عدنان حسين أحمد
بالتعاون مع مؤسسة الحوار الإنساني بلندن نظّمت جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين في بريطانيا معرضاً للتصوير الفوتوغرافي المفاهيمي الأول تحت عنوان “رسائل مصورة” شارك فيه ثمانية عشر مصوراً عراقياً وعربياً وهم الرائد ناظم رمزي، رشاد سليم، حسين السكافي، زينب الفكيكي، زيسم الدليمي، ليلى الطائي، ليلى الموسوي، زينب الجواري، هالة العقابي، يثرب وليد، باسم مهدي، حسين العلوي، حيدر مازن، خليفة العبيدلي، ديالا مداح، أسمهان عليبي، سارة حسني ويوسف عزيز”. يهدف هذا المعرض إلى تسليط الضوء على تجارب الفنانين العراقيين والعرب ومقاربتها مع النتاجات البريطانية في هذا الفن المهم الذي يحتل مكانة كبيرة بين الفنون البصرية التي تمثل أفكاراً ومفاهيم لا تخلو من الرسائل الفنية الهادفة.
وقد اشترطت الجمعية على المشاركين في هذا المعرض مراعاة الجوانب الثلاثة الآتية: “تهيئة الفكرة والموضوع من قِبِل المُصوِّر مُسبقاً، ثم يأتي دور الكاميرا في تصوير اللقطة. والجانب الثاني هو التصرف في الصور الفوتوغرافية من خلال الدمج بين اللقطات أو المفردات المعينة التي يرى المُصوِّر أنها ستخدم الفكرة النهائية. أما الجانب الثالث والأخير فهو إمكانية المصور في إيجاد اللقطة التي تحمل رسالة معينة يُراد إيصالها إلى المُتلقي مثل مَشاهِد الحياة اليومية وما إلى ذلك”.
التصوير المفاهيمي
قدّم المصور الفوتوغرافي والناقد الفني حسين السكافي محاضرة لمناسبة افتتاح هذا المعرض حملت عنوان “التصوير المفاهيمي” قال فيها: “يعتبر التصوير المفاهيمي جزءاً من الفن المفاهيمي حيث يقوم الفنان بصياغة “بيان” يتضمن مفهوماً معيناً يسبق العمل الفني، وحينما يتضِّح هذا المفهوم يقوم الفنان بتنفيذ عمله على ضوء ذلك المفهوم”. أضاف السكافي: “بأن البيان الذي يرافق العمل المفهومي لا علاقة له غالباً بكيفية التصوير أو المادة المصورة حيث تُترك قراءة العمل للمتلقي فهو الذي يقوم باكتشاف الدلالات التي يتضمنها العمل المفاهيمي”. ذكر السكافي: “بأن هذا الفن قد ظهر في نهاية الخمسينات في أميركا وأوروبا ثم انتشر في مختلف أرجاء العالم، واعتبر الفنان الأميركي من أصل لاتيفي ميشا غوردن “1946” من أهم رواد هذا الفن، وقد أبدع في أول صورة مفاهيمية له انضوت تحت عنوان “اعتراف”، وبقي يعمل في هذا الاتجاه بعيداً عن التقنيات الرقمية، فمعظم أعماله هي بالأسود والأبيض وينجزها في غرفة مظلمة”. اقتبس السكافي مقولة مهمة لغوردن مفادها: “هل أوجِّه عدسة كامرتي إلى الخارج، إلى العالم الحقيقي، أم أنني أوجهَّها لداخلي حيث تقبع روحي، وأصنع من عوالمي الخاصة عوالمَ حقيقية رغم عدم وجودها على أرض الواقع”. بهذه الجمل المقتضبة اختصر الفنان الكبير غوردن الكثير من المعاني والدلالات التي تصب في عالم الفن المفاهيمي.
ذكرَ السكافي: “أنّ هناك فنانين آخرين تركوا بصماتهم على الفن المفاهيمي أمثال الفرنسي فيليب هلسمان، وجيمس ويلسون الذي بدأ في منتصف الستينات بشعار الحرية للجميع في الفن والذي أعتبر المدخل الذي ساهم في تحقيق نشاطات فنية متعددة عرفت فيما بعد بـ “المفاهيمية” أو “فن الفكرة”، و سول لويت الذي عرّف الفن المفاهيمي بأنه فن يتضمن العمليات الفكرية، وهو متحرر من المهارة الحرفية لدى الفنان، فالفكرة هي المفهوم، وهي الأداة التي تصنع الفن”. ويتوصل السكافي إلى “أن الفكرة هي التي تعلو على العمل الفني، فتصبح العملية الإبداعية مقرونة بالجدل والتساؤلات”. يعتقد السكافي “أن هناك خلطاً كبيراً بين الفن المفاهيمي والتصوير السوريالي والسبب في ذلك هو الخيط الرفيع الواهن الذي يفصل بين الفنين اللذين لكل منهما خصائصه وأساليبه، وهناك من يعتقد بأن الفن المفاهيمي قد خرج من رحم الفن السريالي”.
الفنان ناظم رمزي
عرّج السكافي في حديثه على الفنان ناظم رمزي “1928” وقال: “أنه من الروّاد المبدعين في فن التصوير الفوتوغرافي، وقد أنجز العديد من الأعمال الفوتوغرافية المتفردة التي يضعها في مصاف الأعمال العالمية، مستثمراً البيئة العادية لكي يضع المتلقي أمام أعمال بصرية مدهشة استمدها من أعماق المدن بكل ما تحمله من مفردات حياتية، ومفارقات معيشية، ومعاناة إنسانية عميقة”. نوّه السكافي إلى “أن الفنان ناظم رمزي قد ذهب إلى مديات أبعد فصوّر العادات والتقاليد من خلال فعاليات شعبية تضج بأجواء فوكلورية، ومناخات ميثولوجية، ومظاهر دينية، ومناسبات وأعياد غاب الكثير منها، لكنها ما تزال حاضرة في ذاكرة الفنان “الضوئية” التي سجّلها بحس فني متفرد، كما ترك بصماته على معظم خارطة العراق الجغرافية والبشرية والاجتماعية، هذا إضافة إلى أعمال أخرى جميلة صوّرها في أكثر من دولة ومدينة خارج العراق مثل مصر، تركيا، لبنان، تشيكوسلوفاكيا، فرنسا وإنكلترا حيث يقيم”. أشار السكافي إلى “أن الفنان ناظم رمزي قد أصدر أكثر من كتاب يتضمن نصوصاً بصرية تؤكد قدراته الفنية، ومكانته الإبداعية، ورسوخ قدمه في عالم التصوير الفوتوغرافي، هذا إضافة إلى تطويره أساليب الطباعة وتحديثها”. أما الكتب التي ذكرها السكافي في محاضرته فهي: “العراق الأرض والناس” الذي صدر ببيروت عام 1989، “العراق لقطات فوتوغرافية لبعض ملامح الحياة في القرن العشرين” والصادر ببيروت أيضاً عام 2009، و “جولتي مع الكاميرا” الذي صدر عن دار الأديب بعمّان عام 2010. اختتم السكافي حديثه بالقول: “إن عدسة الفنان ناظم رمزي تغمر الرائي باللحظة الجمالية الحاسمة التي أجاد فناننا الكبير التعامل معها باقتدار واضح وإبداع متميز”.