تستضيف مؤسسة الحوار الانساني بلندن يوم الاربعاء 24/8/2016 الدكتور عبد الحسن السعدي في امسية ثقافية سيتحدث فيها وفق رؤية نقدية عن الدستور العراقي ومشاكله وامكانية تعديله.
الدكتورعبد الحسن السعدي حاصل على شهادة الدكتوراه في القانون العام من جامعة القاهرة 1983 ومارس التدريس في عدة جامعات منها في الجزائر والجامعة العالمية للعلوم الاسلامية في لندن، اشرف على عدد كبير من دراسات الماجستير والدكتوراه
دراسة نقدية تحليلية حول الدستور العراقي الصادر 2005
استضافت مؤسسة الحوار الانساني بلندن يوم الاربعاء 24 أب – اغسطس 2016 الدكتور عبد الحسن السعدي في امسية ثقافية تحدث فيها عن رؤيته النقدية للدستور العراقي ومشاكله وامكانية تعديله. الدكتورعبد الحسن السعدي حاصل على شهادة الدكتوراه في القانون العام من جامعة القاهرة 1983 ومارس التدريس في عدة جامعات منها في الجزائر والجامعة العالمية للعلوم الاسلامية في لندن، اشرف على عدد كبير من دراسات الماجستير والدكتوراه.
مقدمة
من الأمور الثابتة تاريخياً وعقلياً أن لكل جماعة بشرية تهدف لتحقيق أغراض معينة وثيقة مرجعية تعتمدها لتحتكم اليها، سواء أكانت هذه الوثيقة مكتوبة أو غير مكتوبة، فللعائلة دستور، وللنقابة دستور، وللشركة دستور… الخ، وما نقصده هنا من عبارة دستور هو الوثيقة التي تعتبر مرجع الجماعة عندما تتخذ شكل دولة. وللدستور معان ومضامين مختلفة، فالمعنى اللغوي يراد به أصل عبارة الدستور وهي عبارة ذات أصل فارسي تعني الأساس، كذلك للدستور معنى تاريخياً تركز على دراسة الدستور الفرنسي إبان حكم آل أورليان.
كذلك، وهو المهم، أن للدستور معنى شكلياً، ويفيد ذلك أن كل ما تحتويه وثيقة الدستور يعتبر من الدستور حتى لو تناول أمراً لا علاقة له بالحكم، أما المعنى الموضوعي للدستور فمفاده أن كل مادة قانونية تتناول أمر الحكم تعتبر من الدستور حتى لو لم تشتمل عليها وثيقة الدستور. وبوجه عام فان الدستور يعني المواد القانونية التي تتعلق بشأن الحكم، أي تتعلق بإقامة الهيئات الحاكمة وبيان شكل الدولة وشكل الحكم والعلاقة بين السلطات وحقوق وحريات الأفراد، وكيفية اسناد السلطة وتداولها وبيان من هو صاحب السيادة ومصدر السلطة.. الخ.
واستناداً لذلك فان الدستور بما أنه يقيم المؤسسات في الدولة، فانه يعتبر أعلى وثيقة قانونية في البناء القانوني للدولة. ويترتب على ذلك أن أي عمل قانوني يخالف الدستور لا يعتد به، وحصل جدل بين فقهاء القانون مفاده ؛هل هناك شيء أعلى قيمة قانونية من الدستور؟ إلا أن الاتجاه القانوني العام يرى ان فلسفة الجماعة الحاكمة واتجاه الرأي العام يعتبر ذلك أعلى قيمة من الدستور، وما يؤكد ذلك أن ديباجة الدستور يجب أن تعرض هذه الفلسفة وتكرس تطلعات الرأي العام، ولما كان الدستور بهذه المثابة من الأهمية والسمو. فيجب أن تتم صياغته واصداره بكل تأن وتريث، ولا يشرع على عجل ، وبعض الدساتير استغرقت وقتاً قد لا يقل عن سنتين أو ثلاث، ويلزم اضافة الى ذلك أن يتم عمل الدستور من قبل أهل الاختصاص من رجال القانون بمختلف فروع القانون، وليس من المستبعد أن يشارك عدد من السياسيين أو الاقتصاديين أو ذوي الاختصاص في علم الاجتماع، فاذا ما تم إعداد مشروع الدستور على هذه الشاكلة تعرض محتوياته على الرأي العام ووسائل الاعلام، وبطبيعة الحال أن اللجنة أو الجمعية التي تتولى عمل الدستور يجب أن تكون بمعرفة الشعب. وبعد أن تتم صياغة الدستور في قالبه القانوني، يعرض على الشعب باستفتاء عام، فإذا حظي الدستور بالأغلبية المطلوبة يتم اصداره وينشر في الجريدة الرسمية، وفي هذا التاريخ يصبح الدستور قانونياً ملزماً للحكام و المحكومين.
