مريم المقدسة عند المسيحيين هي مقدسة عند المسلمين وأقدس
محمود الربيعي
المقدمة الموضوعية
مما لاشك فيه أن العالم المسيحي يزخر بالمفكرين والمثقفين والقادة والرواد والكتّاب والأدباء والفنانين ورجال دين أحرار، وفي وقت الأزمات يحتاج المجتمع الى هذه العقول لكي تساهم في حل الأزمة وتسعى الى نشر الحق والدفاع عن المظلوم وقت الشدة، وفي الآونة الأخيرة إندفع بعض الجهلة والمغرضين وشذاذ الآفاك الذين ارادوا نشر الفتنة والشر والعداوة والبغضاء بي النس من أهل الملل والأديان بدلاَ من السعي الى تأليف القلوب وزرع المحبة بعد أن خططوا للنيل من شخصية نبي الإسلام. وماأحرانا أن نتفحص رأي النبي محمد وآيات القرآن لنقف على حقيقة الإسلام ومدى علاقته المتينة مع أهل الكتاب ومدى إحترامه للرموز المسيحية المقدسة كمريم وعيسى وكذلك الرموز المقدسة عند اليهود والصابئة كموسى وداوود وسليمان وزكريا وعمران وابراهيم واسحق ويعقوب وإسماعيل ويوسف، فهل يصح أن يكون جزاء الإحسان إلاّ الإحسان!
ونحن في هذه المقالة المحدودة نحاول أن نستعرض القراءة التاريخية لمريم القديسة المقدسة سيدة نساء عالمين زمانها وإحدى العلامات النسوية البارزة والرموز الرائدة في تاريخ البشرية.
ندعو العالم المسيحي واليهودي الى قراء كتاب قصص الأنبياء للسيد نعمة الله الجزائري
إننا ندعو كافة المسيحيين والبهود وأهل الأديان والمذاهب في العالم الى قراءة قصص أنبياءهم كما وردت في السنة المحمدية، كما ندعو المسلمين الى ترجمة هذا الكتاب الى جميع اللغات الأجنبية في العالم وإهداء عدد من النسخ الى كافة المثقفين والكتاب والمفكرين ورجال الدين في جميع أنحاء العالم للإطلاع على السنة النبوية المحمدية ورأيها في أنبياء العالمين المسيحي واليهودي وبقية الأديان ليقفوا على حقيقة مواقف نبي الإسلام من أنبياءهم، وقد أخترنا هذا الكتاب كنموذج راقي يحترم في كافة الأنبياء وينزههم ولاينقص من مكانتهم وهو تراث فاخر مهدى لجميع البشرية في العالم.
ملاحظات الباحث: نصيحة:
أولاً: ضرورة حث المفكرين والمثقفين والكتاب الغربيين على قراءة القرآن وترجمته والإطلاع على تراجم قصص الأنبياء خصوصاً الكتاب الذي ألفه السيد نعمة الله الجزائري.
ثانياً: التواصل عن طريق إجراء ندوات وحوارات مشتركة تعريفية للقرآن وكتب القصص النبوي خصوصاً تلك التي تنزه الأنبياء كما ذكرنا وتبادل المعلومات بما يقرب بين أهل الأديان.
موقف مريم وفعلها في الوسط الإجتماعي
أولاً: إعتزال مريم لمجتمعها الجاهل: إتخذت مريم موقفاً واضحاً ومهماً في شطر مهم من حياتها، وهي في نظر الناس ورجال الدين إبنة عمران في زمن كان أكثر أقرباءها من رجال الدين وأصحاب النفوذ بل حتى من الأنبياء منهم كزكريا النبي، إذ كان موقفها الإعتزال والتعبد فقد كانت تتمتع بالآيات والكرامات وهي محاطة بالرعاية الإلهية ومدَّخرة للقيام بأدوار مهمة أهمها حمل عيسى النبي ورعايته لتكون المثل الأعلى للناس بما تتميز به من الطهارة والعفة والمنزلة الخصيصة عند الجميع، وخاصة عند المسلمين إذ لم يتطرق إليها الشك في نفس نبي الإسلام أو في نصوص الكتاب الذي أتى به نبي الإسلام من عند الرب.
