أحلام اكرم
أثار تقرير الأمم المتحدة الذي ورد قبل يومين تحت عنوان ” العدالة للمرأة ” الكثير من الشكوك في العالم العربي حول توقيت التقرير.. وكما هي العادة احتلت نظرية المؤامرة في الذهنية العربية مركز الصدارة.. وترددت الأسئلة الفورية.. لماذا اختارت الأمم المتحدة هذا التوقيت ونحن في خضم انشغالنا بالثورات ضد الظلم والاستبداد.. ولماذا التركيز على حقوق المرأة ولماذا تحاول إظهار المرأة العربية بمظهر الخاسر الأكبر في كل ثوراتنا.. هل هي خطة لإحباطنا أم هي خطة للتخلي عن ثوراتنا ؟؟؟
تطرق التقرير للمشاكل التي تعاني منها المرأة في المجتمعات النامية.. والتي تحد من تطور المجتمع وتقدّمه وتصيب عملية التقدم بالشلل التام.. فالمرأة وفي معظم المجتمعات تمثل 50% منها.. وهي حجر الأساس في التنمية الإنسانية والاجتماعية لكل المجتمعات.. فمسؤوليتها عن ثقافة وتطور الجيل الجديد تتعدى مجرد وجودها في المنزل لتلبية الحاجات الطبيعية التي تتطلبها رعاية أسرتها.. ولكن ما تغفل عنه العديد من الدول النامية هو أن حماية حقوقها وحماية كرامتها الإنسانية هي مفتاح تربية جيل سوي قادر على مواجهة الحياة بإحساس جديد ومسؤولية مشتركة.. في عالم منفتح الحدود..
تحدث التقرير عن نسبة النساء العاملات في المجتمعات.. وأن عدم وجود أو انعدام قوانين عمل واضحة لحماية المرأة تضع المرأة في وضع غير صحي نفسيا حين لا تأمن على وظيفتها خاصة حين تكون العائل الوحيد لأطفالها، وأن احتمالات تعرضها للفصل التعسفي حماية لوظيفة الرجل يعرضها لعدم الشعور بالأمان ويضاعف من خوفها من الرجل والعمل على طاعته.. إضافة إلى تدني أجرها بنسبة 30% عن أجر الرجل..
أيضا “” وكما يحدث في العديد من الدول العربية “”.. حرمانها من العمل بتأثير ثقافة معينة الهدف منها حمايتها ولكنها قاصرة عن رؤية العواقب النفسية التي تواجه المرأة حين تصبح عاله على الرجل.. “” الابن والأخ والزوج والأب “”.. ولا تستطيع العمل إما تحت تأثير تلك الثقافة أو لحرمانها من التعليم.. والأهم أيضا أن تربيتها في ظل ثقافة تمنعها من تحقيق ذاتها ولكن هذه الثقافة أيضا ترفض مساواتها مع الرجل بحيث وفي حالة طلاقها تحصل على ملاليم مؤخرها يهز من كيانها النفسي والمعنوي ويجعلها مرة اخرى طيّعة لرغبات الرجل..
أهمية تعليم المرأة حتى لا تصبح عالة على الرجل مهما كانت قرابة هذا الرجل.. وكما ورد في تقارير سابقة من السعودية تؤكد ارتفاع نسبة الأمية بين النساء في بلد يعتبر من أغنى دول العالم في الدخل القومي كما وأكدت تقارير سابقة بأن نسبة الأميات في سوريا تجاوزت 60%..وبالتأكيد تتفاوت هذه النسبة من دولة عربية إلى أخرى والكن للأسف الأمية لا زالت موجودة !!!
