلا لسنين إن لم يحصل على الوظيفة التي (تليق) به. ومن المعروف ان ليس عيبا أن يعمل المرء في أي مجال، وان هناك عظماء عملوا في مجالات يعتبرها المجتمع واطئة.. العيب أن يبقى الفرد عالة على المجتمع. كما يجب ان نفهم ان العمل ليس فقط في الوظائف، بل هو النشاط في كل الاتجاهات، العمل في البيت او الحديقة أو إصلاح الأجهزة وإدامتها أو تنظيف السيارةأو تنظيف الشارع كلها نشاطات نافعة، وان كل هذه النشاطات توفر المال وتديم عمر الأجهزة والأدوات وتزيد المرء ثراء وكفاءة وتنفع المجتمع. يجب أن يسعى الانسان طول الوقت من أجل أن يعمل، واننا للأسف لدينا ميل لأن نتوقف عن العمل لأي سبب بل نبحث عن الأسباب التي تبرر لنا التوقف عن العمل ومالم يتغير موقفنا من العمل لن نتمكن من اللحاق بالأمم الأخرى المنتجة العاملة. وانا لا أقول إن كل الناس هكذا ولكن بالتأكيد هناك نسبة كبيرة منا يتصرفون هكذا، لأسباب ثقافية، وان هذا الامر ليس في العراق فحسب بل في بلدان عربية أخرى. ثانيا – الموقف من المرأة: ان المرأة هي أساس العائلة وأهم لبنة في المجتمع، كما انها أهم بكثير من الرجل وأقوى من الرجل وأكثر إنسانية وهدوء ورصانة. وان كل الجرائم والحروب والسرقات وأعمال العنف يقوم بها رجال وليس نساء، ومع ذلك تتحمل المرأة في مجتمعاتنا كل أوزار الخرافات والعصبيات والجهالات، وان شرف الرجل والعائلة والعشيرة مرتبط بالمرأة، علما أن دور المرأة في المجتمع محدود كي تكون مسؤولة عن الشرف. وذلك لان هناك هوس عند كثيرين من حرية المرأة وكأنها إن نالت حريتها فسوف تنشر الإباحية والتفسخ والرذيلة. ويمكننا ملاحظة عدم السماح للمرأة أن تحب أو تقيم علاقة عادية، وانها غير مسموح لها أن تعمل في أي مجال (عند كثير من العائلات)، وغير مسموح لها أن تخرج أو تسافر دون رقابة حتى عند العائلات غير المحافظة. هذا الهوس غير مبرر بل هو حالة مرضية وموجود حتى عند من يسمون أنفسهم متحررين وليبراليين. ان المرأة بطبيعتها تعادي الإباحية بل وتناهض تعدد العلاقات، وهي انتقائية في خياراتها، بينما الرجل عشوائي في اختياراته. وان كل مطلِّع يعرف بأن المرأة بعيدة كل البعد عن هذه الأمور، وهذه قضية علمية، وهذه قضايا ثابتة علميا وليست آراء شخصية. لها علاقة بهورمونات تستوترون الذكرية والاستروجين الانثوية وما تؤدية من انعكاسات على سلوك الانسان. وإذا لم تتعلم المرأة، فسيبقى مجتمعنا متخلفا، وإن لم تلعب دورا رئيسيا، فسيبقى رجال كثيرون يحتقرون المرأة ويعتبرونها كائنا ثانويا، بينما العكس هو الصحيح. كما يجب أن نثقف أنفسنا في قضايا المرأة فهناك إهمال شديد حتى بين المفكرين والمثقفين في قضية فهم المرأة. وان هناك الآن مشروع يقوم به الاتحاد الأوروبي مشكورا لترجمة كل ما كتب عن المرأة وحركة النسوية (Feminism) إلى اللغة العربية، وتضطلع بهذا المشروع الجامعة الأمريكية في العراق، ونأمل أن يساهم هذا المشروع في رفع مستوى الوعي بخصوص قضايا المرأة. لان لا تقدمَ يمكن ان يحصل في المجتمعات دون تبوء المرأة المكانة التي تستحقها بجدارة باعتبارها صانعة الحياة ومربية الأجيال وزارعة الجمال والهدوء والعقل والرقة والحنان