ثانياً: إختيار الرب لمريم: إن إختيار الرب لمريم جاء وحسب الظاهر لعدة أسباب منها إظهار المعجز وتكرار خلق الإنسان بدون أب كما هو عليه في خلق آدم عليه السلام، بل وإظهار معاجز أخرى كَتَكَلُّم عيسى في المهد وهو صبيا، وإظهار معاجز عديدة لعيسى منها إحياء الموتى وخلق الطير بإذن الله، وإبراء الأكمه والأبرص الى غير ذلك من المعاجز والخوارق، حيث لابد لنا من وجوب الإشارة الى هذا الإختيار الرباني لمثل تلك المرأة الطاهرة العفيفة.
ثالثاً: صلتها بالملائكة وجبريل: إن المنزلة التي أختصت بها مريم هي الصلة بالأنبياء كزكريا والصلة الأخرى بالخلق الثالث من ( الملائكة)، من غير الجن والأنس، وأهم تلك الصلات صلتها بجبريل المَلَك.
رابعاً: طهارة مريم: إن طهارة مريم في نظر المسلمين مما لايتطرق إليها الشك لكنها لاقت التشكيك من غير المسلمين من قومها وقتذاك من الذين تسائلوا عن الإبن الذي تحمله؟ رغم علمهم ومعرفتهم بطهارة مولدها، وطهارة بيتها عند زكريا النبي، وما تحمل مريم من الكرامات والمنازل الروحية التي تشع من سيرتها قبل حمل عيسى، وماكانت عليه من العبادة والنسك والروحانية والعزوف عن الدنيا وزخارفها، وكانت على غاية من الحزن لولا رعاية زكريا النبي لها ومواقفه الصلبة تجاه الجهّال والحسّاد من أهل الدنيا وضعفاء النفوس.
خامساً: مريم وعيسى: إن أهم ماتميزت به العلاقة بين مريم الطاهرة وعيسى النبي هي علاقة الأم بولدها، إذ تُعَدُّ وعاءاً للنبوة والرسالة، وقد أختصت ولادة عيسى المباركة من دون أب، كما تميزت مريم بالنسك والعبادة كذلك تميز عيسى بالنبوة والرسالة والمعاجز والآيات المختلفة والبينات.
سادساً: يحيى وزكريا: وقد تميزت العلاقة بالأبوة الطبيعية بولادة يحيى من الأب والأم رغم أن زكريا كان كبير السن وإمرأته عاقراً، ونشير الى أن زكريا النبي هو كافل مريم.
سابعاً: مريم وعمران: المهم هنا إن مريم هي إبنة عمران: فقد جاء في تفسير علي بن ابراهيم: اوحى الله الى عمران: (اني واهب لك ولداً يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله) فبشر عمران زوجته بذلك، فجملت فقالت (ربي اني نذرت لك مافي بطني) محرراً للمحراب، وكانوا اذا نذروا نذراً محرراً جعلوا ولدهم للمحراب. (فلما وضعتها قالت رب اني وضعتها انثى… الآية. فوهب الله عيسى. تفسير علي بن ابراهيم. قصص القرآن للسيد نعمة الله الجزائري ط 8، ص 454. 1978م.
كما جاء في تفسير (علي بن إبراهيم) كانت امرأة زكريا أخت مريم بنت عمران. قصص القرآن للسيد نعمة الله الجزائري ط 8، ص 450. 1978م.
وفي قصص الراوندي أن عيسى بن مريم عليه السلام بعث يحيى بن زكريا عليه السلام في اثني عشر من الحواريين يعلمون الناس وينهونهم عن نكاح ابنة الأخت، قال وكان لملكهم ابنة اخت تعجبه! وكان يريد ان يتزوجها.. الخ. قصص القرآن للسيد نعمة الله الجزائري ص 451 ط 8 ، 1978 م.
النص القرآني الذي قام عليه التفصيل:
* وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا *قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا
فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا *فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا *فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا *وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا *فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا *فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا *يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا *فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا *قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا* وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا *وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا *وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا *ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ *مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ *( الآيات من 16 – 35 من سورة مريم ).
تفصيل الآيات كما ورد في تفسير الميزان للعلامة محمد حسين الطباطبائي
بيان
انتقال من قصة يحيى إلى قصة عيسى (عليه السلام) و بين القصتين شبها تاما فولادتهما على خرق العادة، و قد أوتي عيسى الرشد و النبوة و هو صبي كيحيى، و قد أخبر أنه بر بوالدته و ليس بجبار شقي و أن السلام عليه يوم ولد و يوم يموت و يوم يبعث حيا كما أخبر الله عن يحيى (عليه السلام) بذلك إلى غير ذلك من وجوه الشبه و قد صدق يحيى بعيسى و آمن به.
