سأتناول موضوعة علم النفس الأخلاق من خلال نظرية راولز في كتابيه: نظرية العدالة، والليبرالية السياسية، حيث يدرك تمام الإدراك أن علم النفس الأخلاقي ذو أهمية مركزية للسؤال الذي يطرحه: هل سيكون من العقلاني أن يختار شخص ما مبادئ ليكون محكوما بها إذا كان يفتقر إلى المعلومات المتعلقة بقيمه والتزاماته الجوهرية الموضوعية؟
إذا نظرنا في مسألة ما إذا كان المطلوب اختيار مبدأ معين، وأن هناك ظروف محددة في المستقبل يعتقد فيها المرء أنه لن يكون هناك دوافع عقلانية لاختيار ذلك المبدأ، مع ذلك اختاره، يُبنى عليه، اذن، للمرء المبرر للحكم على أن تلك الظروف غير ذات صلة. بمعنى ستكون المبادئ العامة التي يجب أن تحكم المجتمعات عادلة وغير منحازة إذا تم اختيارها في حالة الجهل بمفاهيمنا الجوهرية عن الخير (وعن ظروفنا الاجتماعية). وعندما تكون هذه الاختيارات عقلانية، فذلك لأننا اخترناها من وراء “حجاب الجهل” بغض النظر عما نتخيله عن أنفسنا عندما يتم رفع الحجاب، أي بغض النظر عن الفكرة الجوهرية للخير الذي نتأمل الحصول عليه.
أن هذه هي الطريقة الأكثر إثارة للاهتمام لقراءة راولز، لأنه يقدم المشروع الأكثر طموحًا من الناحية الفكرية لهذه القضية. لكن، ومن نقاشي لنظريته، أرى أنه إذا لم نطالب باختيار المبادئ بصرف النظر عما نتخيله، فربما يراهن المتعاقدون على أنه لن يكون لديهم هذا المفهوم الجوهري للخير عندما يتم رفع الحجاب، وبالتالي قد يختارون المبادئ المنحازة لصالح مجموعة من القيم الجوهرية التي فضلوها. وهذا لن يفضي إلى مبادئ العدالة أو العدالة كأنصاف. المطلوب، حتى لا نصل الى مثل هذه النتيجة، أن توضع بعض قيود بخصوص معنى الأنصاف على أولئك المتعاقدين، مما سيجعل النظرية أقل طموحًا، أي أن الطريقة ستبدأ في الظهور كإجراء للعدالة كأنصاف.
دعنا ننتقل بعد ذلك إلى مسألة ما إذا كان من العقلاني أو غير العقلاني أن نلتزم بها في هذه الظروف. قد نقدم هنا، ثانياً، المجتمع كمثال حيث تم تعريفه بالتزامات سياسية ودينية. لنفترض حينئذٍ أننا نفكر في أيً مبادئ يتم اختيارها في حالة الجهل هذه، سنكتشف عندما يتم رفع حجاب الجهل بأن لدينا مفهومًا دينيًا جيدًا عن الخير، مع التزامات موضوعية مفصلة لنظام حكم يخضع لمجموعة من القوانين الدينية (مثل الشريعة)، وممارسة الرقابة على المعارضة الدينية الجادة (على سبيل المثال ضد كتاب تجديفي)، وأن معظم الآخرين في المجتمع يشتركون في هذه الآراء. هل يمكن للمرء أثناء التفكير في إمكانية العثور على دوافع لإلزام أنفسنا بمبدأ عدم التدخل مثل الذي نناقشه؟
من الواضح أنه يمكن أن يظن المرء أن المبدأ الأول للعدالة عند راولز يتحدث عن هذه الحريات المعيارية بالتحديد والتي يحملها المثل الأعلى لعدم التدخل، وأننا سنتعاقد بعقلانية من وراء حجاب الجهل، كما يعتقد راولز. لكني أرى من الصعب أن نتصور لماذا، إذا أعتقد المرء في أنه ينتمي الى أحد الطوائف الدينية، أنه سيختار، على سبيل المثال، بشكل خاص عدم التدخل وحق حرية التعبير. على أي حال كان هذا الاستياء العام من قبل الجماعاتيين أزاء راولز. أنهم يرون أن راولز لا يمكنه التعامل مع الالتزامات تجاه الجماعات الدينية وغيرها من جماعات؛ ويعتقدون إن نظريته موجهة فقط لنوع معين من المتعاقدين الذين يتمتعون بالاستقلالية الفردية أو المتحررين من الروابط الجماعية، والميالين الى الليبرالية. وإذا لم يكن الأمر كذلك، فلماذا يختار شخص ما مبدأ حرية التعبير هذه، إذا فكر في أنه عندما يتم رفع الحجاب، قد يكون شخصًا لديه قيم جوهرية لعقيدة دينية تطالب بتقييد التجديف؟ فيكون من غير المنطقي أن يختار حرية التعبير، وإذا كان الأمر كذلك، فلن يكون لليبرالية حجة في أحد مبادئها المركزية.
