سعد سامي نادر
لبيولوجيا الدم والجسد، روح متحدية ومغامرة أحيانا، عادات لاإرادية مفعمة بالبهجة تقدم لنا المتعة في أقسى ظروفنا النفسية، لذة لها فعل سحري في مقاومة القهر والقلق و حصار الروح. لذكريات شجاعة بيولوجيا الروح المكروبة، ثمّة فصول شجن ممتعة لا تنسى.
برغم جبروت نظام صدام، لكنه لم يستطع أن يثني بايو- النضال السري المغامر مِن ممارسة هوايته الخلاقة في بث روح وثابة فينا لتحدي الحصار. بهذا الجين الفَتي الشجاع، استطاع شيوخ وشباب ثقافتنا العراقية من التقدميين، تهريب مستلزمات الحداثة والمعرفة وبقية الممنوعات : كتب ومجلات وأشرطة فديو وأجهزة وصحون بث وغيرها مِن مصابيح الفكر والتنوير التي تسعد روحهم الملتاعة وتؤمن لبايو – الجسد ممارسة عاداته الحميدة !. لعقود كان الكتاب الممنوع يُهرّب ويُستنسخ ويـُباع ويتداول بسرية وحذر بيولوجي متمرس. يقيناً، ثمة مُتع تستحق المجازفة، فخلوة قراءة كتاب ممنوع مع رفة قلب خائف، كمتعة الشعور بالحب، متعة توازي حس ولذة مغامرة استنساخه وتوزيعه.
تحديات ثقافية مارسها بسرية، كسبة ومثقفون في بيوتهم وفي “بسطات” بيع المعرفة المنتشرة في ختلات أزقة وأرصفة شارع المتنبي. غذاء الروح الملتاعة كان بحاجة الى هكذا هوس ثقافي مجنون ومغامرة فردية يتجاوز أبطالها الملتاعون هاجس القلق والخوف. مَن لا شأن له بالثقافة، هل له أن يُقيم متعة أخي وهو يضع في سطح داره برجا للطيور يخفى فيه صحنا فضائيا أملا برؤية عالما منيرا أكثر بهجة؟! الغريب ! لو سُئل أخي عن أنواع الطيور، لما عرف الفرق بين حمام الزاجل والكَومرلي ! نعم إنها فسلجه الدم وعادة نضال سري لا تـُقاوم.
أذكر يوماً كيف استأنسنا سوية بقراءة كتاب “كل شيء هادئ في العيادة ” للدكتور سلمان درويش ( اصدار رابطة الجامعيين اليهود النازحين من العراق) وحسب علمي، فالدكتور سلمان كان ضمن آخر يهود العراق الذين أجبروا على قطع حبلهم السري مع وطنهم الأم (غادر العراق في السبعينات). حينها، أمتعنا بقهقهات صاخبة وهو يروي بسخرية مرّة عن مؤامرات “شلاتي” يهودي من أقاربه تقدم لخطوبة بنت من العائلة، رفضته البنت والعائلة معا. لكنه وبعد هجرته الى إسرائيل، وبخبث يهودي (كما يصوره فلم مصري! ) بدأ بالانتقام لكرامته المهانة، فاخذ يبعث برسائل من تل أبيب الى بيت الدكتور سلمان في بغداد لغرض الإيقاع به !.
ذكريات ألم وخوف وقلق مر بها معظم العراقيين، ألم بعد أن دخل الماضي تحول الى طعم فيه لذّة، لذّة ما دُمت قد خرجت من الماضي ومن الحصار، وبدأت تسترجع نفسك ككيان كامل. لعل شاعر مثل “ريلكة” سيقول: كم ستكونين جميلة يا ليالي العذاب !