د. محمد علي زيني
قطعت تذكرة على الخطوط الجوية العراقية لندن- بغداد- لندن (الذهاب بتاريخ 18 تشرين الأول والأياب بتاريخ 12 تشرين الثاني)، وكان الغرض الرئيسي من زيارتي للعراق هذه المرة هو المشاركة في المؤتمر العلمي السابع لكلية الأدارة والأقتصاد – جامعة البصرة. كان عنوان المؤتمر (مظاهر الفساد وانعكاساتها الأقتصادية والأجتماعية وسبل معالجتها في العراق)، حيث ألقيت مختصراً عن بحثي الذي كان بعنوان (في ظل الحاكم المدني بول برَيمر: فساد وإفساد)(1).
فساد عراقي
لم يكن الفساد المالي بأنواعه المختلفة (الرشوة، محاباة الأقارب، السرقة الرسمية أو المقننة، الأحتيال، المحاباة الخاصة بين الموظف والمراجعين) منتشراً بالعراق قبل أن يُوطّد صدام حسين هيمنته على شؤون الحكم بعد انقلاب سنة 1968. إذ يمكن القول أن الفاسدين في الحكومات العراقية المتعاقبة كانوا قلة في البداية، حيث كان من النادر أن يتعاطى الموظف العراقي الرشوة – وهي أشهر أنواع الفساد المالي – إذ كان يُنظر لها نظرة دونية باعتبارها مخلة بالشرف، كما كان الناس في تلك الأوقات ينظرون الى موظف الحكومة المرتشي بازدراء.
على أن تلك النظرة السليمة نحو الفساد المالي بدأت تتغير تدريجياً منذ انقلاب 1968 وقيام صدام حسين بتوطيد هيمنته تدريجياً على شؤون الحكم ثم استيلائه بالنهاية على كامل السلطة والأنفراد بها. بدأَت أول عملية فساد كبيرة بتاريخ العراق الحديث عندما أصدر مجلس قيادة الثورة – بعد تأميم النفط العراقي – قراراً في سنة 1972 ينص على وضع خمسة في المائة من واردات النفط المالية جانباً في حسابات أجنبية(2)، واستمرت تلك العملية بدون انقطاع حتى آب 1990 حين توقفت بتوقف الصادرات النفطية نتيجة فرض الحصار الأقتصادي على العراق. لقد كانت تلك البادرة أول سرقة رسمية أو “مقننة” بتاريخ العراق الحديث(3). ومن الجدير بالذكر أن أول مجلس نواب عراقي بعد سقوط نظام صدام حسين والذي جاء بسنة 2005 قد استأنف عمليات السرقة بصورة رسمية أيضاً عندما شرّع – أول ما شرّع – القوانين التي تبيح الرواتب الفلكية والمخصصات الأسطورية والحمايات الجرّارة للنواب ورئيس مجلسهم ورؤساء السلطة التنفيذية والوزراء وأصحاب الدرجات الخاصة، وما تلى ذلك من رواتب تقاعدية ومزايا خاصة ما أنزل الله بها من سلطان.
بول برَيمر: إدارة سيئة أم فضيحة مُدوّية؟
إن سبب اختياري فترة الحكم القصيرة لبول برَيمر كموضوع بحث عن الفساد في العراق هو أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر في زماننا هذا من بين مجموعة الدول المتقدمة حضارياً، وهي لذلك تعلو على العديد من دول العالم من حيث النزاهة كما يشير الى ذلك مؤشر الفساد لسنة 2013، حيث جاء ترتيبها 19 بين 177 دولة وإقليم ودرجتها 73 من 100، في حين جاء العراق ضمن مجموعة الدول السفلى، وذلك بترتيب 171 بين دول العالم ودرجة 16 من 100، ولم يعلو إلا على ستٍ من الدول وهي الأفسد في هذه المعمورة. ورغم الضجة الكبرى التي أبداها الشعب العراقي حول فساد حكومته، ازداد الفساد في هذه السنة (2013) مقارنة بالسنة الماضية، حيث تقهقرت درجة العراق من 18% في السنة الماضية الى 16% في هذه السنة(4).
لقد كنت آملاً، بعد احتلال العراق في 2003، أن يقوم السيد برَيمر، الآتي من أمريكا ” النزيهة” كما تشير الأحصائية المذكورة، والذي حَكم العراق لمدة قاربت 14 شهراً، أن يقضي على ما تخلف من فساد العهد السابق وأن يُعَلّم المسؤولين العراقيين، كباراً وصغاراً، دروساً في النزاهة بأن يكون مثلاً ساطعاً يحتذى به، هو ومعاونوه وخبراؤه ومتعلقوه، في ممارسة العمل النزيه، وأن يسلك درباً في الحكم الصالح يمشي عليه الجميع من بعده. ولكن ذلك لم يحصل وإنما حصل العكس.
فعندما انطوت حقبة الفساد بسقوط صدام ونظامه، بدأت حقبة جديدة من الفساد في ظل بريمر وبأساليب جديدة. والآمال التي انعقدت في بادئ الأمر على وطنٍ ستضعه أمريكا على سكة التطور الأقتصادي وبنظام ديمقراطي خالي من الفساد ظهرت بأنها مجرد خيال. فالمرحلة التي جاء بها بريمر برهنت على كونها كارثية بكل المقاييس. إذ جاء الفساد كطوفان يحدث بعد انكسار السد. جاء وكأن الغاية من غزو العراق لم تكن للقضاء على نظام متخلف وفاسد، وإنما كانت لترسيخ التخلف ونشر الفساد بصورة أوسع. أي وكأن الفساد في ظل صدام لم يكن كافياً وليس بالمستوى المطلوب، كما لم يكن عادلاً إذ اقتصر على فئة قليلة تشمل صداماً ورهطه، بينما الفساد المطلوب يجب أن يكون عادلاً وممارسته شاملة: من الرؤساء الى الوزراء نزولاً الى أبسط موظف أو عامل. وهذا ما هو حاصل الآن!
تبديد أموال العراق
بعد الأحتلال بفترة وجيزة أعلن القادة العسكريون الأمريكان والسياسيون الكبار عن برنامج ضخم لأعادة إعمار العراق والنهوض به الى مستوى جديد من الرفاهية والتقدم(5). وقارن الرئيس الأمريكي – بوش الأبن – هذه الجهود بخطة مارشال بعد الحرب العالمية الثانية (6). وبموجب قرار مجلس الأمن 1483 تأسس صندوق تنمية العراق بأموال عراقية(7) ووُضع تحت تصرف سلطة التحالف المؤقتة لتمويل ميزانية العراق التشغيلية والأستثمارية. بلغ مجموع واردات صندوق تنمية العراق 20.7 مليار دولار، خلال الفترة الزمنية بين 22 أيار 2003، وهو اليوم الذي صدر فيه قرار مجلس الأمن 1483 الذى أنهى الحصار الأقتصادي وأسس صندوق تنمية العراق (DFI)، و28 حزيران 2004، وهو اليوم الذي سَلمت فيه سلطة التحالف المسؤولية إلى الحكومة العراقية المؤقته التي تم تعيينها برئاسة الدكتور أياد علاّوي. تكونت واردات الصندوق الرئيسية من بقايا برنامج النفط مقابل الغذاء (8.1 مليار دولار) ومبيعات النفط (11.4 مليار دولار)، وما كان بعهدة وزارة الدفاع الأمريكية من أموال عراقية بلغت 2.7 مليار دولار (أموال عراقية مجمدة وأخرى مصادرة)، وقد وضعتها تلك الوزارة بعهدة سلطة التحالف لمدة سنة واحدة إبتداءً من آيار 2003. بالنهاية أصبح تحت تصرف برَيمر ما مجموعه 23.4 مليار دولار(8).
لقد أفاد تقرير المفتش العام الخاص بإعادة بناء العراق إن سلطة التحالف لم تمارس الرقابة اللازمة والسيطرة الوافية في النواحي الأدارية والمالية والتعاقدية الخاصة بصندوق تنمية العراق(9). ولا يمكن الكشف عن كافة حوادث الفساد التي طالت هذا الصندوق، ولا عن كافة أسماء مرتكبيها، نظراً لغياب الشفافية من جهة وغياب السيطرة الأصولية واللازمة من جهة أخرى. سندرج في ما يلي بعض حالات الفساد والقصور، وليس جميعها نظراً لضيق الفسحة هنا، التي تم كشفها من قبل المفتشين وشركات التدقيق وهي تعكس إداءً مزرياً لسلطة التحالف المؤقتة في تعاملها مع صندوق تنمية العراق تَمثّل بسوء الأدارة والفوضى والأهمال. إن التعامل غير المتوقع لسلطة التحالف مع بلد كالعراق، تعرض لدمار شامل نتيجة للأحتلال والحروب المتوالية وحصار إقتصادي قاسي وظالم دام لمدة قاربت 14 سنة، يعتبر فضيحة عالمية بكل المقاييس.
- قامت سلطة التحالف بالسيطرة في البداية سيطرةً كاملة على صندوق تنمية العراق، وبغضون 13.5 شهراً قامت بصرف 19.6 مليار دولار، ما يعادل أكثر من 90% من موارد الصندوق. وبعكس ما فرضه قرار مجلس الأمن 1483 لم تتبع سلطة التحالف الشفافية بالعمل من أجل “تلبية حاجات الشعب العراقي الأنسانية وإعادة البناء الأقتصادي وإصلاح البنية التحتية” كما نص عليه القرار.
- بعد أيام قلائل من تسلم بول بريمر مهمته في العراق، أرسل صندوق تنمية العراق حمولات متعاقبة الى بغداد بواسطة طائرات حمولة نوع سي–130 هرقل. كان محتوى الحمولات أوراق نقدية جديدة من فئة 100 دولار، قيمتها الكلية بلغت نحو 12 مليار دولار. وصلت تلك الأرساليات النقدية الهائلة، والتي لم يماثلها شيئ بالتاريخ، لتكون تحت تصرف سلطة التحالف المؤقتة بقيادة بول برَيمر. إن عملية جلب مليارات الدولارات بهذه الصيغة والتعامل بها نقداً بدون أن تترك بعدها أثراً هي بحد ذاتها دعوة وتسهيل لارتكاب الفساد(10).
