استضافت مؤسسة الحوار الانساني بلندن يوم الاربعاء 24 تموز/يوليو 2019 الباحثة العراقية د.فاتنة الهاشمي في امسية ثقافية سلطت فيها الضوء على المجالس الادبية في بغداد. د.فاتنة الهاشمي، طبيبة بيطرية وباحثة علمية، كرمت من رئيس الوزراء بدرع الثقافة والابداع، عملت مديرة الاعلام في الشركة العامة للبيطرة، ومسؤولة العيادة الخارجية في المستشفى البيطري في بغداد، وتفرغت بعد تقاعدها للبحث والكتابة، صدر لها كتاب (عالم الكلاب) وكتاب (قصر شعشوع)، كما كتبت العديد من المقالات والبحوث، وقدمت العديد من الاماسي الثقافية في المجالس الثقافية في بغداد : المقدمة لقد تناولت السيدة الهاشمي في بدء حديثها بالتعريف بالعديد من المنتديات والمجالس الثقافية العاملة في بغداد، معرفة بالقائمين عليها او من يديرها، ومكان المجلس، وطبيعة انعقاده ان كان اسبوعيا او نصف شهري او شهريا. ومن المنتديات والمجالس التي ذكرتها : منتدى الصدر الثقافي مجلس مكتبه الجوادين مجلس او منتدى الربيعي الثقافي دار المعرفة المندائي مجلس رابطة المجالس البغدادية الثقافية مجلس ملتقى حسين الاعظمي الثقافي مجلس الجواهرية الثقافي مجلس الشعرباف الثقافي مجلس الغبان الثقافي مجلس الدكتورة امال كاشف الغطاء الثقافي مجلسة المخزومي الثقافي مجلس رواق المعرفة الثقافي مجلس الصفار الثقافي كذلك تناولت د.فاتنة الهاشمي مجموعة من المنتديات والمجالس العراقية القديمة التي نشطت مطلع القرن الماضي بالحديث والتعريف مثل: منتدى الاب انستاس ماري الكرملي منتدى الاديب والشاعر العراقي مير البصري مجلس الشيخ احمد الظاهر مجلس الدكتور حسين علي محفوظ مجلس الشيخ جلال الدين الحنفي مجلس شرقية الراوي مجلس عفيفة اسكندر الثقافي تاريخ المجالس الادبية في بغداد إذا اجتمع العلم والجمال في مكان فاعلم أنها بغداد، هكذا يقول مبدعوها، فعلى ضفتي دجلة وعلى جانبيها الكرخ والرصافة كانت تعقد المجالس الأدبية في بيوتات بغداد القديمة، وكانت لها مواعيد زمانية ومكانية ثابتة، حيث تقام فيها جلسات نقاشية فكرية اجتماعية وأدبية وسياسية ودينية. ويمتد تاريخ هذه المجالس إلى العصر العباسي الذهبي، ولم يكن يخلو قصر أو جامع آنذاك من هذه المجالس التي يتسامر فيها الأدباء والشعراء مع الأمراء والأعلام من أهالي بغداد وذلك عندما كانت المدينة قبلة العلماء والشعراء والفقهاء والأدباء يأتون إليها من كل حدب وصوب. وتتنوع المجالس من كل صنف ولون، فمنها مجالس المقاهي حيث كان للشاعر معروف الرصافي مجلس في مقهى “الشط” بمنطقة المصبغة يعرفه كل أهالي بغداد، وكانوا يصفونه بـ”الحافل بالفكر والأدب والسياسة والشعر” يجتمع فيه علية القوم ووجهاء الشعب وعامته. وتضاف إلى تلك المقاهي المجالس المجتمعية التي كانت تعقد في البيوت أو في الجوامع، حيث كانت لعلماء الدين أيضا مجالسهم الحافلة بالأدب والشعر والقصص، بالإضافة إلى العلوم الشرعية، ومن أبرزها مجلس آل الصدر في مدينة الكاظمية ومجلس منتدى الإمام أبي حنيفة وغيرها. ويتداول العراقيون مثلا قديما يقول إن “المجالس مدارس” لما لها من تأثير على المجتمع بفئاته المختلفة، بل كادت أن تكون رديفة للمدارس والمعاهد في تلك الأزمان. ويحاول بعض المثقفين العراقيين اليوم لملمة ما فقدوه من رحيل للأعلام وهجرة العديد من المثقفين والكوادر العلمية من العراق، وذلك من خلال إقامة ندوات ثقافية بمبادرات فردية يتبنونها على نفقتهم الخاصة. ويشير بعض المتابعين، إلى أن بغداد؛ وحدها، كانت تضم أكثر من 