لندن / عدنان حسين أحمد
ثقافة خاصة
نظّمت مؤسسة الحوار الإنساني بلندن أمسية ثقافية للدكتور عبدالله الموسوي انضوت تحت عنوان “التربية اليابانية، رُقي شعب وحضارة أمة”، وقد ساهم في تقديمه وإدار الندوة كاتب هذه السطور الذي توقف عند المحطات الرئيسة في سيرة المُحاضر الذاتية والعلمية. استهل الموسوي حديثه بسؤال طرحته الـ “سي أن أن” على الإمبراطور السابق هيرو هيتو جاء فيه: “لم يمرّ على تدمير هيروشيما وناغازاكي سوى عشرين عاماً إلاّ أن منتجاتكم الإليكترونية قد غزت العالم برمته، ما المعطيات التي تقف وراء هذا التقدم التكنولوجي المذهل؟”. فكان ردّه الذي جرى على الألسن جريان الأمثال “إنه المُعلِّم، فقد منحناه سلطة القاضي، وهيبة العسكري، وراتب الوزير”. ومنذ ذلك اليوم اتجه العالم المتمدين صوب اليابان للبحث عن مناهج التربية التي يعتمدونها في تدريس تلامذتهم.
أشار الموسوي إلى أن اليابانيين يتميزون بثقافة خاصة، ففي منتصف القرن السادس الميلادي بدأ اتصالهم بالحضارة الصينية واستعاروا الكثير من عناصرها، وتبنّوا حروفها ليكتبوا بها لغتهم المنطوقة التي تختلف كثيراً عن اللغة الصينية. وحينما أطلّ القرن السابع الميلادي أصبحت اليابان جزءاً من الحضارة الصينية، وتبنت حكمتها ومنهجها التربوي في آنٍ معاً. ولكي لا يقع الموسوي في الخانق التاريخي فقد قفز في حديثه إلى القرن السادس عشر مباشرة ليتناول حقبة الإمبراطور ميجي”1912-1952″ حيث ظهرت ثقافة يابانية متميزة، فاليابانيون، كما هو معروف، ينتمون إلى ثقافات عديدة، يأخذون منها ما ينفعهم، ثم ينسلخون عنها ليكوِّنوا ثقافتهم الخاصة بهم.
الإحياء الميجي
ذكر الموسوي بأن اليابان آنذاك قد انتقلت من مرحلة النقل إلى مرحلة الابتكار والتجديد حتى تعرضوا للاحتلال الأميركي الذي استمر منذ عام 1945 حتى عام 1952. ثم قام الإمبراطور ميجي ذو الفكر المستنير بإرسال البعثات إلى مختلف أنحاء العالم ومن بينها مصر التي تحسست طريقها إلى التقدم والازدهار. توقف الموسوي عند الساموراي الذين وُضع لهم نظاماً تربوياً صارماً لكي يكونوا رجال علم وحرب في آنٍ معاً، فالكلية العسكرية لا تعلّم فنون القتالحسب، وإنما تزوِّد العلم أيضاً. وقد أصدر مؤسس هذا النظام ياسو طوكو جاوا مرسوماً يعلن فيه بوضوح “أن تعلم فنون السلام يُعد مساوياً تماماً لتعلم فنون الحرب والقتال، وأن كليهما يجب ألا يُكتفى بتعلمه، بل باتقانه” وأنشأ لذلك الغرض الكلية الكونفوشيوسية في طوكيو سنة 1630، وكان محتوى النظام التربوي لإعداد السامورايهو عبارة عن مزيج من التربية الأخلاقية والمهنية، وبحلول عام 1860 كان هذا المنهج سائداً في أكثر من “300” مدرسة منتشرة في عموم الجزر اليابانية. لقد حظي تعليم العامة من الناس بالتشجيع من قبل الحكومات اليابانية وأصبحت هناك نسبة عالية من أفراد الشعب الياباني يجيدون القراءة والكتابة في حقبة الإحياء الميجي.
