د. علي الطراح –
صدق الإمام الشافعي عندما قال: «نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا». سبق وأن نبهنا للفتاوى الدينية وخطورتها على أبنائنا في فهم قيم الإسلام. ولعل فتوى مناكحة الجهاد كما خرجت من أحد مشايخ الدين تصب في هذه السوق الرائجة التي تسمم العقول وتقذف ديننا بأبشع الصور التي يتضرر منها الإسلام. هذه الفتوى التي تهدف إلى تزويج السوريات، انتشرت بين قطاعات واسعة وتحولت إلى سوق رائجة يربح منها من يروج ويتاجر بفتيات
سوريا. وهي فتوى تعبر عن قصور فكري شاء له أن يسود بيننا دون أن نحرك ساكناً لوقف ما يحدثه من نزيف يخرب الذمم ويسيء لسماحة الإسلام.
والخطورة تكمن في تهميش مؤسسات دينية مثل الأزهر الذي يعد من أقدم المراكز العلمية في العالم والذي كان دائماً مدافعاً عن سماحة وعدالة الإسلام، فهذه المؤسسة هُمّشت بأشكال مختلفة ولم يعد صوتها مؤثراً أمام هجمة الفتاوى المعلبة التي تروج تحت اسم الإسلام.
ما يحدث في سوريا كارثة إنسانية تفوق الخيال، كارثة لها تداعياتها على الجميع. وإذا ما استمر الحال على ما هو عليه، فالجميع سيدفع ثمن هذه الكارثة.
اليوم، لدينا حكومات تطلق على نفسها «إسلامية»، نتيجة لاعتلاء «الإخوان المسلمين» السلطة في مصر وتونس وليبيا. وهذه الحكومات تعمل على ترويج فكرها غير عابئة بما يصدر من سموم الفتاوى التي تحط من الدين ولا يزعجها ما يثار حول خطورة هذه الفتاوى التي تبيح متاع فتيات سوريا، وتنسى أنها ملامة بالدرجة الأولى لعدم تصديها لمثل هذه السموم والتجارة الملعونة التي يسوّق لها بعض مشايخ الدين. إنه القبح الذي تروج له الحركات الإسلامية تحت مظلة الدين، فهي اليوم تكشر عن أنيابها لتدمر الإسلام وتدفع نحو الكثير من الجدل حول إدارتها للسلطة.
والخطورة تتجلى في أن الفتوى هي «مرسوم ديني» يصدر من ذوي العلم والعقل، لكونها مؤثرة على الكثير من المسلمين. وكما نعلم فإن الفتوى تنطلق من مبدأ غياب النص الصريح في موقف أو قضية معينة، اجتماعية أو سياسية أو غيرها، وهي بحاجة إلى تقنين لمواجهة الاضطراب الكبير الذي نشهده اليوم على يد أنصاف العلماء.
ونعلم أنْ ليس في الإسلام سلطة دينية مركزية، إلا أن عدم وجودها يجب أن لا يستخدم لإحداث مزيد من الفوضى التي تخرب المجتمعات، خصوصاً أن الكثير من شبابنا ينجرف وراء هذه الفتاوى دون تفكير، ومن ثم تحدث الكوارث التي تدفع ثمنها مجتمعاتنا.
وهناك شبه اتفاق على خطورة الفتاوى المعلبة التي تندفع إلى السوق، لكن التصدي لها مازال أقل من المأمول، والمؤسسات الدينية العريقة مطالبة بإعلان موقفها حيال هذه الفتاوى التخريبية.
والمثال السوري هو أحد الأمثلة التي تعبر عن المأزق الذي يواجهنا، ما يتطلب من المراكز العلمية المرموقة إعادة حساباتها حيال هذا الإسهال المرضي الذي عاد يهدد مجتمعاتنا. فبعد وصول الحركات الدينية إلى السلطة يبدو أنها تدفع نحو الترويج لمثل هذه الفتاوى بينما كان يفترض أن تثبت هذه الحركات مدى حرصها على نصاعة الدين، وهو الأمر الذي لا تريده، فهي مشغولة بتعزيز نفوذها وتوسيع قوتها الحزبية، دون اكتراث لما يروج من فتاوى تهدف إلى تحقيق رغبات مرضية لأصحابها