
( النجف الأشرف … كربلاء المقدسة … الكاظمية … وسامراء )
ان مدن الأضرحة المقدسة لاتنتمي الى مدن الحواضر القديمة، كدمشق واسطنبول، ولا الى مدن الأمصار كالبصرة والكوفة … فهذا الصنف من المدن لم يكن موجوداً قبل الإسلام، ولم يولد نتيجة لمتطلبات عسكرية أو للتطور الاقتصادي أو الازدهار السكاني، إنما ــ وهنا تكمن خصوصيته الجوهرية ـــ يتعلق الأمر بمدن نشأت لسبب مغاير كلياً وهو تحديداً، وجود الأضرحة المقدسة التي تتمثل في جوامع ومراقد أئمة أهل بيت النبي محمد (ص) وأحفادهم (ع). فبفعل وجود هذه الأضرحة أخذت هذه المدن تنمو تدريجياً ومن دون تدخل من سلطة أو ارادة عسكرية أو سياسية أو اقتصادية، لتتحول من نوى لمزارات دينية نائية الى مدن ضخمة، سرعان ما وجدت نفسها تلعب دوراً حضارياً بارزاً ومتزايداً مع مرور العصور الاسلامية اللاحقة، وأصبحت محط أنظار ملايين المسلمين وغيرهم من الأقطار كافة.
ولابد من التطرق الى أبعادها الحضارية المتنوعة وهي :
1 ـــ التنوع الحضاري، لقد أعطى الموقع الجغرافي والبيئي المتميز لهذه المدن أهمية خاصة، حيث سكنتها أقوام متعددة الأجناس والأعراق منذ أقدم العصور تنتمي الى حضارة بلاد وادي الرافدين.
2 ـــ وفي البعد التاريخي والديني، فقد تجلّت خلفية حضارية ضخمة تتجذر في أعماق التاريخ وتضيئ فيها نجوم لامعة من العظماء ويكفيها أمير المؤمنين الامام علي بن أبي طالب وولديه الامام الحسين سيد شباب أهل الجنة وأخيه العباس (ع).
3 ـــ وفي البعد العلمي والثقافي فقد كان لهذه المدن وعلى مدى قرون عدة مصدر النهضة العلمية والأدبية والفكرية لإحتضانها العديد من الجامعات والمعاهد الاسلامية الغنية بالعطاء المتميز بالعلوم والمعرفة.
4 ـــ أما في البعد الاسلامي والعالمي، فقد كان لهذه المدن محط اهتمام وعناية العديد من الحكام والولاة المسلمين ومن كافة الاقطار الاسلامية. وأشار إليها العديد من الرحالة والمؤرخين العرب والمسلمين والمستشرقين الغربيين.
5 ـــ أما في الجانب السياحي، فتشكل مدن الأضرحة المقدسة جزءاً متميزاً من خريطة السياحة الدينية المهمة في العراق، وذلك لمكانتها الروحية عند ملايين المسلمين الذين يقصدونها على مدار السنة، لاسيما في المناسبات الدينية من داخل العراق وخارجه، وتعتبر أحد أشهر المزارات الدينية في العالم الإسلامي.
د. رؤوف محمد علي الأنصاري