الأمر الآخر في التقرير هو مشكلة العنف الأسري.. وهو موجود في كل المجتمعات فلقد أورد التقرير هناك ملايين النساء اللواتي يعشن في دول لا تعتبر العنف ضد المرأة جريمة.. ولكن المشكلة التي تواجه المرأة في العالم العربي.. أن هذا العنف مرخص له دينيا بحيث ترسّخ في الثقافة العربية بأن المرأة بحاجة إلى تأديب.. إضافة إلى تبريره المستمر من فقهاء الدين.. وأكبر الأمثلة على ذلك دخول القرضاوي قبل سنوات في حوار من أجل تبريره في هولندا بأن يكون خفيفا لا يؤذي ولا يترك أثرا.. وغيره من التبريرات التي ترخّص لجميع ذكور العائلة بأن يمارسوا العنف ضد المرأة بحيث تتربى الابنة في جو ملئ بالعنف تمهيدا لتقبله صاغرة في حياتها القادمة ؟؟؟
لقد أثبتت تقارير رسمية سابقه بأن هناك أكثر من 7419 حادث عنف تعرضت له المرأة الجزائرية خلال عام 2010.. إضافة إلى النتائج التي قامت بها إحدى المنظمات السعودية والتي اكدت بأن 93 % من السعوديات يتعرضن للعنف من ازواجهن.. وان هناك انتشار واسع لكل أنماط العنف الأسري كالعنف اللفظي والجسدي والاجتماعي والصحي والإهمال تتعرض لها المرأة السعودية.. والأدهى هو ما كشفه تقرير أردني سابق بأن 80 % من النساء في الأردن يقبلن بالضرب من أزواجهن.. هذا العنف الذي يجد مبرراته عوّدت المرأة على الخنوع والاستسلام مما أنشأ لديها نوع من ردة الفعل السلبية تجاه كل ما حولها وقتل عندها روح التساؤل والتمرد وفضلت التعايش مع الأمر الواقع والدليل أن هناك العديد من النساء اللواتي يتعرضن للضرب والإهانة وحتى الاغتصاب ومع ذلك لا يقمن بالإبلاغ خوفا من الفضيحة وخوفا من القتل.. إن قبول المرأة بالأمر الواقع وعدم شعورها بالظلم يربي عندها نفسية غير سوية وغير قادرة على تربية جيل سوي جديد بل مرة اخرى تربي في الذكر الإحساس بالفوقية وتربي في الأنثى الإحساس بالدونية وتستمر دائرة العنف..
العنف أيضا يأخذ أشكالا أخرى في البلاد العربية.. مثل قتل المرأة في جرائم الشرف.. وفي تزويجها رغما عن إرادتها.. وفي تعدد الزوجات والطلاق التعسفي.. ثم الاستيلاء على نصيبها من إرث أبويها.. وخوفها من اللجوء إلى القضاء.. والملفت للنظر أن العنف بأشكاله (النفسي والجسدي) الممارس على المرأة والذي يجد مبرراته كما ذكرت سابقا.. بحيث أنه يمنع رجال الأمن من التعاون مع المرأة إذا ما تقدمت ببلاغ.. وفي كثير من الأحيان تعود المرأة إلى بيتها خوفا وسترا للفضيحة.. وهو شكل من أشكال التمييز ضدها..
اما بالنسبة لزواج القاصرات والذي ذكرة التقرير.. وهو أيضا موجود في بعض الدول النامية الأخرى.. ولكن أثبتت التقارير الواردة من الدول العربية بأن تفشي ظاهرة زواج القاصرات موجودة في العديد من الدول العربية.. وتتفاوت الأسباب لتزويج القاصرات من دولة إلى اخرى.. ففي مصر تزداد وتروج هذه الظاهرة خلال موسم الصيف حيث تعمل بعض الأسر الفقيرة على تزويج الإبنة القاصرة لأغنياء الصيف القادمين من الدول النفطية الغنية هربا من الفقر. بينما يعمل بهذه العادة بكثرة في اليمن.. وأعتقد أن زواج بعض رجال الدين بفتيات أصغر منهن كما في زواج الشيخ القرضاوي بالطفلة أسماء التي يكبرها بستين عاما وتصغر أحفادة في العمر.. يمنع من الحد من هذه العادة القبيحة لأنه يبرر في العقل العربي التمّثّل بهؤلاء وإعتبارهم قدوة صالحة.
ثم ذكر في التقرير حرمان المرأة من الوصول للمراكز القيادية.. سواء في المجالس البلدية أو في المراكز السياسية.. وأعتقد أن العديد من الدول العربية وإن عمدت إلى عملية تجميلية بإعطاء المرأة مثل هذه الفرصة سواء بمرسوم ملكي أو أميري أو بالإنتخاب.. تبقيها وفي كثير من الأحيان مجرد مظهر خارجي ولا تعطيها صلاحية أو إستقلالية في أي من قراراتها ( نظرا لغياب الديمقراطية الحقة ) فما زالت المرأة رغم وصولها إلى مراكز القرار ورغم دخولها البعض من مجالات التكوين الاجتماعي تعاني من الاضطهاد والقمع والتمييز لدرجة أنها فقدت الثقة بنفسها كعضو فاعل وخوفها الدائم من الفصل.. والمؤسف بأن الأقلية من النساء اللواتي وصلن إلى بعض من هذه المراكز القيادية.. لا يعطين الوقت والجهد الكافي لمساعدة المرأة الأخرى للنهوض.. واحيانا يعملن على تحجيم الأخريات وخاصة المنافسات منهن.. مما يؤكد المثل القائل بأن المرأة عدوة نفسها..