قوله تعالى: «و اذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا» المراد بالكتاب القرآن أو السورة فهي جزء من الكتاب و جزء الكتاب كتاب و الاحتمالان من حيث المال واحد فلا كثير جدوى في إصرار بعضهم على تقديم الاحتمال الثاني و تعيينه.
و النبذ – على ما ذكره الراغب – طرح الشيء الحقير الذي لا يعبأ به يقال نبذه إذا طرحه مستحقرا له غير معتن به، و الانتباذ الاعتزال من الناس و الانفراد.
و مريم هي ابنة عمران أم المسيح (عليه السلام)، و المراد بمريم نبأ مريم و قوله: «إذ» ظرف له، و قوله: «انتبذت» إلى آخر القصة تفصيل المظروف الذي هو نبأ مريم، و المعنى و اذكر يا محمد في هذا الكتاب نبأ مريم حين اعتزلت من أهلها في مكان شرقي، و كأنه شرقي المسجد.
قوله تعالى: «فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا» الحجاب ما يحجب الشيء و يستره عن غيره، و كأنها اتخذت الحجاب من دون أهلها لتنقطع عنهم و تعتكف للعبادة كما يشير إليه قوله: «كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا»: آل عمران: 37 و قد مر الكلام في تفسير الآية.
و قيل: إنها كانت تقيم المسجد حتى إذا حاضت خرجت منها و أقامت في بيت زكريا حتى إذا طهرت عادت إلى المسجد فبينما هي في مشرفة لها في ناحية الدار و قد ضربت بينها و بين أهلها حجابا لتغتسل إذ دخل عليها جبرائيل في صورة شاب أمرد سوي الخلق فاستعاذت بالله منه.
و فيه أنه لا دليل على هذا التفصيل من جهة اللفظ، و قد عرفت أن آية آل عمران لا تخلو من تأييد للمعنى السابق.
و قوله: «فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا» ظاهر السياق أن فاعل «تمثل» ضمير عائد إلى الروح فالروح المرسل إليها هو المتمثل لها بشرا سويا و معنى تمثله لها بشرا ترائيه لها، و ظهوره في حاستها في صورة البشر و هو في نفسه روح و ليس ببشر.
و إذ لم يكن بشرا و ليس من الجن فقد كان ملكا بمعنى الخلق الثالث الذي وصفه الله سبحانه في كتابه و سماه ملكا، و قد ذكر سبحانه ملك الوحي في كلامه و سماه جبريل بقوله: «من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك»: البقرة: 97 و سماه روحا في قوله: «قل نزله روح القدس من ربك»: النحل: 102 و قوله: «نزل به الروح الأمين على قلبك»: الشعراء: 194» و سماه رسولا في قوله: «إنه لقول رسول كريم»: الحاقة: 40»، فبهذا كله يتأيد أن الروح الذي أرسله الله إليها إنما هو جبريل.
و أما قوله: «إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم – إلى أن قال – قالت رب أنى يكون لي ولد و لم يمسسني بشر قال كذلك الله يفعل ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون»: آل عمران: 47.
فتطبيقه على الآيات التي نحن فيها لا يدع ريبا في أن قول الملائكة لمريم و محاورتهم معها المذكور هناك هو قول الروح لها المذكور هاهنا، و نسبة قول جبريل إلى الملائكة من قبيل نسبة قول الواحد من القوم إلى جماعتهم لاشتراكهم معه في خلق أو سنة أو عادة، و في القرآن منه شيء كثير كقوله تعالى: «يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل»: المنافقون: 8، و القائل واحد.
و قوله: «و إذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء»: الأنفال: 32، و القائل واحد.
و إضافة الروح إليه تعالى للتشريف مع إشعار بالتعظيم، و قد تقدم كلام في معنى الروح في تفسير قوله تعالى: «يسألونك عن الروح»: الآية الإسراء: 85.
و من التفسير الردي قول بعضهم إن المراد بالروح في الآية عيسى (عليه السلام) و ضمير تمثل عائد على جبريل.
و هو كما ترى.
و من القراءة الردية قراءة بعضهم «روحنا» بتشديد النون على أن روحنا اسم الملك الذي أرسل إلى مريم، و هو غير جبريل الروح الأمين.
و هو أيضا كما ترى.
