
صادق الطائي
تشتعل منصات التواصل الاجتماعي في زمن الأزمات بموجات من الأفكار والنظريات والقصص المرعبة التي تنشر الهلع بين المتلقين، بعض الأطروحات تبدو متهافتة ولاتحتاج الى جهد كبير لتفنيدها، لكن البعض الاخر من قصص الرعب القائمة على نظريات مؤامرة تكون ذات حبكة وبناء علميين، فنكون إزاء نتيجة تبدو رصينة مما يجعل الفكرة سهلة التقبل وسريعة الانتشار.
من ضمن أحدث ما تم تناوله في هذا المضمار هو نظرية اللقاح الذي أتهم الملياردير الامريكي بيل غيتس رئيس مجلس ادارة شركة مايكروسوفت العملاقة بالترويج له، ونظرية المؤامرة الجديدة، التي ربما نكون جميعنا قد سمعنا بها او قرأنا عنها تتهم بيل غيتس وتقول إن فيروس كوفيد 19 ماهو إلا لعبة تقنية نشرتها شركات العائلات المتنفذة عالميا والمرتبطة بالماسونية العالمية مثل (روتشلد- روكفلر)، والغاية جعل الناس تتقبل فكرة أخذ اللقاح الذي ستصنعه شركة مايكروسوفت والذي سيحتوي على رقاقة الكترونية تزرع في جسم الانسان لتحمل كل تاريخه البيولوجي، لكنها في نفس الوقت ستكون أداة للسيطرة على بني البشر عبر اطلاق خوارزميات يمكنها التحكم بسلوك الانسان عبر التأثير على هذه الرقاقات التي ستعمل كمستقبلات تستلم شفرات التحكم المرسلة عبر شبكة الجيل الخامس من المرسلات، لتعمل بدورها على توجيه أفعال الفرد، وبذلك يمكن التحكم بالمجتمع الانساني وتوجيهه الوجهة التي يقررها المتحكمون الجدد بالعالم.
المفارقة القاتلة إن هذه الخلطة السحرية المكونة من الماسونية، وعلوم الحاسبات، وتقنية الاتصالات، والوباء الذي اجتاح العالم، لا ينقصها سوى الشيطان لتكتمل، وهذا ما كان، إذ إن رمز اللقاح، الذي هو عبارة عن رقاقة ألكترونية تستزرع في الجسم هو(666) حسب ادعاء مروجي النظرية، وهو رمز الشر المعروف في الثقافة الغربية، الذي يرمز للشيطان، أو المسيح الدجال.
إذا كيف انطلقت هذه النظرية؟ وهل سيكون اللقاح الخاص بفيروس كوفيد 19 حلا للجائحة، أم وبالا على الانسانية بحسب هذه النظرية؟ وهل لبيل غيتس وشركته علاقة باللقاحات؟ ولماذا ارتبط اسم هذا الرجل الذي يعمل في مجال صناعة البرامجيات وعلوم الحاسبات بلقاح الوباء؟، ولماذا بات اسمه المحرك الاول لنظرية مؤامرة في قطاع الاوبئة واللقاحات والصحة؟.
أبتدأت القصة في شهر شباط/فبراير الماضي عبر مجموعة مواقع اخبارية امريكية، وصفحات على منصات التواصل الاجتماعي معروفة بعدم علميتها، وبترويجها لنظريات المؤامرة، كما إن هذه الجهات معروفة بكونها قريبة من اليمين المتطرف، ومقربة من ادارة الرئيس ترامب، وقد أخذت تهاجم الملياردير الامريكي بيل غيتس متهمة اياه بلعب دور كبير في نشر فيروس كورونا، وأنه يعمل على أجندة سرية للسيطرة على العالم باللقاحات، وأنه “يستخدم فيروس كورونا المستجد لزرع رقائق في دماغ البشر”.
كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” بالتعاون مع شركة تحليل المصادر الإعلامية Zignal Labs، أن مؤسس شركة مايكروسوفت، بيل غيتس، صار الهدف المفضل لناشري المعلومات المضللة حول فيروس كورونا، وقد إنصب النبش والتحري فى خطابات غيتس القديمة، وتحديدا خطابه في TED عام 2015 ، الذي حذر فيه من أن أكبر خطر يهدد البشرية هو الأمراض المعدية، وليس الحرب النووية، وقد حضي هذا الخطاب وفقاً للصحيفة بـ 25 مليون مشاهدة جديدة في الأسابيع الأخيرة.
لكن لماذا وجهت الاتهامات لبيل غيتس وشركته؟ يعزي المراقبون ذلك الى التوتر الذي حصل بين ادارة الرئيس ترامب التي عجزت عن مواجهة الجائحة بشكل ناجح ومؤسسة بيل وميليندا غيتس للاعمال الخيرية وتطوير قطاعات الصحة في العالم، والتي كان من بين أبرز نشاطاتها تخصيص ملايين الدولارات لمواجهة الامراض المعدية والاوبئة في افريقيا، مثل وباء ايبولا، ومرض نقص المناعة المكتسبة (الايدز)، لذلك وجهت سهام النقد والاتهام للرجل ومؤسسته من جهات مقربة من ادارة الرئيس ترامب التي تتقاطع وجهات نظرها مع مساعي غيتس.
وربما كان من بين أبرز الاتهامات هو تصريح روجر ستون، المستشار السابق لترامب يوم 13 نيسان/ابريل الماضي، الذي ذكر فيه ؛”أن غيتس ربما كانت له يد في إنشاء فيروس كورونا وانتشار الجائحة في جميع أنحاء العالم”. وأضاف؛”هذا ما أعرفه على وجه اليقين. غيتس وغيره من أنصار العولمة، يستخدمون فيروس كورونا بالتأكيد من أجل التطعيمات الإلزامية، وزرع الرقائق في أجسام الناس كي نعرف إذا كانوا قد خضعوا للفحص” .
