بقلم صادق الطائي –
في السابع من ايلول عام 2012 رحل عنا الفنان المسرحي المبدع قاسم مطرود عن عمر ناهز الخمسين عاماً بعد رحلة شاقة ومضنية مع المرض ومعاناة كبيرة قضاها بعيداً عن وطنه ، وتمر علينا في هذه الايام الذكرى الثانية لرحيله ، واحتفاءا بهذه الذكرى أقامت مؤسسة الحوار الانساني بلندن يوم الاربعاء 24/09/2014 جلسة تأبين استذكارا لهذا المبدع الكبير الذي رحل وهو في قمة عطائه .
قاسم مطرود كاتب وناقد ومخرج مسرحي ، وهو مدير موقع (مسرحيون) أول موقع عربي يعنى بالفنون المسرحية، ولد في عام 1962م ببغداد في مدينة الثورة ، وفي عام 1979م دخل معهد الفنون الجميلة ببغداد قسم الفنون المسرحية ثم التحق بأكاديمية الفنون الجميلة في عام 1994م وتخرج منها عام 1998 م ، اكمل دراسته في أكاديمية هلفروسام في هولندا وحصل على دبلوم في مجال إعداد وتقديم وإخراج البرامج التلفزيونية .
كتب العشرات من المسرحيات وطبع له العديد من الكتب مثلما اخرجت اغلب مسرحياته في العديد من البلدان العربية والاوربية ونال جوائز وشهادات تقديرة كثيرة جدا، كما قام باخراج بعض من مسرحياته.
ومن كتبه المطبوعة :
– للروح نوافذ أخرى ـ رثاء الفجر ـ الجرافات لا تعرف الحزن ومسرحيات أخرى ـ طقوس وحشية ـ سيمفونية الجسد والموت ـ
كما ان له كتب تحت الطبع :
– دمي محطات وظل – أحزان جثة – المسرح العراقي عطاء دائم – مجرد نفايات ومسرحيات أخرى – صدى الصمت – وطن سقفه السماء
– قاسم مطرود في مرايا النقد المسرحي (كتاب حول تجربتي المسرحية)
– قاسم مطرود : الحب ،الحرب ، المنفى (كتاب حول تجربتي المسرحية)
– دلالات الموت والحرب في نصوص قاسم مطرود (كتاب حول تجربتي المسرحية)
– ليس عشاءنا الأخير.
وقد ترجم العديد من اعماله الى مختلف لغات العالم مثل الانجليزية والفرنسية والهولندية والسويدية والجيكية والكردية والعبرية .
– تناول العديد من طلبة الدراسات العليا في كليات الفنون الجميلة في العراق تجربة قاسم مطرود المسرحية وخاصة في التأليف المسرحي في رسائل ماجستير ودكتوراة اذ كتب عنه خمس رسائل جامعية ، كما حصل قاسم مطرود على العديد من الجوائز والتكريمات منها :
– 2009 كرم بدرع الإبداع العربي من قبل ملتقى الرواد والمبدعين العرب
– 2010 كرم بدرع الإبداع العراقي
2010 كرم بساعة الجواهري ضمن الاحتفاء الذي أقامه اتحاد أدباء وكتاب العراق
2010 كرم بعدد من المخطوطات ضمن الاحتفاء الذي أقامته أكاديمية الفنون الجميلة
2010 كرم بدرع الإبداع المسرحي ضمن مهرجان المسرح العربي التجريبي في القاهرة .
وقد ابتدأت الامسية بكلمة القاها الاستاذ غانم جواد مدير مؤسسة الحوار الانساني في لندن اشاد فيها بدور قاسم مطرود واسهامه في انشاء هذا المركز الثقافي وتفانيه في تقديم المساعدة والمشورة وحبه للعمل الثقافي العام ومحاولاته تقديم ابداع المبدعين العراقيين والعرب في المهجر ، وفي نهاية كلمته القصيرة تقدم الاستاذ غانم جواد بأسمه وبأسم مؤسسة الحوار الانساني بأحر التعازي لعائلة الفقيد.
ثم جاء دور الفيلم الوثائفي القصير ( قاسم مطرود ) متناولا سيرة المبدع عبر محطات ولقاءات تلفزيونية قديمة تم منتجتها لتقدم رؤية مطرود الابداعية وعلاقته بالمسرح والوطن والمهاجر التي مر بها ، في عشر دقائق عشنا عبرها اهم محطات حياة الفنان قاسم مطرود وصولا الى رجوعه الاخير في نعش ملفوف بالعلم العراقي ليرقد بين جنبات وادي الرافدين التي عاش حياته عاشقا لثراها.
