عدنان حسين أحمد –
12-02-2014 –
ضيّفت مؤسسة الحوار الإنساني بلندن الدكتور علاء الحسيني في أمسية طبية قدّم فيها “رؤى مستقبلية للنظام الصحي في العراق” وقد ساهم في تقديمه وإدارة الندوة كاتب هذه السطور. استهل الحسيني محاضرته بالقول إن الموضوع الصحي في العراق أو في أي بلد آخر هو موضوع مهم وأساسي لأنه من خلال صحة المواطن تتحقق صحة الحكومة وصحة الدولة نفسها، بل صحة الساسة الذين يديرون البلد، فإذا خَرُبت الصحة خَرُب البلد.
مستويات الرعاية الصحية
أشار الحسيني إلى أن هناك ثلاثة مستويات للرعاية الصحية وهي:
1- العناية الصحية الأولية Primary Health Care
تتلخص العناية الصحية الأولية من خلال توفير الرعاية الصحية الأولية للعائلة في القرية أو المدينة أو أي مكان آخر فيه أكثر من ألف عائلة فما فوق حيث يجب أن يتواجد طبيب للعائلة وكذلك الطاقم الذي يضم المساعدين والسكرتارية والممرضة الذين يقومون بمتابعة صحة العائلة بما فيهم الرجل الكبير والمرأة المسنّة والأطفال وما إلى ذلك. وفي بريطانيا هناك نظام الـ GP الذي تعايشتم معه وتعرفونه جيداً. وهناك أيضاً العيادات الخاصة Private Clinics.
2- العناية الصحية الثانوية Secondary Health Care
وقد قسّمها المحاضر إلى المستشفيات والمراكز التخصصية.
3- العناية الصحية الخاصة Private Health Care
هناك مستشفيات خاصة أو شركات تأمين كبيرة الحجم بمكان بحيث تستطيع أن تؤمّن مستشفيات أو شركات صغيرة مثل المستشفيات الموجودة في العراق كما هو الحال في مستشفى الرازي حيث اجتمع ثلاثة أطباء وهم الحيالي والسبّاك والآلوسي وأنشأوا مستشفى الرازي الذي بدأ يقدّم خدماته للمواطنين. وهذه المستويات الثلاثة من الرعاية الصحية موجودة في كل بلدان العالم تقريبا.
توقف الحسيني عند ثلاث نقاط أساسية يجب الالتزام بها وعدم الحيدان عنها الأولى هي: أن كل نظام رعاية صحية يجب أن يكون مرناً بما فيه الكفاية لكي يتكيّف مع التغييرات. الثانية: الإدارة والقيادة ضروريان لمستقبل رعاية المريض والتدريب المحدد في الإدارة ومهارات القيادة. والثالثة: أن التعيينات يجب أن تكون على أساس الجدارة والأهلية العالية وتعتبر أساسية في تحقيق النظام الفاعل للرعاية. ثم خلص إلى القول بأن لجان التعيين في إنكلترا لديها ثوابت ولا يستطيع حتى وزير الصحة التدخل فيها.
توقف المحاضر عن قانون هنري فايول الذي يتألف من خمس نقاط لابد منها لإدارة أية مؤسسة صحية سواء على مستوى الـ GP أو العيادة أو المستشفى وهذه النقاط هي:
1- التخطيط Planning
2- التنظيم Organising
3- التعليمات “الأوامر” Commanding
4- التعاون “التنسيق” Coordinating
5- السيطرةControlling
الإدارة العلمية
هناك خطوات معتمدة في الإدارة العلمية التي تستطيع أن تراقب عمل المنتسب وتقيّمه من خلال فترة عمله، وإنتاجه، وساعات التدريب وكل ما يفضي إلى معرفة نوعية هذا المنتسب الذي يجب أن يخدم المواطن ويضمن صحته في خاتمة المطاف. كما يجب النظر إلى كيفية توزيع الميزانية على هذا المستشفى أو تلك العيادة. أما المكافأة فهي قاعدة متبعة لذوي الأداء الجيد سواء من الأطباء أم من الممرضين أم من بقية طواقم العمل فالطبيب يُمنح مكافأة جدارة على شكل نقاط ترفع من راتبه. أما الموظف العادي فيُمنح إكرامية، فيما تحصل الممرضة على ترفيع يفضي إلى زيادة الراتب ويرفع من قيمتها المهنية.
