عادل محمود
بمناسبة حلول الذكرى العاشرة لسقوط النظام السابق في العراق، تتابع هذه الحلقة من برنامج (المجلة الثقافية) اراء بعض المثقفين العراقيين وتصوراتهم حول مستقبل الثقافة العراقية، فضلاً عن تصفح كتابٍ صدر مؤخرا لوزير التعليم العالي والبحث العلمي علي الاديب يتناول فيه سبل تحديث مناهج العلوم الانسانية في الجامعات العراقية، لما لكتاب كهذا من دلالة لتصورات الوزارة نفسها عن هذا الموضوع المهم.
أخبار ثقافية
** اعلنت وزارة الثقافة العراقية ان فعاليات معرض بغداد الدولي الثاني للكتاب ستنطلق في 25 من الشهر الحالي بمشاركة 260 دارا محلية وعربية ودولية. ونقلت جريدة “الصباح” البغدادية عن رئيس اللجنة الاعلامية للمعرض في وزارة الثقافة منذر عبد الحر قوله ان هذا المعرض يندرج ضمن فعاليات الموسم الثقافي الاول من المواسم العشرة لبغداد عاصمة الثقافة العربية، وانه سيستمر لغاية الخامس من ايار المقبل بالتنسيق مع اتحاد الناشرين العراقيين، وستشارك فيه 70 دار نشر محلية و 189 دار نشر عربية ودولية.
** قال اثاريون بريطانيون من جامعة مانشستر انهم عثروا الشهر الماضي على مجمع كبير قرب مدينة اور الاثرية التي تقع في محافظة ذي قار جنوب العراق، وهي المدينة التي يعتقد انها كانت مسقط راس النبي ابراهيم. وقال خبر تناقلته وكالات انباء عالمية، ان المجمع الذي يعتقد ان تاريخه يعود الى 4000 سنة، ربما كان مركزاً ادارياً لمدينة اور في الفترة التي كان النبي ابراهيم يقيم فيها. وقال رئيس فريق التنقيب ستيوارت كامبل ان المجمع يقع بالقرب من زقورة اور، واصفاً الاكتشاف بانه “مذهل” نظراً لمساحة المجمع الكبيرة التي تناظر مساحة ملعب كرة القدم، مضيفاً ان المبنى يبدو انه كان نوعاً من المباني العامة وقد يكون مبنى ادارياً، او قد يكون ذا بعد ديني، او كان يستخدم للسيطرة على البضائع الداخلة الى اور، وهو يتضمن 20 غرفة. وقال كامبل إن واحدة من التحف التي عثر عليها فريقه في موقع الحفريات عبارة عن لوح طيني يبلغ ارتفاعه 9 سنتمترات ويمثل رجلاً يرتدي وشاحاً طويلاً ويقترب من ضريح مقدس. وكانت الحفريات الاولية في الموقع – الذي يدعى تل خيبر ويبعد عن بغداد مسافة 320 كيلومتراً- قد انطلقت في الشهر الماضي، وشارك فيها فريق بريطاني من ستة اعضاء اضافة الى اربعة من الآثاريين العراقيين.
تفاؤل بمستقبل الثقافة العراقية
تمر هذه الايام الذكرى العاشرة لسقوط النظام السابق الذي حكم العراق لعقود، محتوياً مختلف مظاهر الحياة بما في ذلك مظاهر الحياة الثقافية. وتبدو اليوم الثقافة العراقية التي مرت بظروف صعبة في الاعوام الاخيرة لا سيما بسبب التحديات الامنية المختلفة، اكثر استرخاء، رغم المحاذير، لا سيما مع النشاط المتصاعد للفعاليات الثقافية المتنوعة.
الفنانة التشكيلية بشرى سميسم تقول ان الواقع الثقافي العراقي يبدو مبشراً، بالرغم من ان التخوفّات لا تزال موجودة بسبب الاوضاع الامنية وغيرها، وما يزيد من التفاؤل يتمثل في تصاعد موجة الفعاليات الثقافية في الاونة الاخيرة مع انطلاق فعاليات بغداد عاصمة للثقافة العربية، حيث تجري الفعاليات بشكل طبيعي، واستقبلت بغداد وفوداً ثقافية من بلدان مختلفة دون مواجهة خروق امنية كبيرة.
ويرى الناقد الموسيقي ستار الناصر ان جانباً اساسياً من الجوانب المثيرة للتفاؤل هو حرية النشر، لا سيما في دور النشر الاهلية غير الحكومية التي تمارس النشر بصورة طبيعية ودون رقابة، ما يؤشر لعنصر مهم من عناصر حرية التعبير.
ويقول الروائي شاكر المياح ان السنة الماضية شهدت صدور اكثر من 28 رواية واكثر من 16 مجموعة شعرية اضافة الى المجاميع القصصية، ورغم وجود بعض القيود فان الثقافة العراقية تبدو ذات مستقبل زاهر، خصوصا وان الحركة الثقافية في شارع المتنبي، وهو عصب الحياة الثقافية في بغداد والعراق، باتت تشهد اقبالاً متزايداً من عموم الناس.
