بقلم: أسماء الغول
“لا عطش يعلو جبيني…لا حب يهتز تحت جلدي…لا خاصرتي تتشقق…ولا الصبار يرفع أقدامه في وجهي…أنا على خيل الجموح…أمشط شعر الحرية …ترقص الغجرية في ملء قدميها…تهز خلاخيلها وتراود الريح”
بقصيدة الشعر هذه بدأت الشاعرة هند جودة قراءة قصائدها في أمسية شعرية بمدينة غزة وسط حضور كثيف وقف على جانبي الجدران بعدما امتلأت الكراسي في القاعة الصغيرة في المركز الثقافي الفرنسي. ورغم التعطش في غزة للشعر إلا أن هناك قلة من الجهات الرسمية التي ترعى الشعراء الموهوبين، فالتجربة الشعرية الناضجة لجودة لم تشفع لها لنشر أي كتاب بعد، ولكنها مؤخرا قدمت كتابها لإحدى المُبَادَرَات التي تهتم بالنشر الأدبي لعلها ترى كتابها الأول عن قريب والذي سيحمل عنوان ” دائماً يرحل أحد”.
المونوتر التقت جودة(29عاماً) في نادي ريمبو للأطفال حيث جلست تهتم بإبنها سيف وابنتها سهام بين الحين والآخر إلا أن ذلك لم يمنعها من أن تقرأ الشعر وتسرد تجربتها: “رجعت إلى غزة من السعودية بعد غياب طويل عن الساحة الأدبية وبمجرد وصولي شاركت في وقت قصير بأربع أمسيات شعرية وحضرت ستة أخريات، يوجد هنا حرب وحصار إلا أن الشعر له حضوره القوي رغم غياب التمويل عن الفعاليات الثقافية”.
وتوضح جودة أنها تنتظر نشر كتابها الأول بشوق في غزة، ففي السعودية من الصعب عليها كغريبة عن الوسط الثقافي أن تنشره هناك، ولكن في مدينتها تم استقبال شِعرها بحفاوة حيث يوجد ثورة في النص الشعري للجيل الجديد، إلا أن الحصار المفروض على القطاع يسجن هذه التجارب ولا ينشرها.
“زحمة” شعراء
الشاعر والمترجم علي أبو خطاب أحد مؤسسي مبادرة يوتويبا من أقدم المبادرات الثقافية في غزة يقول: ” الحالة الشعرية هنا اكثر من بخير رغم الحصار والانقسام فدائما هناك شاعرات وشعراء جدد تلدهم قصائدهم المختلفة النكهة عما كتب سابقيهم ورغم ان قصيدة النثر مُتَهمة بالتشابه إلا اني استطيع ان اؤكد أن أغلبهم تميزه الصورة الشعرية وقوة الخيال ما يعتبر من مقومات التجربة الشعرية الناضجة”.
وأضاف: ” لن تصدقوا لو قلت لكم أن في غزة اكثر من خمسين شاعر وشاعرة ستظهر نصوصهم جميعاً في انثولوجيا شعرية غزية ستصدر قريبا عن دار نشر بمصر برعاية يوتوبيا”.
نوعان من الشعر
وبالرغم من وجود رابطة الكتاب الفلسطينيين التي تشكلت بعد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة في يونيو-2007، وهناك وزارة الثقافة أيضاً إلا أن كليهما يرعيان طابعاً مختلفاً للمبادرات الأدبية التي تختلف عما يتطلع إليه الجيل الجديد من الشعراء والذي يكتب للحب والفلسفة والوجود, وليس فقط الدين والوطن والاستشهاد.
يقول الشاعر محمود ماضي: ” يعيش الكُتاب الفلسطينيون داخل قطاع غزة حالة من انقسام ثقافي. يمكن ملاحظتها من خلال الفعاليات الثقافيّة التي يُنظمها طرفا الصراع في قطاع غزة، فينشط الكتاب الفلسطينيين الليبراليون عبر شبكات التواصل الإجتماعي وينشرون مقتطفات من نصوصهم التي تخلّوا بالأغلب فيها عن الوزن والقافيّة، ولا يمكن إغفال أعداد وأسماء هؤلاء الذي ينظمون الفعاليات الكثيرة التي تفتقر إلى الحضور بسبب محدوديّة موازنتها وبالأغلب يقومون بها بشكل مجاني”.
ويضيف: “أما على الجانب الآخر فيمكن ملاحظة عدد آخر من الكتاب المنتسبين إلى رابطة الكتاب الفلسطينيين والتي نشرت عدداً من الإصدارات لشعراء وشاعرات من غزة، والمتأمل لإصدارات رابطة الكتاب يلحظ تمسّك كُتابها بالوزن والقافية والتي تأتي كتراكم للقصيدة الكلاسيكيّة، ويرفضون قصيدة النثر باعتبارها لا تلبي شروط الشعر!”.
