صادق الطائي
منذ الاعلان الاول عن اكتشاف الاصابة بفيروس كورونا الذي يصيب الانسان بنوع حاد من الانفلونزا منذ اسابيع، ومنصات التواصل الاجتماعي والقنوات الاعلامية المختلفة مقلوبة رأسا على عقب، المثير في الأمر إن فيروسات مشابهة للزائر الجديد قد أكتشفت، وأصابت، وقتلت، ومرت ثم تكاد تكون اليوم طي النسيان مثل فيروس سارس، وانفلونزا الطيور، وانفلونزا الخنازير. إذا ، لماذا أثيرت كل هذه الضجة وحملات الرعب مع اكتشاف الفيروس الجديد؟ لماذا أطلقت العديد من نظريات المؤامرة بشأنه؟ هل هناك تعاطيا منحازا طائفيا أو عرقيا مع المرض الجديد؟ هل كان عصر انتشار التقنيات الحديثة وبالا على مجتمعاتنا نتيجة تعاملها مع الضخ الاعلامي الهائل المصاحب لازمة فيروس كورونا.
معلومات علمية
فيروس كورونا هو نوع من الفيروسات المعدية بين البشر، والذي ينتقل مرضيا عند ملامسة سوائل الشخص المصاب، أي إنه لا ينتقل في الهواء وإنما ينتقل عند ملامسة الرذاذ الناتج عن عطاس المصاب، أو ملامسة السوائل الاخرى التي يفرزها جسم الشخص المصاب، لذا يتوجب عزل المصابين لمدة اسبوعين، وهي مدة حضانة الفيروس في جسد الانسان، ولا يوجد لقاح متوفرٌ للفيروس الجديد حتى الان، لكن الكثير من الابحاث جارية بهذا الخصوص، ويستخدم الاطباء حاليا انواعا من المضادات الفيروسية التي تخفف من حدة الاصابة وتعجل في تشافي المريض.
أُبلغت الصين رسميا منظمة الصحة العالمية عن أول حالة إصابة بفيروس كورونا في 31 ديسمبر 2019، الاصابة حدثت في مدينة ووهان الصينية، لكن تسريبات أتهمت النظام الشمولي الصيني بالتكتم على اصابات المرض، والاعداد الحقيقية للاصابات، مما تسبب بتحوله الى المرحلة الوبائية وانتشر بشكل كبير في المدن الصينية ومن ثم انتشر خارج الصين مع انتقال الافراد المصابين. وتشير التقارير العلمية الى إن تسلسل فيروس كورونا بيتا ووهان يظهر تشابهات مع فيروسات كورونا بيتا الموجودة في الخفاشيات، ولكنها تتميزُ جينيًا عن فيروسات كورونا الأخرى مثل فيروس كورونا المرتبط بالمتلازمة التنفسية الحادة المعروف باسم (سارس؛SARS)، وفيروس كورونا المرتبط بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية المعرف بـ (MERS).
وتتضمن الأعراض الموثقة للمرض حدوث حمى في 90% من الحالات، وضعفٍ عام وسعالٍ جاف في 80%، وضيقٍ في النفس في 20%، مع ضائقة تنفسية في 15%. كما أظهرت الأشعة السينية علاماتٍ التهابات في الرئتين، وكذلك تُظهر اختبارات الدم انخفاض في الكريات البيض وقلة اللمفاويات. كما أشارت التقارير الطبيية العالمية الى إن نسبة الوفيات في حالة الاصابة هي 2% ، مما يعني ان المرض ليس قاتلا ، أو مرعبا كما تتحدث الاشاعات عنه.