- إحتفظت سلطة التحالف بأكثر من 800 مليون دولار تحت اليد نقداً وبدون سجلات، وذلك من أجل تمشية أعمالها. 200 مليون دولار منها احتفظت بها السلطة في غرفة أحد قصور صدام بعهدة جندي أمريكي كان يضع مفتاح الغرفة في الحقيبة التي يحملها على الظهر ويتركها على المنضدة بدون حراسة عند الذهاب الى الغداء. ولاحظ المفتش العام أن سلطة التحالف لم تؤسس، ضمن سياساتها وأنظمتها، لمسؤولية فعلية وسيطرة فعّالة على كيفية التصرف بذلك النقد(11).
- قام مجلس الأمن باستحداث “المجلس الدولي الأستشاري والرقابي” (IAMB) بعضوية البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبنك التنمية العربي والأمم المتحدة، وكان الغرض منه رقابة وتدقيق صندوق تنمية العراق. ونظراً لأن هذا المجلس كانت لديه الأمكانية لتحديد المقصرين والمتهاونين، فقد حورب من قبل الولايات المتحدة التي فعلت كل شيئ لأعاقته وإضعافه. أضف الى ذلك أن المجلس لم يملك صلاحيات للتحري أو المقاضاة، ولم يكن له موظفين دائميين ولم يملك صلاحيات البحث عن حالات الفساد أو الأحتيال. وعندما وصل فريق التدقيق (KPMG) العائد للمجلس قوبل ببرود وقضى أسابيع للحصول على رخصة تسمح له بالدخول الى المنطقة الخضراء حيث توجد سجلات سلطة التحالف(12).
- شكى المجلس مراراً من أن السلطات الأمريكية والعراقية لم تحتفظ بسجلات وافية، وإن التحويلات المالية من الصندوق لا يمكن مطابقتها، والسلطات المسؤولة لم تكن متعاونة. كذلك شكى المجلس حول الطرق الغير أصولية في إعلان المزايدات وإدارتها، وحول سجلات التوظيف المريبة، ثم بالأخص شكى حول مبيعات النفط بدون وجود مقاييس أو عدّادات. ولكن، مع كل تلك الشكاوى، تجاهل مجلس الأمن الأجراءات اللاأصولية التي أوضحتها الشكاوى ولم يتخذ خطوات إصلاحية لحماية “حاجات الشعب العراقي الأنسانية”(13).
- فيما يتعلق بعمليات التعاقد أفاد المفتش العام لسلطة التحالف في تقريره بتاريخ تموز 2004، إن سلطة التحالف لم تصدّر إجراءات قياسية أصولية لعمل المشرفين على العقود، ولم تطور وسيلة فعالة لفحص ونقد العقود، ولا نظام للرقابة والمتابعة. إضافة لذلك كانت ملفات العقود أما ناقصة أو غير موجودة. كذلك لم يتحقق موظفو العقود دوماً من كون قيمة العقود مناسبة ومعقولة، ومن المقاولين بأنهم سينفذون العمل حسب الجداول المتفق عليها، ومن دفع استحقاقات المقاولين المالية بالأوقات التي تقتضيها شروط العقد(14).
- وجد المفتش العام أن سلطة التحالف قد أساءت الأدارة ولم توفر حماية وسلامة النقد والمجوهرات والأحجار الكريمة واللوحات الفنية والسيارات والأثاث والسجاد والمقتنيات الثمينة التي تم الأستيلاء عليها من النظام السابق خلال وبعد عمليات القتال. كما وجد أن سلطة التحالف لم تحتفظ بقوائم جرد الموجودات اللانقدية. وبذلك من الممكن أن تكون قد تعرضت تلك الموجودات الثمينة الى الضياع أو السرقة(15).
- وجد المدققون أن سلطة التحالف لم تحتفظ بحسابات تخص مئات ملايين الدولارات من النقد المخزون عندها، وأعطت عقوداً قيمتها مليارات الدولارات الى شركات أمريكية بدون عروض للمناقصة، ولم تعلم ماذا كان يجري لمليارات الدولارات التي سلمتها للوزارات العراقية في ظل مجلس الحكم(16).
- إن أنظمة الأدارة المالية المتبعة من جهة وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) تتميز بقواعد خاصة يقتضي مراعاتها والتقيّد بها في صرف الموارد المالية وفي الأشراف على المقاولين وفي تقديم البيانات المالية وفي إجراءات عديدة أخرى من أجل حماية الأموال الحكومية من إساءة الأستعمال. على أن سلطة التحالف، التي كان مطلوب منها إدارة صندوق تنمية العراق بطريقة أصولية وشفافة، لم تطبق نفس المعايير الواجب تطبيقها على أموال الحكومة الأمريكية، وقد كان ذلك العمل أحد أهم أسباب الأدارة السيئة للأموال العراقية. وكمثل على وجوب صرف أموال الحكومة الأمريكية طبقاً للقواعد المرعية: إن شركة كَي بي آر (وهي فرع من شركة هاليبرتون التي كان يرأسها دِك شَيني قبل أن يصبح نائباً للرئيس الأمريكي) تسلمت لوحدها 60% من قيمة كافة المقاولات بين الشركات الأمريكية والبريطانية المدفوع كُلفاتها من صندوق تنمية العراق. وكانت تلك مقاولات لاستيراد وتوزيع الوقود داخل العراق. بعد تدقيق تلك المصروفات من قبل مدققي وزارة الدفاع تبين أن كي بي آر قد ضخّمت الكلفة الحقيقية لاستيراد الوقود بمقدار 61 مليون دينار، ما دفع وزارة الدفاع أن تقوم بعملية “تحرّي إجرامي” في شباط 2004. ونتيجة لاكتشاف ما فعلته كي بي آر، واكتشاف عمليات مماثلة أخرى، أصرّ الكونغرس الأمريكي في 2004، خلال تخصيصه منحة مالية للعراق، على أن جميع المقاولات لأعادة بناء العراق والممولة بأموال أمريكية يجب أن تأتي من خلال مناقصات تنافسية، وذلك بخلاف المقاولة مع شركة كَي بي آر التي لم تكن تنافسية. ومن أجل التقيد بشروط الكونغرس قامت وزارة الدفاع الأمريكية بنقل مقاولة كَي بي آر لكي يُدفع ثمنها من صندوق تنمية العراق. لقد كان من نتيجة ذلك أن تسلمت تلك الشركة ما مجموعه 921 مليون دولار من صندوق تنمية العراق لمقاولات لم تخضع للتنافس. ونتيجة لازدواجية سلطة التحالف في التعامل مع الأموال الأمريكية والأموال العراقية أن بلغت قيمة المقاولات التي نفّذها مصدر واحد (أي بدون منافسة) 73% من القيمة الكلية لكافة المقاولات التي موّلها صندوق تنمية العراق(17).
- تم حل سلطة التحالف المؤقتة في 28 حزيران (يونيو) 2004، وأُعطيت إدارة صندوق تنمية العراق بيد الحكومة العراقية المؤقتة، برئاسة إياد علاوي. وبهذا التحول أصبح العمل في ظل الحكومة العراقية أكثر ضبابية وفساداً من ذي قبل. فوزارة المالية العراقية لم تعين محاسباً للصندوق حتى شباط 2005، ولم يكن هناك حتى نهاية 2006 حساباً منفصلاً يسمح بالأشراف على أموال الصندوق(18).
- 11. بقي العراق لمدة تزيد على أربع سنوات ينتج النفط الخام ويصدر، ويقوم بتكرير جزء من النفط الخام المنتج لسد الأستهلاك المحلي، ولكن كانت العمليات تلك تحدث بدون وجود مقاييس أو عدّادات لقياس كميات النفط المنتج والمصدر والمستهلك محلياً. فالأصول في الصناعة النفطية، وهذا ما يجري في جميع الدول المنتجة للنفط، هي أن تكون هناك عدّادات لقياس كميات النفط الخام المنتج، وعدادات لقياس كميات النفط الخام المصدر، وعدادات لقياس كميات النفط الخام الذي يذهب الى المصافي المحلية للتكرير، وعدادات لقياس كميات المشتقات النفطية التي توزع داخل العراق للأستهلاك المحلي، ولكن الذي كان يحدث في العراق هو خرق فاضح لتلك الأصول. بدأت عمليات سرقة وتهريب النفط الخام العراقي والمشتقات النفطية المكررة داخل العراق منذ سقوط النظام في نيسان 2003. وبجانب ذلك كان سكوت سلطة التحالف وسكوت الحكومات العراقية لغز لم يفهمه أحد سوى القبول وحتى التواطئ في السرقة والتهريب. وقد قُدّرت الكميات المسروقة من النفط العراقي بين 200 ألف الى 500 ألف برميل يومياً. كما قُدرت قيمة ما يُسرق من النفط الخام بمعدل 5.5 مليار دولار سنوياً وما يسرق من المشتقات النفطية بمعدل 800 مليون دولار سنوياً. لقد بقيت مسألة العدادات النفطية خفية وغامضة لغاية الوقت الحاضر. فرئيس مجلس إدارة المجلس الدولي الأستشاري والرقابي أخبر مجلس الأمن في تموز 2004 بأن العدادات ستنصب قريباً في أرصفة التحميل ولكن ذلك لم يحدث. ذلك أن شركة هاليبرتون كانت تملك عقد نصب العدادت في بادئ الأمر ولكنها لم تنجز العمل فانتقل العقد الى شركة بارسونز، ولكنها لم تبدأ العمل حتى آيار 2006. وقد تسببت هذه الأخيرة بتأخيرات خطيرة في حين ادعى سلاح الهندسة الأمريكي بأن ميناء البصرة ستنصب له العدادات في منتصف 2007(19). لم يعرف لحد الآن فيما إذا كان نصب العدادات قد اكتمل، إلا أن كاتب هذه السطور بين في مقال له بتاريخ 23/12/2012 وبعنوان “هل العراق يحتضر؟” ذكر فيه إن 1,747 عدّاد من أصل 3,646 لم تُنصب بعد. يمكن الأطلاع على المقال بنقر الرابط: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=337872
تعبيد الطريق الى فساد الدولة
استناداً الى ما ورد أعلاه في تقارير المدققين والمفتش العام والأعلام المستقل، يتبين أن سلطة التحالف المؤقتة لم تنجز مهامها الأجرائية والرقابية بالصورة المطلوبة والوافية، سواء من النواحي الأدارية أوالمالية أوالتعاقدية، من أجل تأمين استغلال أموال صندوق تنمية العراق بالشفافية اللازمة ومن أجل إنجاز الأهداف التي توخاها قرار مجلس الأمن 1483، بضمنها تلبية حاجات الشعب العراقي الأنسانية وإعادة البناء الأقتصادي وإصلاح البنية التحتية. وبناءاَ عليه فقد تهاونت سلطة التحالف في تحمل مسؤولياتها المناطة بها وفي إداء واجباتها، الأمر الذي أدى ليس فقط إلى حصول خروقات نتج عنها خسائر كبيرة في أموال الشعب، بل الى أخطر من ذلك بكثير وهو ضرب المثل السيئ أمام الحكومة العراقية والشعب العراقي بصورة عامة، وموظفي الدولة بصورة خاصة، في إداء الواجب وتحمل المسؤولية والعمل بنزاهة.