ومن المُبَادرات النادرة في غزة التي ليس لها طابع أيدلوجي مبادرة “ميماس” ويُديرها ماضي ويشرح عنها أنها واحدة من المبادرات الشبابيّة التي تأتي ضمن فعاليات المركز الثقافي التابع لجمعيّة الثقافة والفكر الحر، وتهدف إلى تشجيع وتعزيز القراءة في المجتمع الفلسطيني من خلال نشرها للكتب الإبداعية، خاصة أن قطاع غزة لا يحتوى على أي دار نشر إحترافيّة.
وأضاف أنه وصل للمبادرة 42 كتاباً أدبياً معظمها مجموعات شعرية، إضافة إلى روايتين وعدد آخر من المجموعات القصصية والمقالات الأدبية. كما تضمنت الكتب المرسلة كتاباً يحتوى على “تغريدات الحرب” التي نشرت عبر موقع “تويتر”، كذلك كتاباً شعرياً لشاعر وزوجته.
وقال ماضي للمونوتر: أن يصل للمبادرة هذا العدد من الكتب، أمر يدعو للتساؤل عن دور وزارتي الثقافة في الضفة وغزة، وأدوات المؤسسات الرسمية كاتحاد ورابطة الكتاب الفلسطينيين ومدى مساهمة هذه المؤسسات الرسمية في الفعل الثقافي داخل قطاع غزة.
وماضي أصدر آخر مجموعة شعرية له بعنوان “أحاذيك فرساً” ضمن إصدارات دار ميم للنشر في الجزائر عام 2007، وذلك بعد ما وصفه بالتجربة البائسة لنشر كتابين شعريين في غزة خلال السنوات الماضية.
غزة مدينة ككل المدن
الشاعر خالد جمعة أحد الأسماء اللامعة في الشعر في غزة وخارجها ونُشر له 26 كتاباً ما بين ديوان شعري وقصص للأطفال، يقول أن الحصار على غزة يؤثر على الشاعر من ناحيتين أولاً أنه لا يستطيع أن يطبع وينشر الكتب داخل غزة بتلك السهولة، وثانياً أنه لا يستطيع السفر للمشاركة في المؤتمرات والمهرجانات العالمية، مضيفاً أنه يتم دعوته كل عام للعديد من المهرجانات الأدبية دون أن يستطيع تلبيتها كلها خاصة تلك التي يتم تنظيمها في مدن الضفة الغربية.
وأضاف في لقاء مع المونوتر أنه مع هذه الصعوبات أصر في نهاية عام 2009 أن يقول للعالم أن غزة ليست فقط تكتب الشعر بل تطبعه أيضا وهنا قرر طباعة ديوانه الشعري “هي عادة المدن” وبالفعل خرج الديوان بمواصفات عالية ولكن بعد انتظار دام 45 يوما كي تأتي المواد الخام من الأنفاق كالورق وأيضا بسبب انقطاع مستمر للتيار الكهربائي، معتبراً أن أحد مشاكل الطباعة في غزة أنه لا يوجد توزيع بل قام بإهداء كتابه بشكل شخصي، مضيفاً :”في حين أنني بعد أن نشرت كتبا في الأردن ولبنان كنت أتلقى رسائل على بريدي الإلكتروني من قراء في السعودية والمكسيك ومدن أخرى”.
وعن تأثير غزة كمدينة صراع على شعره يقول جمعة: “فكرة العالم عن الأمكنة يجب أن تتغير، فالناس ترى غزة أنها مدينة حرب وموت وهذا يجب أن يتغير فغزة فيها حرب ولكن فيها بحر، وفيها شهداء ولكن هناك حفلات زفاف وفيها متطرفين ولكن فيها أيضا من يحب الحياة، كما أن فيها شعراء مهمين وتشكيلين مهمين وقصاصين مهمين ونحاتين مهمين وراقصين ومصممي رقصات مهمين ومعماريين مهمين، غزة تتمتع بمواصفات كل المدن”.
مطبعة وليس دار نشر
عدنان إسماعيل صاحب مطبعة “الإخوة” في قطاع غزة يقول للمونوتر خلال لقاء في مطبعته: “نشر الكتب مرتبط بفتح المعابر وإغلاقها، فالورق والمواد الخام يأتي عبرها، وفي حال أغلقت يتم استيراد الورق من الأنفاق ويأتي بحالة سيئة ويتخلله رمل، وصعوبة النقل هذه ترفع أسعار الطبع، خاصة مع استخدام المولدات البديلة للكهرباء، وما تكلفه من وقود”، موضحا أن ترخيص مطبعته كان بالأساس كدار نشر ولكنهم لا يستطيعون توزيع الكتب خاصة أنه لا يوجد هناك حقوق طبع ورقم إيداع في غزة.
عودة لهند جودة وقصائدها التي يتخلل قراءتها بكاء ابنها سيف، محاولاً جذب انتباهها وهي تقرأ للمونوتر قصيدة “طيران” :
“منهج الطير سهل جدا…افرد جناحين على اتساعك…اصفُق بهما الهواء…قد تعدو قليلا إن كنت على الأرض…لكن افتح القفص أولاً”