توسّع الموسوي في الحديث عن انفتاح الشعب الياباني على البلدان الغربية بهدف تحصيل العلم والمعرفة وذكرَ بأن اليابانيين قد وجهوا الدعوات لآلاف من الخبراء الأجانب فهم لا يخافون الآخرين لأن الفرد الياباني لديه حصانة قوية ولا يخشون عليه من الآخر مهما كان قوياً أو مؤثراً. وكانت مهمة هؤلاء الخبراء هي مساعدة اليابانيين على إنشاء أعداد كبيرة من المعاهد والمؤسسات المختصة حيث أُنشأت وزارة التربية عام 1871 وكانت شديدة المركزية كما ذهب الموسوي. وبحلول عام 1893 كان هناك أكثر من “13” ألف مدرسة ابتدائية وهو رقم كبير يجب ألا نمرّ عليه مرور الكرام حيث استوعبت هذه المدارس نسبة 64% من الأطفال الذكور و 17% من الإناث، إضافة إلى مدارس أخرىلاتصرفعليها الحكومة، لذلك أصبح عصر الإمبراطور ميجي علامة يابانية فارقة حيث بدأت وزارة التربية تفرض سيطرتها على تأليف الكتب المنهجية للمراحل الدراسية المختلفة.
المعلمون النخبة
توقف الموسوي عند المرحلة التي أعقبت انتهاء الحرب العالمية الثانية في آب 1945 حيث أعلنت اليابان استسلامها وقبولها باتفاقية “بوتسدام” وتنفيذ جميع بنودها ومن ضمنها إبعاد كل العناصر التي كانت في السلطة في أثناء الحرب اعتقاداً منهم بأن “النظام التربوي الياباني يُعد أداة رئيسة في تغذية التعصب القومي قبل الحرب” حيث سُرِّح عدد كبير من المعلمين وأساتذة المعاهد والجامعات.
يعتقد الموسوي بأن المعلِّم الياباني يظل عصب العملية التعليمية ويبقى فاعلاً حتى مع وجود أسوأ المناهج الدراسية المقررة لأن المنتمين إليها هم النخبة الأوائل، كما لفت عناية الحاضرين إلى أن اليابان لا رسوب فيها في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة لأن الغاية الأساسية فيها هي التربية التي تتضمن “غرس المفاهيم العامة، بناء الشخصية، الالتصاق بالوطن، تعميق مفهوم الأخلاق، وطريقة التعامل مع الآخرين” وما إلى ذلك من قيمٍ أخلاقية واجتماعية وثقافية. ذكر الموسوي في متن محاضرته بأن اليابان تنفق 3% من الناتج القومي الإجمالي على الأبحاث العلمية، أي عشرة أضعاف ما تنفقه الدول العربية مجتمعة، كما أن التلامذة اليابانيين لم يدرسوا لحد الآن في مبانٍ عشوائية،وإنما في مدارس نموذجية مُعدّة لهذا الغرض، ولم يشهدوا طوال تاريخهم تعليماً مزدوجاً، هذا إضافة إلى أن إعداد المعلّم يتم بطريقة موحدة في عموم المدن اليابانية. اختتم الموسوي محاضرته بالقول إنّ “منحنى الذكاء” ينطبق على كل مخلوقات الكرة الأرضية وأن 67% من أي مجتمع قدراته العقلية متوسطة، و 13% هم من ذوي القدرات العقلية الواطئة الذين يعانون من بطئ في التعلّم، و20% هم من ذوي القدرات العقلية العالية. وجدير ذكره أنّ اليابان هو البلد الوحيد في العالم الذي تمكّن من أن يدرِّس الـ “13%” ليدمجهم مع أصحاب القدرات العقلية المتوسطة لتصبح النسبة في هذا البلد هي 80% بخلاف مجمل بلدان العالم.