صادق الطائي –
استضافت مؤسسة الحوار الانساني بلندن يوم الاربعاء 17 حزيران 2015 الدكتور صباح جمال الدين في امسية ثقافية ،هي رحلة مع الشعر الكلاسيكي والشعبي ورحلة ممتعة مع الكلمات ومعانيها
ودلالاتها المخفية في اللغة ، والدكتور صباح جمال الدين تخرّج من الكلية الطبية ببغداد عام 1958 – 1959. وهو ينظم الشعر ويكتب عمودا في صحيفة “المنتدى العراقي”. وله اهتمامات واسعة في اللغة والأدب.
وقد ابتدأ د.صباح جمال الدين الامسية قائلا ، انا اكتب الشعر لكني لست شاعرا، وربما في القصة التي ساحكيها لكم توضيحا للامر ، فانا تعودت في كل ذكرى لميلادي ان تقدم لي زوجتي كيكة عيد الميلاد ، وفي عيد ميلادي الستين صحوت صباحا فلم اجد الكيكة فسألتها عنها ،فقالت لقد اصبحت شيخا وشبت فاي عيد ميلاد ،فارتجلت الابيات التالية :
من قال شبت انا شباب مثلي صلالة والضباب
الشيب غيم عارض هل يطفأ الشمس السحاب
ملء الفؤاد لواعجي اهوى واعشق لا اهاب
هذا دواء الشيب ان تهوى فيحسدك الشباب
فسألتني لمن هذه الابيات وهي مختصة بالادب ، فقلت لها لي ، قالت اعدها ،فلم اعرف ، ثم بعد ايام اكملت القصيدة فكانت:
من قال شبت انا شباب مثلي صلالة والضباب
الشيب غيم عارض هل يطفأ الشمس السحاب
ملء الفؤاد لواعجي اهوى واعشق لا اهاب
هذا دواء الشيب ان تهوى فيحسدك الشباب
سأقولها ملء الفؤاد وسحر عينيك جواب
لا لست عمري انت حبي يا رباب
فالعمر يبدأ ينتهي العمر رقم او حساب
اما هواك فلا يعد له زمان او كتاب
الحب نفحة ربنا فرح مقيم لا اكتئاب
الحب دين الله طهر مابه شيء يعاب
دون الصلاة بلا هوى قد سد شباك وباب
الحب روح ليس للارواح نار او عذاب
ربي يحب جماله فتبعته فلما العتاب
قد فزت بالدارين ذي الاولى ويعقبها المآب
لا القلب مل من الغرام ولا مواعيدي كذاب
والشيب محض اشارة ان يترك الروح التراب
داري بها الخمر ختامها المسك المذاب
ثم الفرار من التراب غداة يسكرني الشراب
روحي تعود لربها والليل انوار ثواب
لي جنتان وكلهم ملء الحياتين سراب
ثم يقول د.صباح جمال الدين ان والدي كان يرتجل الشعر،لكني لا اعتقد ان للوراثة دخل في ذلك ، وقد عشت في سلطة عمان مدة من الزمن وتوطد علاقتي بالكثير من الاصدقاء هناك ، وقد اصبحت رسائلي لهم اكتبها شعرا وكانت تلاقي الاستحسان في كثير من الاحيان حتى تذكرت قول الشاعر:
لكل شاعر من البشر شيطانه انثى وشيطاني ذكر
وانا قد مررت بضائقة مر بها الكثير من العراقيين ،وهي مسألة الحصول على جواز سفر في التسعينات ، وانا لااملك جوازا فقد سافرت بجواز مزور ، وانتهت صلاحيته ، وبالصدفة كان يعمل معي مضمد من سيرلانكا ،فسألته ، الا تستطيع ان تدبر لي شيئا في هذا الخصوص ، فقال ، من سيرلانكا صعب جدا ، ولكني دعني احاول عن طريق اخر ،ذهب الرجل ومعه النقود التي طلبها مني وبعد شهر جلب لي الجواز فكتبت قصيدة شعبية بهذه المناسبة قلت فيها :