والإنسانية. ثالثا- غياب الفردانية : يمكن ان نعرف الفردانية بأنها تمتع الفرد بحريته في أن يسلك ويتصرف حسب رغبته وليس حسب رغبة المجتمع، وهي عامل يساعد الفرد على الحصول على السعادة وتجعله منسجما مع نفسه ومنتجا وفاعلا، وتزيد جرعة القيم الإنسانية لديه، على العكس من القمع والقسر الذي ينمي الازدواجية والنفاق. كما يمكن ان نلاحظ في مجتمعاتنا ان الفرد مضطر لأن يراعي في سلوكه ومعتقداته رأي المجتمع وعاداته ومعتقداته التي تتدخل في كل صغيرة وكبيرة! وإلا فإن المجتمع ينبذه إن شذ عنه في أي تصرف أو سلوك، حتى وإن كان بسيطا… وان البعض يستنكر مثلا حتى ركوب الدراجة الهوائية لغير الشباب ! أو الجري في الشارع من أجل تنشيط الجسم. لا يستطيع المرء أن يفعل الأشياء التي تلائمه وتسعده إن كان المجتمع يعارضها، لذلك سيشعر بالتعاسة وتراكم التعاسة والإحباط يُلجِئان المرء إلى أمور أخرى. وان تنوع السلوك والعادات وأنماط الحياة يعزز الحيوية في المجتمع وينمي الاقتصاد ويزيد الثراء ويشيع السعادة والوئام والتسامح ويقلص العنف. رابعا- انتشار العصبيات: العصبيات تحد من الوئام بين الناس وتقلص حرية الأفراد وتنقل التركيز من الأمور المهمة إلى قضايا ضارة وغير مهمة. فنحن نصوت لشخص لأنه شيعي أو سني أو مسيحي أو كردي أو تركماني بغض النظر عن مواصفاته الشخصية وقدرته على خدمتنا، ونوظف شخصا لأنه ابن منطقتنا أو من أقاربنا بغض النظر عن كفاءته واستحقاقه وقدرته على الخدمة. ونشتري من فلان لأنه ابن طائفتنا أوديننا بغض النظر على جودة منتجاته، هذه العادات قبيحة وضارة كليا ويجب أن يقنع المرء نفسه أولا بأن الإنسانية قيمة عليا ويجب أن يرقيَها دائما وأن عليه أن يفعل الشيء الصحيح بغض النظر عن الاعتبارات الأخرى. وقد ورد في القرآن الكريم (ولقد كرمنا بني آدم)… يعني الإنسان، مجردا من دينه ولونه وطبقته ومنطقته وثروته وعلمه وحتى أخلاقه، هو مكرم . خامسا – قدسية العادات : هناك عادات ضارة (أو غير مفيدة) ومبدِّدة للوقت لكنها أصبحت مقدسة، فمثلا المشي سيرا على الأقدام إلى المدن المقدسة الذي يتسبب بإغلاق الشوارع والمحال التجارية والدوائر الخدمية والانتاجية لأيام طويلة في بعض المواسم ، هذه العادة تُفقِد البلد أياما طويلة من العمل المفيد. وعندما يتعطل البلد لشهر في السنة بسبب هذه العادات فإن البلدان الأخرى تتقدم بينما العراق يتأخر، وان الامر المقلق هو ربط هذه العادات بالدين أو المذهب. ويمكننا ان نلاحظ ان الكثير من الصراعات الدموية نشأت بسبب (انتهاك) قدسية العادات. مثال ذلك ان احدى الجماعات المسلحة هاجمت شركة أجنبية وضرب أفرادُها موظفي تلك الشركة وكاد أحدهم أن يموت لأنهم أنزلوا (علما أسود) وضعه أحد العمال العراقيين فوق مبنى الشركة. وان الحكومة العراقية صمتت صمت القبور على هذه الجريمة التي كان يجب أن يُعاقَب مرتكبوها بأقسى العقوبات لأنهم اعتدوا على شركة تنتج أهم مادة يعيش من ريعها العراقيون ألا وهي النفط ودون مبرر قانوني أو أخلاقي. ان إقامة العزاء على الميت لثلاثة أيام وإنفاق ملايين الدنانير وقبلها إشغال الناس بالذهاب إلى النجف بمئات السيارات خلف الجنازة متسببا في عشرات الحوادث