لندن / عدنان حسين أحمد –
استضافت مؤسسة الحوار الإنساني بلندن البروفيسور مهنّد الفلوجي في أمسية ثقافية سلّط فيها الضوء على “معجم الفردوس” الذي استغرقه زمناً طويلاً. وقد ساهم في تقديمه وإدارة الحوار بين المُحاضر والجمهور الأستاذ عبد المجيد دزئي. أشار البروفيسور الفلوجي في مُستهَل حديثه بأنّ فكرة معجم الفردوس كانت تراوده قبل “24” سنة حينما وقعت يده مصادفة على كُتيب صغير لمؤلف مصري في تاريخ الطب والجراحة يكشف أنَّ القِرَدة كانت تُشرَّح على ضفاف نهر دجلة ببغداد. إذاً، من شرارة هذا الكُتيّب بدأ اهتمام الفلوجي باستخراج وجمع المصطلحات الطبية ذات الأصل العربي.
يعتقد الفلوجي بأنّ هناك تهميشاً أكاديمياً للتأثير العربي على اللغة الإنكليزية سواء بقصد أو من دون قصد. ويمضي أبعد من ذلك حينما يشير إلى التقرير الرسمي المُعترَف به للكلمات الإنكليزية ذات الأصل العربي التي لا يتجاوز عددها “333” كلمة فقط. يؤكد الفلوجي على ضرورة تضلّع الباحث بالتاريخ ومقابلة النص العربي عندما يتعاطى مع كلمة من الكلمات ذات العلاقة بموضوع البحث.
توقف الفلوجي عند أول المعاجم في العالم وقال إن الألواح الطينية السومرية، المكتوبة باللغتين السومرية والأكدية تعود إلى 2300 سنة ق. م. أما المعجم الثاني فهو “أورو هوبللو” الذي يعود إلى بداية الألفية الثانية ق. م ويضم “24” لوحاً طينياً. أما المعاجم العربية فقسّمها المُحاضر إلى قسمين، المعاجم الخاصة التي لها علاقة بالقرآن والحديث، والمعاجم العامة مثل “كتاب العين” للفراهيدي في القرن الثامن الميلادي، ولسان العرب لابن منظور في القرن الثالث عشر الميلادي، ثم قاموس المحيط للفيروزآبادي في القرن الرابع عشر الميلادي. ونوّه المحاضر إلى أنّ كلمة “قاموس” التي استعملها الفيروزآبادي تعني “البحر العظيم”، لكن الناس اصطلحوا فيما بعد على تسمية كل معجم بالقاموس.
ذكر المحاضر بأن أول معجم إنكليزي قد أُلِّف من قبل روبرت كودري عام 1604، ثم قام صموئيل جونسون بتأليف معجم اللغة الإنكليزية عام 1755م، وأصبح نواةً لمعجم أكسفورد الذي طُبع عام 1884. وهذا يعني من وجهة نظر المحاضر أن اللغة الإنكليزية متأخرة عن اللغة العربية ومعاجمها، ومن هنا جاءت أهمية صدور معجم الفردوس بجزأيه الأول والثاني ليكشف عن منافذ التسرّب والتأثير للكلمات العربية على اللغة الإنكليزية. يضم الجزأ الأول خمسة فصول باللغتين العربية والإنكليزية، بينما يضم الفصل الثاني توطئة المعجم وألفبائه.
توقف المحاضر في الفصل الأول عند المخزون الهائل من الأسماء والنظائر مثل”السيف، الأسد، الكلب والعسل” وقال بأنّ لبعضها ألف اسم مثل السيف. أما مراحل الحُب فتبلغ في العربية “12” مرحلة وهي “الهوى، العلاقة، الصبابة، العشق، الكلف، الشغف، الغرام، الجوى، التبتل، التتيّم، التدليه والهيام”. ثم أورد المحاضر كلمات عربية لا نظير لها باللغة الإنكليزية أو باللغات الأخرى منها “تيمّم، فقه،عورة، عرض، حسنة، سيئة، حِسبة، حلال، حرام”. كما أثبت المحاضر أن اللغة العربية هي لغة إنسانية “فلا غرابة إذاً حينما تسمّي المنهوش سليماً، والأعمى بصيراً، والبريّة مفازة، والمجنون مطبوباً، والغراب حاتماً”.
قدّم الفلوجي معلومات شيّقة عن عدد الكلمات في أربع لغات عالمية معززة بالمصادر، إذ قال إن المعجم الروسي يحتوي على “130,000” كلمة وتعتبر شحيحة بكل المقاييس، بينما يحتوي المعجم الفرنسي على “150,000” كلمة، أما المعجم الإنكليزي الذي يفاخرون به فيضم من400,000″ إلى “600,000” كلمة كما يذهب روبرت كلَيبورن في الصفحة الثالثة من كتابه “حياة وعمر اللغة الإنكليزية” الصادر عام 1990، أما معجم اللغة العربية فيحتوي على “12,302,912” كلمة كما يؤكد شوقي حمادة في معجم عجائب اللغة. خلص الفلوجي في هذا الفصل إلى أن العربية هي لغة كونية “لنغوا فرانكا” وهي محمية من قبل الله سبحانه وتعالى. كما ذكر بأن الأمم المتحدة قد اعترفت باللغة العربية كلغة ثالثة بعد الإنكليزية والفرنسية، ثم أضيفت الصينية والروسية والإسبانية لتصبح ست لغات للتداول العالمي.
