داعش وحلم الخلافة
صادق الطائي
أستضافت مؤسسة الحوار الانساني بلندن يوم الاربعاء 29حزيران 2017 عالم الاجتماع العراقي فالح عبد الجبار في أمسية ثقافية تحدث فيها عن حلم الخلافة وتداعياته السياسية المعاصرة وصولا الى اعلان خلافة داعش من الجامع الكبير في الموصل.
الدكتورفالح عبد الجبار،عالم اجتماع عراقي، غادر العراق عام 1978. عمل أستاذا وباحثا في علم الاجتماع في جامعة لندن، مدرسة السياسة وعلم الاجتماع في كلية بيركبيرك والتي كان قد حصل فيها على شهادة الدكتوراه. وقد عمل سابقا محاضرا في جامعة ميتروبوليتان – لندن، متخصص بدراسة الفكر السياسي والاجتماعي في الشرق الاوسط ،تتناول اعماله الدين ،دور القانون ،الصراع الديني والمجتمع المدني ،يكتب بالانجليزية والعربية ومن مؤلفاته العربية (مابعد ماركس؟- 2010) ، (العمامة والافندي :سوسيولوجيا خطاب وحركات الاحتجاج الشيعي –نموذج العراق- 2009) ، (في الاحوال والاهوال : المنابع الاجتماعية والثقافية للعنف-2008)، ( الديمقراطية المستحيلة الديمقراطية الممكنة- نموذج العراق-1998)،(التوتاليتارية- 1998) ،(معالم العقلانية والخرافة في الفكر السياسي العربي -1992) ، اما كتبه الصادرة باللغة الانجليزية : الحركة الشيعية في العراق (2003)، القبائل والسلطة في الشرق الأوسط (2002)، آيات الله والصوفيون والأيديولوجيون (2002)اما على صعيد الترجمة ،فله ترجمات يقف في مقدمتها ترجمته لكتاب رأس المال لماركس بثلاثة مجلدات.
الخلافة من رشيد رضا الى البغدادي
يوم اعتلى البغدادي بعمامته وجبته السوداوين، المنبر في الجامع الكبير بمدينة الموصل في 29 حزيران 2014، بعد شهر واحد من السقوط المدوي للمدينة، لم يخطر في باله انه يحقق امنية دعا اليها الداعية الاسلامي محمد رشيد رضا (ت أب-اغسطس 1935) في معمعان الصراع السياسي الدائر بين بعض ملوك العرب لاغتنام منصب الخلافة بعد قرار كمال اتاتورك بالغائها عام 1924. بالحرف الواحد يقترح رضا: ” اعلان الخلافة في الموصل لانها منطقة وسط بين العرب و الاتراك، الموصل المتنازع عليها بين العراق والاناضول و سوريا، و يكثر فيها العرب و الترك و الكرد” الخلافة في الفكر و التفكير الاسلامي المعاصر رمز تاريخ تليد مضيع و يوتوبيا بناء تاريخ مجيد قادم. انها الماضي والمستقبل في اتحاد مكين.
الخلافة والدولة
علة طلب الخلافة هي استعادة الدولة، واستعادة هذه الاخيرة شرط اساس لاستعادة الاسلام نفسه. من هنا تلازم فكرة الخلافة مع فكرة الدولة و تلازم هذه الاخيرة مع مطلب الاسلمة. لكن التنفيذ الآني لم يكن وليد الفكرة القديمة فحسب، بل نتاج مسار السلفية العراقية نفسها، نتاج الدخول العام للكادر العسكر-التكنوقراطي من الحقبة البعثية، الذي وجد في هذه الفكرة ملاذا، و منقذا من “الضلال” و الاهم من الانحسار و النسيان.
الخلافة مكون من مكونات الايديولوجيا الاسلامية سافر او مضمر، وهو اساسي راهن عند البعض ومرجأ عند البعض الآخر. الحلم بعودة الخلافة في الجناح السني او عودة المهدي في الجناح الشيعي فكرة قديمة وحلم متكرر، ينبجس احياناعلى حين غرة، خارجا من اسر العقائد والعبادات ليطغى على ميدان السياسة اليومية المباشرة، كما لو ان هذا الدخول يأتي احيانا من ثنايا العدم.
الواقع ان هذا الموروث الدفين في التراث الديني ما قبل الاسلامي، و المستمر بعده، هو واحد من السمات المشتركة بين كثرة من العقائد. فكرة (المخلص-المنقذ) و عودته في آخر الزمان او قبيل آخره تنتمي، شأن فكرة عودة الخلافة، الى النسيج الميثولوجي الماثل بقوة الى جوار الثقافة الدينية-الابجدية في الماضي، و كلاهما متعايشان الى جوار الثقافة الوضعية منذ اطلالة القرن العشرين.
