عدنان حسين أحمد –
في 4 سبتمبر 2013 – ضيّفت مؤسسة الحوار الإنساني بلندن الباحث قصي الموسوي في أمسية ثقافية تحدث فيها عن موضوع مهم يحمل عنوان “قراءة منهجية جديدة في النص القرآني” وقد ساهم في تقديمه وإدارة الندوة كاتب هذه السطور. طرحَ الموسوي في مستهل محاضرته السؤال الآتي: “لماذا النص القرآني”؟ وأجاب على هذا السؤال بست نقاط نوجزها كالآتي: “القرآن نص موحّد بنسبة تصل إلى 98%. وأنه يتمتع باحترام وقداسة خاصة لدى سُبُع سكّان العالم، وأن
المسلمين يعتبرونه كتاباً سمأوياً، كما أن غالبية علماء العربية يعتبرونه نصاً إعجازياً يصعب تقليده، هذا إضافة إلى أن عدداً كبيراً من الدول ذات الغالبية الإسلامية تعتبره مصدراً للتشريع، كما يحتوي القرآن على تشريعات ومواد دستورية مثيرة سلباً وإيجابا”.
توقف الباحث قصي الموسوي عند فوائد هذا البحث وأوجزها بسبع نقاط أساسية وهي “محاولة تثبيت مبادئ البحث العلمي لأي حركة فكرية وعلمية نهضوية، والتعامل مع النص القرآني كمادة علمية قابلة للفحص والبحث، والتحقق من فكرة الإعجاز في النص القرآني، والتخلص من الخرافة التي اقترنت مع فهم النص القرآني، والتحقق من فكرة خلود النص القرآني ومناسبته لكل زمان ومكان، واختبار صحة الأطروحات المتطرفة التي تُنسب أفكارها وعقائدها للنص القرآني، وأخيراً الإجابة على الأسئلة الملحَّة حول حقيقة كون النص القرآني مُحرِّض على العنف والكراهية”. والملاحظ أن غالبية هذا الآراء جريئة ومثيرة للجدل في آنٍ معا. أما شروط هذا البحث فقد أوجزها المُحاضر بأربع نقاط وهي “التفريق بين قداسة النص القرآني وعدم قداسة فهم هذا النص، وأن مكان هذا البحث العلمي الذي هو في طور التأسيس والبناء هو المحافل العلمية، وأن ما يقدّمه الباحث في هذه المحاضرة هو تعريف بالمنهج واستعراض لبعض نتائجه، وأن الآراء الواردة فيه تتمحور حول الدليل، علماً بأن الفهم الجديد في الأعم الأغلب أمر ظنيّ، والمطلوب هو الاستماع والأخذ بأحسن القول”. سلّط المحاضر بعض الضوء على منهجه العلمي الذي أسماه مؤقتاً بـ “المنهج اللفظي الأرتالي” الذي يقوم على أسس وقواعد أولية وأخرى ثانوية، ولا يدعي الباحث أنه مخترع لهذا المنهج، وإنما هو مطوّر ومكمّل له، فالمناهج تتكامل عبر السنين. يعتمد هذا المنهج على ثوابت اللغة والمنطق بصورة عامة، وأن النص القرآني هو المجال الأهم في اختبار هذا المنهج الذي يقوم على فكرة وجود معاني موحّدة للألفاظ وعدم الحاجة إلى تغيير المعنى في المواضع المختلفة، وأخيراً يقوم هذا المنهج على فكرة المعاني المفهومية ما لم ترد قرينة على المعنى المصداقي”. توقف الموسوي عند أربعة عوامل رئيسة جرى تثبيتها في هذا البحث وهي “أن القرآن كتاب سماوي، وإرشادي يعكس صورة عن قوانين الكون، ولا يتضمن تناقضاً أو اختلافاً، وأنه يساعد في فهم اللغة العربية وقواعدها وقوانينها وأسسها”. أما أبرز قواعد هذا المنهج اللفظي الأرتالي فهي “الاعتماد على ثوابت المنطق الإنساني الفطرية الأساسية، وصحة هذه الثوابت المنطقية ودوامها، وأن اللغة وعاء لنقل المعنى، واعتماد فكرة حاكمية ثوابت اللغة المتفق عليها على أي نص، ومتابعة الألفاظ في النص القرآني لكشف معانيها، والركون إلى عقلانية قائل النص القرآني، والأخذ بفكرة تغيير المبنى يؤدي إلى تغيير المعنى، وأن كل كلمة أو أداة ربط أو حركة أو وقف أو فصل له غرض يؤديه في النص القرآني ولا يمكن استبدال تركيب بتركيب آخر”. شدّد الموسوي على ضرورة الانتباه إلى النقاط الثلاث عشرة الآتية التي نوردها كما جاءت في المحاضرة:
” • الحرف أو الصوت وما توحيانه من معانٍ تجريدية.
