صادق الطائي – لندن – 
استضافت مؤسسة الحوار الانساني في لندن يوم الاربعاء الموافق 15/10/2014 الباحث العرافي الاستاذ عمر العبادي في محاضرة تحدث فيها عن ” عولمة وسائل الاتصال و علاقتها بالأنظمة التسلطية و استخدام مواقع التواصل الاجتماعي كواحدة من آليات نقل الخبر الصحفي”
الاستاذ عمر العبادي متخصص في الادب الانكليزي و الفرنسي و الترجمة و عمل في العراق مع برنامج الامم المتحدة الانمائي و مديرا لمكتب صحيفة اساهي اليابانية في بغداد ، كما عمل مراسلا لوكالة رويترز . ثم عمل مستشارا صحفيا في وزارة الاقتصاد الاماراتية و مديرا للبرامج الاعلامية الدولية لمؤسسة بناء الهوية المؤسسية و نائبا لمدير مشاريع الشرق الاوسط للتعلم الالكتروني. كما عمل مديرا للتخطيط الاستراتيجي في مؤسسة CTV في لندن ومدربا للبرامج الاعلامية. ويرأس حاليا شركة ماسترز للرؤى التطويرية التي تعنى بالتدريب و اقامة الورش التخصصية في لندن. القى العديد من المحاضرات حول الواقع الاقتصادي و الاعلامي في العراق و تمت استضافته كخبير عراقي في مجلس العموم البريطاني للحديث عن تلك النقاط الحيوية.
وقد ابتدأ الاستاذ العبادي محاضرته بتعريفات اجرائية حيث ذكر ان المحاضرة ستتركز على شبكات التواصل الاجتماعي وماتلعبه من دور في ظل الانظمة التسلطية ، ثم عرج على تعريف النظام التسلطي ذاكرا انه النظام الذي تقوده الدولة ويحد من حريات مواطنيه وبشكل خاص تعاملهم مع الفضاء الالكتروني عبر حجب بعض المواقع او قطع شبكة الانترنت الدولية وغيرها من التصرفات التعسفية .
ان الاجراءات القمعية في هذا الشأن عادة ما تربطها الانظمة التسلطية بالمصلحة الوطنية مدعية ان هذه الاجراءات هي للصالح الوطني او ان هناك مؤامرة خارجية تهدد الامن الوطني وان استخدام شبكات الانترنت او بعض تطبيقاته هي من الوسائل التي يستخدمها الاعداء للنيل من الوطن .
واكد الاستاذ عمر العبادي على نقطة اعتبرها المحور الاساس في الموضوع وهي عولمة وسائل الاتصال واستخدام مقولة العالم قرية صغيرة ووضعها موضع التطبيق ، ثم تناول ثلاث تجارب سلط عليها الضوء لتكون الامثلة التطبيقية للموضوع :
v الأزمة الصينية عام 2008 : ربما كانت الاحداث التي جرت في الصين عام 2008 هي المرة الاولى التي تكون فيها الدولة في مواجهة وسائل الاتصال الالكترونية ، وحدث ذلك ابان اجراء الالعاب الاولمبية الصيفية في بكين ، حيث حضر الاف الصحفيين من مختلف دول العالم لتغطية الحدث ، وفي هذه الاثناء اندلعت اضطرابات كبيرة في التبت ، فما كان من الحكومة الصينية الا ان تسدل ستارا حديديا على الامر وان تقطع الانترنت عن البلاد وتمنع تحركات الصحفيين ، واجبارهم على ان لا يتلقوا اي معلومات او اخبار الا عن طريق المراكز الحكومية الرسمية ، وقطعت خدمات الانترنت عن المواطنين لتمنع اتصالهم بالعالم الخارجي الى ان صفت الازمة ، ولم يتمكن اي صحفي من الحصول على معلومات او ان يقوم بتغطية الاحداث ، باستثناء الصحفيين الحكوميين طبعا .