إن سلطة التحالف جاءت لحكم العراق – وإن مؤقتاً – بقيادة أمريكا وهي من بين أرقى دول العالم المفروض بها التحلي بمستوى رفيع في الأمانة والنزاهة وتحمل المسؤولية وإداء الواجب. على أن ما أقدمت عليه هذه السلطة في خيانة الأمانة وتعاطي الفساد الأداري والمالي والتهاون الفاضح مع حالات الخداع وإساءة الأستعمال وضياع الأموال، بل ولربما حتى الأهمال المتعمد من قبل البعض في تجاوز العرف والأصول، قد عبد الطريق الى ممارسة اللصوصية في إداء موظفي الدولة العراقية، من كبيرهم الى صغيرهم، وفتح أبواب الفساد داخل العراق على مصاريعها ليدخل منها من تمكن، دون رادع من خوف أو عقاب، حتى انهار العراق بالنهاية الى حضيض سُلّم الدول الفاسدة.
غطار الليل
أنا لا أبالغ إن قلت بأني أحب البصرة وأهلها حباً جماً، وأعتبرها مدينتي الثانية بعد النجف التي هي مسقط رأسي ومكان طفولتي. وسبب تعلقي بالبصرة هو كرم أخلاق أهلها وطيبتهم التي لا توصف، إضافة الى كونها المدينة الأولى التي بدأت بها حياتي العملية (1963 – 1966) بعد نيلي شهادة بكالوريوس هندسة كهربائية من بريطانيا باعتباري طالب بعثة وزارة النفط.
كانت السيارة الكبيرة المستعملة من قبل شركات النقل وسيلة سفري الأعتيادية في ذلك الوقت بين بغداد والبصرة، على أنني في حالات معينة كنت أسافر بالقطار “درجة ثانية”. كانت عربة الدرجة الثانية آنذاك من الداخل مغطاة بالخشب المصقول والمقاعد مصنوعة من الجلد على ما أتذكر. المقصورة بجمالها ونظافتها كانت تبعث على الراحة والشعور الغريب بالسعادة، يعزز ذلك خدمة جيدة وإحساس قوي بالدّعة والطمأنينة.
غادرت بغداد الى البصرة في الشهر الماضي – لحظور المؤتمر العلمي لجامعة البصرة كما نوهت بالبداية – بسيارة أمريكية تدعى “أوباما”، ويبدو أن لهذا الأسم علاقة بهيئة الرئيس الأمريكي الحالي. كانت السيارة مريحة وهي تقل ثلاثة ركاب، كنت أنا واحداً منهم. وكان شوقي كبيراً جداً للرجوع الى بغداد بالقطار، وبالدرجة الثانية لاسترجاع ذكريات الماضي، فأجابتني الجامعة – مشكورة – لما أريد، وحجزت لي مقعداً حسب طلبي ولو أنني لاحظت علامات تعجب ترتسم على بعض الوجوه، كأنني كنت أطلب شيئاً غريباً. أقلني السائق من فندق “مناوي باشا” وأوصلني الى المحطة في السادسة مساًءً بعد المرور بمنعطفات و”لف ودوران”، خصوصاً قرب المحطة، وكانت تلك – كما فهمت – لأسباب أمنية. تسلقت العربة رقم 2 وكانت حديدية من الخارج والداخل، ثم دخلت “الخلية رقم 5” المخصصة لمنام أربعة مسافرين، وكنت – لحسن الحظ – أول من دخلها فوجدت أربعة أسرة، إثنان في الأسفل وإثنان في الأعلى. اخترت أحد السريرين “السُفلِيَّين”، لأنك إن اخترت سريراً الى الأعلى، لابد أن تكون “طرزان” حتى تتمكن من القفز والتسلق، وذلك لعدم وجود سُلَّم. جلست على فراش الأسفنج المصنوع محلياً – على ما يبدو – وقد بانت أحشاؤه من بعض الأطراف. وكان مغطى بشرشف نظيف، ولكنه متهالك وصغير، فهو لم يغطّي الفراش بكامله حتى ينسدل من الجانبين، وشرشف بهذا الصغر سرعان ما تتم إزاحته جانباً أو “يتَكعوَر” تحت النائم نتيجة الحركات والتقلبات خلال النوم. أما “البطانية” المركونة جانباً فقد كانت من الوزن الثقيل ولم يكن معها شرشف آخر كي يتغطى به النائم فيكون حاجزاً بينه وبين البطانية القديمة المستعملة من قبل مئات الناس.
القطار كان قديماً جداً، وقد أخبرني العسكري الذي احتل السرير المقابل – وكان برتبة عميد – إن عمر هذا القطار نحو أربعين عاماً، إذ تم تدشينه في أوائل الثمانينات من القرن الماضي. وقد تعرض، فوق عمره الطويل، الى النهب والتخريب إبّان الأيام الأولى من الأحتلال. وقد بدا ذلك واضحاً من التصليحات المرتجلة على جسم القطار حيثما حل الخراب نتيجة الأستهلاك أو النهب أوالتخريب. والتخريب هذا يأتي – عدا عن حالات إستثنائية كأن يكون التخريب لأسباب سياسية مثلاً – نتيجة حالة الأنفصام الشديد بين الحاكم الغاشم المتسلط وأفراد الشعب، حيث يعتقد الفرد بتخريبه ذاك أنه ينتقم من الحاكم ولا يدري أنه يخرب أموال الشعب وهو واحد منه. كان من المفروض أن يتحرك القطار في الساعة السادسة والنصف مساءً ولكنه لم يتحرك إلا بعد ساعة من التأخير. ولم يكن هناك تواصل بين سائق القطار وجماعته من جهة والمسافرين من جهة أخرى، وبقي الركاب يضربون أخماساً بأسداس لمعرفة سبب التأخير، ولم يتسن لهم أن يعرفوا. وأخيراً، وبعد أن دبّ اليأس بنا، تحرك القطار.
لم يستهوني الجلوس طويلاً بمقصورتنا التي سميتها “الخلية” وقد أصبحت مكتضة بأربعة رجال وبالحقائب التي لم يكن لها مكان مخصص، ففضلت استكشاف القطار بعض الشيئ. كانت عربتنا الثانية من الأمام فتوجهت نحو الخلف. سِرتُ ببطئ في الممر الضيق وواجهت صعوبة بالغة في الحفاظ على توازني من شدة اهتزاز القطار بالأتجاهات الأربعة وكأنه سفينة في بحرٍ متلاطم، ما جعلني أرتطم بجدران الممر يميناً وشمالاً، فقررت السير ببطئ وكأني طفل يتعلم المشي لأول مرة. مررت بعدة خلايا بعض سكانها يمرحون ويتلهّون بتناول أطعمة ومشروبات غازية، وأخرى سكانها واجمون، فيما أمسكت بعض النسوة بأطفالهن خشية التصادم بينهم أو الأرتطام بالجدران وهم في طريقهم الى المرافق.
أثارت المرافق الصحية فضولي فانتظرت قليلاً حتى يأتي دوري، ثم دخلت ونظرت حولي وأنا أهتز مع القطار. وجدت مغسلة صغيرة كانت نظيفة وسرعان ما بدأت تتسخ، ووجدت مرآة مكسورة مثبتة على الحائط. وبينما كنت أنظر الى المرحاض، وهي شرقية ونظيفة، ارتفع الجانب الأيمن من العربة فجأة “فتسرسحت” بسرعة الى اليسار وكدت أفقد توازني لولا أني أمسكت بمقبض متدلي من السقف، ربما وُضع هناك لأنقاذ المساكين مثلي في مثل هذه الحالات. تسائلت مع نفسي كيف لمسافرٍ أن يستعمل مرحاضاً شرقيةً إذا كان داخل عربة قطار “مسودنة” تتأرجح يمنة ويسرة، بشدة وبدون ضمير؟ إذ لا يمكن لشخصٍ أن يغامر بمثل تلك العملية إلا إذا كان شجاعاً ولا يبالي “إن هو وقع على الماء أم وقع الماء عليه”. شكراً يا وزارة المواصلات! متى يتم تبديل هذه القطارات التي اندثرت الى الصفر منذ سنين بأخرى حديثة(20)؟
دخلت عربة الطعام فوجدتها مكتظة برجال من مختلف الأعمار والأشكال، إلا أن عنصر الشباب كان هو الغالب. كان أكثر الحاضرين يدخنون بنهم، ما جعل جو العربة مملوءاً بضباب رمادي اللون. شاهدت البعض من الشباب يترنحون وقد استرخى الواحد منهم على كرسي فيما مدّ رجليه على كرسي مقابل، سانداً رأسه إلى الجدار الخلفي، مطيلاً النظر الى سقف الغرفة بعيون زائغة، يدل منظره وكأنه قد استهلك مادةً مُسكِرة أو مُخدّرة. بدأت أفكر بنكبة العراق، وشباب العراق الضائع. لا مدرسة ولا عمل ولا حتى آمال. يا خسارة! وبينما كنت شارد الفكر، أسيراً لشعورٍ من الألم والأحباط، تولتني سورةٌ من الغضب حين تذكرت ساسة العراق. تُرى بماذا تفكر الغالبية من هؤلاء وهُم يسكنون القصور داخل المنطقة الخضراء – ومنهم خارجها أيضاً – يحرسهم غلب الرجال المدججين بالسلاح؟ هل هم يفكرون بشباب العراق؟ هل يفكرون بشعب العراق؟ بل هل يفكرون بالعراق؟ أم أنهم لا يفكرون إلا بأنفسهم، لاهين بالنزاعات الأزلية بين كتلهم المتناحرة وبين بعضهم البعض، وبسرقة المال العام لاستثماره بالخارج، ولربما استبقاء جزءٍ منه لتمويل انتخاباتهم حتى يؤمّنوا البقاء على كراسي السلطة، وليذهب العراق وأهلُه الى الجحيم! بينما كنت أسيراً لتلك الأفكار ربتت على كتفي يدٌ غريبة من الخلف. إلتفتُّ نحو صاحب اليد وإذا بشاب بمقتبل العمر، وسيم وحسن المظهر، مبتسماً بوجهي، سائلا:
– شلونك عمّو؟
– الحمد لله، وإنته شلونك؟
– على الله….الله كريم.