200 صالون ثقافي خلال ثلاثينيات وأربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، يدير أكثر من ربعها يهودا كانوا المحرك الكبير للثقافة العراقية حينها. غير أن هذه الصالونات بدأت بالاختفاء واحداً تلو الآخر مع بداية الحرب العراقية الإيرانية عام 1980، من ثمَّ حرب الخليج الثانية، لتنتهي تقريباً في تسعينيات القرن الماضي مع انتهاء الحريات في تلك الفترة. عام 2003، كان عاماً فصلاً في حياة هذه الصالونات، فقد بدأ بعضها بالظهور للعلن، وأنشئت صالونات جديدة في محاولة من القائمين عليها لضم الأصوات الشابة من جهة، واستقطاب الشيوخ المهتمين بالشأن الثقافي، الذين لديهم حافظة كبيرة، لتبدأ كأماكن للاستذكار، وتنتهي بتقديم النماذج الجديدة من الكتاب العراقيين. المجالس الادبية الحديثة من جديد عادت هذه المجالس مؤخرا، وبرز من بينها مجلس الصفار ومجلس الشيخ المنصور، بالإضافة إلى المركز الثقافي في شارع المتنبي، وتأسست رابطة تعنى بشؤون هذه المجالس هي رابطة المجالس البغدادية ويرأسها صادق الربيعي. مكتبة ومتحف وعلى غرار المجالس الأدبية العريقة تبنت عائلة البغدادي الإرث الذي كانت تضمه تلك المنتديات من علم وثقافة وتجربة لتعيد إحياءه مجددا ولكن بقالب آخر، حيث أسس طالب البغدادي مجلسا في منطقة الأعظمية ببغداد عام 2016، أذ يسعى من خلال ذلك إلى تعميق الثقافة ونشر الوعي في المجتمع. كما أنه يعمل جاهدا على أن يكون مجلسه موسوعيا يضم جميع العلوم والفنون والتاريخ ما عدا الخوض في السياسة والدين بسبب الوضع الحساس الذي يمر به العراق. ويضم المجلس البغدادي مكتبة ومتحفا يتضمن تحفا بغدادية، وهو امتداد لمجلس قديم كان البغدادي قد أسسه مع أخيه في ثمانينيات القرن الماضي عرف وقتها بـ”المزاد البغدادي”، وكان عبارة عن ندوات تقام لتعريف الحاضرين والزبائن بالقطع الأثرية النادرة وتاريخها. ويسعى مؤسسو المجلس البغدادي إلى تطوير المشروع، حيث يأملون بأن يجعلوه مكتبة كبيرة تحوي مئات المجلدات والدراسات لمساعدة طلاب الدراسات العليا والجامعات ومحبي القراءة من أجل تشجيع ثقافة المطالعة التي انحسرت في السنوات الأخيرة، كما يؤكد مدير المؤسسة مقداد البغدادي . أقدم المجالس البغدادية يؤكد عادل المخزومي على أن مجلس المخزومي الثقافي هو أقدم مجلس في بغداد، فقد تأسس عام 1882، معتمداً على قصيدة ذكرها الشيخ جعفر محبوبة في كتابه «ماضي النجف وحاضرها» ج2/307، وهذا التاريخ؛ حسبما يقول المخزومي تاريخ ترميم، بمعنى أن المجلس كان قائماً قبل ذلك بكثير. أما عن الفعاليات التي يقوم بها المجلس، وعودة افتتاحه من جديد، يقول عادل المخزومي إن أهم تلك الفعاليات هي استذكار الرموز العراقية والإسلامية ممن قدموا عطاءهم لبناء حضارة العراق والمسلمين، معتبراً ذلك جزءاً من الوفاء الذي يستحقون. أما المحور الثاني فيستضيف المجلس العلماء ليلقوا محاضراتهم ضمن اختصاصاتهم العلمية، فالطبيب يتحدث عن الطب، والكيماوي عن الكيمياء، والمؤرخ عن التاريخ و غير ذلك. وفي سؤالنا عن الهدف الرئيس لإقامة هذه الفعاليات، يجيب المخزومي بأنها محاولة لتقديم جزء من الوفاء لهذه الشخصيات. رابطة المجالس الثقافية البغدادية خلال السنوات الماضية تأسست رابطة المجالس الثقافية البغدادية، وقد ترأس هذه الرابطة صادق الربيعي، رئيس مجلس الربيعي الثقافي، وتشير الهاشمي الى ان الصالونات الأدبية ظاهرة قديمة منذ بداية القرن الماضي، إذ كانت الجلسة تقام في صالون أحدهم، أي الديوان الخارجي