v أزمة نتائج الانتخابات الايرانية عام 2010 : وتسمى أيضاً بالثورة الخضراء، وهي تمرد شعبي اندلع بعدما اُتهمت الحكومة بتزوير نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي جرت في يوم 12 يونيو 2009 التي أدت إلى فوز الرئيس المحافظ محمود احمدي نجاد، والتي شهدت احتجاجات مليونية شهدتها مدن إيران الكبرى كطهران وأصفهان وشيراز بعد الأعلان في 13 يونيو عن فوز الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بولاية ثانية بعد حصوله على نسبة 63% بإقبال 85% من الناخبين .شكك المعارضون الاصلاحيون في نزاهة الانتخابات واكدوا أن أعمال تزوير واسعة قد شابتها، فخرج مئات الالآف من الإيرانين مطالبين بعدم الاعتراف بنتائج الانتخابات، فقامت السلطات الإيرانية بأمر من مرشد الجمهورية آية الله علي خامنئي بضرب هؤلاء المدنيين. شارك الحرس الثوري وقوات الباسيج بحملة اعتقالات واسعة طالت المشاركين في المظاهرات، وسقط عدد من القتلى خلال المظاهرات، كما أعتقل المئات من الإصلاحيين على خلفية التظاهرات، وقد أعلن الأعلام الرسمي الإيراني عن مقتل 7 مدنيين في يوم 16 يونيو وحده.بعد ان اعلنت نتائج الانتخايات الرئاسية الايرانية عام 2010 بفوز الرئييس نجاد ، وكأجراء احترازي من الحكومة الايرانية فقد منعت طواقم الصحفيين من تغطية الحدث ، واتهمت عدد من المؤسسات الاعلامية بالتحريض على العنف والتدخل في الشأن الداخلي الايراني ، ومن اهم المؤسسات المتهمة كانت BBC الفارسية ، مما حدى بالناشطين الى اللجوء الى وسائل التواصل الاجتماعي لتغطية الاحتجاجات وكان التركيز منصبا على اليوتيوب وفلكر وتويتر ، وقد اصبح عدد من المتظاهرين مسؤولا عن تغطية المظاهرات عبر تصوير وبث الافلام القصيرة على يوتيوب مما ادى الى ظهور ظاهرة جديدة اطلق عليها اسم الاعلام الموازي او الاعلام البديل ، وقد لجأت BBC لاول مرة في تاريخها الى استعمال الافلام القصيرة للمتظاهرين كمادة خبرية ووضعت على هذه الافلام شعار القناة مما يعني الملكية والمسؤولية المهنية عن المادة . كما ان استخدام تويتر كان ملحوظا في هذه الاحداث لتجميع المتظاهرين وتوحيد الشعارات عبر تغريدات متفق عليها ، فكانت المرة الاولى التي تستخدم فيها شبكات التواصل الاجتماعي للتحشيد والتحريض وقيادة المظاهرات ، هذا الامر دفع السلطات الحكومية من الجانب الاخر الى حجب موقع يوتيوب في ايران وفرض رقابة مشددة على استخدام الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي حتى انتهت الازمة.