أن السؤال، في الحقيقة، هو سؤال في علم النفس الأخلاقي. وقد قام راولز بالإجابة عنه في كتابه الأخير “الليبرالية السياسية” الذي تلي كتابه “نظرية العدالة” من خلال تدعيم قضيته بحجة أخرى تلجأ بشكل جليً الى النظر الأخلاقي والنفسي لتبرهن: حتى لو فكر المرء أنه سيكتشف عندما يتم رفع الحجاب، لديه قيم دينية جوهرية، فسيكون من المنطقي اختيار مبدأ حرية التعبير. إن الاعتبار الذي يحتكم اليه راولز هو نظير نفسي لنقطة انطلاق الشخص من الجهل بالتزاماته الجوهرية الخاصة بالمستقبل. فيقول إنه حتى هذه الجماعة الدينية سيكون لها معرفة نفسية أولية، مثله مثل أي شخص آخر، يكون قادرًا أو عرضة للتغييرات في التفكير ووجهة النظر، وبالتالي تتغير رغباته، وتصوراته الجوهرية عن الخير. لذا، إذا كان المرء وراء حجاب الجهل يفكر في أنه عندما يرفع عنه قد يجد نفسه ضمن جماعة دينية، فإن المرء سوف يعارض أيضًا أنه في المستقبل قد يغير رأيه ويتوقف عن أن يكون واحدًا من تلك الجماعة. الآن إذا فكر المرء في هذا الأمر أيضًا، فسوف يرغب في التأكد من أن الفرصة ستحقق أي رغبات مستقبلية يريدها وليست رغبات الجماعة الدينية. لكن قد لا تتاح الفرصة للوفاء بها إذا تعاقد الفرد وألزم نفسه فقط بالمبادئ التي أقرتها الجماعة الدينية التي يتوقع نفسه جزء منها حالياً. قد لا يتحقق ضمان المرء لمستقبله، وحماية رغباته المتغيرة والحصول على أفضل عقد من أجل حرية التعبير وغيرها من الحريات الأساسية، في مجتمع يقمع المعارضة وغيرها من وجهات النظر غير الدينية.
تضع هذه الحجة عن قابلية رغبتنا للتغيير في الحسبان فقط الاعتبارات السيكولوجية المتاحة للفاعلين الذين يختارون هذه المبادئ، وهي ترجمة للجهل (وهذه المرة حول الالتزامات المستقبلية المحتملة لهم)، وتطلب منهم أخذ ضمان لالتزامات مختلفة للغاية في المستقبل، تمامًا كما في التجربة الفكرية التعاقدية الأولية في “نظرية العدالة”، يطلب منهم أن يأخذوا ضمان تأمين وذلك لاحتمال تغيًر مفهومنا الحالي للخير عندما يتم رفع الحجاب ونكون على علم بأنفسنا. أيً، ما أريد قوله هو أنه إذا كان شخص ما وراء حجاب الجهل، يفكر في نفسه كعضو في جماعة دينية، فإنه يفكر أيضًا في أنه قد يكون لديه مفاهيم عن الخير في المستقبل ليست مثل تلك التي يمتلكها حاليًا، وقد تكون مختلفة اختلافا جذريا عن تلك التي لديه حاليا، فأنه سوف يرغب بالتأكد من أنه لن يكون في وضع سيء في المستقبل، وهو ما سوف يكون عليه إذا تنكر لمبدأ الحقوق الليبرالية في عدم التدخل على أساس التزاماته الدينية المجتمعية الحالية المتوخاة وحدها.
الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