وبعد ان رفرت روح قاسم مطرود على القاعة بتأثير الفيلم الوثائقي المعروض محتضنة الحاضرين من المثقفين العراقيين ومن اصدقاء واهل المبدع ، حان دور الاعلامي العراقي محمد السيد محسن ، وهو صديق مقرب من الراحل قاسم مطرود ليقرأ شهادته بهذه المناسبة ، فجاءت شهادته مزيجا بين الشخصي والابداعي عبر تذكر نقاشات تمت بينهما ، وكيف كان يتحلى بروح معنوية عالية حتى وهو في احلك ظروف مرضه ، ثم تحول من الشخصي الى النقدي متناولا بالتحليل نص مسرحي لقاسم مطرود هو حاويات بلا وطن ، يحكي قصة تحول حاويات النفايات الى بيوت صفيح يسكنها المعدمون في بلد يزخر بالثروات مبينا ان النص كان قد كتبه قاسم مطرود في التسعينات الا انه ادخل عليه بعض التغبرات مع الابقاء على الفكرة المركزية ، فبعد ان استبشر المعدمون بزوال النظام السابق واعتقدوا ان ايام الفرج قد حلت اخيرا ، واذا بهم يواجهون كوارثا من نوع اخر لم تكن في الحسبان وختم الاستاذ محمد السيد محسن بالاشارة الى ان العمر لو كان قد امتد يقاسم مطرود لكان ادخل تعديلات اخرى على النص بعد ان امتلأ البلد بالمهجرين على اثر الكوارث التي حلت بالعراق اخيرا ، مشيرا الى ان مطرود كان دائم التواصل مع هموم البلد وطوال عمره لم يعش كمغترب بعيد عن هموم العراق انما كان يلمس كل آهة تنطلق من افواه المعذبين في بلده .
ومن الشخصي تحولنا الى النقدي مع شهادة قدمها الاستاذ علي رفيق متناولا اعمال قاسم مطرود بالنقد ، وقد ابتدأ الاستاذ علي رفيق كلمته منوها الى انهما لم يكونا من جيل واحد اذ انه دخل معهد الفنون الجميلة في السنة التي ولد فيها قاسم مطرود 1962، كما ان المنافي لم تجمعهما الا في اخر سنتين في بريطانيا حين تعارفا في امسية من اماسي المقهى الثقافي في لندن ، على اثرها نمت علاقة فنية قائمة على تذوق المشاريع المسرحية الجادة التي كانت تشغلهما ، ثم عرج الاستاذ علي رفيق على مجمل اعمال قاسم مطرود مبينا نقاطا نقدية عدة منها لجوء مطرود الى المناخ البريختي في العمل وسعيه الدائم للعمل على كسر عامل التقمص الارسطي الذي يقوم عليه المسرح الكلاسيكي ومع ذلك فان التجريب الموغل في التغريب لم يأخذ مطرود بعيدا عن هموم الرجل العادي عبرطرح اعمال كانت دائمة التماس مع هموم الناس الحقيقية ، ولم يكن قاسم مطرود يسعى للتجريب كموضة او تقليعة انما كان قد هضم مسرح العبث الذي ظهر في اوربا بعد الحرب العالمية الثانية نتيجة للاجدوى التي عاشها الانسان الاوربي وحاول ان يوظفها بنكهة عراقية تمس المصائب اليومية التي تحيق بالناس انى ولو وجوههم ، واشار الى عدة نماذج من اعمال قاسم مطرود منها ثيمة الرجل الذي يدفع جثته في عربة يد في مسرحية أحزان جثة في اشارة الى الانقسام والتمزق النفسي الحاصل في المجتمع حتى تحول الناس الى ارواح معذبة تسحب جثثها بسبب المعاناة التي يحيونها في جو يذكرنا باعمال بكيت ويونسكو وكامو.
وبعد الجرعة النقدية الدسمة التي اظفتها شهادة الاستاذ علي رفيق على الامسية ، عدنا الى الجانب الشخصي والعائلي عبر شهادة استذكار قدمها ابن قاسم مطرود الاصغر اوس ، وفي خضم انهمار الذكريات ، الحزين منها والمفرح ، انهمرت دموع اوس مرارا واختنق صوته بالعبرات وهو يتذكر ذاك الاب الرائع الذي وقف مع عائلته وابنائه كما لم يقف معهم احدا مؤازرا ومعلما ومقدما لكل ما يحتاجه الطفل او الفتى منهم ليكون مبدعا حقيقيا عبرمشاريعه الصغيرة من تأليف كتاب الى تعلم الرسم الى التأليف الموسيقي وتعلم حرفة صناعة الافلام .
هكذا كان قاسم مطرود في عيون عائلته واصدقائه واحبابه وهذا ما لمسناه من مداخلات عدد من الضيوف الذين اشاروا الى بعض ذكرياتهم مع الراحل الكبير قاسم مطرود الذي رحل عنا مبكرا وهو مطمئن الى ان مازرعه من حب في قلوب الناس لابد ان يثمر طيبة ومشاريع ابداع ترفد المشهد الثقافي العراقي بكل مفيد في المستقبل.