وفي هذه الدراسة حول الدستور العراقي الصادر عام 2005 التي دعونا أن تكون نقدية وتحليلية وموجزة مع عدم التفريط بجوهر الدراسة وأهدافها. سوف نتناول ذلك في مبحثين. في المبحث الأول نتناول فيه الجوانب الشكلية والفنية، وفي المبحث الثاني نتناول فيه الجوانب الموضوعية: مع اعترافنا بأن الدستور عمل قانوني، والقانون نفسه من العلوم الانسانية، وبكل تأكيد يحصل حوله جدل حسب وجهات النظر المختلفة، لذلك أقرر من الآن بأن الدستور العراقي المشار اليه ليس سيئاً بكل تفاصيله، بل اشتمل على مواد ومبادئ ذات أهمية وقيمة، إلا أن التجاوزات التي حصلت على الدستور كان سببها الاختلافات السياسية بين الطبقة الحاكمة، مما قلل من تلك الأهمية وتلك القيمة.
المبحث الأول :الجوانب الشكلية والفنية في دستور عام 2005
كثيرة هي الملاحظات الشكلية والفنية، ونرى من المناسب تثبيت بعض الأمور التي يجب مراعاتها في كل تشريع وبالأخص في تشريع الدساتير:
1 ـ يجب أن تكون النصوص مختصرة دون التفريط بفرض النص.
2 ـ يجب أن تكون ألفاظ القانون مطلقة وغير نسبية على الوجه الذي تثير معه نفس الأفكار لدى غالبية الناس.
3 ـ يجب أن تكون النصوص واقعية وليست مطبوعة بطابع خيالي.
4 ـ يجب تجنيب القيود والشروط والاستفتاءات في صياغة القوانين.
5 ـ يجب أن لا تكون عبارات القانون عميقة الغور لأنها وضعت لتكون في متناول أناس متوسطي الادارات… الخ.
6 ـ يجب تجنيب العلل في صياغة القوانين لأنها تثير خلافات لا طائل منها.
7 ـ يجب أن يكون المشرع على درجة من التكوين القانوني والاخلاص والموعوعية والتجريد متجنباً في ذلك أي نص يخالف طبيعة الأشياء.
ويلاحظ أن الدستور العراقي الحالي لم يراع فيه الكثير من هذه المبادئ.
لنبدأ الآن بالملاحظات الشكلية والفنية، ابتداءً من المقدمة والديباجة. لقد كان التقديم الذي تفضل به السيد الجعفري مشحوناً بالعواطف والعبارات الغامضة المطبوعة بطابع بلاغي إنشائي، بعيدة عن أن تعكس الحقائق العلمية الدستورية.
وعلى الرغم من أن هذا التقديم لا يعتبر جزءاً من الدستور على خلاف الديباجة التي تعتبر جزءاً من الدستور ويصار اليها في حالة غموض النصوص ذلك لأن الديباجة مع اختصارها تتناول فلسفة الجماعة الحاكمة التي هي انعكاس للرأي العام في المجتمع وطموحاته، والديباجة بوضعها الراهن كانت قاصرة عن ذلك، مع الاعتراف بأن أموراً من ذلك تناولته الديباجة، ومن الأمور التي يجب الوقوف عندها كحقيقة ملموسة، هو أن الدستور شرع أثناء فترة احتلال العراق واستناداً لقانون إدارة الدولة الذي شرع بعد سنة 2003، بمعرفة سلطات الاحتلال ومقارنة بين قانون إدارة الدولة ودستور 2005 لا يجد المرء شيئاً مختلفاً باستثناء بعض المواد القليلة.
