
قصائد للحب والوطن والثورة .. امسية شعرية
ضيفت مؤسسة الحوار الانساني بلندن الشاعر العراقي د. احمد مشتت في أمسية ثقافية يوم الاربعاء 4 كانون الاول/ديسمبر 2019، قرأ فيها بعضا من قصائده للثورة والوطن والحب وتحدث عن تجربته الشعرية وأعقب الامسية حفل توقيع ديوانه الجديد.
احمد مشتت ،طبيب وشاعر، درس الطب بين عام ١٩٨٠-١٩٨٦في بغداد ، يبدأ زمالة الجراحة لمجلس الاختصاصات الطبية العراقي ثم غادر العراق ١٩٩٤ ليكمل مشواره العلمي وحصل على اختصاص في جراحة الكلى والمسالك البولية من كلية الجراحين الملكية في بريطانيا ويعمل حاليا جراحا مختصا في المستشفى الملكي في لندن. كتب احمد مشتت الشعر منذ عام ١٩٨٠، نشر في عدة مجلات ادبية عراقية في المنفى، له مجموعتان شعريتان: افتتاحية المهرج، وساقطا على اقدامي لاول مرة .
افتتاحية المهرج
افتتاحية المهرج هي مجموعة من القصائد يدون فيها الشاعر أحمد مشتت تجربته القاسية أثناء خدمته كطبيب مجند على الجبهة الجنوبية في الحرب العراقية الإيرانية مع مجموعة من الممرضين المجندين الذين كانوا يعملون معه في مستشفى ميداني. تصف القصائد بشاعرية الجرحى وعمليات إخلائهم من على الجبهة وظروف الحرب شديدة القسوة.
يوضح الشاعر أحمد مشتت أن الحروب رغم بشاعتها والآلام التي تتسبب بها لضحاياها المباشرين الجنود والضباط المشاركين فيها، وضحاياها غير المباشرين وهم المدنيون من ذوي هؤلاء العسكريين وكذلك الناس بشكل عام، إلا أن هذه الحرب تصقل المشاعر الإنسانية وهي في أشد قسوتها وعنفوانها وحالات اضطرامها، لتضيف إلى الأدب -شعراً ونثراً- إبداعاً إضافياً جديدا من ناحيتي الكمً والنوع.
وهذا الرأي لا يشكل مدحًا للحرب أو تطلعًا لنشوبها وتصاعدها، بل لأن الحرب بوصفها حالة مفروضة دون إرادة من ضحاياها ولا مشاركة في صنع قرارها، تجعل الإنسان يتوجه إلى نمط نادر من التفكير، يستعيد خلالها حياته بكل تفاصيلها الدقيقة ويعيد تقييمها، ويبحث أسباب وصوله إلى هذا المصير. كذلك يخرج تفكير المرء في أحوال كثيرة عن إطار الذات ليشمل الجمع البشري المحيط الذي يشاركه نفس المصير والجمع الذي ينتظر في المدن والقرى البعيدة عن الأوار.
نموذج من قصائد المجموعة:
ما يحير الشاعر هو كيف يستعيد نفسه، كيف يغتسل من الغبار والبارود الذي علق بروحه، كيف يغسل هذه الروح من الداخل. يقول في قصيدته جثمان الفرح:
بعد كل هذه المتاريس
هل سنلمس الفرح
أعني نلمسه
ننفذ فيه
نتذمر منه
نبادله الغرام
نتحنى فيه عن دمنا القاسي
الحزن لوني ولونك
الحزن خارطة البلاد التي سكنتنا
أعني البيوت التي ما ملكت يومًا فضاءاتها تطلق فيها ما تشاء:
طائرات ورقية، حبال غسيل، قوس قزح، دموع، مناديل، شراشف، أدعية، نيونات، زينة.
في قصيدته افتتاحية المهرج التي كتبها الشاعر في شباط من عام 1992 أي بعد نهاية الحرب وعودته إلى بيته، يصف الذي بقي منه وكيف يبدو المكان القديم الجديد البعيد عن الحرب، يقول:
سأقطن غرفة تهزأ بي حين أسرّح شعري في مراياها.
ابتعدت أكثر مما يجب عن صفارات الإنذار
ونسيت أبراج الحراسة
لم يُصغِ الطفل- طفلي لبقايا الطفولة تحتج قلبي
يناديني الندى بعد نومي
هل يروق لك الوطن؟
سؤال جارح يطلقه أحمد مشتت عن وطن ما بعد الحرب. ما الذي تغير بعد الحرب؟ أو ما الذي غيرته تلك الحرب؟ الحروب تفترس البراءة. فكل شيء يتغير الإنسان والوطن، الشارع وكل الأمكنة. والمصيبة أن لا شيء يعود كما كان قبل الحرب، إلا بعد زمن كافٍ تغادر فيه كل الأجيال التي شهدت الحرب، ولا يبقى إلا الشهود المحايدون.
ساقطاً على أقدامي لأول مرة
اما مجموعة احمد مشتت الثانية الصادرة عن دار “الغاوون” بعنوان “ساقطاً على أقدامي لأول مرة” فقد كتبها كما لو أن الحرب التي أغرقت العراق وأبعدته، جرح شخصي لكل عراقي، وهي بحق مجموعة لافتة، وقصائد تبتعد عن الاستعارات لتدخل في المباشرة، مع أناقة محاذرة في تجنب فخ المباشرة. شاعر يغادر عراقه، لكنه ينسى قلبه فيه. اللوعة هنا بلطف بالغ.
فيه ” ساقطا على اقدامي لاول مرة” ينجح الشاعر في إبراز الجانب الوجداني ضمن قالب لغوي متماسك، حيث تُشكِّل الغربة ثيمة أساسية للديوان وما يستتبع ذلك من مشاعر الحنين إلى (والألم مِن) الوطن. ديوان غني بطقوس الشاعر الممسك بعنان لغته والموهوب الذي عثر على أسلوبه الخاص.
من قصائد الديوان نقرأ:
من كان يتخيل أنني سأصعد هذا الباص
مغادراً الوطن.
قلبي احتسى جرعةً كبيرةً من الشغف
وقبل أن يسكر
قرَّر المكوثَ في بغداد
حتى تنزل الملائكة أو يصعد هو
إلى أين؟
تساءلت أضلاعي وهي تغمغم
أتترك شمساً كهذه؟
ودَّعني رأسي باستهزاء
(تصيبني الحرّية بالدُّوار)….
تفاعل الحضور مع حروف القصائد التي لامست جرح الوطن الذي يبحث عن الفرح والأمل في أنتفاضة أبناءه الشباب . واختتمت الامسية بحفل توقيع ديوان الشاعر “ساقطا على اقدامي لاول مرة”.