رحت مسقط الوج الليل مانامه
والله المخدة هم نست خدي
مر كم يوم غافلت البخت بالليل
ولن احلم حلم وردي
ومثل الناس احلم كل اللي ودي
حلم فله وطن عندي
حلمت عندي جواز وعندي جنسية
بالمصباح دك الباب بشرني على النية
كلت هذا حظي مية بالمية
فتحت الباب بشروني وطن عندي
كالولي صرت هندي
ومع تصاعد ضحك الجمهور ، يكمل د. صباح قائلا ،انا يروقني جدا ان اكتب الامثال العراقية والعربية شعرا سواء بالفصحى او العامية ، وقد سمعت وانا في مسقط ، ان والدة صدام حسين قد ماتت ،فكتبت ابياتا اقول فيها :
بغلة الحاكم بعد العز ماتت
فبكى الشعب وراها
شيعوها لشفير القبر
لم يبقى اديب ما رثاها
وبكت اعين كل الشعب
والحاكم ايام صباها
نسبوها لخؤلات سليمان
وداوود حواها
اوشكت حجابه تذرف
بالدمع من الحزن دماها
ثم مات الحاكم الفذ
لأيام بلا بغل قضاها
جيفة ظل بلا قبر
سوى الدود علاها
وهذه كما تعرفون حكاية مثل عراقي معروف يقول (بغلة القاضي ماتت انكلبت الدنيا … مات القاضي محد شاله من الكاع) .
وعلى نفس المنوال اكتب قصيدة شعبية تقول :
وحدة من نسوان الاول من نواحي مندلي
عدها بيت وست بنات وزوج جنة كاولي
عشكت الجيران سيد رجل حوك وخزعلي
كالهة زوجج مايفيدج ،طلكيه وردي الي
طلكت الرجال وطارت مثل زار الطاولي
لعد بيته الطبخ كايم هايشة وشجم طلي
جاينة والناس تحجي جان من ربة ولي
وابنه يلطم مات ابوي راح اخيري واولي
وطاح حظهه لاحضت برجيلها ولا خذت سيد علي
وقصة المثل اوضح واشهر من ان تشرح ،هكذا يقول د.صباح كما الدين مع قهقهات الجمهور.
ومع قراءات تناوبت بين الفصحى والعامية بقيت روح الفكاهة المحببة تسيطر على جو المحاضرة والحضور يطالب الضيف بالمزيد ، حتى وصلنا الى الجزء الثاني من الندوة ، لان الدكتور جمال الدين وعدنا ان تكون رحلته بين الشعر واللغة. فيقول كان والدي محبا للغة ،وقد قرأنا على يده لسان العرب لابن منظورمن الغلاف الى الغلاف ، ومن هنا كاني شغفي متواصلا في اللغة وبحورها وخوافيها ومعانيها ، وقد انتبهت الى ان بعض الكلمات قد اعتاد الناس على جزء من معانيها او غير معانيها واصبحت مما يعرف بالخطأ الشائع ، وساقدم بعض النماذج في عجالة على هذا الامر فمثلا :
(المأتم) عند العرب هو للحزن والفرح وليس كما تعودنا ان يعود على الحزن فقط . اما كلمة( طرب ) فهي لا تقال في الافراح فقط وانما في الاحزان والافراح فللحزن هنالك طرب ايضا ،اما (العروس) فهي تقال للمذكر والمؤنث ، اي رجل عروس وامرأة عروس،وهي على وزن فعول ،اي كثير الفعل، وهنالك قصة جرت مثلا وهي ( لاعطر بعد عروس)وهي حكاية امرأة زوجها اسمه عروس توفي وكانت شديدة الحب له ،واجبروها على الزواج بأخر فلم تتعطر ،فسألوها عن السبب فقالت (لا عطر بعد عروس) وجرت مثلا يضرب في الوفاء.