والمتفق عليه بين فقهاء القانون أن الدساتير التي تشرع في ظل الاحتلال يتسرب اليها الشك في وطنيتها، هنا من ناحية. ومن ناحية أخرى أن الدستور الذي نحن بصدد دراسته قد وضع على عجل وبوقت قياسي على خلاف المعهود في وضع الدساتير التي يجب أن تأخذ وقتاً يتناسب مع أهميتها. كذلك ومن اللازم أن يتم عمل الدستور من قبل لجنة قوامها رجال القانون ذوي الخبرة في مختلف فروع القانون، لا يقل عددهم عن 40 ـ 50 عضواً. ومن المفيد أن ينضم اليهم عدد محدود من رجال السياسة أو الاقتصاد أو علم الاجتماع… الخ.
8 ـ ثمة ملاحظة على خطة عمل الدستور الحالي كالآتي:
الباب الأول: المبادئ الأساسية
ويوزع كالآتي:
ـ شكل الدولة
ـ شكل الحكومة
ـ الدين الاسلامي الدين الرسمي في البلاد ويعتبر أحد مصادر التشريع
ـ اللغة الرسمية
ـ عاصمة البلاد
ـ علم البلاد ونشيدها الوطني
الباب الثاني: الحقوق والحريات العامة
ويوزع كالآتي على تفاصيلها:
أولآً: الحقوق والحريات السياسية
ثانياً: الحقوق والحريات المدنية، وهذه توزع كالآتي:
1 ـ الحقوق الشخصية ـ على تفاصيلها
2 ـ حرية المجتمع
3 ـ الحريات الفكرية ـ على تفاصيلها
4 ـ الحريات الاقتصادية
ثالثاً: الحقوق الاجتماعية:
ـ حق العمل ـ على تفاصيله
الباب الثالث: السلطات الاتحادية
ويتضمن السلطات الثلاث بتفاصيلها واختصاصاتها، اضافة الى الهيئات المستقلة.
الباب الرابع: سلطات الأقاليم والمحافظات التي لم تنظم الى اقليم ـ بتفاصيل ذلك.
الباب الخامس: الأحكام الختامية
ولا داعي لأحكام انتقالية ثبتت في هذا الباب، كل حكم لم يجد له مجالاً في أبواب الدستور بناء على الأصول المتبعة في هذا الشأن، مثال ذلك، كيفية تعديل الدستور واقتراح التعديل والمواد التي لا يجوز تعديلها ونشر الدستور في الجريدة الرسمية، وبقاء القوانين نافذة ما لم يتم تعديلها… الخ.
9 ـ تعليق على المادة (1):
ورد في هذه المادة جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة… الخ. مضمون التعليق، إن الدول أما مركبة أو موحدة (بسيطة). والدول المركبة يعني ثمة دول اتخذت شكلاً من أشكال الاتحاد (شخصي، حقيقي، كونفيدرالي، فيدرالي). والنص يقول العراق دولة اتحادية واحدة، أي أن النص خلط بين كون العراق دولة مركبة أم دولة موحدة، وهو ما لم ينسجم مع الصياغة القانونية التي تعبر عن حقيقة واقع معين، فكان على النص أن يقول: العراق دولة اتحادية فيدرالية. كذلك فان النص يريد أن يبين نوع النظام السياسي وذكر: نظام الحكم جمهوري نيابي (برلماني). والمعلوم أن أنواع النظم السياسية من زاوية الفصل بين السلطات، ثلاثة أنواع (برلماني، رئاسي، حكومة الجمعية). فكان على النص أن يذكر نظام الحكم في العراق برلماني، ذلك لأن كل نظام برلماني نيابي أي ليس هناك نظام سياسي برلماني وغير نيابي، والنظام النيابي في العراق منصوص عليه في باب السلطات الاتحادية (السلطة التشريعية). فالنص بوضعه الراهن لا يتفق مع الأصول الفنية في التشريع.