الأديب: ضرورة تحديث مناهج العلوم الانسانية
(مناهج الدراسات الانسانية) كتاب جديد يتناول مناهج العلوم الانسانية، صدر عن دار الرافدين للطباعة والنشر، وهو من تاليف وزير التعليم العالي والبحث العملي العراقي علي الاديب، وتتوقف هذه الحلقة من برنامج (المجلة الثقافية) لتصفح هذا الكتاب لما يحمله من ابعاد لتصورات الجهات الرسمية عن مناهج الدراسات الانسانية في العراق، وحسب القراءة الواردة على موقع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
الكتاب يتناول المحاور الرئيسة لمشروع تحديث المناهج الدراسية الانسانية في العراق والعالمين العربي والاسلامي، مؤشراً دور بعض هذه المناهج في تفعيل خطابات الكراهية ورفع وتيرة العنف في عموم بلدان الشرق الاوسط، ومتناولاً بالنقد والتحليل اعتماد المناهج التاريخية والاسلامية على الارث الخلافي الذي ساهم في ترسيخ نزعة التطرف والغاء الاخر المختلف ديناً او إثنياً.
ويستعرض الأديب في المقدمة والتمهيد الموسعين الذين قدم بهما كتابه، أهمية إعادة رسم الخرائط الذهنية للإنسان العراقي والعربي بناءً على حجم تركة العنف والتطرف التي خلفتها تداعيات العقود الماضية، مشيراً الى أن بلدا مثل العراق اختزن في ذاكرته تاريخاً مفعماً بالدم، ومر بحروب ثلاثة مدمرة استغرقت أكثر من عقدين من عمره (1980- 2003)، وعقداً مريراص من العنف الداخلي، لا يمكنه أن يتجاهل حجم الخراب النفسي والفكري الذي نتج عن المراحل القاسية التي طبعت مجمل تاريخه الحديث والمعاصر.
ويتحدث الأديب في كتابه عمّا وصفه بـ “تعاظم روح التطرف القومي والحزبي والديني والمذهبي والمناطقي” في العديد من مفاصل التاريخ العراقي والعربي، منوهاً الى أن سياسات عسكرة المجتمعات وهدمها وتمزيقها من قبل المستبدين يجعل من المستحيل الوثوق بنشوء تعايش سلمي مشترك بينها، إذا لم تفلح هذه المجتمعات أولاً في اقتلاع التطرف من جذوره، وضمان تعويضه بروح الاعتدال والوسطية التي غابت، مرغمة، ولوقت طويل، عن تفاصيل الأحداث.
ويشير الأديب في مقدمته للكتاب أيضاً، الى أن فكرة تحديث المناهج لم تكن يوماً ما من خصوصيات مجتمع دون آخر، ولا هي من صناعة أمة دون باقي الأمم، ولا نتاج عقل بشري واحد، بل هي من أكثر الأفكار الإنسانية ارتباطاً بالحاجة الى التطور والنماء وحماية النفس من الانهيار القيمي والمعرفي، وهي الفكرة التي لازمت الإنسان منذ فجر التاريخ.
وحدد الأديب خيارين لا ثالث لهما يجب على المجتمعات العربية والإسلامية الوقوف عندهما، “فإما أن نبذل جهداً فكرياً ومؤسساتياً كبيراً ونوفر كل المتطلبات المالية اللازمة لتحديث المناهج التعليمية وتعميم ثقافة السلم الأهلي والاعتدال في الفكر والعقائد، أو نجازف بخسارة الملايين من أبناء أوطاننا، وفرصتنا التاريخية في الاستقرار والتقدم والازدهار، ومعها مئات المليارات من الدولارات لمكافحة المتطرفين الذين تساهم في نشوئهم المؤسسات الاجتماعية والتعليمية على اختلاف أنواعها وتوجهاتها”.
في الفصل الأول من الكتاب، يتناول الأديب مفصلاً، تجارب الدعوة الى تغيير مناهج التعليم في شتى بلدان العالم ولمختلف المراحل الزمنية، مستعرضاً الاتجاهات التي طبعت مجمل مشاريع تحديث المناهج على اختلاف الدوافع المحركة لها، سواء أكانت خارجية او مسارات سياسية وفكرية داخلية، أو اتجاها يتحرك على الدوام بدوافع علمية بحتة، هدفها تطوير البلدان اقتصاديا وتكنولوجيا ومعرفيا.
فيما يتطرق الأديب في الفصل الثاني الى غايات وشروط تغيير مناهج الدراسات الإنسانية، والتي تمثل استجابة لحاجات المجتمع أو لابعاده عن التطرف أو مواكبة التطور بكل أبعاده ومجالاته والتكامل بين مؤسسات التربية والتعليم، أو التي تنسجم مع فلسفة الدولة المدنية الحديثة والمساهمة في صناعة الهوية الوطنية الجامعة.
جدير بالذكر ان الأديب اصدر العديد من المؤلفات الفكرية، كان آخرها كتاب حمل عنوان (خارطة طريق لمعضلة العراق)، تناول فيه أزمة الهوية التي عانى منها الإنسان العراقي جراء الحروب والصراعات التي مرت بالبلاد لأكثر من ثلاثة عقود