أما في موضوع المساواة بين الجنسين.. فالعديد من الدول العربية تنتهك توقيعها على الإتفاقية العالمية المناهضة للتمييز ضد المرأة..فالثقافة التي ربت المرأة على أنها مخلوق ناقص الأهلية وكرّست من خلال وسائل الإعلام ومناهج التعليم على دونيتها وفرضت عليها الولاية في كل أمورها بحيث لا تستطيع إخراج شهادة ميلاد لإبنها بدون موافقة ولي الأمر.. لهي ثقافة جذّرت لعدم المساواة. ولقد تعرضت السعودية لإنتقاد شديد في مؤتمر جنيف قبل سنوات بسبب عدم المساواة.. والمثل الأكبر على ذلك حرمان المرأة السعودية من قيادة السيارة بينما وبالطبع يتمتع الرجل بهذا الحق بدون أي سؤال.. إضافة إلى أن عدم السماح للمرأة بمنح جنسيتها لأولادها من زواجها برجل من جنسية أخرى هو أكبر مثال على محاباة معظم القوانين المعمول بها في المنطقة العربية للرجل.. فالمرأة ترث النصف وشهادتها النصف وديتها النصف… برغم أنها النصف الأساسي في أي مجتمع !!!
تعددت الأسئلة ولكني أعتقد أن الإجابة واضحة.. محاولة الأمم المتحدة لفت الإنتباة إلى قضية المرأة التي تعتبر حجر الأساس في التحول الديمقراطي.. خاصة ونحن نشاهد يوميا بأن أي من هذه الإنتفاضات العربية لم تثمر حتى الآن بتعديلات دستورية واضحة في موضوع حقوق المرأة. فلا يزال المد والجزر في المواد الدستورية يراوح مكانه..
حقيقة أن البعض يزعم بأن المرأة تعامل كمواطن كامل الحقوق والواجبات في القانون ولكن الحقيقة والواقع يؤكدان أنها تعامل كمخلوق ناقص الأهلية في مواد هذا القانون.. وأن هناك تناقضا صارخا ما بين الدستور والقوانين المعمول بها.. فبينما تنص بعض مواد الدستور على المساواة ( اللفظية والشكلية ) في الحقوق تخضع المرأة لقانون الأحوال الشخصية المستمدة من أحكام القوانين العثمانية التي عفا عليها الدهر وشرب..والمستمدة من قوانين الشريعة الإسلامية.. فعلى سبيل المثال.. الدستور الذي منح المرأة أخيرا الحق في أن تكون قاضية تصدر أحكاما على الرجل.”” وهم قليلون جدا في المنطقة العربية “”.. لازالت هذه المرأة لا تؤتمن على شهادتها وبحاجة لشهادة إمرأة أخرى.. لتكون مساوية لشهادة رجل واحد ربما يكون في مستوى أقل من كلاهما علما وثقافة.. إضافة إلى حرمانها من الوصاية على اولادها حتى وإن كانت هي المتكفلة بهم ماديا.. وبينما وقعت العديد من الدول العربية على الإتفاقيات الدولية التي تنادي بالمساوة بين الجنسين.. لا زالت معظم الدول العربية تعتبر المرأة ناقصة الأهلية وبحاجة إلى ولي ليأذن لها بالسفر. أو الزواج.. إضافة إلى حرمانها من الحق في الترشح والإنتخاب في بعض الدول الخليجية..
إن غياب دور فعال للمرأه والإنتهاك المستمر لحقوقها وتبرير ظلمها هو أحد أسباب ظاهرة العنف المتفشيه في المجتمعات الإسلاميه والعربية.. وأن ظلم المراه له أثر على تكوين مجتمع يتسم بالعنف ويقبله وأن تراكمات هذا العنف تؤدي حتما إلى الكثير من أشكال الإرهاب. نعم إن المنطقة العربية مقبلة على تسونامي من الثورات الفكرية لإعادة تاهيل المجتمعات العربية قبل أن تترسخ الديمقراطية.. والمفتاح هو المرأة…
باحثة وناشطة في حقوق الإنسان