
حميد رياح
للمجتمع ثلاث سلطات: سلطة الدولة وسلطة الثقافة وسلطة الدين اعتقد بوجوب القطيعة بين السلطات الثلاث في عمل كل منهم وتواصلهم في النسق الاستراتيجي العام. في المجتمعات المتحضرة تكون سلطة الثقافة هي الاقوى والاكثر فاعلية وتأثيرا في المجتمع وإلا سيبقى المجتمع يعيش التخلف الحضاري. لم يتغير واقع الغرب الا بسيادة الثقافة ومناهجها. الثقافة هي الكل المعقد كما يرى تايلور الذي تتداخل فيه المعارف والقيم والتراث لتنتج قيمة مضافة قادرة على انتاج حضارة.
المثقف روح المجتمع وعقله النابض لانه درس التاريخ وفهم الحاضر ليستشرف المستقبل. في عالمنا العربي والاسلامي كثير من المفكرين والمبدعين لديهم انتاج معرفي وثقافي مهم لكن هنالك عوائق منهجية وعوائق ابستمولوجية وعوائق ايدلوجية تحول دون انتشار مفكرينا ومنتجهم المعرفي.
اننا لا نؤسس لافكارنا تصنيفا ولا تحقيبا ولا نضع ذلك في سياق البرادايم العلمي فتظهر في منتجاتنا العوائق اما في الغرب فيؤسس المثقف لافكاره مذاهب ومدارس ويصنفها ويربطها بسلم التحقيب ويطلقها في مجتمع علمي فتنمو المعرفة وتنتشر الفكرة دون عوائق منهجية وتكون الافكار ضمن سياق ونسق معرفي واضح تتفرع منه وعليه دراسات وأطر معرفيه مثلا الديكارتية هو مفهوم للمنهج العقلي الذي طرحه ديكارت فتجد هنالك تصنيفا لماقبل ديكارت وما بعده بتسمية مفكرين اخريين بالديكارتيين.
مجتمعاتنا فيها كثير من الايجابيات ويغيب عنها المثقف الفاعل بتعبير غرامشي او المثقف الملتزم بتعبير سارتر والذي يكون منخرطا في الشان العام موجها لحركته باتجاه فكره المعرفي.
المثقف الرسالي او النخبة او الاقلية المبدعة او المثقف الحضاري او اي عنوان اخر يكون فيه المثقف رائد وقائد مجتمعه لا يتحقق مالم يكن هنالك تفاعل بين المثقف والمجتمع حتى تكون هنالك موجة من الوعي تقذف التخلف الى الساحل وتاتي بالتغير الحضاري.
هذه المهمة معقدة وصعبة ودونها صحارى وجبال من الإحباط والياس وحتى القنوط والمثقف الرسالي عليه الصبر منتظرا نصر الله ﴿حَتّى إِذَا استَيأَسَ الرُّسُلُ وَظَنّوا أَنَّهُم قَد كُذِبوا جاءَهُم نَصرُنا فَنُجِّيَ مَن نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأسُنا عَنِ القَومِ المُجرِمينَ لَقَد كانَ في قَصَصِهِم عِبرَةٌ لِأُولِي الأَلبابِ ما كانَ حَديثًا يُفتَرى وَلكِن تَصديقَ الَّذي بَينَ يَدَيهِ وَتَفصيلَ كُلِّ شَيءٍ وَهُدًى وَرَحمَةً لِقَومٍ يُؤمِنونَ﴾