عقيل العبود –
القيم النبيلة تبقى معهم فقط، أولئك الذين ما انفكوا “ركعا سجدا” لاجلها!
كل شيء بات يسير بطريقة معاكسة؛ جميع مفردات الوجود الاجتماعي، والثقافي، والعلمي، والاخلاقي، حتى تلك التي لاجلها ضحى الثائرون، والانبياء، والعظماء.
تماما تبدلت خارطة القيم، بعد ان تم اختراق مكوناتها، وانتزاع البعض منها، لتصبح اشبه “بعصف ماكول”.
الاصدقاء، الأهل، الإخوة، بل حتى عمله، هذا الذي كان ملاذا للالتقاء مع من يحبهم، صار مجالا للمشاكسين، والحاسدين، بعد ان أمسى التملق وسيلة اخرى من وسائل الصعود على أكتاف الاخرين، حتى في دول الغرب، حين بات الامر مسرحا لشروط اللعبة ذاتها.
الطيبون مثلا، تسمية يطلقها الانسان على نظيره من الجنس البشري، في لحظة ما، وقد يتهاوى هذا التقييم في اكثر الأحيان، هابطا الى درجة التسافل، خاصة بعد ان تنضج تجربة التعامل مع الاخر.
المهم، انه لم يعد من المسميات أعلاه، ما بقي محافظا على شروط طهارته، وعفته، الا ذلك القدر المحسوم من مساحة منفردة، تتلوها جمهرة متعبة من الطيبين.
حتى العلم هذا الذي كان منارة لا يمكن اختراقها، تم اختراقها اليوم بفعل من صنعتهم منابر الدجل والنفاق، كما الدين، الذي تم اختراقه سلفا، ذلك بفعل صفقات الدم، وأكاذيب الحكومات، ليتم تقريب هذا النفر اوذاك، بهذه الصفة، اوتلك.
في الدول المتقدمة نفسها، تم الاعتداء على هذا البرج الحصين، اي العلم، بفعل من سولت لهم أنفسهم الاستعانة بجهود الغير، لتسويق وجوداتهم كأصحاب كفاءات، اومؤهلات.
اما صاحبي الذي افنى عمره ثمنا، وإكراما، لاجل هذه المنارة الشامخة، مُذ لم يبلغ الحلم بعد، فقد بات حزينا يائسا، لا يقوى ان يرفع صوته، مطالبا بحق الحياة، فلا وزارة للثقافة، ولا للتعليم، في ظل هكذا نوع من المؤامرات، والخيبات.
لذلك ءاثر الجلوس مع نفسه، منفصلا تماما عمن يحيط به، بعدان قرر ان يكتب في دوامة صمته بعيدا عن الضجيج.
لقد أيقن تماما بعد فترة كفاح طويلة من الزمن، انه بات بلا وطن، بلا اصدقاء، بلا رابطة من الحنين تشده الى أهله، وذويه.
لم يبق أمامه، الا وسيلة واحدة، تلك التي تعلمها عندما حاول ان يدرك معنى الله، ذات يوم عن طريق معلم التربية الدينية، هذا الذي بقي بالنسبة اليه، اطهر من هؤلاء الذين يستعرضون أنفسهم كل يوم، في ظل حكومة منبوذة.
لذلك بعيدا عنهم جميعا؛ اقصد أثرياء وسماسرة العهد الزائف، ومروجي شراء الذمم، بقيت تلك البصمة تنبض شروط عفتها، في أقصى أنحاء ضميره.
هنالك حيث سكاكين الطغاة، ما زالت تصلب الفقراء كل يوم، الثورات تصرخ فينا، تستحثنا بناء عليه، لذلك ترانا نحتاج اليها، على شاكلة جيفارا.
انشا صاحبي شيئا آخراً؛ الدائرة بقيت تعصف هكذا في أنحائه، تصرخ فيه، تقتلعه من جذوره، تهدده بالخذلان ان لم يفعل، لذلك كتب متآزرا مع ثلة من الاوفياء، متحديا اوجاع أزمة قلبية راحت تسكن فيه، تستفزه لان يفعل شيئا ما؛
فلا انتقاد الساسة يكاد يجدي، ولا نصوص الكتابات، ولا الاستماع اليهم؛ سواء على مستوى محافل الدين، اومنابر الثقافة، الدرب الاوحد هو ان يبقى متمردا، رافضا، ثائرا، مستنكرا، احكام العصر الذي تم تجنيده لخدمة مآربهم، ومخططاتهم؛ هؤلاء الذين يستنزفون كل يوم كرامة الانسان والاوطان.
عقيل العبود
موقع المثقف