– شسمك…وإنته وين رايح؟
– أسمي أحمد وآنه رايح أدوِّر شغل، لأن بالبصرة ماكو شغل وأهلي محتاجين، عمّو.
– وين تدوِّر شغل، ببغداد؟
– لا عمّو، بغداد ما بيهه شغل، آنه رايح للسليمانية.
– وشراح تشتغل بالسليمانية؟
– أي شغل ميخالف، بالبناء مثلاً، بس آنه أفضّل أشتغل بمطعم لأنه أكو فرصة أنام بالمطعم وهذا المنام يحسبوه حراسة، وهمّات أكلي بالمطعم يطلع بلاش!
إستمر الحديث بيني وبين أحمد حتى شعرت بالتعب وقد تجاوز الوقت الثالثة صباحاً. ودّعته ودعوت من الله أن يوفقه، واتجهت مغادراً عربة الطعام وأنا أفكر بمرارة وأتسائل: كيف لهذا الأمر أن يحدث، ولأهل البصرة بالذات؟ هذه المدينة العريقة التي أهداها الأسلام الى العراق، المدينة العائمة فوق بحرٍ من النفط، مصدر خيرات العراق لعقود عديدة مضت، منبع الريع الذي أضحت تعتاش عليه الحكومات المتعاقبة بعد أن تعرّض الأقتصاد العراقي للدمار، ثغر العراق وأمستردام الجنوب وجوهرة مدائن الخليج، هكذا تنحسر مياهها وتنام عطشى ولا تشرب إلا الملح؟ تندثر موانئها وتُستباح شطئانها وتُقطع أشجارها وتتصحر أراضيها وتجف أنهارها لتنتهي مصادر للعفن ومكبات للأزبال؟ أين شوارعها الجميلة وأين أسواقها الغنية وأين مقاهيها وسينماتها وملاهيها التي كانت في زمان الستينات قبلةً لأهل الخليج؟ أين ذهبت تجاراتها وصناعاتها وخدماتها التي انطوت معها فرص تشغيل الأيدي العاملة حتى عمّ أهلَها الفقر وركب شبابُها قطارات الليل بحثاً عن عمل حتى في سليمانية كردستان؟
إتجهت نحو الخلية لأستريح وربما أخلد الى النوم، ولكن جذب انتباهي من خلال النافذة ضياء تراءَى لي من بعيد. وضعت ساعدي على حافة النافذة السفلى واتكأت وأنا أنظر في دامس الليل الى ذلك الضياء وقد أثار بنفسي الشجون. تذكرت قصيدة مظفر النواب الخالدة، للرَيل وحمد، والتي أمسَت منذ ستينات القرن الماضي أغنيةً فولكلورية جميلة تمرّ على ألسن الناس: (مرّينة بيكم حمد واحنه ابغطار الليل، واسمعنه دك اكهَوه وشَمّينة ريحة هيل. يا رَيل صيح بقهر صيحة حِزن يا رَيل….). سحبت هواءً عميقاً وخرجت آهة من صدري واغرورقت عيناي، وتسائلت تُرى ماذا حلَّ بحمد وبحبيبته “أم شامات” بعد مرور نحو خمسين سنة شاهد خلالها الشعب العراقي مصائباً لم يمر بها شعب في زماننا هذا؟ هل أُجبر حمد على التطوع في قادسية صدام؟ أم داهمت بيتهم في الثالثة بعد منتصف الليل قوة من جلاوزة النظام وسحبته حافياً و”بطَرِك الدشداشة” لتشبعه في الطريق ضرباً وركلاً وشتائم وإهانات، ثم لتودعه في زنزانة رطبة ومعتمة، يتعرض هناك للتعذيب بين آونة وأخرى؟ فإن كان ذلك ما حدث له ولم تكن نهايته في إحدى المقابر الجماعية، فلا شك أنه قد خرج من سجون النظام السابق، ليتنعم بأجواء الحرية التي عمّت العراق بعد سقوط النظام ولكنه، من جهة أخرى، بدأ يعيش ضيم النظام الجديد الذي تقوده حكومة تتمسك بالسلطة دون تحمل مسؤولية إعادة بناء دولة متكاملة بشعبها وسلطاتها ومؤسساتها. إن جُلّ ما تعرفه الحكومة الجديدة هو تسلّم ريع النفط – الغير متعوب به أصلاً – لمجرد تمويل الميزانية السنوية وهي تحوي الرواتب والمخصصات الفلكية للطبقات العليا من موظفي الدولة، وتعرف أيضاً كيفية التستّر على لصوصية وفساد العديد من كبراء المسؤولين.
فكيف لحمد أن يعيش سعيداً في أجواء هكذا دولة وهو الفلاح القروي البسيط، إبن الطبقة المسحوقة من الشعب، صاحبة الحقوق المهضومة؟ إن حمد – وهو يمثل أي فرد من أفراد هذا الشعب المسحوق – معرض لتحمل النوازل والآلام، من سيول قد تجرف زَرعَه، الى عبوة ناسفة قد تبتر أحد أطرافه، الى سيارة مفخخة قد تقضي على حياته وتحول جسده الى مجرد فحم. أما زوجته الحبيبة “أم شامات” التي لازالت قسمات وجهها تشي بمسحةٌ من جمال، فهي – كأي أُم من أمهات هذا الجيل المنكود – تتعرض هي الأخرى الى النوازل والآلام. وكأني بها الآن تخوض مياه المطر الآسنة وتنهر “الحكومة” على تقاعسها الأزلي في تقديم الخدمات، وهي تصيح بحرقة – صيحة حزن – إصالة عن نفسها ونيابة عن صاحباتها “وِلكم وَين وَدّيَتو فلوسنه وَين؟ صار الكُم أكثر من عشر سنين بس تلغفون وكُلشي ما سَوّيتو”.
مضى الوقت وقاربت الساعة الرابعة صباحاً. بدأت أشعر بالتعب والنعاس، وهذا شعور في محله خصوصاً حين تعلم إنك ستنام بفراش غريب لا تثق به، وقد تتدثر ببطانية نام قبلك بها المئات ولا يفصلك عنها شيئ، كشرشف نظيف مثلاً. تسللت الى الخلية واستلقيت بحذر، وبملابسي كاملة، حتى لا أوقظ الآخرين. بقيت على الفراش بين يقظة ونوم حتى دخل النادل بخفة ليلقي لكل منا شيئاً علمت فيما بعد أنه فطور “سفري” يتكون من بسكت وعصير فواكه في علبة معدنية صغيرة. ثم جاء، بعد نحو ساعة من الوقت، من يطلب منا تسليم الشراشف والبطانيات مع ترك أغطية الوسائد على حالها. تعجبت لهذا المطلب، هل هو من أجل رمي الشراشف للغسل وتبديلها بأخرى نظيفة لتحظير القطار للسفرة التالية؟ إذا كان الأمر كذلك، فلم إذن أُخذت البطانية وهي لا تُغسل وتُرك غطاء أو شرشف الوسادة وهو الأولى بالغسل؟ أم أن العملية كانت من أجل الحفاظ على الشراشف والبطانيات من السرقة، وهي سهلة الحمل، مع ترك أغطية الوسائد لتفاهتها؟ إذا كان الأحتمال الأخير هو الأصح، فإن أغطية الوسائد لا تغسل بعد كل رحلة، وكذلك الشراشف، وستعود الى مكاناتها عند بدء الرحلة التالية، والله أعلم.
لقد سمعت وقرأت الكثير عن الفساد لدى الشركة العامة للسكك الحديد، منها إحالة تنفيذ المشاريع الى مقاولين محليين غير متخصصين ولا خبرة لهم، ومنها شراء قاطرات من الصين سرعتها 160 كيلومتر بالساعة في حين أن أقصى سرعة التي تتحملها السكك التي ستسير عليها تلك القاطرات سوف لن تزيد عن 120 كيلومتر بالساعة، ومنها، كما أَبلغَ هيئةَ النزاهة موظفون من الشركة، “إن عدة وزارات مثل النفط والتجارة وغيرها تعتمد حالياً في نقل البضائع والسلع والمواد الواردة اليها على شاحنات شركات نقل أهلية رغم امتلاك شركة السكك الحديد ناقلات مؤهلة للشحن المتخصص مثل الأنابيب والحاويات والحبوب وغيرها وقادرة على إيصال الشحنات الى مواقعها النهاية. وأوضحوا أن عزوف أغلب الوزارات عن النقل بالقطارات يعود الى أن بعض المتنفذين والمسؤولين في الدولة يمتلكون أو يدعمون أساطيل للنقل الخاص تتجه الوزارات الى التعامل معها بفعل تعرضهم لضغوط أولئك المتنفذين”(21). هذا ومن الجدير بالذكر أن النظام السابق كان يُلزم الوزارات في نقل سلعها بالقطارات طالما كانت السلع ممكنة النقل بتلك الوسيلة. ومن المعلوم الآن أن شركة السكك الحديد بوضعها المزري الحالي تخسر نحو 72 الى 84 مليار دينار سنوياً.