• الجذر اللغوي وكيفية تكون المعنى المفهومي من ارتباط الحروف والأصوات.
• الاشتقاق المستعمل من الجذر اللغوي وقدرته على تغيير حركة الفعل أو الاسم أو الصفة.
• الأفعال وأزمنتها وأثر ذلك على المعنى المستنتج من النص.
• المتحدث المحتمل ومدى صدقيته وأهمية قوله.
• المخاطب والفرق بين الشخصية الحقيقية والشخصية الماهوية.
• الضمائر وعائديتها سواء على ما يسبقها مباشرة أم أكثر من ذلك.
• التراكيب الثنائية والثلاثية وطريقة تكرارها في النص القرآني من قبيل “الذين آمنوا”.
• أدوات الربط وما تؤديه من معانٍ مختلفة من قبيل الفرق بين “ضرب على” و”ضرب في”.
• نوع الجملة المتكونة وطريقة بنائها وأثر ذلك على المعنى المقصود.
• علامات الترقيم وما تضيفه من معنى من قبيل الوقف والقطع والوصل بين الجمل وما يؤديه ذلك من توضيح للمعنى أو تحديده.
• السياق والافكار العامة والانتقال بين الأفكار الفرعية ضمن وحدة موضوعية عامة”.
أما أبرز النتائج التي تمكن الباحث من الوصول إليها بواسطة منهجه العلمي هي اثنتا عشرة نتيجة وهي كالآتي “قصة آدم في قالب جديد، معنى السجود والركوع والقنوت، معنى الصلاة، قصة يوسف في إطار واقعي، موقف القرآن من الإجهاض، قصة نقل عرش بلقيس ومجمل قصة سليمان، حل مشكلة الجبر والتفويض في قصة موسى والخضر وقتل الغلام، مفهوم قطع يد السارق، معنى جديد لآية الحرابة، القتل ومعناه في النص القرآني، حل بعض الإشكالات في عائدية بعض الضمائر، واستعمال الأفعال الماضية لمعنى الاستقبال” وغيرها من النتائج الأخرى التي لم يشر إليها ضمن سياق المحاضرة. وقد قدّم الباحث بعض النتائج التي توصل غليها من خلال فحص بعض الآيات القرآنية من سور مختلفة من بينها “العنكبوت” و “المؤمنون” و “النحل” وغيرها. ثم نوّه المحاضر إلى أنه قد تلّمس من خلال تجواله بين التفاسير القرآنية إن المفسرين كانوا مقيدين في أثناء عملية التفكير في المعاني المختلفة للكلمات والضمائر والآيات لأنهم وجدوا أمامهم تراثاً روائياً واسعاً لا يخرج عن إطار هذا القيد المُشار إليه سلفا. الأمر الذي جعلهم يدورون في الحلقة المفرغة ذاتها من دون الوصول إلى اجتراحات جديدة إلا في حالات نادرة جدا. ثم توقف الباحث طويلاً عند شجرة آدم وتوصل في خاتمة المطاف إلى أنها بحسب التراث الديني المعروف (إما شجرة نباتية أو شجرة معنوية” وقد اعتمد على بعض المصاديق مثل “شجرة التفاح، شجرة الزيتون، شجرة المعرفة”الكتب السماوية السابقة للقرآن”، شجرة الخير والشر”الكتب السماوية السابقة للقرآن أيضا”، وأمور أخرى متعددة من بينها شجرة هلوسة). لقد توسّع الباحث في ذكر الأمثلة وختم محاضرته بالقول: “إن النص القرآني يحتاج إلى قارئ متفتّح الذهن سواء على قراءات مختلفة للنص أم على علوم عصره، وألا يغفل ما توصل اليه الآخرون من وسائل وأساليب للقراءة والفهم فإذا تسلح بمثل هذا سوف يجد أن أقوى إعجاز لهذا القرآن هو انسجامه الكامل ذاتياً بين مختلف جوانبه وأجزائه وموضوعياً مع كل قوانين الكون”. وفي ختام الأمسية دار حوار طويل بين الباحث قصي الموسوي وجمهور مؤسسة الحوار الإنساني من بينهم معد فياض، د. جعفر هادي حسن، د. عبدالله الموسوي، د. حسن عبد الرزاق، د. محمد علي زيني، جلال كريم، د. مهنّد الفلوجي، د سعد الشريفي، وحسين السكافي.