كلام في معنى التمثل
كثيرا ما ورد ذكر التمثل في الروايات، و أما في الكتاب فلم يرد ذكره إلا في قصة مريم في سورتها قال تعالى: «فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا» الآية: – 17 من السورة، و الآيات التالية التي يعرف فيها جبريل نفسه لمريم خير شاهد أنه كان حال تمثله لها في صورة بشر باقيا على ملكيته و لم يصر بذلك بشرا، و إنما ظهر في صورة بشر و ليس ببشر بل ملك و إنما كانت مريم تراها في صورة بشر.
قوله تعالى: «قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا» ابتدرت إلى تكليمه لما أدهشها حضوره عندها و هي تحسب أنه بشر هجم عليها لأمر يسوءها و استعاذت بالرحمن استدرارا للرحمة العامة الإلهية التي هي غاية آمال المنقطعين إليه من أهل القنوت.
و اشتراطها بقولها: «إن كنت تقيا» من قبيل الاشتراط بوصف يدعيه المخاطب لنفسه أو هو محقق فيه ليفيد إطلاق الحكم المشروط و عليه الوصف للحكم، و التقوى وصف جميل يشق على الإنسان أن ينفيه عن نفسه و يعترف بفقده فيئول المعنى إلى مثل قولنا: إني أعوذ و أعتصم بالرحمن منك إن كنت تقيا و من الواجب أن تكون تقيا فليردعك تقواك عن أن تتعرض بي و تقصدني بسوء.
فالآية من قبيل خطاب المؤمنين بمثل قوله تعالى: «و اتقوا الله إن كنتم مؤمنين»: المائدة: 57، و قوله: «و على الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين»: المائدة: 23.
و ربما احتمل في قوله: «إن كنت» أن تكون إن نافية و المعنى ما كنت تقيا إذ هتكت على ستري و دخلت بغير إذني.
و أول الوجهين أوفق بالسياق.
و القول بأن التقي اسم رجل طالح أو صالح لا يعبأ به.
قوله تعالى: «قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا» جواب الروح لمريم و قد صدر الكلام بالقصر ليفيد أنه ليس ببشر كما حسبته فيزول بذلك روعها ثم يطيب نفسها بالبشرى، و الزكي هو النامي نموا صالحا و النابت نباتا حسنا.
و من لطيف التوافق في هذه القصص الموردة في السورة أنه تعالى ذكر زكريا و أنه وهب له يحيى، و ذكر مريم و أنه وهب لها عيسى، و ذكر إبراهيم و أنه وهب له إسحاق و يعقوب، و ذكر موسى و أنه وهب له هارون (عليه السلام).
قوله تعالى: «قالت إني يكون لي غلام و لم يمسسني بشر و لم أك بغيا» مس البشر بقرينة مقابلته للبغي و هو الزنا كناية عن النكاح و هو في نفسه أعم و لذا اكتفى في القصة من سورة آل عمران بقوله: «و لم يمسسني بشر» و الاستفهام للتعجب أي كيف يكون لي ولد و لم يخالطني قبل هذا الحين رجل لا من طريق الحلال بالنكاح و لا من طريق الحرام بالزنا.
و السياق يشهد أنها فهمت من قوله: «لأهب لك غلاما» إلخ، إنه سيهبه حالا و لذا قالت: «و لم يمسسني بشر و لم أك بغيا» فنفت النكاح و الزنا في الماضي.
قوله تعالى: «قال كذلك قال ربك هو علي هين» إلخ، أي قال الروح الأمر كذلك أي كما وصفته لك ثم قال: «قال ربك هو علي هين»، و قد تقدم في قصة زكريا و يحيى (عليهما السلام) توضيح ما للجملتين.
و قوله: «و لنجعله آية للناس و رحمة منا» ذكر بعض ما هو الغرض من خلق المسيح على هذا النهج الخارق، و هو معطوف على مقدر أي خلقناه بنفخ الروح من غير أب لكذا و كذا و لنجعله آية للناس بخلقته و رحمة منا برسالته و الآيات الجارية على يده و حذف بعض الغرض و عطف بعضه المذكور عليه كثير في القرآن كقوله تعالى: «و ليكون من الموقنين»: الأنعام: 75، و في هذه الصنعة إيهام أن الأغراض الإلهية أعظم من أن يحيط بها فهم أو يفي بتمامها لفظ.
و قوله: «و كان أمرا مقضيا» إشارة إلى تحتم القضاء في أمر هذا الغلام الزكي فلا يرد بإباء أو دعاء.
قوله تعالى: «فحملته فانتبذت به مكانا قصيا» القصي البعيد أي حملت بالولد فانفرد و اعتزلت به مكانا بعيدا من أهله.
