قراءة في كتاب الإنترنت والمنظومة التكنو-اجتماعية: بحث تحليلي في الآلية التقنية للإنترنت، ونمذجة منظومتها الاجتماعية ..
علم الاجتماع الآلي
تأليف: علي محمد رحومة
شارفت آلة (الكومبيوتر) على أن تكون جزءا حيويا من إنسانية الإنسان، في عصر زاد فيه استخدمها بحيث طغت على غالبية المكائن، وصار الإنسان تابعها في كل عمل ينجزه، ولا يستغني عن تفاعلها معه، بل وصارت إليه كما يكون إحدى الأعضاء الحيوية من جسمه.. كونها تداخلت في أفضل طرق الاتصال وصار بها يتبادل الاهتمامات والمهارات والخصائص اللازمة للنجاح في أية موضوعة يريد لها ان تتفاعل عبر إنسانية الإنسان كتفاعل اجتماعي، اي مضمار، وتتواصر العلاقات الإنسانية بها، وأصول المجتمعات والبنية الاجتماعية والبحث العلمي، وأيضا عبر قوة الملاحظة والخلفية الثقافية، والقدرة على الربط والتحليل النقدي، والتفكير الموضوعي، وقوة المهارات التعبيرية الشفهية والكتابية. فتشكل من كل هذا هيكلا علميا يدرس علاقة الإنسان الذي يتعامل مع هذه الآلة المتسلطة بكل فعلها البين كونها صارت تهيمن على المجتمع الإنساني وتنظم له اغلب علاقاته، حيث جاءت البحوث في هكذا مضمار نادرة جدا، ليس لكونها حديثة العهد في عصر قطع بعهدها معه أطول شوطا من أشواطه قبل اختراعها، ودخولها مضمار المجتمعات الإنسانية فيأخذ كتاب (علم الاجتماع الآلي) لمؤلفه (د. علي محمد رحومة) مقاربة في علم الاجتماع العربي والاتصال عبر الحاسوب، ويتعامل عبر موضوع شيق دائم الإضافة مبحثا في مجال علم الاجتماع والمعلوماتية، و(تحديداً في خصوص النظر السوسيولوجي التكنولوجي المعاصر إلى الفضاء الإلكتروني في شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت). ويركز بصورة خاصة على المنظور التكنو- اجتماعي للحياة البشرية الآلية (الإنسان – الآلة) في الفضاء السايبري Cyberspace)، فيحلل هذا العلم الاجتماعي الجديد، من منطلق التعددية الثقافية عبر التواصل والاتصالات لمباحث علوم إنسانية وطبيعية متعددة، تهتم في مجملها بالحركة البشرية الرقمية في العالم الافتراضي السايبري (الإنترنت)، عبر تأشير الأسس والمبادئ لأصول العلم الذي يدرس هذه الظاهرة الرقمية الجديدة في المجتمعات البشرية، ومستقبليات هذا العلم، الذي سيؤخذ جدية بعين الاعتبار لأنه شاخص خصوصاً في المنظور المستقبلي القريب، (يمكن اعتباره الكتاب الأول من نوعه)، لمباحث علوم إنسانيّة وطبيعيّة متعدّدة، تهتمّ في مجملها بالتدوين البشريّ المرقّم في العالم الافتراضي (الإنترنت). (إن اللغة لتحار في تسمية هذا العلم الاجتماعي الجديد، فهل هو علم الاجتماع الإلكتروني، الرقمي، الافتراضي أم نكتفي به علم اجتماع الانترنيت؟ أم نأخذ تسميته كما يطلق عليه في أدبيات الغرب Cyberspace علم الاجتماع السايبري او السيبراني كما يشار إليه ضمن مجموعة من المباحث (دراسات الانترنيت أو الويب..