10 ـ المادة الثالثة:
النص يقول: الاسلام مصدر أساسي للتشريع، ولا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت الاسلام ولا يجوز سن قانون يتعارض مع الديمقراطية، ولا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات.
التعليق : عملياً كما هو ثابت أن الاسلام كأحد مصادر التشريع وذلك في أحكام الأحوال الشخصية، أما بقية القوانين فمصادرها أجنبية غربية باستثناء بعض أحكام القانون المدني. وبخصوص بقية الفقرات ليس من السهولة الالتزام بأحكامها لأنها متعارضة بطبيعتها، فكان على المشرع أن يستعمل عبارات مطلقة، استناداً لأصول التشريع.
11 ـ المادة (3):
العراق متعدد الأديان والقوميات والمذاهب وهو عضو فعال ومؤسس في جامعة الدول العربية، وهو جزء من العالم الاسلامي. هذا النص عبارة عن سرد لواقع معين يتعارض مع فن التشريع، ونتيجة لضغط بعض الأطراف لم يذكر النص العراق جزء من العالم العربي كحقيقة جغرافية وتاريخية، واستبدلها بأن العراق جزء من العالم الاسلامي، ليس له أي دلالة عملية.
12 ـ المادة (11):
بغداد عاصمة العراق. كان على المشرع أن يذكر استبدال العاصمة في حالات الضرورة، كما هو مألوف في الدساتير، وقد تكرر ذكر العاصمة في سلطات الأقاليم. كان على المشرع أن يلاحظ ذلك في المادة 124.
13 ـ المادة (4):
اللغة العربية واللغة الكردية لغتان رسميتان. هذا النص يخلق فوضى على مستوى القرارات الإدارية والقوانين والمخاطبات الرسمية. وهو لا يتفق مع الدولة الموحدة ولا مع الدولة الاتحادية. كذلك أشار هذا النص في إحدى فقراته أن لكل اقليم أو محافظة اتخاذ لغة رسمية، ومثل هذا النص على مستوى الدستور لا يغير أكثر من تعميق الفوضى واتساع رقعتها.
14 ـ المادة (5):
السيادة مصدر القانون، والشعب مصدر التشريعات… الخ.
بعد مراحل تطور الفكر السياسي ووصول الأمر إلى ما هو عليه الآن بأن صاحب السيادة ومصدر السلطة الشعب، واذا قيل بأن الدولة صاحبة السيادة، فالدولة بمؤسساتها تمارس مظهراً من مظاهر السيادة، والقول بأن السيادة للقانون فكرة أثارت جدلاً، ذلك بأن البرلمانات استغلت ذلك، فبدلاً من ان البرلمان يمارس مظهر السيادة كأحد المؤسسات الديمقراطية أصبح هو صاحب السيادة، والحقيقة العلمية أن مبدأ سيادة القانون فكرة سياسية وليست قانونية مفادها أن الجهاز التنفيذي يخضع للجهاز التشريعي بوصف أن الأخير يمثل الشعب.
14 ـ المادة 9 ف ج:
لا يجوز للقوات العراقية المسلحة… الترشيح في الانتخابات… ولا يجوز لأعضاء القوات المسلحة القيام بحملات انتخابية لصالح مرشحيها، هنا أن التناقض واضح. من جهة لا يجوز لأفراد القوات المسلحة الترشيح للانتخابات ومن جهة لا يجوز للعاملين في القوات المسلحة القيام بحملات انتخابية، فمنع الترشيح ثابت إذن لمن تقوم الحملات الانتخابية؟
16 ـ المادة (18) ـ رابعاً:
في هذه المادة سمح الدستور بازدواج الجنسية واستثنى من ذلك ذوي المراكز السياسية والأمنية العليا. وحسب النص عليهم أن يتخلوا عن جنسيتهم المكتسبة. وعملياً لم يطبق هذا النص، فأي شخص تولى مركزاً سياسياً أو أمنياً رفيعاً يجب أن يتخلى عن جنسيته المكتسبة وخلاف ذلك يكون قد ارتكب مخالفة دستورية، وما يترتب على ذلك أمر خطير حيث يعتبر ما يقوم به هذا الشخص من عمل باطلاً، لأنه يقوم يعمل خلاف الدستور.