قوله تعالى: «فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة» إلى آخر الآية، الإجاءة إفعال من جاء يقال: أجاءه و جاء به بمعنى و هو في الآية كناية عن الدفع و الإلجاء، و المخاض و الطلق وجع الولادة، و جذع النخلة ساقها، و النسي بفتح النون و كسرها كالوتر و الوتر هو الشيء الحقير الذي من شأنه أن ينسى، و المعنى – أنها لما اعتزلت من قومها في مكان بعيد منهم – دفعها و ألجأها الطلق إلى جذع نخلة كان هناك لوضع حملها – و التعبير بجذع النخلة دون النخلة مشعر بكونها يابسة غير مخضرة – و قالت استحياء من الناس يا ليتني مت قبل هذا و كنت نسيا و شيئا لا يعبأ به منسيا لا يذكر فلم يقع فيه الناس كما سيقع الناس في.
قوله تعالى: «فناداها من تحتها ألا تحزني» إلى آخر الآيتين ظاهر السياق أن ضمير الفاعل في «ناداها» لعيسى (عليه السلام) لا للروح السابق الذكر، و يؤيده تقييده بقوله: «من تحتها» فإن هذا القيد أنسب لحال المولود مع والدته حين الوضع منه لحال الملك المنادي مع من يناديه، و يؤيده أيضا احتفافه بالضمائر الراجعة إلى عيسى (عليه السلام).
و قيل: الضمير للروح و أصلح كون الروح تحتها بأنها كانت حين الوضع في أكمة و كان الروح واقفا تحت الأكمة فناداها من تحتها، و لا دليل على شيء من ذلك من جهة اللفظ.
و لا يبعد أن يستفاد من ترتب قوله: «فناداها» على قوله: «قالت يا ليتني» إلخ، أنها إنما قالت هذه الكلمة حين الوضع أو بعده فعقبها (عليه السلام) بقوله: لا تخزني، إلخ.
و قوله: «ألا تحزني» تسلية لها لما أصابها من الحزن و الغم الشديد فإنه لا مصيبة هي أمر و أشق على المرأة الزاهدة المتنسكة و خاصة إذا كانت عذراء بتولا من أن تتهم في عرضها و خاصة إذا كانت من بيت معروف بالعفة و النزاهة في حاضر حاله و سابق عهده و خاصة إذا كانت تهمة لا سبيل لها إلى الدفاع عن نفسها و كانت الحجة للخصم عليها، و لذا أشار أن لا تتكلم مع أحد و تكفل هو الدفاع عنها و تلك حجة لا يدفعها دافع.
و قوله: «قد جعل ربك تحتك سريا» السري جدول الماء، و السري هو الشريف الرفيع، و المعنى الأول هو الأنسب للسياق، و من القرينة عليه قوله: بعد: «فكلي و اشربي» كما لا يخفى.
و قيل: المراد هو المعنى الثاني و مصداقه عيسى (عليه السلام)، و قد عرفت أن السياق لا يساعد عليه، و على أي تقدير الجملة إلى آخر كلامه تطييب لنفس مريم (عليها السلام).
و قوله: «و هزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا» الهز هو التحريك الشديد، و نقل عن الفراء أن العرب تقول: هزه و هز به، و المساقطة هي الإسقاط، و ضمير «تساقط» للنخلة، و نسبة الهز إلى الجذع و المساقطة إلى النخلة لا تخلو من إشعار بأن النخلة كانت يابسة و إنما اخضرت و أورقت و أثمرت رطبا جنيا لساعتها، و الرطب هو نضيج البسر، و الجني هو المجني و ذكر في القاموس – على ما نقل – أن الجني إنما يقال لما جني من ساعته.
قوله تعالى: «فكلي و اشربي و قري عينا» قرار العين كناية عن المسرة يقال: أقر الله عليك أي سرك، و المعنى: فكلي من الرطب الجني الذي تسقط و اشربي من السري الذي تحتك و كوني على مسرة من غير أن تحزني، و التمتع بالأكل و الشرب من أمارات السرور و الابتهاج فإن المصاب في شغل من التمتع بلذيذ الطعام و مريء الشراب و مصيبته شاغلة، و المعنى: فكلي من الرطب الجني و اشربي من السري و كوني على مسرة – مما حباك الله به – من غير أن تحزني، و أما ما تخافين من تهمة الناس و مساءلتهم فالزمي السكوت و لا تكلمي أحدا فأنا أكفيكهم.