بينما نحن جالسون نتجاذب أطراف الحديث، قيل لنا إننا نقترب من اليوسفية وعلينا تحضير أمتعتنا والتأهب للأنتقال الى قطار آخر ينقلنا الى بغداد. وعندما علت وجهي الدهشة أخبروني بأن عملية الأنتقال هذه بدأت بعد تعرّض السكة لعبوة ناسفة. حدث هرج ومرج خلال العملية تلك، حيث تضمنت إنتقال “حمولة بشر” لقطار بكامله، وبما فيه من أطفال ونساء وكبار السن وأمتعة، الى قطار ينتظر على الطرف الآخر من السكة المُدمّرة. وبما أن عملية الأنتقال من قطار الى آخر لم تتم على أرصفة محطة إعتيادية خاصة بصعود ونزول المسافرين وإنما على جانب القطار بمكان اعتباطي أملاه مكان التفجير حيث مستوى الأرض الواجب النزول إليها كان عميقاً، يليه المشي لمسافة طويلة نسبياً على أرض غير مستوية تغلب عليها المطبات والحفر، كان على المسؤولين – على الأقل – التفكير بما سيعانيه المسافرون من صعوبات، وتوفير بعض العاملين لمساعدة العوائل وكبار السن والمرضى في عملية الأنتقال، وذلك لم يحدث بالطبع. قلت في نفسي لو كان التفجير يتعلق بأحد أنابيب تصدير النفط، ستنقلب الدنيا ويُعمَل المستحيل لتصليح الخط وإعادته الى العمل بأقصى سرعة ممكنة. لماذا؟ الجواب سهل. لأن الحكومة تعتاش على النفط. إن نقل النفط هو المهم. العقلية الريعية للحكومة لم ولن تفكر بنقل الناس. الشعب عندها لا يهم. سفرة القطار الصاعد من البصرة الى بغداد أخذت 15 ساعة من وقت المسافرين، من السادسة والنصف مساءً حتى التاسعة والنصف صبيحة اليوم التالي. أما رَيل حمد، ريل الستينات الجميل، فقد ولّى عهده، ولم يُذكّرني غطار الليل الذي نقلني من البصرة الى بغداد سوى بعربات نقل البقر التي كنا نراها بأفلام الكاوبوي الأمريكية. ولكن مع الفارق، لقد كنت سعيداً وكلي تفاؤل وأمل في ذلك الزمان.
واجهت صعوبة عندما حاولت تسلق القطار الآخر، الواقف فوق مُنحَدر زاد العربة عُلوّاً فوق الأرض. وقد أضافت حقيبتي الثقيلة صعوبة لهذا الموقف. تسلّق رجل كان واقفاً بجنبي وأعانني بسحب الحقيبة فيما كنت أدفعها الى الأعلى. وبعد أن تسلقت، سحب صاحبي الحقيبة الى خليته التي لم تكن بعيدة عن مكان الصعود، وكانت تَسَع لاثنين حيث يبدو أن الثاني لم يشأ الرجوع لنفس المكان. جلس وجلست معه على نفس الفراش. لاحظت أنه يرتجف وقد تدلّت خصلة من شعره الأشيب على جبينه. قلت مالخطب؟ فأجابني بأنه شعر ببردٍ غير اعتيادي وهو يمشي لمسافة طويلة نسبياً بجوٍ طغت عليه برودة الصباح. خلعت قميصي على عجل، وكان ذو أكمام طويلة ويُفضّل لبسه شتاءً، فلبسه فوق قميصه ولكنه بقي يرتجف. مددت يدي الى حقيبة ملابسي لأُخرج منها سترة يلبسها، إذ لم يحمل صاحبي سوى حقيبة يدوية فيها أوراقه، فمنعني من ذلك وصاح على النادل، الذي مرّ صدفةً بجنب الخلية، أن يجلب بطانية. ولم يهدأ إلا بعد أن تلفلف ببطانية القطار الثقيلة. كان نحيفاً، يغلب عليه الوقار، طوله أعلى من المتوسط، وقد خمّنت عمره بما يناهز السبعين.
عندما استقر بعد أن دب الدفئ في جسمه بدأنا نتجاذب أطراف الحديث فقال إنه من الناصرية وقلت له أنا من النجف. بدا لي غزير الثقافة وقد عَرَكته الحياة بمِحَنها وتجاربها فزادته حكمة. ووجدتُ أنه يتكلم الأنجليزية بطلاقة، وكان يُدرّس النُّخَب من المهنيين الليبيين اللغة الأنجليزية، وكذلك يُدرّس الطلبة المتفوقين بليبيا هذه اللغة – التي أصبحت مهمة للجميع ولربما ضرورة – قبل أن يرحلوا الى الخارج من أجل التخصص بعلم من العلوم. لقد بدت على وجهه علامات التعجب عندما عَلم أنني استَقَلت من عملي بلندن في 2010 للترشيح للنيابة عن محافظة النجف، ولم أفلح. أخبرته بأن الخطاب العام آنذاك كان على العموم ذو نفس طائفي وكانت النجف مغلقة للتكتلات ذات الخلفية الدينية – أو بالأحرى المذهبية – وقد صُرفت أموال طائلة من قبل بعض الكتل، وكانت النتيجة أن فازت دولةالقانون بسبعة مقاعد فيما فاز المجلس الأعلى بالخمسة الباقية. أجابني قائلاً: عليك أن لا تبتئس ولا تيأس من شعبنا العريق وقد قضى نحو أربعين سنة في ظل دكتاتورية عاتية انقطع خلالها عن العالم الخارجي. وكانت نتيجة ذلك الأنقطاع أن زحفت عليه، وبالأخص خلال الحروب والحصار، ظُلُمات الجهل والتخلف. وسيستنير الشعب من جديد ولكن تدريجياً بعد أن يظهر سياسيوه الحاليّون على حقائقهم، وسيكون الفاعل الأكبر الذي سيلاحق المذنبين منهم ويقضي عليهم هو الفساد الذي كانوا يتعاطوه بدون رحمة.
– ثم سالني هل سترشّح للأنتخابات القادمة، وإن كنت سترشّح فمع من؟
– قلت له بأني لا أعلم لحد الآن، فأنا متردد هذه المرة ولم أصل الى قرار بعد. أما بخصوص إنتمائي السياسي فأنا مستقل ولكني أنتمي حالياً الى التيار الديمقراطي.
– فأجابني إن قرّرت الترشيح فإن التيار الديمقراطي ليس لك الآن وسيكون نصيبك بالفوز معه في هذا الوقت ضئيلاً جداً. إن التيار سيكون لشباب المستقبل! أنا أعلم أن أعضاء التيار يشكلون أنزه وأثقف شريحة من شرائح الشعب العراقي بالوقت الحاظر، والمشكلة ليس بهم وإنما بالشعب الذي خيّم عليه التخلف ولن ينجلي إلا بعد مرور جيل واحد على الأقل. مرة أخرى أنا أكرر، إن كنت تريد خدمة شعبك بواسطة مجلس النواب – قبل فوات الأوان – مستغلاً خلفيتك العلمية والثقافية وما تراكم لديك من خبرات وتجارب، فعليك الترشيح ضمن كتلة أخرى.
– ثم فاجأني بسؤال لم أكن أتوقعه حين قال: لِمَ لا ترشح مع كتلة الأحرار (التيار الصدري) أو مع المجلس الأعلى؟
– أجبته، والعجب قد تملكني، أليس هذا هو نوع من الأنتهازية؟ ثم إني مستقل، بمعنى أنني أتصرف بما يمليه عليّ عقلي وثقافتي واستقامتي من أجل خدمة الشعب ومصالحه، وهذا هو معياري. فكيف تريدني أن أصبح إنتهازياً وفوق ذلك أعمل حسب رغبات رئيس هذه الكتلة أو تلك حتى وإن خالفت مصلحة الوطن؟
– أطرق ملياً ثم قال: بعد مرور ما يربو على عشر سنوات عجاف لاقى الشعب خلالها الويلات، بضمنها خوض حرب أهلية محدودة كانت ستقضي على وحدة العراق لو توسعت واستمرت، لم تتمكن السلطات الحكومية طوال تلك السنوات من توفير أبسط الخدمات، بل تجلت قدراتها فقط في تعاطي الفساد، وفتحت أبواب العراق لدخول المتطرفين من شُذّاذ الآفاق لنشر الموت والدمار. إن صبر الشعب العراقي قد بلغ مداه، وإن استمرت الأمور على هذا المنوال فإن الشعب قد يصل الى نقطة الأنفجار، وعند ذاك قد تحدث ثورة شعبية تكتسح أمامها كل شيئ. أنا أعتقد بأن قادة الكُتل قد توصلوا لمثل هذا الأستنتاج، وخصوصاً التيار الصدري والمجلس الأعلى، وإنهم سيبذلون أكبر الجهود لتعديل مسار العراق باتجاه العمل بجد وبنزاهة عالية من أجل إعادة بناء البلد وبناء إقتصاده المُحطّم، بل وحتى إعادة بناء الأنسان العراقي الذي خرّبته عشرات السنين من الدكتاتورية الغاشمة ومآسي الحروب والحرمان. كذلك أعتقد بأنهم أدركوا أيضاً إن التكتل والأنغلاق على أسس مذهبية لا ينسجم البتة مع خاصّية الشعب العراقي ذو التكوينات المتعددة من أديان ومذاهب ومِلل ونِحل أملته عليه ظروفه التاريخية وهي تمتد على مدى آلاف السنين، منذ انطلاق الحضارة البشرية على هذا الكوكب، ومنبعها ميسوبوتيميا العراق! إن أحرار التيار الصدري وكذلك المجلس الأعلى استندا في البداية على قواعد من الأنصار تتصف غالبيتها بالبساطة مع قلة في التعليم، تجمعت بدوافع سياسية مرة ومذهبية مرة أخرى. لقد بقيت هاتان الكتلتان على طرف العَتلة لمدة طال أمدها وآن لها أن تتحرك نحو الوسط والأنفتاح على الألوان الأخرى من الشعب العراقي إن هي أرادت المحافظة على لُحمَته والعمل على تراص صفوفه من أجل القضاء على الأرهاب من جهة وإعادة البناء من جهة أخرى. إن دقات ناقوس الخطر بدأت تعلو ويقيني أن قادة هاتين الكتلتين بدأت تدرك مدى الخطر الكبير الذي سيهدد العراق إن تكررت نتائج الأنتخابات المقبلة على نفس المنوال السابق.