جاء هذا التصريح بعد هجوم الرئيس ترامب على منظمة الصحة العالمية، وتعليقه دفع المساهمة المالية للولايات المتحدة في المنظمة الدولية بسبب ما وصفه “سوء إدارة” المنظمة الأممية لأزمة تفشي فيروس كورونا. وقد ردت مؤسسة غيتس بالدفاع عن المنظمة الاممية، وقالت مليندا غيتس إن وقف ترامب تمويل منظمة الصحة العالمية “خطوة خطيرة وحمقاء”.
لكن ما هي رقاقة الهوية الالكترونية التي تروج نظرية المؤامرة لها على انها لقاح يحمل رقم ( 666) رمز المسيح الدجال؟ وما علاقة مايكروسوفت بها؟ الرقاقة المشار لها هي في الواقع مؤسسة معروفة باسم ID2020، وهو مشروع يعرف باسم الهوية الرقمية ويسعى للعمل على تجميع التاريخ الصحي للافراد وتطويره معلوماتيا، لكن لاوجود لشريحة في الامر بل هي برامجيات تستخدمها المؤسسات، و وفقا لتقرير نشره موقع “The New Humanitarian ” في 15 نيسان 2020 فإن العاملين في هذه الشركة ومقرها في نيويورك، قد تلقوا تهديدات بالقتل بعد انتشار نظرية المؤامرة المتعلقة بالرقاقة ID2020.
ولكن ماعلاقة مؤسسة بيل غيتس باللقاحات؟ هنا يجب ان نتوقف قليلا ونشير الى ان بيل غيتس وزوجته ميليندا قاما بانشاء مؤسسة خيرية تنشط في مجال مكافحة الاوبئة والامراض في العالم ، وبشكل خاص في الدول الفقيرة، وقد خصصت مؤسسة بيل وميليندا غيتس مبلغ 250 مليون دولار في معركة كوفيد 19، لاحتواء تفشي المرض، بعد تأكيدات غيتس التي أكد فيها على أن تجنب الوباء يتطلب مليارات الدولارات، وهنا يبدو ان الرجل قد تجاوز خطا احمرا، وذلك بكشفه عجز حكومة ترامب عن مواجهة الجائحة، وكشف حالة التردي التي يعانيها النظام الصحي في الولايات المتحدة.
كما إن مؤسسة بيل وميليندا غيتس، قد أعلنت عزمها على إنفاق مليارات الدولارات لتمويل بناء مصانع للعمل على تطوير لقاح مضاد لفيروس كوفيد 19. وقد نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال”، لقاءً مع بيل غيتس في برنامج “ذا ديلي شو” الذي أعلن خلاله أن مؤسسة بيل وميليندا غيتس، ستعمل مع سبعة علماء لتطوير لقاح محتمل، وذلك عبر تمويل بناء مصنع ينتج اللقاح ويوفره عالميا، وبحسب المقابلة، فإن مؤسسة غيتس، ستختار سبعة مرشحين لتطوير اللقاح، كما أشار غيتس في هذا اللقاء الى ؛”إن مؤسسته تمتلك خبرة جيدة في مجال مكافحة الاوبئة والأمراض المعدية، ومولت قبل ذلك مشاريع في هذا الشأن، خاصة في أفريقيا”.
اما علاقة شركة مايكروسوفت بالشريحة التي روجت لها نظرية المؤامرة على إنها ستزرع في جسم الانسان على أساس إنها لقاح، فيمكن فهمها إذا علمنا إن ما تمتلكه ميكروسوفت هو براءة اختراع لنظام العملة المشفرة باستخدام بيانات نشاط الجسم، وهي تحمل الرقم (WO2020060606A1) ، وتتعلق بتتبع نشاط الجسم من خلال التكنولوجيا القابلة للارتداء (Wearable)، مثل الساعة الذكية والهواتف المحمولة والأجهزة اللوحية والأجهزة الذكية، ولكنها لا تشمل اطلاقا الرقائق القابلة للزرع في الجسم.
ونتيجة تصريح سابق لبيل غيتس في لقاء مع احدى الصحف الامريكية، أكد فيه على ضرورة وجود سجلات رقمية لحالة من تعافى ومن اخذ اللقاح ومن بات يمتلك الاجسام المضادة في دمه ممن اصيبوا بفيروس كوفيد 19، إذ أن هذا الامر سيساعد في التعرف على من سيسمح لهم بالعودة للعمل دون أن يشكلوا خطرا على الاخرين، وذلك لمنع إحتمالية التعرض لموجة ثانية من الوباء. عندها تم اقتطاع تصريح غيتس الذي يؤكد فيه على اهمية السجل الرقمي للمرضى، وأضيفت له معطيات مشروع الهوية الرقمية، وربطت بمنتجات مايكروسوفت القابلة للارتداء المتخصصة في معرفة استخدام بيانات نشاط الجسم، وخلطت مع مشاريع مؤسسة بيل وميليندا غيتس الخيرية في مجال مكافحة الاوبئة وانتاج اللقاحات، وخطاب بيل غيتس عام 2015 عن تهديد الاوبئة للبشرية، وضرب كل ذلك بخلاط اليمين الشعبوي لينتج نظرية مؤامرة متطورة بعد أن أضيفت لها توابل ماسونية لتكون النتيجة لقاح “المسيح الدجال”.