كورونا ونظريات المؤامرة
صاحبت ظهور الفيروس الجديد عدد من نظريات المؤامرة، أو التعاطي الخرافي، أو اللاعقلاني مع الظاهرة المرضية، أول نظريات المؤامرة وأكثرها انتشار كانت تشير الى إن فيروس كورونا من الفيروسات المصنعة في المختبرات لغرض الاستعمال كسلاح بيولوجي، وكانت هذه النظرية تتعاطى مع الامر وفق مسارين، الاول؛ يشير الى إن الفيروس تسرب من أحد المختبرات الصينية في مدينة ووهان، اما المسار الثاني؛ فيشير الى إتهام الولايات المتحدة بالوقوف خلف تصنيع الفيروس ونشره في الصين على خلفية جولات الصراع والتنافس الاقتصادي والسياسي بين البلدين، وقد نفى علماء الاوبئة هذه المعطيات جملة وتفصيلا. ووفقا للدكتور تريفور بيدفورد الباحث في مركز فريد هاتشينسون لأبحاث السرطان في سياتل بولاية واشنطن الأميركية، فإن طفرات الفيروس أتت بتطور طبيعي، وليس فيه ما يشير إلى حدوث أي تغييرات غريبة أو غير متوقعة. وأضاف بيدفورد الذي كان قد درس طبيعة فيروس “سارس2″، إنه لا يوجد شيء في فيروس كورونا يشير إلى أنه تمت هندسته وراثيا.
وضمن التعاطي الخرافي مع الكوارث البيئية ما شهدناه في تعامل منصات التواصل الاجتماعي في العالم العربي مع فيروس كورونا، إذ ظهرت معلومات تشير الا ان هذا الفيروس إنتقام آلهي من الصين نتيجة اضطهادهم للاقلية المسلمة في الصين المعروفة بالايغور، لكن سرعان ما انتشر المرض في عدد من الدول حتى غدت بعض الدول المسلمة بؤرا للإصابة بالمرض مثل ايران.
كذلك ظهر تعامل عنصري مع الصينيين او الاسيويين من الجنس الاصفر في مختلف دول العالم باعتبارهم الجنس الاكثر اصابة بهذا الفيروس، وعزي الامر الى طبيعة الاطعمة واللحوم التي يأكلها الاسيويين، وعلى أثر ذلك انتشرت إشاعة انتقال الفيروس نتيجة تناول حساء الخفاش، أو لحوم الافاعي المنتشرة في الصين وبعض دول شرق أسيا، لكن هذه المعلومات لم تثبت علميا حتى الان. وقد ساعدت منصات التواصل الاجتماعي على نشر الرعب والفوبيا من الفيروس الجديد بنسب عالية مقارنة بتعاطي الجمهور مع فيروسات سابقة كانت أخطر منه، ونسبة الوفيات نتيجة الاصابة بها كانت أعلى بكثير من فيروس كورونا مثل فيروس سارس وانفلونزا الطيور، لكن نتيجة لكون سطوة منصات التواصل الاجتماعي كانت كبيرة جدا هذه المرة واجهنا ظاهرة انتشار التهويل وحملات الرعب من الفيروس الجديد حتى وصفها أحد المراقبين بقوله أن منصات التواصل الاجتماعي تحولت إلى بالوعات لنشر الخوف والمعلومات الخاطئة عن فيروس كورونا.
فيروس كورونا سياسيا
ما يلفت الانتباه في التعامل مع انتشار فيروس كورونا إن الامر غدا له جانبا سياسيا بشكل كبير وسريع، ومثلما أشرنا الى نظريات المؤامرة التي احاطت مسألة نشر الفيروس، تعاطى سياسيون وأحزاب ودول بشكل لافت مع ظاهرة كورونا. ومن المظاهر السياسية الملفتة لكورونا الحملات التي شنت ضد ايران، فقد وجهت الكثير من الاتهامات للايرانيين كون اجراءاتهم الوقائية ضعيفة، بل وصل الاتهام الى إنهم يتكتمون على عدد الاصابات لديهم، والنتيجة انتشار المرض عبر انتقال المصابين من ايران الى دول الجوار، وهذا الامر فيه جانب كبير من الصحة.
في العراق المرعوب من انتقال الفيروس نتيجة غياب الرقابة على تنقل البضائع والافراد بين العراق وايران، صرح مختار الموسوي النائب من كتلة الفتح النيابية المقربة من طهران، قائلا ؛” أشكر حكومة تصريف الأعمال وبالأخص وزراء الداخلية والصحة والنقل على اجراءاتهم الصحيحة بالحفاظ على صحة العراقيين، وإبعاد فيروس كورونا الإيراني عن بلدنا العزيز وشعبنا المظلوم، وأسالهم عن الإصابات في السعودية البالغ عددها أكثر من ٨٧ إصابة وكذلك في الأردن أكثر من ٧٧ إصابة”. وأضاف ؛”هل معنى ذلك وجود نوعين من الفيروس، ايراني ممنوع دخوله، وسعودي وأردني مسموح دخولهم فقط”، وتابع مخاطباً أولئك الوزراء؛” هل استبعدتم الفيروس الإيراني؟ أذا لماذا لم تستبعدوا الفيروس الاردني والسعودي؟.. ما هذا التحيز؟ ولحساب من هذا التحيز؟”.