ومئات الموتى والجرحى، فهي اذا عادة ضارة. كذلك من العادات الضارة ضرورة أداء (الواجب) تجاه الآخرين في كل المناسبات (رمضان، عيد، حج، مرض، سفر الخ) وإن لم تفعل فإن أصدقاءك يقاطعونك لأنك لم تقم (بالواجب). ان الممارسات الاجتماعية جميلة، وان التواصل نافع وممتع، لكن إن أصبحت شرطا وواجبا وعائقا أمام القيام بنشاطات مفيدة أخرى، حينها تصبح عبئا ثقيلا على ممارسيها وتكون ضارة على الأفراد والمجتمع بالإضافة إلى كلفتها الاقتصادية. سادسا – الإنجاب غير المحدود: ان كثرة الأطفال تقلص فرص تربيتهم بشكل صحيح، وتجعل العائلة فقيرة لأنها تضطر لأن تنفق ما لديها من موارد على الحاجات الأساسية وتهمل التعليم والتربية الصحيحة، وتؤثر على تربية الأطفال وثقافتهم وأدائهم ووضعهم النفسي، إذ ان لا وقت للأبوين للإهتمام بهم جميعا. فلا وقت للأبوين أن يهتما بهم جميعا، وان الإهمال يدمر نفسية الطفل تدميرا ويجعله عضوا غير فعال في المجتمع إن لم يحول إلى عنصر هدام. ومع كثرة الأطفال فإن اهتمام الأبوين بهم سوف يتقلص وسوف يتركز فقط على المرضى وأصحاب المشاكل. بينما إنجاب عدد أقل من الأطفال سيمكن الأبوين من العناية بهم وتربيتهم بشكل صحيح ومساعدتهم على الدراسة وحل مشاكلهم والإنفاق عليهم. وان زيادة عدد السكان يزيد المجتمع فقرا ويضع المزيد من الضغوط على الخدمات والموارد، لهذا سعت البلدان المختلفة لأن تبقي أعداد سكانها متوازنا . سابعا- تبديد الوقت بغير المفيد: ان أثمن شيء عند الإنسان هو الوقت، وفي هذا الزمن تحديدا لا يتحمل المرء أن يضحي بأي جزء من وقته حتى لو كان يسيرا، فالوقت، في العراق تحديدا يُبَدَّد دون ضرورة، مثال ذلك المناسبات الاجتماعية التي لها أول وليس لها آخر، والمناسبات الدينية التي لها أول وليس لها آخر والتي باتت تزداد كل يوم، فالتشييع والفواتح والمناسبات الدينية تستغرق من الفرد أياما وليالي وتعطله عن عمله وواجباته المهمة الأخرى. ومرة أخرى نقول، إن كان المجتمع العراقي ينشغل بغير المفيد، بينما تنشغل الشعوب الأخرى بالمفيد كأن تتعلم مهارات وعلوم وتعمل وتنتج وتبني وتعمر، فإن المجتمع العراقي سوف يتأخر وسوف تزداد الهوة بينه وبين المجتمعات الأخرى. فهل هذا ما نريده لمجتمعنا؟، ان النقد هنا بالتأكيد يوجه إلى الاستغراق والغلو وليس إلى المشاركات العقلانية وتنمية العلاقات الاجتماعية والترفيه عن النفس من خلالها. ثامنا- التقليد وقلة الابداع: كذلك يمكن ان نؤشر ضمن معوقات التقدم مسألة تقليد الآخرين من جيران أو أقران أو أقارب بدلا من التركيز على الوضع الخاص للشخص أو العائلة، فكل عائلة لها وضع خاص، بل كل فرد له وضع خاص ولا تنطبق عليه ظروف العائلات الأخرى لذلك فإن التقليد ضرر كلي. ان الاهتمام بنشاطات الآخرين الخاصة ومراقبتهم وتتبع أخبارهم بدلا من الاهتمام بالنفس وترك الآخرين يعيشيون حياتهم كما يريدون ، كما ان (الغيرة) من نجاح الآخرين تضر الفرد والمجتمع وهي لا تجدي نفعا… للأسف تجد احدنا مهموما لأن فلان ناجح ولأن فلان كان كذا والآن اصبح كذا. ان النجاح يجب أن يسُر الجميع وعلى الإنسان أن يفرح عندما يرى شخصا ناجحا، وان هذا الشيء يجب أن يسعد الناس