17 ـ في المادة 19: كان يلزم أن تحدد مدة التقادم للعقوبة أو الجريمة.
18 ـ شمول استثناء الضرائب من رجعية القانون مكانه في مادة الضرائب (المادة 28)، ويضاف الى هذه المادة، فرض الضرائب بقانون، أما الرسوم فيجوز فرضها بناء على القانون.
19 ـ المادة (30) ثانياً:
لم يتحقق لحد الآن التأمين الاجتماعي والتأمين الصحي مع النص عليه في هذه المادة.
20 ـ المادة (446):
النص على عدم تقييد ممارسة الحقوق الواردة في الدستور إلا أن السلطات في الكثير من البلدان تمارس تقييد الحريات بدعوى التنظيم، ويجب مراعاة ذلك والنص عليه.
21 ـ المادة (115):
ذكرت اختصاصات السلطات الاتحادية على سبيل الحصر. والمادة 115 ذكرت كل ما لم يرد فيه نص في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية يكون من اختصاص سلطات الأقاليم. والنص بوضعه الراهن على خلاف المألوف في النظم الاتحادية، حيث الأصل أن كل ما لم يرد فيه نص في الاختصاصات الحصرية للأقاليم يكون من اختصاص السلطات الاتحادية، وهذا يعني انه يجب أن تذكر اختصاصات الأقاليم على سبيل الحصر، واختصاصات السلطات الاتحادية مطلقة، سيما وان العراق في الأصل دولة موحدة وتم تقسيمه الى اتحادات، فالأصل يبقى الاختصاص المطلق للسلطات الاتحادية.
22 ـ المادة (56):
وعدت هذه المادة بإنشاء مجلس تشريعي يدعى مجلس الاتحاد، ولم يتم انشاؤه، ومثل هذا المجلس ضروري لأنه يعتبر فريداً في تمثيل الشعب وإدارة رقابية على مجلس النواب.
23 ـ المادة (70):
النص بوصفه الراهن، لم يبين هوية أؤ قومية أو مذهب المرشح لرئاسة الجمهورية. ومن الناحية العملية أصبح هذا المركز الرئاسي حكراً على الأكراد. وفي المستقبل قد يحتج الأكراد بأن هذا المركز أصبح من الناحية الدستورية حكراً على الأكراد على أساس العرف الدستوري على هامش الدستور المكتوب.
24 ـ اختصاصات رئيس الجمهورية الواردة في المادة (37) تقرب النظام البرلماني المنصوص عليه في المادة الأولى من النظام الرئاسي سيما ما ورد في المادة المذكورة أعلاه (73) فقرة عاشراً، حيث لرئيس الجمهورية ممارسة أية صلاحيات رئاسية واردة في هذا الدستور.
25 ـ المادة (75):
هذه المادة كانت مثار جدل عندما غاب رئيس الجمهورية السيد جلال الطالباني وطالت مدة غيبته لمرضه والنص بوضعه الراهن يتضمن حالتين: الحالة الأولى حالة غياب رئيس الجمهورية، ويستفاد من الغياب المدة القصيرة واعتيادياً يحل محله نائبه، وفي حينه لم يكن لرئيس الجمهورية الا نائباً واحداً من ثلاثة نواب ذلك نتيجة للصراعات السياسية المألوفة. أما في الحالة الثانية هي حالة خلو مركز رئاسة الجمهورية، ويستفاد من ذلك أما موته أو مصاب بمرض يقعده عن ممارسة مهامه. والحالة الأخيرة متوفرة. رئيس الجمهورية كما هو ثابت، وهنا حسب النص يحل رئيس مجلس النواب محل رئيس الجمهورية في حالة عدم وجود نائب، وحيث كان لرئيس الجمهورية نائباً واحداً كما ذكرنا، فهذا النائب حل محل رئيس الجمهورية. وفي هذه الحالة على البرلمان أن ينتخب رئيساً جديداً خلال ثلاثين يوماً من تاريخ الخلو، ولم يحصل ذلك، واستمر النائب يمارس مهام رئاسة الجمهورية بمخالفة دستورية صريحة، وما يترتب على ذلك بطلان عمل النائب من الناحية القانونية.