قوله تعالى: «فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا» المراد بالصوم صوم الصمت كما يدل عليه التفريع الذي في قوله: «فلن أكلم اليوم إنسيا» و كذا يستفاد من السياق أنه كان أمرا مسنونا في ذلك الوقت و لذا أرسل عذرا إرسال المسلم، و الإنسي منسوب إلى الإنس مقابل الجن و المراد به الفرد من الإنسان.
و قوله: «فإما ترين» إلخ، ما زائدة و الأصل إن ترى بشرا فقولي إلخ، و المعنى: إن ترى بشرا و كلمك أو سألك عن شأن الولد فقولي إلخ، و المراد بالقول التفهيم بالإشارة فربما يسمى التفهيم بالإشارة قولا، و عن الفراء أن العرب تسمي كل ما وصل إلى الإنسان كلاما بأي طريق وصل ما لم يؤكد بالمصدر فإذا أكد لم يكن إلا حقيقة الكلام.
و ليس ببعيد أن يستفاد من قوله: «فقولي إني نذرت للرحمن صوما» بمعونة السياق أنه أمرها أن تنوي الصوم لوقتها و تنذره لله على نفسها فلا يكون إخبارا بما لا حقيقة له.
و قوله: «فإما ترين إلخ، على أي حال متفرع على قوله: «و قري عينا» و المراد لا تكلمي بشرا و لا تجيبي أحدا سألك عن شأني بل ردي الأمر إلي فأنا أكفيك جواب سؤالهم و أدافع خصامهم.
قوله تعالى: «فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم أنى لك هذا لقد جئت شيئا فريا» الضميران في «به» و «تحمله» لعيسى، و الاستفهام إنكاري حملهم عليه ما شاهدوه عن عجيب أمرها مع ما لها من سابقة الزهد و الاحتجاب و كانت ابنة عمران و من آل هارون القديس، و الفري هو العظيم البديع و قيل: هو من الافتراء بمعنى الكذب كناية عن القبيح المنكر و الآية التالية تؤيد المعنى الأول، و معنى الآية واضح.
قوله تعالى: «يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء و ما كانت أمك بغيا» ذكر في المجمع، أن في المراد من هارون أربعة أقوال: أحدها: أنه كان رجلا صالحا من بني إسرائيل ينسب إليه كل صالح و على هذا فالمراد بالأخوة الشباهة و معنى «يا أخت هارون» يا شبيهة هارون، و الثاني: أنه كان أخاها لأبيها لا من أمها، و الثالث: أن المراد به هارون أخو موسى الكليم و على هذا فالمراد بالأخوة الانتساب كما يقال: أخو تميم، و الرابع: أنه كان رجلا معروفا بالعهر و الفساد انتهى ملخصا و البغي الزانية، و معنى الآية ظاهر.
قوله تعالى: «فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا» إشارتها إليه إرجاع لهم إليه حتى يجيبهم و يكشف لهم عن حقيقة الأمر، و هو جرى منها على ما أمرها به حينما ولد بقوله: «فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا على ما تقدم البحث عنه.
و المهد السرير الذي يهيأ للصبي فيوضع فيه و ينوم عليه، و قيل: المراد بالمهد في الآية حجر أمه، و قيل المرباة أي المرجحة، و قيل المكان الذي استقر عليه كل ذلك لأنها لم تكن هيئت له مهدا، و الحق أن الآية ظاهرة في ذلك و لا دليل على أنها لم تكن هيئت وقتئذ له مهدا فلعل الناس هجموا عليها و كلموها بعد ما رجعت إلى بيتها و استقرت فيه و هيئت له مهدا أو مرجحة و تسمى أيضا مهدا.
قوله تعالى: «قال إني عبد الله آتاني الكتاب و جعلني نبيا» شروع منه (عليه السلام) في الجواب و لم يتعرض لمشكلة الولادة التي كانوا ينكرون بها على مريم (عليها السلام) لأن نطقه على صباه و هو آية معجزة و ما أخبر به من الحقيقة لا يدع ريبا لمرتاب في أمره على أنه سلم في آخر كلامه على نفسه فشهد بذلك على نزاهته و أمنة من كل قذارة و خباثة و من نزاهته طهارة مولده.
و قد بدأ بقوله: «إني عبد الله» اعترافا بالعبودية لله ليبطل به غلو الغالين و تتم الحجة عليهم، كما ختمه بمثل ذلك إذ يقول: «و إن الله ربي و ربكم فاعبدوه».