جميعا، لأن فشل الفرد سينعكس سلبا على المجتمع الذي هو مجموعة أفراد، وإن ازداد عدد الناجحين اصبح المجتمع ناجحا، لذلك يجب تشجيع النجاح والإشادة بالناجحين وتشجيع الطموح بدلا من البحث عن المثبطات ونشرها، كما ان كثرة الأخبار السيئة المختلقة حالة مرضية سائدة حاليا. تاسعا- الإيمان بالخرافات: ان الإيمان بالخرافات بالتأكيد لن يقود إلى نجاح أو تقدم، وان انتشار الأضرحة الوهمية ونشر الأكاذيب بخصوص وجود كرامات لهذا الضريح أو ذاك مثال حي على ذلك، إذ ترى الناس تتكالب عليه وتقدم له النذور طلبا للشفاء او التوفيق، فهناك بئر فيه مياه تشفي المرضى، وهناك كشاف ينبئك بالمستقبل، وهناك سيد يداوي الناس بمجرد البصاق عليها وهناك (كاروبة) مقدسة وهناك وهناك… كما ان هنالك اليوم مراكز تقدم العلاج للناس عبر الأدعية والتعاويذ وهي موجودة ومنتشرة حتى في العاصمة بغداد، وهذا نصب واضح على الناس والحكومة صامتة ازائه، وكما هو معلوم، فالشفاء يحصل فقط عند تشخيص المرض أولا وتناول الدواء الناجع ثانيا، وان التقدم يحصل بالعلم والعمل وليس بالترجي والدعاء. عاشرا- الاهتمام بالشهادة وليس بالتعلم: بالتأكيد انه شيء جميل أن يحصل المرء على شهادة تشير إلى نجاحه في دراسة ما، ولكن التأكيد يجب أن يكون على التعلم والنجاح لا على الشهادة. لكن بات مجتمعنا يقيم وزنا للمظاهر وليس للحقائق والنجاحات، فقد تحول هم الإنسان إلى اكتساب ورقة يعلقها على الحائط لأسباب اجتماعية بحتة للبرهنة على أنه بلغ مستوى معينا من التعلم، أو لتقديمها لدائرته كي يحصل على زيادة في الراتب، ولا يهم أن كان جاهلا في الموضوع الذي يحمل شهادة فيه. ولهذا السبب كثرت الشهادات المزورة، إذ بتنا نرى ان بعضنا يتوقف عن طلب العلم بمجرد حصوله على الشهادة، وهنا تكمن الكارثة، وكما الطبيب يحتاج لأن يطلع على آخر المستجدات في مجال تخصصه، فإن كل أصحاب الشهادات يحتاجون لمواصلة طلب العلم ومتابعة المستجدات في مجالات تخصصهم خصوصا بعد تخرجهم. أحد عشر- عادات مضرة بالصحة: ان التدخين السائد في العراق هو من أسوأ العادات الضارة بالمجتمع ككل حتى بالنسبة لغير المدخنين الذي يضطرون لأن يستنشقوا هواء ملوثا، إذ إن الملوثات كثيرة من حولنا، لكننا مع ذلك نحرص على شراء التلوث باموالنا. ففي الغذاء، نجد ان معظم طعامنا غير صحي ومسمن لأن أكثره مقلي بالزيت الحيواني الذي يضر الصحة. وقد تغيرت عادات الناس الغذائية وتغيرت الأطباق في العالم، بينما نحن مازلنا نصر على أطباقنا السابقة نفسها دون الانتباه إن كانت صحية أم لا. وان الجمع بين الكاربوهيدرات، مثل الرز والخبز والمعكرونة والبطاطا من سمات طعامنا اليومي، وهو طعام غير صحي ، بينما الغذاء الصحي يقود إلى حياة سعيدة خالية من الأمراض والمنغصات، وان الحياة السعيدة دائما تقود إلى نجاحات، فالنجاح يقود إلى تقدم في حياة الفرد، والمجتمع يتقدم عندما يتقدم افراده ويكونون أصحاء سعداء منتجين متعاونين وليسوا تعساء مرضى طفيليين يحسد بعضهم بعضا. ثاني عشر- الهوس بالموت: نجد ان هنالك الكثيرين من المهووسين بالتفكير بالموت والآخرة، وان مثل هذا التفكير يقتل الطموح ويجعل الإنسان تعيسا، والغريب