وصف الفلوجي اللغة الإنكليزية بأنها بوتقة انصهار اللغات الأوروبية. وذهب أبعد من ذلك حينما أراد تحديد ماهية اللغة الإنكليزية، فقال إنها هوية سياسية متغيرة الخواص، وليست هوية تاريخية لأنه هناك عدة أقوام دخلت إلى بريطانيا، وقد قسّمها المحاضر إلى أربع مراحل وهي: مرحلة ما قبل التاريخ التي ضمت كلاً من الـ Celtic و الـ Gaelic والـ Cymric ، وقال بأن هذه اللغات ليست لها أية علاقة باللغة الإنكليزية. أما المرحلة الثانية فتبدأ منذ عام 55 ق.م بمقدم الـ”Roman-Latin” و “Anglo-Saxon” ثم الـOld-Norse “”، ثم أعقبتها الفرنسية النورمندية والكنيسة اللاتينية في العصر الوسيط. أما الإنكليزية فقد حددها المحاضر بالعصر الحديث الذي يبدأ منذ عام 1500. وذكر بأن أول ملك بريطاني تكلم اللغة الإنكليزية كما نفهمها الآن هو الملك هنري الرابع سنة 1399 في حفل تتويجه بدلاً من اللاتينية والفرنسية، فعمر اللغة الإنكليزية لا يتجاوز الـ 613 سنة، أما اللغة الأكدية التي هي مزيج من العربية والسريانية فهي تمتد إلى الألفية الثالثة ق. م علماً بأن الناس كانوا يتكلمون قبل أن يدونوا كلامهم بزمن طويل. أشاد الفلوجي بوليم شيسكبير الذي أضاف “2000” كلمة إلى اللغة الإنكليزية، كما ثمّن الجهد الكبير الذي بذله نوح ويبستر الذي قضى “18” عاماً تعلّم فيها “26” لغة منها الأنكلوساكسونية القديمة، الألمانية، اللاتينية، الإيطالية، الإسبانية، الفرنسية والعربية فأضاف “12” ألف كلمة جديدة إلى اللغة الإنكليزية وخلص المحاضر في هذا الفصل إلى القول بأن الإنكليزية هي لغة هجينة ومتطورة وتستعمل الكلمات المستوردة.
يتمحور الفصل الثالث من هذا المعجم على العنصرية بين لغتين، وهو بحث أصيل يتحدث عن الدارونية الاجتماعية التي أسماها بالعنصرية العلمية التي كتب عنها هربرت سبنسر، وقام بترويجها، فهو الصديق الحميم لجارلس دارون. اختصر المُحاضر مادة الفصل الرابع بالسؤال الذي طرحه البروفيسور هيو كينيدي: ما السر في ديمومة اللغة العربية، وكيف صارت لغة التواصل العالمي “لنغوا فرانكا” لنظام العالم القديم؟ وقال بأن الإجابة تنطوي في معجم الفردوس مشيراً إلى أن جنكيز خان والإسكندر المقدني قد اكتسحا العالم، لكن بمجرد موتهما ماتت لغتهما، أما اللغة العربية فقد ظلت حيّة بعد وفاة الرسول الكريم محمد “ص” لأنها لغة محمية من قبل الخالق جلّ في علاه.
يتناول الفصل الخامس من هذا المعجم منافذ التأثير العربي في اللغة الإنكليزية، وقصة حصار جيش المأمون للقسطنطينية وجلب الخليفة آلافاً مؤلفة من الكتب إلى بغداد، وتأسيسه لبيت الحكمة الذي انتعشت في الترجمة، وكان يعطي وزن الكتب المُترجَمة ذهباً. وأسفر هذا النشاط الثقافي عن نشوء ثلاث طبقات توازي طبقة الوزراء والأمراء والعلماء وهي طبقة النقالين والخطاطين والوراقين التي أنعشت سوق الكتب المترجمة خاصة والمُؤلَفة بشكل عام.
أما الجزء الثاني من هذا المعجم فيضم التوطئة التي تُبيّن المنهج الذي اعتمده البروفيسور الفلوجي في التدليل على الكلمات الإنكليزية ذات الأصل العربي، فقد كان الباحث يذهب إلى أصل الكلمة وتاريخها باللغة الإنكليزية، ويرى ما يقابلها من كلمات عربية، ثم يخضع هذه الكلمة إلى أربعة معايير وهي الجانب الصوتي، والمعنى، والجانب المورفولوجي، واستعمال الكلمة. عرض الفلوجي نحو “150” كلمة من الكلمات الإنكليزية ذات الأصل العربي وقد توزعت على عشرين جدولاً نذكر منها الطب، الجراحة، التشريح، الحيوانات، النباتات، الأعشاب والتوابل وما إلى ذلك. ثم ختم الفلوجي محاضرته بالقول إنّ معجم الفردوس هو أول معجم في العالم وفي التاريخ للكلمات الإنكليزية ذات الأصل العربي، واعتبرهُ مرجعاً ضرورياً لابد منه لكل مكتبة وبيت، خصوصاً للعوائل الناطقة باللغة العربية، وكذلك لكل الناطقين باللغة الإنكليزية، وبالذات التلاميذ والأساتذة الذين يعملون في الحقل اللغوي.