للبيت، وهو ما يعرف بـ(البراني) وكان أحدهم يلقي قصيدة أو يطرح موضوعاً للنقاش، مبيناً أن هذه الشخصيات كانت في أغلبها معروفة، إما دينية أو وطنية أو سياسية أو جهادية. هذه الصالونات تقام في بيوتات وعوائل معروفة وعريقة أمثال، بيت ابو التمن، وبيت الجادرجي، وبيت الشبيبي، وبيت الحبوبي وقد كثرت في بغداد ومناطق الفرات الأوسط. مضيفاً أنه بعد منتصف الخمسينيات من القرن الماضي أصبحت هذه الصالونات على شكل مجالس وكذلك لشخصيات معروفة، إذ كانت أوائل المجالس حينها مجلس الشعرباف في الكرادة الشرقية وسط بغداد، ومجلس هبة الدين الشهرستاني في الحضرة الكاظمية، ومجلس الغبان في شارع فلسطين. أما عن المهتمين بالحضور لهذه المجالس، فتذكر د.فاتنة الهاشمي إن أغلبهم من الشعراء والباحثين والفنانين، غير أنها بدأت بالاتساع رويداً رويداً إلى أن أصبحت في تسعينيات القرن الماضي خمسة إلى سبعة مجالس في بغداد فقط منها، الشعرباف والخاقاني والمخزومي وآل محيي الدين والغبان ومجلس بغداد التابع لأمانة بغداد. وصولاً إلى عام 1997 إذ افتتح مجلس الربيعي رسمياً، بعد أن كانت جلساته عشوائية ومختصرة على الموضوعات الدينية والوطنية، إذ أصبح له موعد وهو يوم الثلاثاء من كل شهر، وأخذ بالاتساع والشهرة وتصدر في محاضراته ومحاضريه وكثر رواده. وتشير فاتنة الهاشمي الى ان بعد عام 2003، أغلقت أغلب المجالس الأدبية بسبب سوء الأوضاع الأمنية، وخوفاً على رواد المجالس من العلماء والباحثين لكي لا يصيبهم أذى، لكن بعضها اصر على الاستمرار مثل منتدى الربيعي الذي بقي في تلك الحقبة العصيبة يعمل ولم يغلق بابه، ليظل الوحيد في الشارع الثقافي العراقي حتى عام 2007، إذ بدأت من هذه السنة سلسلة افتتاح المجالس الثقافية، ليفتتح حينها مجلس الصفار ومجلس أور ومجلس الشيخ المنصور ومجلس وائل عبد اللطيف ومجلس صفية السهيل ومجلس العكيلي ومجلس حي تونس ومجلس آمال كاشف الغطاء ومجلس رواق المعرفة ومجلس جمعية مكافحة التدرن، حتى وصل عدد المجالس في شباط/فبراير 2010 إلى خمسة عشر مجلساً ثقافياً، لذا اجتمع عمداء ورواد المجالس في منتدى الربيعي وأسسوا رابطة تضم كل هذه المجالس وتعنى بها، وهي رابطة المجالس البغدادية الثقافية ومقرها الآن في الكرادة الشرقية، وتصدر لها مجلة موسمية باسم “المجالس الثقافية”. واجبات وممنوعات في الظروف التي يمر بها بلد مثل العراق، لا بد أن تكون هناك قوانين يشتغل عليها الجانب الثقافي، ربما من أوائل هذه القوانين هي الابتعاد عن الخطاب الطائفي والدعوة للفتنة والاقتتال، وعدم المس بالرموز الدينية التي يجب أن تكون محترمة من قبل الجميع. وفي المجالس الادبية البغدادية اليوم لا يوجد فيتو إلا على ثلاثة موضوعات: أولاً الطائفية، وثانياً السياسة الكتلية والفئوية والشخصية، وثالثاً الإباحية. هذه أمور ثلاثة عليها خط أحمر في المجالس الثقافية، أما الموضوعات التي تطرح فهي منوعة ما بين علمية فيزيائية مثل، الزلازل وأنظمة الفلك. والتاريخية أي تاريخ الشعوب والأمم. والجغرافية وتنوع التضاريس والبحار والجبال. والتربوية بخصوص التعليم ومشاكله والشباب والقيادة المستقبلية ومشاكلهم والمحاضرات التراثية كتراث العراق وحضارات الشعوب، وكذلك المحاضرات الطبية عن الأمراض والوقاية منها وعلاجها. أما الوطنية فتكون بطرح الثورات الوطنية العراقية ورجالاتها ومناطقها ونتائجها، مثل ثورة العشرين، وتطرح أحياناً محاضرات توعية مثل الوعي الانتخابي والوعي الأمني والوعي البلدي والوعي الصحي.