26 ـ المادة (76):
هذه المادة كذلك كانت محل جدل من الناحية القانونية، حيث تنافست أربع قوائم في الانتخابات: الأولى، وكانت النتيجة فوز القائمة العراقية برئاسة د. اياد علاوي بـ 91 مقعداً، وفوز قائمة دولة القانون برئاسة نوري المالكي بـ 89 مقعداً، والنص يقول يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً لرئاسة الوزراء، وان كتلة اياد علاوي هي الأكثر عدداً واستناداً للنص فان اياد علاوي هو الذي يشكل الوزارة، وحيث أنه لا يحقق أغلبية مطلقة، ويحاول أن يأتلف مع كتل أخرى داخل البرلمان، واذا لم يوفق لذلك يكلف نوري المالكي وهو أيضاً لم يحصل على أغلبية مطلقة فعلية أن يأتلف مع الكتل التي ستحقق الأغلبية، وكل ذلك لم يحصل، والذي حصل هو أن المالكي ائتلف مع الكتل الأخرى بعد الانتخابات مباشرة، وهو ما لم ينسجم مع مضمون النص، فلو أن النص ورد بعبارة تكتل بدل الكتلة، لأمكن عمل ائتلاف بعد الانتخابات مباشرة، وفي هذا السياق حصل جدل حول ما إذا كان الفائز في الانتخابات يعتبر نائباً بعد أن تظهر نتائج الانتخاب أم لا يعتبر كذلك إلا بعد أداء اليمين الدستورية واستلام مهام مركزه، وبالرجوع الى المادة (50) التي قررت صيغة اليمين الدستورية ونصها: يؤدي النائب اليمين الدستورية قبل استلام مهامه… فالنص بوضعه الراهن سمّى الفائز بالانتخاب نائباً ولم يقل النص يؤدي الفائز بالانتخاب اليمين الدستورية.
27 ـ المادة (112):
هذه المادة من المواد المثيرة، حيث يقول النص: تقوم الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع الأقاليم والمحافظات… الخ.
التعليق: كان على المشرع أن لا يحدد الحقول الحالية حيث تستغل هذه العبارة من قبل الأقاليم والمحافظات في حالة ظهور حقول نفط في المستقبل، فحسب النص في هذه الحالة، واستناداً لمفهوم المخالفة، ان النفط المستخرج مستقبلاً تقوم بإدارته الأقاليم، وما يترتب على ذلك من نتائج وصراعات لا تبعث بحل باستقرار العراق. أما المادة (111) فتقول: النفط والغاز ملك الشعب العراقي، ولم يحدد هذا النص حاليً أو مستقبلاً، وهذا يعني كل ما موجود من نفط وما يستخرج في المستقبل هو ملك الشعب العراقي تتولى إدارته الحكومة التي يختارها الشعب بصرف النظر عن كون الدولة موحدة أو فيدرالية. فالحكومة المركزية الي المسؤولة عن ثروة البلاد والمؤتمنة على هذه الثروة.
28 ـ المادة (121) ـ رابعاً:
تؤسس مكاتب للأقاليم في السفارات… وهذا النص أحد مظاهر الانفصال الذي لا يتفق مع التنظيم الفيدرالي.