أما النائب فالح الخزعلي من كتائب “سيد الشهداء” فقد انتقد الاصوات المطالبة بأغلاق الحدود مع ايران وايقاف الرحلات الجوية بين البلدين، وقال في تغريدة على صفحته الرسمية؛” فيروس كورونا في الصين و بعض الدول المجاورة لذلك طالب الكثيرون بغلق الحدود العراقية الايرانية لمنع انتقال الوباء” وتابع، “ولكن الشر القاتل في داخل العراق، ولم يطالبوا بالخلاص منه واخراجه من العراق وهو اميركا راعية الموت والارهاب، ما هو السبب برأيكم؟”.
وقد دخل الفيروس الجديد الى حلبة الصراع الايراني الامريكي، إذ قال الرئيس الإيراني حسن روحاني خلال اجتماع حكومي غداة دعوة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو طهران إلى أن “تقول الحقيقة” بشأن الفيروس، إذ قال روحاني؛”علينا ألا نسمح لأميركا بأن تضيف لكورونا، فيروسا اسمه الهلع”. وأضاف في كلمته؛” الأميركيون أنفسهم لديهم صعوبات في مواجهة كورونا، 16 ألف شخص توفوا في الولايات المتحدة بالأنفلونزا، لكنهم لا يتحدثون عن موتاهم”.
لكن يبدو إن ايران هي الدولة الاكثر تعرضا لتسليط الضوء على “الجانب السياسي لأزمة فيروس كورونا” ، فهي البلد الاول عالميا في تعرض شخصيات رسمية وحكومية نافذة للاصابة بالمرض، إذ أعلن عضو هيئة رئاسة البرلمان الإيراني، محمد علي وكيلي إصابة أربعة نواب من أعضاء البرلمان الايراني بفيروس كورونا. كما أكدت السلطات الإيرانية إصابة نائبة الرئيس الإيراني لشؤون المرأة والأسرة في إيران، السيدة معصومة ابتكار، بالفيروس، وكان قد سبقها بالاصابة إيراج حريرج نائب وزير الصحة الإيراني الذي أعلن رسميا اصابته بفيروس كورنا قبل أيام.
أما في العراق فقد كان الاعلان عن الحالة الاولى التي تم الكشف عنها، وهي إصابة أحد الطلبة الايرانيين الدارسين في حوزة النجف الدينية والقادم قبل أيام من ايران، والذي أكتشفت إصابته بالفيروس بعد أيام من وصوله الى المدينة المقدسة، مما أثار هلعا وتخوفا من إحتمالية نشره المرض في المرقد المقدس وفي المدارس الدينية التي تواجد فيها، مما استوجب اغلاق مرقد الامام علي (ع) ومنع الزائرين من الدخول حتى تم تعقيم المكان، وقد تم تسفير الطالب المصاب الى بلده بالتعاون بين وزارة الصحة ووزارة الخارجية ووزارة الداخلية في العراق. من جانب أخر تعاملت الكثير من الهيئات الدينية في مختلف الدول الاسلامية التي ظهرت فيها إصابات بفيروس كورونا بوعي لافت عندما أوقفت بعض المراسم والطقوس مثل صلوات الجمعة، ومنع التجمعات في أماكن العبادة، إذ أوقفت المملكة السعودية منح سمات الدخول لغرض العمرة، وأوقفت الشعائر التي قد تؤدي الى انتشار الوباء، لكن لم يصدر عن جهات رسمية دينية شيعية أمرا مشابها بمنع الزيارات الدينية حتى الان، فهل يختلف التعامل مع خطر الفيروس باختلاف الطوائف الاسلامية؟ .