يقول الرسول الأعظم (ص) :” إنّ الله خلق العقل من نور مخزون مكنون في سابق علمه الذي لم يُطلع عليه نبي مرسل ولا ملك مقرّب ” ( ميزان الحكمة ج٧ ص٢٦٨٩ ) .
واضح بأنّ الحديث الشريف يشير الى أنّ العقل فيه من الأسرار الكثير الكثير ، ومن الطاقات والإمكانات ما يرتقي بالانسان وبالمجتمع الى حيث يريد الله تعالى لهم ذلك ، أي الى حيث اليقين ، والى حيث العزة والكرامة الانسانية ، اذ لله العزة ولرسوله وللمؤمنين .
بل يشير الامام الكاظم (ع) في حديثه له الى :” انّ لله على الناس حجتين : حجة ظاهرة وحجة باطنة ، فأما الظاهرة فالرسل والانبياء والأئمة عليهم السلام وأما الباطنة فالعقول ” ( الكافي ج١ ص١٦ ) … وهكذا نجد الامام (ع) يساوي بين النبوة والعقل … والعقل والنبوة طريقان الى ساحة الحق .. وكما قال الفيلسوف ابن رشد 🙁 الله لا يمكن أن يعطينا عقولا ويعطينا شرائع مخالفة لها ) .
ويقول المفكر الاسلامي الكبير محمد إقبال ما مضمونه : إنّ الله تعالى ختم النبوة بمحمد (ص) لانه أحال الناس من بعده الى العقل مسترشدين بالقران الكريم والسنة الشريفة …
وينقل الإصبع بن نباتة ، عن الامام علي (ع) ما يؤكد تبعية الدين للعقل وليس العكس .. فيقول (ع) : ” هبط جبرائيل على ادم عليه السلام فقال : يا آدم إنّي أمرت أن أخيّرك واحدة من ثلاث فاخترها ودع اثنتين فقال له آدم : يا جبرائيل وما الثلاث ؟ فقال : العقل والحياء والدين ، فقال آدم : إنّي قد اخترت العقل فقال جبرئيل للحياء والدين : انصرفا ودعاه . فقالا : يا جبرئيل إنَّا أمرنا أن نكون مع العقل حيث كان ، قال : فشأنكما وعرج .” ( الكافي ج١ ص١٠ )
العالم اليوم توجد فيه أمم ودول تتبع المنهج العقلي ويضعف لديها المنهج الديني .. وهي على درجة عالية من العلم والمعرفة والتقدم بل وحتى الاخلاق وحقوق الانسان …. ولا يُستبعد بان ينتهي بها منهج العقل الى الايمان والتدين في نهاية المطاف …
وكذلك توجد في العالم أمم ودول يضعف فيها منهج العقل ويتدنى فيها مستوى التفكير الى ادنى مستوياته ، ويقوى لديها منهج الدين ، ولكنه تدين ينقصه العقل … فهي أمم متخلفة ودول متأخرة ، الى درجة انها تسخر من نفسها كما يسخر الآخرون منها .. وقد عبر ابو الطيب المتنبي عن سخريته بقوله :
اغاية الدين ان تحفوا شواربكم * يا أمة ضحكت من جهلها الامم
نحن اليوم العراق .. يعلو لدينا صوت الدين ، والمتدينون بالملايين وليس بآلاف ، ولكن يختنق لدينا صوت العقل .. ويتدنى مستوى التفكير حتى عند النخبة ..
لذلك نحتاج الى نفسح المجال للعقل ليأخذ دوره .. ونعلم بان الدين من دون عقل لا ينفعنا في الدنيا ولا في الآخرة ..
في الختام لا يفوتني ان انبه بان العقل الذي نتحدث عنه ليس مقابل الجنون ، وإنما مقابل السذاجة والضحالة في التفكير او قبال العمى ..
العقل الذي نقصده هو النور و الفهم والبصيرة ..
حسن الزبيدي / النجف الأشرف
الجمعة ١٦ / ١٠ / ٢٠٢٠