29 ـ المادة (126) ـ رابعاً:
لا يجوز تعديل مواد الدستور التي من شأنها أن تنقص من صلاحيات الأقاليم التي لا تكون داخلة ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية. هذا النص يعتبر من يسمو مكانة السلطات في الأقاليم على السلطات الاتحادية، وهو لا يتفق مع وحدة البلاد واستقرارها.
30 ـ المادة (142) ـ رابعاً:
يكون الاستفتاء على المواد الدستورية المقترح تعديلها ناجحاً بموافقة أغلبية المصوتين، واذا لم يرفضه ثلثا المصوتين في ثلاث محافظات، هذا القيد يتناقض مع أصول التشريع التي عرفناها في مقدمة هذا البحث ومضمونها: مما لا يتناسب مع أصول التشريع ايراد استثناءات أو قيود في عمل القانون.
تلك هي بعض الملاحظات على مواد بعينها وقد تكون هناك ملاحظات أخرى، فمثل هذا العمل وهو وثيقة قانونية مهمة يحتاج الى عمل جمعي كي تتكامل الآراء، والآن نورد بعض الملاحظات إكمالاً للبحث:
أولاً: إن المواد الدستورية التي وعدت بإصدار قانون كثيرة، وهي بحدود ثمان وعشرين مادة، ومثل هذا القانون ضروري لبيان مضمون المادة الدستورية وتفاصيلها، وسهولة تطبيقها. ولنأخذ لذلك بعض الأمثلة. فالمادة الثامنة عشر، الفقرة الرابعة، أجازت ازدواج الجنسية (تعدد الجنسية) واستثنت من هذا التعدد أولئك الذين يتولون مراكز سياسية سيادية أو مراكز أمنية رفيعة، حيث يقول النص على هؤلاء التخلي عن جنسيتهم المكتسبة. وينظم ذلك بقانون ولم يصدر قانون لبيان هذه المراكز وبيان المراكز الأمنية الرفيعة. وإذا قيل بأن هذه المراكز هي رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء والنواب، وان المراكز الأمنية ورؤساء الجهات الأمنية والمخابرات… الخ، فهل يشمل النص الوكلاء والمستشارين… الخ؟ والتعليق على هذه المادة هو ان عدم التخلي عن جنسياتهم المكتسبة، يعتبرون قد ارتكبوا مخالفة دستورية خطيرة يترتب عليها بطلان أعمالهم ، ذلك لأن مخالفة أي قانون يترتب عليه بطلان العمل، فالمواطن العادي إذا ما خالف القانون يترتب على ذلك عدم شرعية ما قام به من فعل يتعرض فيه للمساءلة، بمعنى ذلك يرتكب جريمة، وهذا المبدأ القانوني المستقر في علم القانون لا يستثني أحد، حكاماً ومحكومين، والأخطر من ذلك أن مخالفة الدستور من قبل الحكام تعني بوضوح عدم احترام هذا الدستور وعدم الاعتراف به، سيما وان المسؤولين على مستوى المراكز السياسية العليا قد أقسموا اليمين الدستورية والتي مضمونها الحفاظ على الدستور وتطبيقه بأمانة واخلاص. أما التبريرات السياسية والظروف التي تمر بها الدولة فانها ليست ذات قيمة أمام الحقائق القانونية المستقرة بمبادئ واضحة.
ثانياً: المادة السابعة: حظرت على الكيانات نهج التكفير، والتطهير العرقي والارهاب والعنصرية أؤ يحرض أو يمهد أو يروج أو يبرر وبخاصة البعث الصدامي، وينظم ذلك بقانون، واستناداً لهذا النص الذي يشتمل على عبارات مطلقة تحتاج الى تحديد والمفروض ان القانون يتولى ذلك.
ثالثاً: المادة (30) ثانياً: مضمون هذه المادة تكفل الدولة الضمان الاجتماعي والصحي… وتوفير سكن للمواطنين.. وينظم ذلك بقانون، ولم يتحقق شيء من هذا القبيل ولم يصدر قانون بذلك.