– أطرق صاحبي – الذي كان لعدة سنوات سجين نقرة السلمان – كأنه يبحث هذه المرة عن كلمات مناسبة، ثم نظر الي وقد بان الجد على قسمات وجهه وقال: إن المحاصصة في الحكم قد فشلت فشلاً ذريعاً، وكادت تقضي على هذا البلد وشعبه الأصيل، وإن الحكومة القادمة بعد الأنتخابات ستكون حكومة أغلبية ولكن بمعارضة وطنية. فإن أرادت الحكومة أن تبقى ماسكة بزمام القيادة سيتحتم عليها العمل الدؤوب بجد وإخلاص من أجل إنتاج جيد ومتواصل يُكرّس لأعادة بناء البلد أرضاً وشعباً. إن أحرار التيار الصدري والمجلس الأعلى تنقصهم الكفاءات ولا يمكنهم التعويل على ما لديهم منها الآن. إنهم، وللأسباب التي ذكرتها لك، يبحثون عن كفاءات جيدة ومعروفة بالأستقامة والنزاهة والوطنية، وإن سألوك الترشيح معهم للأنتخابات القادمة فنصيحتي لك أن تفعل. إن عملك هذا سيكون جهاداً لتحقيق مصلحة الوطن!
كنا منغمسون بهذه الأحاديث لدرجة أننا لم نلاحظ دخول القطار لمحطة غربي بغداد ونزول أغلب المسافرين. إلتقطنا أمتعتنا على عجل وخرجنا الى الشارع حيث تنتظر سيارات التاكسي بموازاة الرصيف. توادعنا واتجهتُ نحو التاكسي فيما ظل صاحبي واقفاً على الرصيف تلاحقني نظراته بصدق ومحبّة كأنه يودع أخاً عزيزاً له، ولم يغادر حتى أقلني التاكسي وبدأنا بالأبتعاد.
لِمَ هذا الأضطهاد لذوي الكفاءات؟
إستناداً الى أحكام قانون الفصل السياسي المرقم 24 لسنة 2005، قدمتُ طلباً الى وزارة النفط لاحتساب المدة بين مغادرتي العراق وسقوط النظام خدمة فعلية لأغراض الترفيع والتقاعد كما يقتضي القانون، ثم إحالتي على التقاعد بسبب العمر. وبناءً على قرار اللجنة المركزية في وزارة النفط لأعادة تعيين المفصولين السياسيين، وتدقيق الأضبارة العائدة لي من قبل لجنة التحقق التابعة للأمانة العامة لمجلس الوزراء، صدر الأمر الوزاري المرقم د1/2047 في 23/1/2013 باحتساب مدة الفصل السياسي للفترة من 22/10/1982 ولغاية 8/4/2003 “خدمة فعلية لأغراض العلاوة والترفيع والترقية والتقاعد”. وبإضافة 20 سنة خدمة سابقة لي خلال الفترة 1962 – 1982 أصبح مجموع خدمتي 40 سنة وبضعة أشهر. راجعت الوزارة من أجل تفعيل الأمر الوزاري المذكور فقيل لي يجب أن تبدأ معاملتك من شركة مصافي الوسط(22). أخبرتني هذه الشركة بأن عنوان وظيفتي كان “رئيس مهنسين” عند مغادرتي العراق في سنة 1982، وإنني الآن أستحق الترفيع الى درجة “خبير” قبل إحالتي على التقاعد، وقد زودتني الشركة بكتاب الى الوزارة بهذا المضمون باعتبار أن الوزارة، وليس غيرها، هي صاحبة الصلاحية بتغيير عنوان الموظف الى خبير. أجابتني الوزارة إن تبديل عنوان وظيفتك الى خبير غير ممكن إذ أنك بلغت عمر 68 سنة – وهو عمر التقاعد – في سنة 2007 وبتلك السنة تعتبر محال على التقاعد “أتوماتيكياً”، ولا يجوز تغيير عنوان وظيفتك وأنت متقاعد. فسألت هل هذا يعني إن نص القرار باحتساب المدة المذكورة، وهو “خدمة فعلية لأغراض العلاوة والترفيع والترقية” مجرد لغو لا فائدة منه؟ كان الجواب نعم، ولكن لو أتيت وعمرك أقل من 68 سنة بشهر واحد (مثلاً) لتمّ إعادة تعيينك وتبديل عنوان وظيفتك الى خبير، وبعد ذلك تحال على التقاعد حسب الأصول.
عجيب أمور غريب قضية – كما كان يقول المرحوم جعفر السعدي – ولماذا يكون هذا الشهر الواحد بهذه الأهمية العظيمة بحيث يعطيك علاوات وترقية إن استعملته ويحرمك من تلك الحقوق إن لم تستعمله؟ إن إهدار حقوق الناس بهذه الطريقة – اللاعقلانية – منافي للعدالة ومجافي للمنطق! عجباً هل هناك تعليمات واضحة لكيفية تطبيق القانون؟ بل هل صدرت تعليمات واضحة تقول إن من يأتي قبل وصول عمره سن التقاعد سيتمتع بمزية احتساب مدة فصله خدمة فعلية من أجل العلاوة والترفيع والترقية، ومن يأتي بعد وصول عمره سن التقاعد فإنه سيخسر تلك المزيّة؟ أم أن الأمر تُرك لموظفي أقسام الموارد البشرية في الوزارات يطبقونه مرةً حسب تعليمات أصولية معممة على كافة دوائر الدولة، وأخرى يُطبق حسب مزاج أو حسب ما يرتئيه أولئك الموظفون؟ سألت عن راتب رئيس مهندسين فكان الجواب: “نحو 700 ألف دينار” قبل المخصصات، والمتقاعد لا يستحق مخصصات.
غادرت بناية الوزارة وأنا حائر ماذا أصنع وقد تبين لي أن العراقيين غير متساوين أمام القانون، فمنهم “المدللون” المنتمون لأحزاب السلطة وهم يرتعون بخيرات العراق كيفما شاؤوا “حلالاً وحراماً”، ومنهم من لهم صلة قرابة أو صداقة بالمتنفذين في الحكومة العراقية وهؤلاء “أمورهم ماشية” بكل الأحوال، ومنهم المستعدّون لتقديم الرشاوي لبعض الوسطاء – وقد أصبحت الدوائر الحكومية تعج بهم – فتتحقق مطالبهم، حتى لَيُلوى عنق القانون وتُكسر رقبتُه لكي يستفيد هؤلاء، بينما لم ينتمِ الكاتب إلى أي تنظيم من تنظيمات المعارضة في الخارج وبقي مستقلاً رغم أنه شاركها في مختلف أنشطتها، بضمنها التظاهر والأعتصام والكتابة والنشر حسبما كانت تتطلبه طبيعة الظروف والحوادث بذلك الوقت(23). ولكن – في الواقع – لا يُشترط أن يكون الفرد من الفئات التي ذكرناها للتو لكي يأخذ استحقاقه من “علاوات وترفيع وترقية” في حالات الفصل السياسي. أنظروا الى العسكر وسترون أن الواحد منهم الذي كان برتبة مقدم أو عقيد حين أحاله صدام على التقاعد لأسباب سياسية قد استفاد من القانون وانتهى برتبة لواء أو فريق، حتى وإن كان منهم من تجاوز سن التقاعد. وقد انطبق هذا الأمر على المدنيين أيضاً وفي مختلف الوزارات – كما سمعنا – فقد راجعوا وزاراتهم وحصّلوا على حقوقهم كاملة، بضمنها العلاوات والترقية، ولم يقل أحد لهم أنتم تجاوزتم سن التقاعد ولا تستحقون علاوات أو ترفيع أو ترقية لأنكم تجاوزتم سن التقاعد. لذلك يبدو أن تفسير القوانين والتعليمات الخاصة بجبر المفصول سياسياً وإيفائه حقوقه قد تختلف من حالة لأخرى ومن مكان لآخر. فهو في وزارة النفط تبين أنه يعتمد على مزاج الموظف المسؤول ومدى استعداده لتفسير القانون وتطبيقه بما يقتضيه الهدف من تشريع القانون وهو، في هذه الحالة، إعطاء المفصول السياسي حقه وإزالة ما لحقه من الغبن. فهو (الموظف) قد ينصفك أو لا ينصفك اعتماداً على كونه كيف يفكر وعلى الدوافع التي تدفعه للتصرف بهذا الأتجاه أو ذاك. فإن كان المفصول ذا قوة مؤثرة، كأن تكون “واسطته طويلة الباع أو صاحبة سطوة” فسترى الموظف يهب لتلبية الطلب لصالحك وعلى جناح السرعة. ولكن، هناك مواطنون كُثر، لهم حقوق ولكنهم يمتنعون عن تدبير “واسطة” نظراً لاستنكافهم من هذه العملية من جهة وإيمانهم بقانونية حقوقهم من جهة أخرى، وهؤلاء، بسبب استقامتهم وكبريائهم، يتعرضون في غالب الأحيان للغبن، كحالة كاتب هذه السطور. هنا، وفي حالة هكذا مراجعين، كثيراً ما يُبدي المسؤولون تجاههم حرصاً شديداً على قوانين الدولة (والمال العام) ويتمادون بالتعسف في تفسير القانون لينتهي الأمر بحرمان هؤلاء مما يستحقونه بجدارة.