الخ) كثيرة هي الأسماء التي تطلق على مجالات اهتمام هذا العلم الاجتماعي الذي أفرزته منظومة التكنواجتماعية- الكتاب ص38)، إضافةً إلى أن هذا العلم يقدَّم إلى القارئ: (علم الاجتماع الآلي)، متناولاً أسس ومبادئ وأصول العلم الذي يدرس هذه الظاهرة الرقميّة الجديدة في المجتمعات البشريّة، وحضورها الطاغ في كل مكان وزمان، وما يقدّمه في مؤلّفه علماً استُكملت موضوعاته ومباحثه ومناهجه وأدواته لكنه لم يزل يشغل مساحات خصبة متنوّعة للبحث والدرس والتحليل والنقد والتعليل، والكشف والاكتشاف، والمتابعة والتطوير، يمضي قدما في مبحث ثقافة رقميّة، حركيّة يخلقها مستخدمو الإنترنت ببرامجهم المتنوّعة، ومدوناتهم المنشورة على الملأ، حيث صار المكتبات موفورة على الدوام عبر هذه المنظومة المعرفية التي تدخل بيسر إلى كل بيت، (ظهرت كتابات حول التنوع الثقافي في الانترنيت cultural diversit، العرق، النوع gender الجنسانية sexuality الطبقة class… الخ- الكتاب ص 48)، وبالإمكان اليوم أن يقرا الإنسان ما يريد، ويجب إشباعا لفضوله وله حرية الاختيار فيما يطلب من اجل أن يعرف. لهذا يلاحَظ أنّ كلّ مجتمع افتراضي يطوّر ثقافته (الافتراضيّة) الخاصّة، بسبب عدّة عوامل، مثل ديموغرافيا المشاركين واهتماماتهم المشترَكة، والطريقة التقنيّة لإعداد أو تهيئة الشبكة المستخدَمة، وكذلك البينيّة البرمجيّة التي يستخدمها أعضاء الشبكة، (أما المتفاعلات الثقافية فهي في إطار مترابط العناصر من الإغراض والأهداف والحاجات المشتركة بين الأعضاء، وأيضا اللوائح والقواعد والسياسات المتبعة، والعادات، والأنماط التي تفرز من خلال هذه التفاعلات بما يدعم الثقافة المتشكلة، سواء كانت في أصولها لدى المشاركين أو إفرازاتها من جراء التفاعلات الجديدة في المجتمع المتكون على الخط- الكتاب ص 80)، فالكتاب جاء محددا لمعالم وحدود، وتخليص ممّا يتجاذبه من الميادين العلميّة التكنولوجيّة والاجتماعيّة، (سواء في الحاسوب والاتصالات والإلكترونيات والهندسة بفروعها، أو في الاجتماع والنفس وعلم الإنسان، والاقتصاد والإدارة والقانون والسياسة والتاريخ والأدب).. بتكوّن المجتمعات وفهم التفاعل الاجتماعي، وخاصة حين تتّفق معطياتها وأفكارها مع نموذج البيئة الإلكترونيّة على الشبكة، على سبيل المثال، النظريّات التي قدّمها كل من (دوركايم) و(غوفمان)، ففي واقع الأمر الكتاب بكليته هو مدخل عام لعلم اجتماعي (جديد)؛ يمهد بتفصيل لهذا العلم الاجتماعي المتصل عبر النت، ويتحدث عن العالم الإلكتروني، ومحاكاته للبيئة الاجتماعية الطبيعية في العقل والتصور والخيال والإحساس… كذلك في اللغة والرمز والتمثل، بملامح التكنو- اجتماعي (الفرد الإنترنيت) أو (الفرد الجماعة) وهي تتعامل مع حقيقة عالم الإنسان والحاسوب والمجتمع الإلكتروني. (إنها ليست المجتمعات العادية التي تنشأ وتتطور بشكل عادي كيفما اتفق.. عبارة عن تفاعل اجتماعي حاسوبي غير موجه بسياسات وقواعد ولوائح وأنماط عمل محددة، بل موجهة بالأهداف الربحية، أو التطويرية أو ما شابه من أهداف في التجارة والتكنولوجيا والسياسة والاجتماع المقنن- الكتاب ص90)، وأيضا هو بحث في الحقل المعرفي لنشوء ما عرف من مجتمعات افتراضية، وتجمهرات رقمية على شبكة (الإنترنت) بمفهوم المجتمع الافتراضي بشتى سماته، واختلافاته، وخصائصه المشتركة، من