وفيما يتعلق بالمدير الحداثي الذي يعاصر التطورات الراهنة فعليه أن يمتلك العديد من المحفزات التي تشجع المنتسب لأن يقدّم أفضل ما عنده من إمكانيات من أجل خدمة المريض الذي يجب أن يُعتبر عملة صعبة وعليهم تحسين صحته.
ساق المحاضر في هذا الصدد مثالاً في المرحلة الثانية من حكومة توني بلير حيث اقترح الدكتور الحسيني أن الاستشاري يجب أن يخرج إلى العيادات الشعبية أو عيادات الـ GP مرة واحدة في الشهر كي لا يدع المرضى ينتظرون لمدة ستة أو سبعة أشهر ويروا الطبيب الأخصائي كي يقللوا الفجوة الموجودة بين المرضى والأخصائيين. وحينما اقترب موعد الانتخابات أدركوا الفكرة بسرعة وأكتشفوا أنها قد تكون جذابة للمواطنين ويتفاعلون معها بقوة لذلك أرسل مستشاره إليه طالباً منه مقابلته حيث وجّه له العديد من الأسئلة وبعد شهر وجد الحسيني أفكاره في طريقها إلى برنامجهم أو بيانهم الرسمي، وهذه الإجراءات كلها من أجل الحصول على رضا المواطن.
ثم تطرق الحسيني إلى محنة المواطن العراقي الذي يسكن في أحياء غارقة بمياه الفيضانات، وتفتقر إلى المجاري الصحية، كما أنهم يشربون الماء الخابط. وعندما يقترب موعد الانتخابات يأتيه مرشح برلماني لكي يعطيه بطانية أو أي شيئ آخر من دون أن يتعامل معه تعاملاً حضارياً وإنسانياً كما هو الحال في الدول المتقدمة.
نوّه الحسيني إلى أهمية أمان المريض والكادر الطبي أيضاً، فحينما يتعالج المريض يجب ألا يتعرّض إلى أمراض إضافية أخرى وهذا جزء أساسي ضمن السياسة المطلوبة للبناء الصحي في البلد سواء في العراق أم في إنكلترا أو أي بلد آخر. وربما يكون فرق الدول المتطورة عنا هو في جدية أعضاء المؤسسات المستقلة أو بعض اللوردات في مراقبة أداء المؤسسات الصحية في مناطقهم كي يكتشفوا نقاط الخلل أو ضعف الأداء في تقديم الخدمات الصحية للمواطنين.
الجهاز الصحي في العراق
يعتمد الجهاز الصحي في العراق على وزارة الصحة التي تُصدر الأوامر ثم توزعها على رؤساء الصحة في المحافظات. بينما تعاني هذه المحافظة أو تلك من بعض الأمراض المعدية. ذكر الحسيني بأنه في إحدى زياراته للعراق لاحظ أن مرض التدرن الرئوي مستشرٍ جداً في محافظة ميسان، ويُفترض أن يكون هذا المرض من الأمراض النادرة في بلد يتوفر على أوضاع صحية سليمة. وحينما دقق في الموضوع تبين له أن المحافظة كلها لديها جهاز واحد لأشعة الصدر، بينما تستطيع هذه المحافظة أن تشتري بضعة أجهزة وتضعها على عجلة كبيرة تتجول بين المواطنين لتشخيض مرض التدرن الرئوي المنتشر بين سكان المدينة، ذلك لأن عصيات السل تمتلك قدرة كبيرة على مقاومة المضادات الحيوية. نصح الحسيني بتوفير أجهزة الفحض الشعاعي، وإرسال الأطباء في دروات إلى بريطانيا أو أية دولة أخرى أو حتى إلى بغداد كي ينقذوا الناس البسطاء من هذه الأمراض الفتاكة.