نعم أنا حائر ماذا أصنع! فبناءً على تفسير وزارة النفط للقانون سيكون راتبي التقاعدي 80% من الأسمي، أي نحو 560 ألف دينار أو نحو (470) دولار شهرياً. ونظراً لأن الحد الأدنى لراتب أي متقاعد عراقي سيصبح 400 ألف دينار عند صدور القانون الجديد فإن تقاعدي سيكون قريباً من تقاعد “زبال” مثلاً، مع احترامي لهذه المهنة المهمة. هناك أنواع من العراقيين في الخارج بإمكانهم تحقيق فوائد جمّة للعراق. منهم الأثرياء والمتمولين والتجار والصناعيين، وهؤلاء بإمكانهم الأستثمار بالعراق والمساهمة بتطوير قطاعاته الأقتصادية وخلق فُرص عمل جديدة للمواطنين. ومنهم ذوي الكفاءات العلمية كأساتذة الجامعات والمهندسين والأطباء والأقتصاديين وأصحاب المهن الأخرى المؤسسسة على شتى العلوم والمعارف. فأساتذة الجامعات دورهم معروف في التعليم بشتى أنواعه ولا يمكن أن تستغني عنهم دولة، وقد أدرك المسؤولون العراقيون أهميتهم فوفّروا لهم في العراق رواتب عالية نسبياً. أما المهندسون فإن العراق، الذي اكتسحه الخراب العمراني من شتى الوجوه، أصبح بأمس الحاجة لهم من أي وقت مضى لأنه بحاجة الى بناء والمهندسون أصحاب بناء(24). وإذا كان العراق الخرِب بحاجة الى الأعمار فإن الأنسان العراقي قد أصابه الخراب أيضا وقد أصبح بأمس الحاجة الى إعادة البناء علمياً وفكرياً بواسطة التعليم، وقد جئنا على ذلك أعلاه، ثم من جهة أخرى انتهى العراقي بكونه خرِباً بدنياً أيضاً فأصبح بأمس الحاجة الى الأطباء ومؤسسات الخدمات الطبية بأنواعها. كذلك هو شأن الأقتصاد العراقي الذي ألم المرض بقطاعاته المختلفة وهو يشرف الآن على الموت، ولم يبق له إلا الأعتياش على ريع النفط، فهو إذن بأمس الحاجة الآن الى الأقتصاديين النابهين والمتمرسين والمخططين لكي يعيدوا له الحياة ويضعوه على سكة النمو المتوازن، وليس النمو النفطي فقط كما هي الحالة عليه بالوقت الحاضر.
والآن إذا كان الراتب التقاعدي لكاتب هذه السطور لا يعلو كثيراً على راتب زبّال وله خدمة تنيف على الأربعين سنة معترف بها رسمياً، فكيف سيكون حال المهنيين المتمرسين المذكورين أعلاه، وغالبيتهم العظمى لا تملك سنوات خدمة لدى الدولة تؤهلهم للحصول على 80% من الراتب الأسمي؟ من المؤكد أن الراتب التقاعدي للواحد منهم سيكون مساوياً لراتب زبّال متقاعد. رب معترض سيعترض فيقول: وما حاجة الدولة الى رجوع مئات المهنيين الى العراق وقد تجاوزوا سن التقاعد؟ لقد أجاب على هذا السؤال – وبصيغة تسائل أيضاً – المواطن الغيور الأستاذ “كاظم فنجان الحمامي” حين قال “هل لعلماء الدين سقوف زمنية تقيد أنشطتهم الفقهية بعمر معين يحالون بعده إلى التقاعد؟ وهل لرجال السياسة فترات زمنية يخوضون فيها معترك العمل السياسي، ثم ينصرفون بعد انتهائها إلى شؤونهم الخاصة؟ وهل للقضاة أعمار مثبتة في قاعات المحاكم الدولية؟ وهل لعلماء الفيزياء والطب والكيمياء فترات محددة يخوضون فيها تجاربهم العلمية في مختبراتهم ثم يُسرّحون بعدها إلى بيوتهم بعد بلوغهم عتبة التقاعد المثبتة في قانون الخدمة المدنية؟... وهل من العدل تسريح علماء العراق والاستغناء عن خدماتهم بذريعة بلوغهم سن التقاعد؟ وهل من الإنصاف الاستغناء عنهم وهم في أوج عطائهم العلمي والمهني والتدريسي؟….لم تكن عقبة العمر في يوم من الأيام عائقاً أمام الأستاذ الجامعي ]ولا المهني[ ولن يؤثر عمره الوظيفي على مؤشراته العلمية في البذل والعطاء، لأنه لا يعمل بيده ولا بعضلاته، فالعقول الناضجة تصل إلى قمة الإبداع والتألق الفكري بعد سن الستين…“(25). من الجدير قبل ختام هذه الفقرة الأستدراك والقول بينما يكون مناسباً لأساتذة الجامعات، العلماء منهم والمتميزين، الأستمرار في الجامعات طالما تمكنوا على الأنتاج، فإن المهنيين المتمرسين والمتميزين منهم سيكون مناسباً لهم العمل كمخططين واستشاريين ومشرفين وخبراء في شتى الوزارات والمؤسسات الحكومية، ولربما يأتي في مقدمتها وزارة التخطيط.
وزارة الهجرة والمهجرين: واسطة للتسهيل أم عقبة كأداء؟
مثلما راجعت وزارة النفط حول قضيتي المتعلقة بمغادرتي العراق في سنة 1982 – تاركاً وظيفتي – ولم أعُد لأسباب سياسية إلا بعد سقوط النظام، كذلك راجعت وزارة التربية بشأن زوجتي – مُدرّسة ثانوية – التي تركت وظيفتها لمرافقتي طوال مدة بقائي خارج العراق، فطلبت هذه الوزارة كتاباً من وزارة “الهجرة والمهجرين”. راجعت دائرة الهجرة والمهجرين فقيل لي يجب أولاً أن أقوم بفتح سجلٍّ لدى الوزارة يخصني، يلي ذلك فتح سجل مماثل لزوجتي، وبعد ذلك سيتم تزويدنا بالكتاب المطلوب. أعطيت الموظف المختص كافة الوثائق المطلوبة مني والتي أمكنني تدبيرها. قال لي أريد أن أسجل تاريخ دخولك العراق لأول مرة بعد السقوط فأعطيته جواز السفر. نظر إليه ملياً ثم قال إن “جوازك” هذا صادر من العراق! قلت له نعم، ولكني دخلت العراق لأول مرة بجواز سفر صادر من لندن وحدث أن سُرقت حقيبتي اليدوية مني ببغداد في نهاية 2010 وكان فيها جواز سفري. قال هل سجّلت هذه الحادثة لدى الشرطة، قلت نعم ولكنهم ظلّوا يماطلون لأكثر من أسبوعين ولم يفعلوا شيئاً، وأخيراً غلبني الجزع وتركت الشرطة بعد أن اقترب موعد رجوعي الى بريطانيا – سمعت أن دوائر الشرطة هي من أفسد الدوائر بالعراق – ثم قدمت طلباً وحصّلت على جواز سفر جديد. نظر الموظف الي بتعجب وأخبرني بأنهم لا يمكنهم الأستناد الى جواز سفر صادر من بغداد لأثبات تاريخ العودة لأنه في هذه الحالة يمكن محاججتي والقول بأنني ربما لم أغادر العراق أصلاً.
ثم سألني الموظف هل أن شهاداتك العلمية التي ذكرتها معادلة بالعراق وهل لديك وثائق تثبت ذلك؟ أجبته بأن شهادة البكالوريوس في الهندسة الكهربائية صادرة في سنة 1962 من جامعة برمنكهام وهي من بين أعرق الجامعات في بريطانيا، أما شهادتي الماجستير (1977) والدكتوراه (1980) في إقتصاديات النفط فهما صادرتان من Colorado School of Mines وهذه أفضل كلية جامعة في أمريكا متخصصة بهندسة النفط والجيولوجيا والتعدين، وجميع تلك الشهادات معادلة بالعراق طبعاً، إذ إنني كنت طالب بعثة في كلتا الحالتين، وقد صدرت تلك الشهادات في زمن لم يجرأ فيه أحد على ارتكاب عملية تزوير، وهي جريمة مخلة بالشرف. أما إن سألتني عن شهادة البكالوريوس بالقانون (1973)، فهي صادرة من الجامعة المستنصرية، ولعلمك كنت الأول على دورتي في الصف الثالث، ومن العشرة الأوائل في الصف الخامس (المنتهي)، والجامعة لا زالت موجودة يمكنكم الأتصال بها(26).
أخيراً طلب مني عنوان سكني مع استشهاد بمضبطة من المختار. قلت له أنا ضيف هنا وليس لي سكن دائم. أجابني بأن هذا شرط ضروري لتسجيلي لدى الوزارة، إذ يترتب عليه تمشية معاملاتي إضافة الى حصولي على قطعة أرض للسكن، ومنحة مالية. قلت أنا لم آتي إليكم من أجل قطعة سكن أو منحة مالية إذ يستحق ذلك – باعتقادي – من هو عائد الى البلد بصورة دائمية، وأنا لست كذلك ولن أرجع بصورة دائمية إلا عندما تبدأ الحكومة العراقية بوضع الشخص المناسب في المكان المناسب. أما إذا جئتكم بعنوان سكن بالصيغة التي تطلبونها ثم حصّلت على قطعة أرض سكنية مع منحة مالية – كما سمعت أن بعض الناس يفعلونها – فسيكون ذلك فساد لا أقبله. ثم لملمت أوراقي وخرجت.