أن هناك رجال دين، وربما بحسن نية، لا هم لهم إلا تذكير الناس بالموت والعذاب. ان التركيز يجب أن يكون على الحياة والعمل والسعادة والحب والأمل، وان الموت سيحصل بالتأكيد إن فكرت به أو لم تفكر، لكن التفكير به يقتل الحياة ويقتل السعادة ويقتل الأمل، وقد سُئل السياسي البريطاني دنيس هيلي، وكان حينها بعمر 95 (مات بعمر 98) إن كان يخشى من الموت فقال أبدا… ان الموت سوف يأتي في وقته ولن أفكر به قبل أن يأتي. دور المؤسسات في الإصلاح وفي تقدم المجتمع للمؤسسات الرسمية الحكومية والمجتمعية دور كبير في عملية النهوض بالمجتمع وتوفير سبل التقد فيه ، ويمكننا ان نؤشر على بعض هذه المؤسسات ودورها في التنمية المجتمعية : وزارة الثقافة: يجب ان تقوم بفعاليات مثل دورات ثقافية دورية مكثفة في كل المحافظات لمن يرغب من المواطنين، وإجراء مسابقات هادفة ومدروسة مستمرة، وتحفيز المبدعين والناجحين والمتميزين بان تقدم جوائز للمتفوقين والمبدعين، وتسعى لتنظيم المهرجانات وتركز على تشجيع الإبداع وإبرازه وترقيته، والقيام برحلات للمبدعين وصناع الرأي العام للإطلاع على الابداع في دول العالم. وزارة الشباب: ومن مهامها رعاية المباريات الودية المحلية والعالمية وتشجيع الرياضة بكل صنوفها، وتنظيم سفرات للرياضيين وصناع الرأي للإطلاع على ما يجري في العالم، وكذلك تنظيم دورات ثقافية للشباب بحسب ضوابط ومعايير محددة لتشجيع العلم والثقافة والانفتاح، و تقديم حوافز للمستحقين والمجتهدين، وتقديم جوائز للمتفوقين والمبدعين. وزارة التربية: إن تغيير المناهج بما يتلاءم مع تشجيع العمل والإنتاج واحترام المرأة له دور فعال في تقدم المجتمع، وانتدريب المعلمين والمدرسين على طرق التدريس الحديثة ومغادرة الطرق القديمة الضارة يعد علامة بارزة في تخطيط عملية التقدم، كما يجب العمل على تقديم الحوافز للطلاب المجتهدين والمبدعين وأصحاب الابتكارات المتميزة، ويجب تنظيم دورات لزيادة المعرفة والتعريف بآخر النظريات في مجال التدريس، والقيام بتنظيم سفرات للطلاب للتعريف بحضارة العراق وآثاره ومساهماته في الحضارة العالمية. وزارة الداخلية: يجب ضبط تصرفات رجال الشرطة ومعاقبة المتجاوزين منهم على الناس والحقوق العامة، وتثقيف الشرطة كي لا يتدخلوا بالتصرفات الفردية غير الضارة للأفراد، وتعديل اللوائح والضوابط التي تتدخل في القضايا الشخصية وسلوكيات الأفراد، وتقديم مشاريع قوانين للبرلمان من شأنها أن تجعل العراق بلدا متسامحا وواسعا لكل أبنائه. وزارة الصحة: ولها دور كبير يتمثل في إقامة دورات ثقافية حول الصحة والغذاء الصحي والتركيز على الوقاية، كما يجب زيادة الرواتب والمكافآت والحوافز للأطباء والممرضات والممرضين وتشجع الأطباء في الخارج على العودة عبر تقديم رواتب ومكافآت مجزية. وثقيف الناس حول مضار الأدوية والخلط بينها ومراقبة أداء الصيدليات، وللبرامج التلفزيونية دورا مهما في التثقيف باهمية الإسعافات الأولية والتعامل مع الأمراض المفاجئة ومراقبة أداء المستشفيات ومكافأة المجتهدين والمبادرين من الكادر الصحي. كما يجب حماية الأطباء والكوادر الصحية من الاعتداء والنزاعات والصراعات والدعاوى العشائرية .