v التمرد الشعبي في مصر 25 يناير 2011 : بعد عدة اشهر من انطلاق التمرد الشعبي في تونس شهدت مصر التي كانت تمر بظروف غليان ورفض للسياسات الحكومية وتتهمها بالفساد، تمردا شعبيا واسعا ، وقد نادى الشعب المصري عبر المواقع الاجتماعية على الإنترنت كالـ فيسبوك والـ تويتر والـ يوتيوب إلى إعلان يوم الثلاثاء 25 يناير2011 م ،وهو يوافق الاحتفالات الرسمية بـعيد الشرطة ، بأنه يوم غضب للشعب المصري متأثرين بالثورة التونسية الشعبية. فلبى آلاف المحتجين الدعوة وخرجت المظاهرات السلمية في مختلف أرجاء مصر. وقد كانت المظاهرة ضد الفقر، والجهل ، والبطالة والغلاء ويطالبون برحيل الحكومة . قامت المظاهرات في عدة مدن مصرية في نفس الوقت. وفي العاصمة القاهرة تحركت من عدة أماكن لتلتقي في ميدان التحرير بوسط القاهرة، وعند منتصف الليل لجأت قوات الأمن المركزي لفض اعتصام آلاف المصريين بالقوة في ميدان التحرير. وقد شهدت الاحتجاجات ثلاثة قتلى من المتظاهرين، إضافة إلى جندي من الشرطة. شملت المظاهرات بالإضافة إلى القاهرة العاصمة مدن: دمياط وأسيوط والمحلة الكبرى والإسكندرية والمنصورة والسويس والإسماعيلية وطنطا. ردد المتظاهرون هتافات مثل “تونس هي الحل” و”يسقط يسقط حسني مبارك” و”الشعب يريد إسقاط النظام” كما قامت وزارة الاتصالات بقطع خدمة الهواتف المحمولة في ميدان التحرير في صباح اليوم الاول وتم اعادة تشغيل الخدمة ليلاً. وتواصلت المظاهرات لليوم الثاني، وازدادت الاحتجاجات بمحافظة السويس وأخذت في بعض المناطق تأخذ شكل حرب شوارع. مع الساعة التاسعة نجح المتظاهرون في تجميع المتظاهرين مرة أخرى في قلب العاصمة كما قامت السلطات المصرية بمنع موقعي الـ فيسبوك والـ تويتر وكرد على ذلك تم اختراق مواقع وزارة الداخلية المصرية والحزب الوطني الديموقراطي والموقع الرسمى لرئاسة جمهورية مصر العربية وتعطيلهم.
ومن الامثلة السابقة يتضح الدور المهم لعولمة وسائل الاتصال وشبكات التواصل الاجتماعي ، وقد سعت الحكومات بعد ذلك لاستخدام نفس السلاح وقررت ان لاتتركه بيد المتمردين فقط ، وهذا ماحدث في الاحداث التي شهدتها سوريا واليمن والبحرين ، حيث قامت السلطات او من يواليها بأستخدام وسائل التواصل وشبكات التواصل الاجتماعي للوقوف بوجه مايروج من قبل المنتفضين عليها . وبمكننا ان نرى مئات الافلام المنشورة على اليوتيوب على سبيل المثال تمثل كل الاتجاهات المشاركة في الصراعات ، ويذكر الاستاذ عمر العبادي في نهاية محاضرته بان النقطة الاهم في الموضوع هي ان عولمة وسائل الاتصال وشبكات التواصل الاجتماعي اصبحت اليوم حقيقة وامر واقع تلجأ له حتى اعتى المؤسسات الاعلامية ضاربة عرض الحائط ببرتوكولات العمل الاعلامي الرصين الذي كان قائما على المهنية والاحترافية والاعلان عن مصدر المعلومات ، وهذا ما نلاحظه اليوم في الكثير من المؤسسات الاعلامية التي تلجأ الى افلام وصور واخبار الهواة المنفذة بكاميرات هواة او حتى بتقنيات الهواتف الذكية ، ويتم استخدام هذه المواد على انها مادة اعلامية خاصة بالقناة او الشبكة التي استخدمتها .
وفي نهاية المحاضرة طرح الحضور عددا من الاسئلة والمداخلات ، ربما كان من اهمها اعتراض احد الضيوف على استخدام الاستاذ عمر لمصطلح نظرية العولمة مطالبا اياه باستخدام مصطلح ظاهرة العولمة لانها ليست نظرية ، فأجاب الاستاذ عمر العبادي ان العولمة كانت فكرة تحولت الى نظرية وان القائمين على هذه النظرية طرحوا العديد من الافكار والنتاجات التقنية عبرتجليات العولمة وربما كان من اهمها وسائل الاتصال وعولمة شبكات التواصل ، مما جعل الظاهرة تتحول الى حقائق على الارض تمت تجربتها وافرزت نتائجها ، وها نحن اليوم نعيش هذه النتائج وهذ التحول .