تذكرت الكلام الجميل والترحاب الكريم الطويل الذي تغنّى به السيد وزير الهجرة والمهجرين خلال حضوري مؤتمرهم الأخير بلندن(27) وقارنته بتصرف دوائر هذه الوزارة داخل العراق فوجدت أن الثاني يخالف الأول ويعاكسه بمقدار 180 درجة. إن دوائر الهجرة والمهجرين بالعراق تتصرف ببيروقراطية مخلّة ومتحجرة، فهي لا تفرق بين إستشهاد يحتاجه مواطن لأثبات أن زوجته (المدرسة سابقاً) قد رافقته حين ترك العراق للعيش بالمنفى الأختياري، وكل غرضه من ذلك هو الأستجابة لطلب وزارة التربية، وبين حالة عودة مهاجرين من الخارج الى العراق عودة نهائية من أجل الأستقرار، وما يترتب على ذلك من منحهم أرض للسكن مع معونة مالية. أخيراً رجعت الى لندن بخُفَّي حُنين، لا تبديل عنوان وظيفة من وزارة النفط ولا كتاب بخصوص زوجتي من وزارة الهجرة والمهجرين.
هوامش ومصادر
(1) قامت كلية الأدارة والأقتصاد – جامعة البصرة بتقديم هدايا عينية قيّمة الى المشتركين في البحوث، بضمنها كتاب الشكر أدناه.
(2) كانت الأسباب الموجبة لذلك القرار “القانون” هي أن تلك الأموال ستستعمل لتمويل الحزب (أي حزب البعث العراقي) وإعادته الى السلطة في حال إخراجه منها.
(3) لم يقتصر الفساد الحكومي على سرقة خمسة في المائة من واردات النفط، وإنما تحول بعد فرض الحصار الأقتصادي الى تهريب النفط العراقي والمشتقات النفطية، وكذلك استيفاء أموال إضافية من خلال ما أصبح يُعرف بفضيحة النفط مقابل الغذاء. تلك الأموال كان يتصرف بها صدام بالدرجة الأولى، ثم أبناؤه وجلاوزته. أما على صعيد موظفي الدولة الذين انهارت رواتبهم بانهيار قيمة الدينار العراقي في ظل الحصار، فقد لجأوا الى الشعب عن طريق “البخشيش” في تمشية المعاملات الحكومية، إضافة الى العمل خارج أوقات الدوام الرسمي.
(4) من أجل معلومات أكثر حول مؤشر الفساد وتسلسل 177 دولة وإقليم لسنة 2013 أنقر على الرابط:
http://cpi.transparency.org/cpi2013/results/
(5) Global Policy Forum (GPF), War and Occupation in Iraq, Chapter 9 “Corruption, Fraud and Malfeasance”, P. 1. http://www.globalpolicy.org/component/content/article/168/37153.html#_edn6
(6) خطة مارشال هي أشهر عملية إعانة بالتاريخ حدثت بعد سنتين من انتهاء الحرب العالمية الثانية حين قامت الولايات المتحدة بموجب تلك الخطة بتقديم معونات مالية الى بلدان أوربا الغربية لمساعدتها في إعادة بناء قاعدتها الأنتاجية التي دمرتها الحرب.
(7) بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1483 الذي صدر في 22/5/2003، نصّت الفقرة 12 منه على إنشاء صندوق تنمية العراق(DFI) ، لحساب البنك المركزي العراقي، يخضع للتدقيق من قبل محاسبين عامين مستقلّين يوافق عليهم المجلس الدولي الأستشاري والرقابي(IAMB) لصندوق تنمية العراق. كما نصّت الفقر 20 من قرار مجلس الأمن على أن يجري بيع النفط العراقي ومشتقاته والغاز الطبيعي العراقي طبقاً لأفضل السبل المتبعة في السوق العالمية ويخضع للتدقيق من قبل محاسبين عامين مستقلّين مسؤولين أمام المجلس الدولي الأستشاري والرقابي، وتودع كافة مبيعات النفط والمشتقات النفطية والغاز الطبيعي في صندوق تنمية العراق، وذلك من أجل تأمين الشفافية، ويستمر العمل بهذا الصندوق لحين إنشاء حكومة عراقية بصورة أصولية ومعترف بها عالمياً.
(8) Special Inspector General for Iraq Reconstruction (SIGIR), Lessons learned from U.S. agencies’ management of Iraqi funds for relief and reconstruction, Report No. 13-004, January 22, 2013, pp. 1-3.
(9) (SIGIR), Audit Report, Oversight of Funds Provided to Iraqi Ministries through the National Budget Process, Report No. 05 – 004, January 30, 2005.
(10) McClacthy Newspapers, February 8, 2007, link: http://www.angelfire.com/ca3/jphuck/Book23Ch.16.html
(11) The Guardian,Thursday 7July 2005.
(12) Global Policy Forum, op. cit., P. 2.
(13) Ibid.
(14) Special Inspector General for Iraq Reconstruction (SIGIR), Audit Report No. 04-013, July 27, 2004.
(15) Revenue Watch, Report No. 7, Disorder, Negligence and Mismanagement: How the CPA Handled Iraq Reconstruction Funds, September 2004, P. 6, link: http://www.opensocietyfoundations.org/sites/default/files/irwreport_20041001.pdf
(16) The Guardian, op. cit.
(17) Eurasia Insight, “Disorder, Negligence and Mismanagement: How the CPA Handled Iraq Reconstruction Funds”, November 2, 2004, USA, p. 2/6.
http://www.eurasianet.org/departments/insight/articles/irwtemp11.shtml
(18) Global Policy Forum, op. cit., P. 2.
(19) Ibid, p. 4.
(20) بلغت خسائر الشركة العامة لسكك الحديد العراقية نتيجة للحروب والنهب والتخريب نحو مليار دولار خلال الفترة 1980 – 2003. أنظر:
David White (1 March 2004). “Rebuilding Iraq’s ravaged railways”. Railway Gazette International. Retrieved 9 September 200, cited in Iraqi Republic Railways, Wikipedia, link:
http://en.wikipedia.org/wiki/Iraqi_Republic_Railways
(21) هيئة النزاهة، الشركة العامة للسكك الحديد تعيش واقعاً مزرياً، ومتنفذون يتسببون بخسارتها لعوائد الشحن
العام. الرابط: http://www.nazaha.iq/body.asp?field=news_arabic&id=2153
(22) يقع مقر شركة مصافي الوسط في مصفى الدورة. كان الكاتب موظفاً “أصيلا” في مصفى الدورة بعنوان “مهندس أقدم” قبل أن يلتحق بالدراسة في أمريكا خلال الفترة 1975 – 1980 للحصول على الدكتوراه في حقل “إقتصاديات النفط”. بعد عودته الى العراق في 1980، تم تنسيبه الى “دائرة العلاقات والأستثمارات الخارجية” بديوان وزارة النفط، وبعد قضاء نحو سبعة أشهر بتلك الدائرة تم ترفيعه في شباط 1981 الى درجة رئيس مهندسن.
(23) إستقال الكاتب من وظيفته كنائب رئيس شركة نفط إنتويل إنك الأمريكية في سنة 1992، من أجل التفرغ لكتابة كتاب يشرح فيه، بين العديد من أمور أخرى، طبيعة الأقتصاد العراقي، التنمية الأقتصادية وشروطها، مدى الدمار الذي أصاب العراق نتيجة حروب صدام العبثية، ووضع خطة لأعادة إعمار العراق. صدرت أربعة طبعات من الكتاب، الأولى في سنة 1995، والأخيرة في سنة 2010. أنظر: محمد علي زيني، الأقتصاد العراقي: الماضي والحاضر وخيارات المستقبل، الطبعة الرابعة، 2010، دار الملاك للفنون والآداب والنشر، بغداد.
(24) شاهد كاتب السطور أمين بغداد على التلفزيون منغمس بنقاش ملتهب مع شخصية تلفزيونية حول مشروع مهم لم يكتمل بوقته ولم ينفذ من قبل أمين بغداد “بأمانة”، وقد اضطر “الأمين” – في غمرة النقاش – الى قراءة جزء من شروط العقد التي تضمنت قيام “الطرف الثاني (أي المقاول) بوضع المواصفات…”. إن الشيئ الذي حير كاتب السطور وأدهشه في تلك اللحضة هو كيف يُعهد للمقاول بوضع مواصفات أي شيئ يتعلق بالمشروع، لأن مَثل ذلك كمَثل راعي يضع مهمة حراسة غنمه بعهدة الذئب. لقد تمنى الكاتب أن تكون أذنه قد خانته إذ أن ذلك الشرط ليس معقولاً، وإن من يفعل ذلك أما فاسد أو لا يملك ذرة من المعرفة. إن العراق، وقد تعرض لدمار شامل، غدا بأمس الحاجة لمهندسين، بمختلف الأختصاصات، من ذوي الخبرة في وضع المواصفات والشروط، ولديهم إمكانيات النقاش والتفاوض واختيار الأصلح من بين المقاولين، ومتابعة إنجاز المشاريع على مراحل، وتسلم المشاريع بعد إنجازها حسب الشروط والمواصفات المتفق عليها، وتشغيلها للتثبت بأن كل شيئ على ما يرام. أما في حالة كون المشروع معقداً وكبيراً ويحتاج الى خبرات كبيرة من حيث الكم والكيف لأنجاز المهام التي أوجزناها أعلاه فيصار في هذه الحالة للتعاقد مع إحدى الشركات الأستشارية المعروفة وذات الخبرة بنفس المشاريع المزمع أنجازها للقيام بالمهمات المطلوبة.
(25) أنظر كاظم فنجان حسين الحمامي “علماء عراقيون خارج الخدمة”، موقع النور على الأنترنت، 6/12/2013، الرابط: http://www.alnoor.se/article.asp?id=226456
(26) كان دوام الكاتب لدى الجامعة المستنصرية مسائي في حين كان يشتغل مهندس في مصفى الدورة (بغداد) خلال النهار، وكانت شهادة البكالوريوس في القسم المسائي لدى هذه الجامعة تستغرق خمس سنوات دراسية في ذلك الزمان.
(27) قامت وزارة الهجرة والمهجرين بتزويد المشاركين في مؤتمرها الثالث المنعقد بلندن شهادة المشاركة أدناه:
12/12/2013
البريد الألكتروني للكاتب mazainy@talktalk.net