ثم ينتقل د.صباح الى كلمة اخرى وهي ( بكى و بكا وبكأ) وقال اريد ان ابين الفرق بين الكلمات الثلاث الدالة على فعل البكاء ، فالبكى ما كان بالدموع ، والبكا ماكان اشبه بالنحيب دون دموع اما بكأ فهو فعل يدل على جفاف العين من الدمع ، وللشاعر ابو بكر بن بشر الاشبيلي موشحا مشهورا يقول فيه :
ايها الساقي اليك المشتكى قد دعوناك وان لم تسمع
بكأت عيناي من طول البكى وبكا بعضي على بعضي معي
واصبح يقرأ خطأ عشيت عيناي من طول البكى ، وكما تعلمون العين لا تعشو من كثرة البكاء لكنها قد تبكأ اي يجف دمعها من كثرة البكاء ، كما ان اعضائي تنوح معي باستخدام كلمة (وبكا بعضي على بعضي معي).
ثم ينتقل الضيف الى كلمة اخرى هي (الخريش)، وهو في اللغة العربية عند ابن السكيت ،الجبان الخائف الذي لا ينام الليل من خوفه ، ونحن في جنوب العراق نستخدم نفس الكلمة في العامية ، اما كلمة (كشخة) التي يعتقد الكثيرون انها عامية ، فاقول هي من اردء الكلمات حتى اني لا استطيع ان اوضحها توضيحا شافيا ،لكني اقول ان (الكشخان) في اللغة هو الديوث الذي يمارس القوادة على نساء عائلته مع الاعتذار. وكلمة (يشور) كثيرا ما سمعناها ونسمعها هذه الايام بكثرة مرتبطة بمكانة دينية لبعض الاشخاص كقولهم السيد فلان يشور … وما الى ذلك ، و (شور ويشور)في اللغة وبحسب ابي بكر الانباري وهولغوي معروف في كتابه الزاهر يذكر (وقولهم شورت بفلان اي عبته واظهرت عورته وهي مأخوذة من الشوار وهوعضو الرجل)اي من يشور هو من ترفع ثوبه وتظهر عورته.
ثم ينتقل د.صباح الى جانب اخر من الحديث فيقول ،كان عندي برنامج ادبي في مسقط ، وكنت اتكلم مرة عن القهوة ،واصل وجذر الكلمة من (قها – يقهو) اي ذهبت شهيته ، وكانت الكلمة من الكلمات التي تصف الخمر او من اسماء الخمر ، لانها ربما كانت تذهب بشهية شاربها عن الاكل، اما البن فهي كلمة افريقية للشجرة التي تحمل بذور هذا النبات وهو كما تعرفون لم يكتشف الا من 600 سنة تقريبا ، وذات مرة سألني صديق اذا كانت القهوة من اسماء الخمر والبن لم يكتشف الا قريبا فماذا كانت العرب تسمي اللون البني او القهوائي او المعروف في العراق جوزي،وكان الجواب صعبا وقد دلني احد الاصدقاءعلى المعلومة ،فلون الحمار المائل للحمرة يسمى في العراق الاخضر واكتشفت ان الالوان لدى العرب كانت مختلطة ومختلفة عما نعرفه ونميزه اليوم فمثلا لماذا اطلق العرب على العراق ايام الفتح ارض السواد عندما رأوا كثرة النخيل ، والنخيل كما تعرفون اخضر ولي اسود ، اي انهم كانوا يقصدون ارض الخضرة ولان الاخضر كان عنهم اسودا، وهذا الموضوع يحتاج الى محاضرة منفصل نفصل فيه الكثير من الامور ان شاء الله.
ثم ينتقل الضيف الى كلمات اخرى قائلا ان العلم والماء في اللغة يتشاركان في كثير من الصفات فمثلا نقول ينهل العلم ،ونهل تعني شرب،وكلمات المصدر والمورد كلمات تشير الى الماء والعلم ،والقرآن الكريم يذكر (كان عرش ربك على الماء) قبل ان تخلق السماوات والارض اي انه كان على العلم وليس طافيا على الماء.
واخيرا يقول د.صباح ولأني طبيب ،فاني احب استعمال كلمة (مشفى) بدلا من كلمة (مستشفى) فالمشفى من الشفاء وهي تعطي الامل للمريض اكثر من كلمة مستشفى التي تعني ان الشخص يأتي ليستشفي وقد يشفى وقد لا يشفى ، وفي ختام المحاضرة شارك العديد من الضيوف بمداخلات واسئلة اضفت جوا من البهجة والمرح على هذه الامسية المميزة.