التجليات الاساسية للفكرة
لعل ما يمنع التقاط التجليات السياسية لهذه الفكرة ان حقل المعرفة وتداول المعلومات وحرية البحث ناهيك عن حرية الجدل، حقل شبه مغلق او لا حراك فيه. فكرة استعادة الخلافة اخذت تتواتر منذ مطلع القرن العشرين بصيغ شتى و في ظروف متباينة و لأغراض متعارضة اثباتا او نفيا. هناك محطات رئيسية ينبغي المرور عليها: لعل الاسم الابرز الاول في القرن العشرين هو عبد الرحمن الكواكبي (ت 1902) وكتابه : أم القرى(1900)، يليه رشيد رضا (ت 1935)، كتاب الخلافة (مجلة المنار – 1932-24 مصر) ثم يليه علي عبد الرازق (ت 1967): الاسلام و اصول الحكم،(1924) و تقي الدين النبهاني (ت 1979)- حزب التحرير،(1953 كتاب نظام الحكم في الاسلام-)، و حركة جهيمان العتيبي (السعودية بدأت 1974 وانتهت بتمرد الحرم المكي 1979)، و بن لادن (1980) و اخيرا ثنائي ابو عمر البغدادي (2006العراق) و ابو بكر البغدادي (العراق-سوريا2014). نقول ان هذه محطات رئيسية و ليست كل المحطات مفصلة تفصيلا، و ما نعرضه هنا ان هو الا خيط عام تطوري لهذه الفكرة التي تهجع و لا تنام.
هل انتهى حلم الخلافة
هل يمكن القول: إننا الآن نعيش حالة ما بعد «داعش»؟ سؤال الأسئلة هذه الأيام بعد الهزائم المتلاحقة للتنظيم في مناطق التوتر بالعراق وسوريا بعد أن أعلنت الحكومة العراقية ولو بشكل استباقي إلى حد الآن نهاية التنظيم بعد هزيمته في الموصل وفرار عدد من قيادييه والأنباء المتضاربة بشأن خليفته المزعوم أبو بكر البغدادي. الإجابة عن هذا السؤال تفترض أسئلة أخرى لمحاولة فهم ما يحدث تبدأ بمعنى الهزيمة وطبيعة التنظيمات الإرهابية التي لطالما فاجأتنا منذ مرحلة أفغانستان ونشأة «القاعدة» ثم تحولها إلى تيار معولم وصولاً إلى ظاهرة «داعش» وتشظياتها لتتجاوز المسميات إلى الفكرة الأساسية وهي بقاء فعالية القتال المسلح بشعارات دينية وطائفية ضد الغرب تارة وضد الأنظمة مرة أخرى وضد نفسها.
من هنا تبدو معيارية الانتصار على جيوب إرهابية لهذا التنظيم أو ذاك يجب ألا تجعلنا نتسرع في الاغتباط بإعلان نهاية تنظيمات إرهابية أخبرنا الواقع منذ نشأتها الحديثة أنها قادرة على تجديد نفسها، وأنها وإن قمعت على الأرض؛ ما زالت فاعلة على مستوى أدواتها الإعلامية ومخرجاتها التعبوية على الإنترنت.
اليوم تشتغل التنظيمات الإرهابية على استراتيجية جديدة وهي فك الارتباط عن مناطق التوتر والانتعاش في مناطق لا يفكر فيها كعودة «القاعدة» و«داعش» إلى اليمن وانتشار الأخيرة في القارة الهندية والصومال وشمال أفريقيا ودول أميركا اللاتينية، ويمكن العودة إلى آخر إصدار من نشرة «النبأ» الصادرة عن ديوان الإعلام المركزي لـ«داعش» قبل أيام، لنلحظ انتقال الاستراتيجية الإعلامية في تغطية أحداث الولايات التابعة للخلافة المزعومة في مناطق التوتر إلى الحديث عن قيادات وتراجم لأسماء وأعلام في مناطق جديدة وهو ما يعني إيصال رسالة واضحة مفادها أن الهزيمة في مناطق التوتر ليست سوى خسارة الخلافة على الأرض، وإعادة تدشينها افتراضياً على مواقع الإنترنت وعبر الولاء العابر للحدود مسنودة بماكينة إعلامية ضخمة تنتج التقارير والمجلات والفيديوهات حتى بلغات غير حيّة لتأكيد انتشارها أمام خصومها وبهدف المزيد من عملية الاستقطاب والتجنيد، بالطبع والحديث هنا عن بقاء وضخ مجموعات وقيادات وكوادر فاعلة للتنظيم، أما الحديث عن الفكرة وبقائها فهو متصل بظروف وسياقات فكرية واجتماعية ما زالت عوامل إنتاجها أكبر بكثير من كل الفعاليات المضادة رغم الجهود الدولية الجماعية والفريدة لمكافحة الظاهرة.