و في قوله: «آتاني الكتاب» إخبار بإعطاء الكتاب و الظاهر أنه الإنجيل، و في قوله: «و جعلني نبيا» إعلام بنبوته، و قد تقدم في مباحث النبوة في الجزء الثاني من الكتاب الفرق بين النبوة و الرسالة، فقد كان يومئذ نبيا فحسب ثم اختاره الله للرسالة، و ظاهر الكلام أنه كان أوتي الكتاب و النبوة لا أن ذلك إخبار بما سيقع.
قوله تعالى: «و جعلني مباركا أين ما كنت و أوصاني بالصلاة و الزكاة ما دمت حيا» كونه (عليه السلام) مباركا أينما كان هو كونه محلا لكل بركة و البركة نماء الخير كان نفاعا للناس يعلمهم العلم النافع و يدعوهم إلى العمل الصالح و يربيهم تربية زاكية و يبرىء الأكمه و الأبرص و يصلح القوي و يعين الضعيف.
و قوله: «و أوصاني بالصلاة و الزكاة» إلخ، إشارة إلى تشريع الصلاة و الزكاة في شريعته، و الصلاة هي التوجه العبادي الخاص إلى الله سبحانه و الزكاة الإنفاق المالي و هذا هو الذي استقر عليه عرف القرآن كلما ذكر الصلاة و الزكاة و قارن بينهما و ذلك في نيف و عشرين موضعا فلا يعتد بقول من قال: إن المراد بالزكاة تزكية النفس و تطهيرها دون الإنفاق المالي.
قوله تعالى: «و برا بوالدتي و لم يجعلني جبارا شقيا» أي جعلني حنينا رءوفا بالناس و من ذلك أني بر بوالدتي و لست جبارا شقيا بالنسبة إلى سائر الناس، و الجبار هو الذي يحمل الناس و لا يتحمل منهم، و نقل عن ابن عطاء أن الجبار الذي لا ينصح و الشقي الذي لا ينتصح.
قوله تعالى: «و السلام علي يوم ولدت و يوم أموت و يوم أبعث حيا» تسليم منه على نفسه في المواطن الثلاثة الكلية التي تستقبله في كونه و وجوده، و قد تقدم توضيحه في آخر قصة يحيى المتقدمة.
نعم بين التسليمتين فرق، فالسلام في قصة يحيى نكرة يدل على النوع، و في هذه القصة محلى بلام الجنس يفيد بإطلاقه الاستغراق، و فرق آخر و هو أن المسلم على يحيى هو الله سبحانه و على عيسى هو نفسه.
قوله تعالى: «ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون» الظاهر أن هذه الآية و التي تليها معترضتان، و الآية الثالثة: «و إن الله ربي و ربكم» من تمام قول عيسى (عليه السلام).
و قوله: «ذلك عيسى ابن مريم» الإشارة فيه إلى مجموع ما قص من أمره و شرح من وصفه أي ذلك الذي ذكرنا كيفية ولادته و ما وصفه هو للناس من عبوديته و إيتائه الكتاب و جعله نبيا هو عيسى بن مريم.
و قوله: «قول الحق» منصوب بمقدر أي أقول قول الحق، و قوله: «الذي فيه يمترون» أي يشكون أو يتنازعون، وصف لعيسى، و المعنى: ذلك عيسى بن مريم الذي يشكون أو يتنازعون فيه.
و قيل: المراد بقول الحق كلمة الحق و هو عيسى (عليه السلام) لأن الله سبحانه سماه كلمته في قوله: «و كلمته ألقاها إلى مريم»: النساء: 171 و قوله: «يبشرك بكلمة منه»: آل عمران: 45، و قوله: «بكلمة من الله»: آل عمران: 39، و عليه فقول الحق منصوب على المدح، و يؤيد المعنى الأول قوله تعالى في هذا المعنى في آخر القصة من سورة آل عمران: «الحق من ربك فلا تكن من الممترين»: آل عمران: 60.
قوله تعالى: «ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون» نفي و إبطال لما قالت به النصارى من بنوة المسيح، و قوله: «إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن» حجة أقيمت على ذلك، و قد عبر بلفظ القضاء للدلالة على ملاك الاستحالة.
و ذلك أن الولد إنما يراد للاستعانة به في الحوائج، و الله سبحانه غني عن ذلك لا يتخلف مراد عن إرادته إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون.