أشار الحسيني إلى بعض الشركات الكبرى التي تبرعت بأن تغطي محافظة ميسان بأجهزة الأشعة ولكن المسؤولين العراقيين يردّون على هذه الشركة أو تلك بأنهم لا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً ولكنهم لا يجدوا حرجاً في القول: “ابعثوا لنا قيمة هذه الأجهزة نقداً ونحن نتصرف بها!”.
ذكر الحسيني بأن العراق كان يعتبر من البلدان المتطورة صحياً وقد استذكر بعض أوقات تدريبة في مستشفى مدينة الطب في بداية السبعينات حيث كان المرضى المصريون والخليجيون والأردنيون يقصدون العراق لغرض العلاج لأنه كان يتوفر على أفضل رعاية صحية بينما يذهب المرضى العرب إلى بيروت أو دبي، أما الأغنياء أو ميسورو الحال فيمكن أن يذهبوا إلى أي بلد أوروبي لغرض العلاج.
انتقد الحسيني عدم قدرة وزارة الصحة على جذب الأطباء العراقيين المقيمين في الخارج حتى على مستوى أستاذ زائر أو استشاري زائر يمكن أن يذهب كل ستة أشهر ويبقى في العراق مدة أسبوعين في الأقل على أن تهيئ له الوزارة شقة سكنية مريحة ومكان محدد وأمين لمعاينة مرضاه وتقديم العلاج لهم. وهذا الإجراء يضمن بقاءه على تواصل مع الأطباء المحليين وأن يجسِّر الهوة بين الأطباء العراقيين الذين غادروا بلدهم وبين أطباء الداخل الذين رابطوا هناك. ربما تحتاج هذه العملية لأن يجلس بعض العقلاء ويضعوا خطة متقنة يقنعوا بها المسؤولين العراقيين على مستوى الوزراء أو البرلمان كي ينجزوا هذه المهمة الصحية والحضارية في آنٍ معا. كما يفتقر العراق إلى تقنين لنقابة الأطباء الذين يطلبون منهم الرسوم فقط، ولا توجد لديهم جهات تتابع الطبيب وتسأل عن دوراته أو فترات تدريبه بينما في إنكلترا يتابعون كل صغيرة وكبيرة تخص الطبيب مثل دوراته، تدريباته، أبحاثه التي يواكب من خلالها آخر التطورات الطبية والعلمية كي يضمن أفضل علاج للمواطن الذي يعتبر قيمة علياً كما أشرنا سابقا. ما تفعله الشركات الكبرى في العالم حتى وإن كانت تجارية وليس طبية فقط هو أن تبعث استشاريين لكي يشرفوا بأنفسهم على المشاريع المطلوبة وأن يقدموا المقترحات للشركة منبِّهين إياهم على ما ينفعهم ويضرهم حتى في أدق التفاصيل المالية. لقد ترك بعض الأطباء العراقيين عوائلهم في البلدان الأوروبية وغامروا بالذهاب إلى العراق ومكثوا هناك مدة شهرين أو ثلاثة وحينما عادوا لم يكلف المسؤولون العراقيون في الداخل أنفسهم على الرد على هواتف الأطباء المغتربين فكيف يرجع النظام الصحي في العراق إلى سابق عهده ليجذب المرضى العرب في الأقل كي يتلقوا العلاج في مستشفياته بدلاً من الذهاب إلى بلدان أخرى؟
ذكر الحسيني بأن التنسيق مفقود بين الجامعات العراقية والمؤسسات الصحية بينما في إنكلترا لا تستطيع أن تُحصي الاجتماعات المشتركة بين الجامعات والشركات المصعنة للأدوية التي تتابع الأطباء وتحول أبحاثهم ودراساتهم إلى أدوية ليس الهدف منها الربح وإنما لخدمة المواطنين وإنقاذهم من الأمراض المستعصية التي تسبب لهم الآلام الكثيرة وخاصة أمراض الروماتيزم والقلب وعجز الكُلى وما إلى ذلك.