جراء التفاعل الرقمي الإلكتروني بين مختلف أنواع البشر لهذه الجماعات الإنترنتية، شاملاً ذلك أهم مراحل التطوير والتقييم التي تمر بها الحركة الإلكترونية للمجتمعات الشبكية بما يفضي إلى تناول أهم التقنيات المستخدمة في الاتصال عبر الحاسوب، وتفعيل حركة الانترنيت في شتى خدماتها وفاعلياتها وأهم خصائصها، وميزاتها، وعيوبها، بما يفتح منظوراً عاماً لتوجهات التطوير والتقييم الاتصالي، (نجدها تشمل نظمه وعاداته وتقاليده وأعرافه، وأيضا أعراقه ولغته وتاريخه وأفكاره وقيمه ومعاييره ومعتقداته؛ إلى جانب أخلاقه ودينه وسلوكه، وفنونه وآدابه… الخ؛ بل هي جوهر وجوده وروح تفاعله، ومظهر قدراته ومهاراته، وصورة تركيبته ونظامه الكلي.. بعبارة أخرى الثقافة هي معمار المجتمع جوهر ومظهرا، وثقافة جماعة ما هي الواجهة التي من خلالها يمكن التعامل معها، وهي النظام الذي تتبلور من خلاله المنظومة الاتصالية للجماعة، والإفراد على حدة- الكتاب ص 129)، كما ورد في الفصل السادس: (الثقافة الرقمية والهوية الآلية)؛ شاملاً ذلك نماذج مختلفة لهذه القضايا والمسائل الإلكترونية، وبخاصة من حيث عرضها وتحليلها وكشفها ونقاشها بما يتعلق بالنظرية السايبرية نفسها، في مجتمع الإنترنيت، في المفهوم والنظر الكوني للمجتمعات الإنسانية- الرقمية، كذلك نحاول تحديد الصورة الحقيقية للجوهر الافتراضي في العالم الإلكتروني، الذي أخذ يزاحم عالمنا الاجتماعي الطبيعي. بل هو يتمثل كأنه امتداد لنا بصورة جديدة كلياً، في الافتراض، والتخيل، والرمز، والمعنى الاجتماعي الجديد معضلة الهوية الآلية. الكينونة الجديدة، والتشكل المعنوي والمادي معا، لإنسان جديد بملامح وتقاسيم وجه إلكتروني، وذات افتراضية جديدة، رقمية؛ هو هذا الكائن الآلي، الذي بدا يخطو قريبا منا، ويتراءى لنا على مرآتنا الجميلة الغامضة، شاشة الحاسوب في غرفة الانترنت السحرية. أما (مناهج البحث الاجتماعي الآلي)؛ وهو الفصل السابع يعرض لأهم الأساليب، والمنهجيات المتبعة، وأهم الوسائل والأدوات المستخدمة في البحث الاجتماعي الرقمي على الانترنيت، فيتضمن الفصل الثامن والأخير (مستقبليات علم الاجتماع الآلي)؛ يطرق إلى أهم رؤى للبحث الاجتماعي الآلي، مؤشرا على نقاط بالغة الأهمية في التصور المستقبلي للمجتمعات البشرية، وقضاياها الاجتماعية، فضلاً عن قضاياها العلمية والتكنولوجية. وذلك في أربع فقرات محددة هي: (منجزات التعلم الآلي؛ والتكنولوجيا المتبادلة وإنزال الأدمغة؛ ومنظور الموجة الرابعة والاجتماع؛ المستقبل القريب)، وتضمن الكتاب أيضا ملحقا رائعا تفرد فيه أهم الكلمات والمصطلحات الإنجليزية المستخدمة في علم الاجتماع الانترنيت، فلو تحقق خوف (فوكوياما) في كتاب نهاية التاريخ فالإنسانية سوف تنهار على يد هذه الآلة الذكية عندما تتمرد عليه وتعلن تمردها عليه بل و تسيطر عليه، بقدر ما بقي يستغلها ويعطيها من نفسه، في حلمه العصي بان يحقق (السوبرانسان النيتشوي)، فهل من ثمة بقية للإنسان الذي دون خبرته بواسطة هذه الآلة الحاضرة بقوة، وصار لا يستغني عنها ابدا وصار يدرسها ويدرس علم اجتماعها .