كذلك هناك مؤسسات ومرافق مهمة وعد الدستور بانشائها ولم يتحقق شيئاً منها، ومن أمثلة ذلك:
1 ـ المادة (156): يتم انشاء مجلس تشريعي يسمى مجلس الاتحاد يضم ممثلين عن الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في أقاليم وينظم ذلك بقانون، ولم ينشأ هذا المجلس، وقد يكون مثل هذا المجلس ضرورياً بجانب مجلس النواب وضمانه لعمل هذا المجلس، وزيادة في تمثيل الشعب، ولم يصدر قانون بهذا الخصوص.
2 ـ المادة (151): يجوز إنشاء مجلس دولة يختص بوظيفة القضاء الإداري. والغريب ان المشروع الدستوري استعمل عبارة يجوز، فهذه العبارة تبرر عدم انشائه، إلا أننا نرى أن مثل هذا المجاس ضروري، ذلك لأن القضاء الإداري يحقق المزيد من العدالة ويعتبر حصن الحقوق والحريات العامة، لأنه يفصل في القضايا التي يكون أطرافها الأفراد والإدارة العامة بخصوص أعمال الإدارة التي تمس حقوق الأفراد وحرياتهم، بما لهذا القضاء من سلطة وحرية في ابتداع الحلول وارساء مبادئ قانونية، متمثلة في قضاء التعويض أو قضاء الالغاء، ويجعل الإدارة تفكر أكثر من مرة في ممارسة نشاطها المادي والقانوني. وهو ما حصل في فرنسا ومصر وغيرها من الدول.
3 ـ بخصوص المواد (57، 58، 59) التي تناولت مدة الفصل التشريعي بخصوص الموازنة العامة، ودعوة مجلس النواب لجلسة استثنائية، وتحديداً الفصل التشريعي والنصاب المطلوب في انعقاد مجلس النواب، فقد تمت مخالفة هذه المواد في مناسبات عديدة.
4 ـ بخصوص المادة (60) التي تناولت تقديم مشروعات القوانين حيث استعمل المشرع حرف (و)، بقوله من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء، فالأولى أن يتم ذلك من رئيس الجمهورية (أو) مجلس الوزراء. وفي المادة نفسها، ثانياً، مقترحات القوانين تتم من قبل عشرة من أعضاء مجلس النواب، والأنسب أن يكون العدد أكثر من ذلك.
5 ـ بخصوص المادة (126) التي تناولت اقتراح تعديل الدستور حيث يقول النص لرئيس الجمهورية ومجلس الوزراء مجتمعين أو لخمس (1/5) أعضاء مجلس النواب اقتراح تعديل الدستور، وقد لا يتفق مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية. فلو استعمل المشرع حرف (أو) بدل (و) لكان أنسب، فمن حق مجلس الوزراء أن يتقدم بالاقتراح منفرداً، سيما وان تعديل الدستور أصبح ضرورياً بناءً على اتجاهات الرأي العام.
6 ـ بخصوص المادة (127): تناولت استغلال النفوذ من قبل رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء وأعضاء مجلس النواب وأعضاء السلطة القضائية وأصحاب الدرجات الخاصة. الأنسب أن لا نقرر لها مادة قانونية خاصة، وبدل ذلك يحظر استغلال النفوذ في مكانها المناسب أي في مسؤوليات أي واحد من أولئك في الباب المخصص لذلك.
أعود في ختام هذا البحث الموجز والعاجل أؤكد ان الملاحظات على هذا الدستور كثيرة، قد يرى غيرنا أكثر مما ذكرنا، أو يعترض على ما ذكرناه. ومثل هذا العمل كما ذكرت يحتاج الى عمل جمعي من قبل رجال القانون مهما قل عددهم ذلك لكي تتكامل الآراء وتتعاضد الأفكار لتحقيق المزيد من سلامة العمل، وليكن ذلك بكل تجرد وموضوعية فان الفكر الموضوعي والمجرد والنية الحسنة، قد يشفع ذلك لتبرير الخطأ، ذلك لأن العمل البشري يدور دائماً بين الخطأ والصواب.