تغيير وجه العراق
لتغيير وجه العراق الجديد لابد من إتباع سبع نقاط أوردها الدكتور الحسيني كالآتي:
1- زيادة السكان: حيث أصبح نفوس العراق 35 مليون نسمة يحتاجون إلى رعاية صحية ونفسية خصوصاً وأن الكثير من أطفال العراق قد تعرضوا إلى صدمات عديدة جراء الحروب والإرهاب وعمليات القتل المتواصلة وعلينا أن نفكر بهؤلاء الأطفال الذين سوف يكبرون بعد خمس عشرة ويواجهون الحياة بهذا الحمل الثقيل من الصدمات النفسية.
2- النظام السياسي: ركّز المحاضر في هذه النقطة على ثلاثة محاور وهي تطوير الديمقراطية، والفساد الذي أصاب العراق ما بعد الحروب المتعددة، وضرورة حصر المشاكل وتقييدها.
3- تطوير اقتصادي سريع في مختلف مناحي الحياة.
4- استقطاب العقول المهاجرة وتشجيعها على العودة إلى الوطن خصوصاً وأن العديد من الكفاءات العراقية تريد العودة إلى وطنهم وتقديم الخدمات لأبناء شعبهم.
5- وسائل إعلام حرة ومفتوحة.
6- شبكات إليكترونية بما فيها التليكلينيك.
7- إطالة أعمار المرضى المصابين بالسكري والربو وأمراض القلب والتهاب المفاصل.
الأولويات الصحية
توقف المحاضر عند ست أولويات صحية يراها ضرورية وهي على التوالي:
1- صحة الأطفال الجسدية والذهنية مع مراعاة الزيادة الحاصلة في عدد الأيتام.
2- صحة النساء من الناحيتين البدنية والذهنية والاجتماعية مع التركيز على العدد الكبير للأرامل جراء الحروب وعمليات الإرهاب والقتل المتواصل في العراق.
3- صحة الشباب والتركيز على تربيتهم، وتعيينهم في الوظائف، ومتابعة حالاتهم النفسية، وتهيئة أوقات المتعة والترفيه لهم.
4- قضايا الأنماط الحياتية التي تتعلق بالسمنة المفرطة والتدخين والمخدرات والرياضة والشبكات الاجتماعية الإليكترونية والمشكلات السلوكية.
5- كبار السن وما يعانونه من أمراض مزمنة، وسرطان، وإعاقة بسبب آلام المفاصل والمشكلات المتعلقة بالعمود الفقري.
6- إصابات الحروب وما ينجم عنها من إعاقات بدنية ونفسية.
مشاريع قصيرة الأجل
1- السيطرة على الأمراض المستوطنة كالملاريا والبلهارزيا والتدرن الرئوي والربو والسكري والإسهال عند الأطفال وأمراض الصدر والحمْية وأمراض النساء.
2- السيطرة على الأمراض طويلة الأمد مثل أمراض القلب وضغط الدم والربو والسكري والفشل الكُلوي وتشخيص السرطان وعلاجه وخصوصاً سرطان عُنُق الرحم والصدر.
3- العيوب الوراثية وتنقية الطبيعة.
4- المعالجات الوقائية.
الإفادة من العقول المهاجرة
أوجز الدكتور علاء الحسيني القسم الأخير من محاضرته بالتركيز على الإفادة من العقول والمواهب المهاجرة بست نقاط وهي:
1- القوانين الوقائية.
2- تسهيلات لزيارات الخبراء.
3- مراكز متخصصة: استقبال وتحفيز بطريقة مرنة.
4- توأمة مع المراكز الرئيسة المعروفة.
5- منظمات خيرية غير نفعية.
6- مجموعات متطوعة للرعاية الصحية المختصة بالأطفال والنساء ومجموعات متخصصة بالرعاية للمصابين بالسكري وآلام المفاصل والسرطان والمخدرات والبدانة وما إلى ذلك.
وفي نهاية الأمسية أثار الحاضرون عدداً من الاسئلة المهمة وهم د. عبدالله الموسوي، د. عالية الحمداني، الأستاذ غسان الخفاجي، د. محمد علي زيني، الأستاذ نديم العبدالله، الأستاذ غانم جواد، د. إحسان الحكيم والأستاذ أحمد الكاتب.