و أيضا الولد هو أجزاء من وجود الوالد يعزلها ثم يربيها بالتدريج حتى يصير فردا مثله، و الله سبحانه غني عن التوسل في فعله إلى التدريج و لا مثل له بل ما أراده كان كما أراده من غير مهلة و تدريج من غير أن يماثله، و قد تقدم نظير هذا المعنى في تفسير قوله: «و قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه»، الآية: البقرة: 116 في الجزء الأول من الكتاب.
قوله تعالى: «و إن الله ربي و ربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم» معطوف على قوله: «إني عبد الله» و هو من قول عيسى (عليه السلام)، و من الدليل عليه وقوع الآية بعينها في المحكي من دعوته قومه في قصته من سورة آل عمران، و نظيره في سورة الزخرف حيث قال: «إن الله هو ربي و ربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم»: الزخرف: 65.
فلا وجه لما احتمله بعضهم أن الآية استئناف و ابتداء كلام من الله سبحانه أو أمر منه للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقول: إن الله ربي و «ربكم» إلخ على أن سياق الآيات أيضا لا يساعد على شيء من الوجهين فهو من كلام عيسى (عليه السلام) ختم كلامه بالاعتراف بالمربوبية كما بدأ كلامه بالشهادة على العبودية ليقطع به دابر غلو الغالين في حقه و يتم الحجة عليهم.
بحث روائي
في المجمع،: و روي عن الباقر (عليه السلام): أنه يعني جبرئيل تناول جيب مدرعتها فنفخ فيه نفخة فكمل الولد في الرحم من ساعته كما يكمل الولد في أرحام النساء تسعة أشهر فخرجت من المستحم و هي حامل محج مثقل فنظرت إليها خالتها فأنكرتها و مضت مريم على وجهها مستحية من خالتها و من زكريا، و قيل: كانت مدة حملها تسع ساعات: و هذا مروي عن أبي عبد الله (عليه السلام).
أقول: و في بعض الروايات أن مدة حملها كانت ستة أشهر.
و في المجمع،: في قوله تعالى: «قالت يا ليتني مت قبل هذا» الآية و إنما تمنت الموت إلى أن قال و روي عن الصادق (عليه السلام): لأنها لم تر في قومها رشيدا ذا فراسة ينزهها من السوء.
” فلما وضعتها قالت رب اني وضعتها انثى والله اعلم بما وضعت وليس الذكر كالانثى واني سميتها مريم واني اعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ” سورة آل عمران الآية 36.
” فتقبلها ربها بقبول حسن وانبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم انى لك هذا قالت هو من عند الله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب ” سورة آل عمران آية 37.
” واذ قالت الملائكة يا مريم ان الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين ” سورة آل عمران الآية 42.
” يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين ” آل عمران الآية 43.
” ذلك من انباء الغيب نوحيه اليك وما كنت لديهم اذ يلقون اقلامهم ايهم يكفل مريم وما كنت لديهم اذ يختصمون ” آل عمران الآية 44.
” اذ قالت الملائكة يا مريم ان الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والاخرة ومن المقربين ” آل عمران آية 45.
” وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما ” النساء 156.
” يا اهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله الا الحق انما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته القاها الى مريم وروح منه فامنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم انما الله اله واحد سبحانه ان يكون له ولد له ما في السماوات وما في الارض وكفى بالله وكيلا ” النساء الآية 171.
” وجعلنا ابن مريم وامه اية واويناهما الى ربوة ذات قرار ومعين ” سورة المؤمنون آية 50.
” ومريم ابنت عمران التي احصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين ” سورة الاحزاب آية 12.
خاتمة
إن أهم ماتوصلنا إليه هو مايلي:
أولاً: ضرورة الإنفتاح المتبادل على عقائد الأطراف الدينية، ومحاولة الفهم الموضوعي لمقدساتها وفق الكتب التي يقدسونها ككتب القرآن والإنجيل والتوراة.
ثانياً: عقد الندوات والحوارات بين الكتاب والمثقفين والمفكرين في مختلف البلدان المسيحية الغربية والإسلامية واليهودية وبقية الأديان.
ثالثاً: تشجيع ترجمة الكتب المقدسة للأنبياء والرسل خصوصاً تلك التي التي تقوم على مبدأ تنزيه الأنبياء وإحترام منازلهم الرفيعة كونهم مصلحين ومبشرين ودعاة محبة وتقديمها اليهم وإيصالها لهم كهدايا.
المصادر
القرآن الكريم
الميزان في تفسير القرآن للسيد الطباطبائي
قصص الأنبياء للسيد نعمة الله الجزائري
16/11/2012